قواعد الفكر الإخواني (19): تكوين وتعبئة الأفراد

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (19): تكوين وتعبئة الأفراد


02/04/2018

قدّم تنظيم الإخوان نفسه، لجمهوره وللناس، باعتباره جماعةً تربويةً دعوية، معنيّة بتزكية أفراد المجتمع على أسس إسلامية تؤمن بحرية التعبير واحترام الاختلاف، لكن الجماعة في الواقع قَوْلبت أعضاءها بأيدلوجيا التنظيم باسم الدين، فلا تكاد تلمح فارقاً بين نموذج وآخر منهم، بفعل مناهج تربوية صارمة لتكوين وتعبئة الفرد الإخواني.

صناعة أسطورة البنا

خضعت عملية التكوين وتربية الأعضاء داخل الجماعة لمراحل متعددة؛ بدأت مع تصميم حسن البنا لإطار فكري وسلوكي، حاول أن يطبع أعضاء الجماعة به، عبر تصور تضمّنته رسائله التي جمعت تحت عنوان "رسائل حسن البنا"، التي تنوّعت موضوعاتها بين مواعظ دينية، مباشرة أو غير مباشرة، أو موضوعات سياسية محضة، تم إلباسها لبوس الدين والتأكيد على إسقاطها على الواقع الحالي، مع تركيز بالطبع على تعظيم جانب الحكم الذي تأتي كلّ الموضوعات الأخرى خادمة له، ومركّزة عليه.

في البداية كان السياق التربوي أقرب إلى الصيغة الصوفية التي بدأ بها حسن البنا تأسيس جماعته

في البداية؛ كان السياق التربوي أقرب إلى الصيغة الصوفية التي بدأ بها حسن البنا تأسيس جماعته، وطبعت سلوك جماعته في العقد الأول من نشأتها؛ بمعنى أنّه كان يستبطن صيغة الشيخ بالمريد الذي ينبغي له أن يكون كالميت بين يدي مغسّله، ولصناعة تلك الحالة؛ كان البنا يعتمد على قوة منطقه الخطابي، ولغة الجسد المؤثرة، التي كان يستجيش معها عواطف السامعين، وقد كانت لديه طاقة خطابية جبارة، كانت جزءاً من ثقافة هذا الجيل، الذي كان يعتمد صيغة النجم الأوحد، أو القائد الموهوب صاحب الكاريزما والتأثير، وقد كان لديه هذا التأثير على من يسمعه، بالتالي؛ ظلّت الصيغة التي درج التنظيم على صناعتها، هي صيغة الإمام الملهم الموهوب الذي يلهمه الله الحكمة وحسن الخطاب.

ولم تقتصر ماكينة التنظيم في الترويج لروايات عن قوته الروحية التي تعرف الغيب، فهو الذي يقابل الرجل من أتباعه، وقد جاء الرجل ليستشيره في طلاق زوجته؛ لأنّها لا تنجب، فيبادره، وهو على سلّم مكتب الإرشاد، متعجلاً في الذهاب لأمر مهم، قائلاً: السلام عليك، يا أخ فلان، أمسك عليك زوجك، فيصدع الرجل بالتكبير ويذهب ليصالح زوجته، فتنجب له غلاماً كأجمل ما يكون، عبر أساطير من هذا النوع كانت الجماعة تبني صورة الإمام المرشد، الذي تغزل فيها أتباعه، وأصبح مصدر التلقي الوحيد المصدَّق، ومن ثم بدا طريقه معبداً إلى نفوس أعضاء الجماعة، ليضع فيها ما يراه من أفكار.

 

 

تلقين أسلوب التعبئة والتجنيد

كانت أحاديث الثلاثاء الأسبوعية ورسائله، التي يحملها الأعضاء إلى المحافظات طريقه إلى تشكيل قناعات الإخوان بمشروعه، فتعصّبوا له بقوة، وتكفّلت طريقته في تزويد بعض العناصر المختارة بطريقته في التربية، وقد كان يكرّر أنّ تأليف الكتاب أمر ميسور، لكنّه لا يؤثر كتأليف الرجال، وقد كان هؤلاء الرجال هم سلاحه البتار؛ حيث لقّنهم فقهه الشفهي، وطريقته في التجنيد، فحفظوها عنه، وقد كان ابناً لزمان الحركات السرية والفاشستية، التي أعجب بها؛ حيث لم يخفِ أبداً أعجابه بشخصية هتلر الذي تمكّن من تعبئة الشعب الألماني خلف النازية.

تبلورت رؤية الإخوان في مناهج تربوية وضعت لتشكيل قناعات الأفراد في كلّ مراحل عضوية التنظيم

استطاع البنا تعبئة أفراد الجماعة وتكوينهم كما يريد، اعتماداً على طاقاته الخطابية، وفريق من الرجال الذين دربهم على فنون التجنيد والتعبئة، وفق صيغة المنولوج؛ خطيب مؤثر وجمهور من السامعين، الذين يصيخون السمع لما يقدّمه هذا الخطيب، باعتباره صحيح الدين، وصاحب دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، كما كان الإخوان يعتقدون في دعوتهم، لكنّ هذا السياق تعطّل بعد موت حسن البنا وتلامذته، الذين زودهم بتلك المهارات، ووجدت الجماعة نفسها في مأزق حقيقي يعرّض وجودها للخطر، خصوصاً مع جملة التطورات السياسية التي ضربت مصر منذ مقتل البنا، العام 1949، وحتى خروج الإخوان من السجون في أوائل السبعينيات.

