النساء بين تطور القانون في تونس والارتهان للنص في مصر

المرأة العربية

النساء بين تطور القانون في تونس والارتهان للنص في مصر


30/04/2018

خلال النصف الأخير من العام 2017، أثارت قضية المساواة في الميراث بين الرجال والنساء في تونس، لغطاً كبيراً لدى مؤسسة الأزهر، وبين أوساط عربية رأت تعارضاً بين القرار التونسي، وبين ما ورد في النصوص الشرعية.

وجاء القانون التونسي ضمن العديد من القرارات التي تعزز المساواة بين الجنسين في تونس، بعد ثورة 2011.

المرأة بين الماضي والحاضر

"سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون. لن أنتظر ديموقراطية شعب من المنخدعين بالثقافة الذكورية باسم الدين"، قالها الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية؛ إذ حظيت المرأة التونسية في عهده، دون غيرها من النساء العربيات، بمكانة خاصة من حيث الحقوق والواجبات عبر عملية الإصلاح التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين على يد بورقيبة.

وساند بورقيبة، في تصوراته المتقدمة، زوجتُه السيدة وسيلة، صاحبة مشروع قانون وسيلة الذي نصّ على "تجريم" جمع الرجل بأكثر من زوجة، على الرغم من تعارضه مع النص الديني، الذي أباح الجمع بأكثر من زوجة، في إطار خطة إصلاح شامل للمجتمع التونسي إبان الاستقلال من الاحتلال الفرنسي؛ حيث تطلعت السلطة لتأويل النص طبقاً لاحتياجات المجتمع في المرحلة الراهنة آنذاك مبتعدة عن جمود النص.

وسيلة زوجة الرئيس التونسي الأسبق بورقيبة هي صاحبة مشروع قانون ينصّ على تجريم جمع الرجل بأكثر من زوجة

أقرت بذلك المتخصصة في علم الاجتماع، الدكتورة هدى زكريا في حديثها لـ"حفريات"؛ حيث إنّ "الدين بطبيعته ظاهرة اجتماعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعادات وتقاليد المجتمع الذي نشأت فيه، وبناءً عليه فإنّ النص الذي يحويه الدين ليس سوى طرح يخص هذا المجتمع، على الرغم من اشتماله على جوانب إنسانية عامة".
وأضافت "حين أقرّ الإسلام تعدد الزوجات، فقد جاء ذلك في خضم مجتمع صحراوي، يتزوج ما طاب له من النساء، ويمارس علاقات جنسية بلا ضوابط، وهو ما لم يكن سائداً في مصر وبلاد الشام مثلاً، فخاطب الدين أبناء المجتمع، وساير عاداتهم واحتياجاتهم، واضعاً ضوابط تحكمها، وهو ما لا نستطيع التمسك به بعد مرور 14 قرناً، فكل مجتمع يضع الضوابط التي تناسبه، والقوانين التي تخدم الناس، وتدفع مسيرة حقوق الإنسان للأمام".

الحبيب بورقيبة، حظيت المرأة التونسية في عهده بمكانة خاصة دون غيرها من النساء العربيات

قوانين تنتصر للمرأة

إبان ثورات "الربيع العربي"، وبينما انشغلت كل فرقة بمصالحها وهيكلة المطالب التي يتطلعون لتحقيقها، التفّت التونسيات حول أهدافهنّ، وتطلعن لمزيد من الحقوق المكتسبة.

وبالرغم مما حظين به من حقوق، إلاّ أنّ هذه الحقوق شابتها بعض التناقضات القانونية، حتى حسم دستور عام 2014 هذا الجدل:"المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز، حيثُ تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، وتعمل على دعمها وتطويرها، وتضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات"، وتوالت القوانين التي تنتصر للمرأة بعد ذلك.

تقرير صادر عن الأمم المتحدة 2013: 99,3 % من النساء في مصر تعرضنّ للتحرش الجنسي

وأكدت المحامية والناشطة التونسية هاجر شواش لـ"حفريات" بأنه "حتى وقت قريب كان هناك الكثير من التناقضات التي لم يحسم القانون أمرها بشأن المرأة في تونس، استناداً لنصوص دينية عفا عليها الزمن، ولكن تغييرها لا يخدم المجتمع الذكوري، فهو يقوض سلطاته".