اختراق قطاع التعليم

في هذه الفترة، لم يكن للإخوان منهج تربوي متمايز؛ بل كانت اجتهادات بعض قيادات اقتربت من حسن البنا في تأمين ثقافة شرعية خادمة لأفكار التنظيم، عبر بعض رسائل في الفقه والتفسير والسيرة والحديث، لكن مع استعادة التنظيم لقوته واستكمال بنيته التنظيمية، وإعادة الحياة لأقسام التنظيم، ومنها قسم التربية الذي كان يسمَّى "قسم الأسر"، ومع غياب القيادات الكاريزمية التي أتقنت فنون التكوين والتجنيد، بدت الحاجة إلى الاستعانة بالمتخصصين من أعضاء الجماعة من الأكاديميين في كليات التربية، التي كانت تخرّج المعلمين في كافة المراحل التعليمية، وقد كان هناك توجيه سابق من حسن البنا بدفع عدد كبير من عناصر الجماعة للدراسة في هذا التخصص بالتحديد، لتأمين عناصر يمكن دفعها لنشر أيدولوجيا التنظيم في المحاضن التعليمية، داخل وخارج مصر، وقد كان لهؤلاء بالفعل تأثير، ما تزال تعاني آثاره العديد من المؤسسات التعليمية في مصر، وفي بعض الدول العربية، التي تأثرت بتلك الدعاية الإخوانية التي نهض بها هؤلاء.

بدأت كتب الجماعة تجنح لتقعيد عملية التكوين بالاستفادة من الأطر النظرية التي قدّمتها علوم التربية الحديثة

على يد هؤلاء، تشكّل سياق جديد لعملية التربية والتكوين والتعبئة، توسّل بفنون التربية الحديثة، حتى غزت مصطلحات عملية التربية محاضن الجماعة منذ مطلع التسعينيات، حتى تبلورت في مناهج تربوية وضعت لتشكيل قناعات الأفراد في كلّ مراحل عضوية التنظيم، التي تدرجت من محبّ إلى مؤيد إلى منتسب إلى منتظم إلى عامل، وأصبح المرور من مرحلة إلى أخرى مرتبطاً بتحقيق أهداف المرحلة التي هي شروط التأهل لمرحلة تليها.

بدأت مصطلحات التربية تظهر في مناهج الجماعة، فنجد في كتاب يشرح للمربي ماذا يعني المنهج، يقول: "لم يعد مصطلح المنهج هو مجموعات الموضوعات أو الكتب أو المعارف التي تُختار ليدرسها الدارسون، ولم يعد المطلوب هو استظهار ذلك كلّه، أو اكتساب بعض المهارات بأقل قدر من الفهم؛ بل أصبحت الحاجة ملحّة لتغيير هذه الطرق التقليدية للتدريس والتقديم؛ فالمنهج التربوي له عناصره الخمسة المعروفة: الأهداف، والمحتوى، والأنشطة التعليمية التربوية، والمربِّي، وما يستخدمه من إستراتيجيات تدريسية ووسائل وتقنيات تربوية، وأخيراً التقويم (أساليبه ووسائله)".

 

 

الاستفادة من علوم التربية الحديثة

بدأت كتب الجماعة تجنح لتقعيد عملية التكوين بالاستفادة من الأطر النظرية التي قدّمتها علوم التربية الحديثة، من أجل توسيع الانتشار والتجنيد من جهة، وسدّ ثغرة غياب جيش المربين الذين أعدهم حسن البنا للمهمة.

فقسمت كتب الجماعة محاور التربية إلى ثلاثة محاور: أولها: المحور الإيماني والتعبدي، الذي اعتمد على عينة مختارة من النصوص، في القرآن، والحديث، والعقيدة، والسيرة، والفقه، وترسيخ تلك المفاهيم التي تريد الجماعة ترسيخها لتكون الأرضية التي ستتخفى فيها، وتتوسل بها المعاني السياسية، التي تريد زراعتها في نفوس الأعضاء، وعبر ما يسمى بالليالي الإيمانية، يتشرّب العضو التلازم بين السياسة والصلاة والذكر.

عبر ما يسمى بالليالي الإيمانية يتشرّب العضو الإخواني التلازم بين السياسة والصلاة والذكر

أمّا الثاني: فكان المحور الأخلاقي والسلوكي، الذي كانت تتوخى فيه الجماعة صياغة نفس العضو بالتركيز على عيوب النفس، تحت لافتة التزكية، التي هي تخلية وتحلية كما يريد التنظيم، بحيث تبدأ دورة اتهام النفس، فلا يتوفر وقت أو جهد للنظر في اتهام الجماعة أو القيادة، التي تبقى معصومة بفعل المحور الثالث: الذي قوامه دراسة أركان البيعة الإخوانية، وأهمها الطاعة والثقة، التي تطبع الأعضاء بالصيغة نفسها التي كانت لحسن البنا المريد، في مواجهة الشيخ، لكنّها فقط أصبحت المريد في مواجهة القيادة؛ أي قيادة الجماعة التي أمسكت زمام الصف، عبر هذا التكوين المتدرج الذي يجعلها، في النهاية، قائدة لجيش من الأتباع ينتظرون إشارة للحركة كما أراد البنا.

*خبير مصري بشؤون الحركات الإسلامية

 

 

الصفحة الرئيسية