وأوضحت شواش بأنّ هناك "عدة بنود قانونية، على سبيل المثال، يتمتع الرجل بحق الولاية على أبنائه، وتحرم منه المرأة، وتحرم كذلك من السفر برفقة أبنائها القُصّر، إلا بإذن زوجها، حتى لو كان هذا الزوج غائباً عن الأسرة، واستمر هذا الوضع حتى العام 2015، كذلك يستطيع الرجل المسلم الزواج بغير المسلمة استناداً إلى القرآن والسنة، ويُحرم على التونسية المسلمة الزواج بغير المسلم لحين إعلان إسلامه عبر الأوراق الرسمية، حتى ناضلت جهات المجتمع المدني لإسقاط هذا القانون، ولكن هل يكفي القانون وحده لتحرير النساء؟".

المصريات: مزيد من الواجبات قليل من الحقوق

يقول المفكر الإيراني علي شريعتي "إنّ حرية المرأة تعني حُرية الاختيار وحرية التفكير وحرية الحياة".

في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، أصدرت مؤسسة "طومسون رويتزر"، تقريراً بشأن حقوق المرأة في مصر، مذيلاً بـ"القاهرة هي أخطر مدينة على النساء بالعالم، وزادت تلك الخطورة بعد أحداث عام 2011"، اعتمد هذا التقرير على إحصائيات تتعلق بحقوق المرأة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وفي قضايا تتعلق بالعنف الجنسي والأسري، وزواج القاصرات، والحق في الصحة والتعليم، وقد أخفقت القاهرة في كل هذه القضايا المرتبطة بحقوق المرأة، وضمان حياة آمنة للمصريات، وزاد الوضع تردياً بعد أحداث 2011، وهو ما جاء على عكس التوقعات؛ حيث قدمّت النساء خلال ثورة يناير، وكل التحركات التي أعقبته تضحيات كبيرة، لم تنل منها سوى مزيد من استلاب حقوقها.

التعامل مع المرأة في مصر ينظر له بأنّه أمرٌ ثانوي يمكننا السكوت عنه، وهو ما لم تقبله التونسيات

وذكرت الدكتورة هدى زكريا، بعض الأسباب التي جعلت المرأة في هذه المكانة؛ إذ إنّ "التوقعات الكبيرة التي حملها حراك 2011، لم يتحقق منها شيء بل العكس؛ فالقوانين في مصر وخاصة قوانين الأحوال الشخصية هي أكبر إهانة للمصريات، التي ناضلت في كل العصور لنيل حقوقها الإنسانية". وزادت "من وجهة نظري السبب يتعلق بالنظرة الدونية التي حملها الفكر الديني المتطرف إلى المجتمع المصري، فكل الانتهاكات تقع على النساء باسم الدين، كقانون الطاعة الذي لايزال سارياً حتى الآن، والذي يُجبر الزوجة على معاشرة زوج تكرهه، في المكان الذي يناسبه، فكيف لامرأة في القرن الحادي والعشرين أن تخضع لقانون كهذا؟".

تقرير: القاهرة هي أخطر مدينة على النساء بالعالم، وزادت تلك الخطورة بعد أحداث عام 2011

أحلام بعيدة المنال

أصدرت الأمم المتحدة تقريراً في نيسان(أبريل) 2013، بخصوص وضع المرأة في مصر، والذي جاء فيه أنّ 99,3 % من النساء في مصر تعرضنّ للتحرش الجنسي، بينما 88,2%  خضعن لعملية تشويه الأعضاء التناسلية (الختان)، وهو ما واجهته الدولة في العام 2005، بإصدار قانون لمواجهة الختان على الرغم من الغضب الذي ساد في أوساط قوى الإسلام السياسي. وجاء العام 2016، بقوانين تكميلية لقانون الختان، نصت على"السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز السبع، لمن مارس الختان، والسجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز السبع إذا أفضى الختان لعاهة أو الموت، والسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز الثلاث لكل من طلب ختان أنثى".

وعلى الرغم من كل التشديدات التي يمارسها القانون، للحفاظ على حقوق المرأة، إلاّ أنّ الدافع الديني المرتبط بعادات وتقاليد المجتمع المصري، يجعل هذه "الجريمة" مستمرة، ويتم التستر عليها في كثير من الأحيان؛ لأن النص الديني ما يزال حاكماً للأمر؛ حيث تؤكد المحامية والناشطة الحقوقية عزة سليمان لـ"حفريات" أنّ "القمع الممارس على المرأة المصرية هو أحد أدوات هدم المجتمع، في كل يوم أناقش العديد من القضايا المرتبطة بالعنف ضد النساء على اختلاف أشكاله، وحين اندلعت الثورة، وثارت الناشطات يطالبن بحقوق المرأة المُهدرة، انتفض الإخوان المسلمين ضد مطالبنا، مبررين بأنه ليس وقتاً لمناقشة حقوق المرأة".

ولفتت سليمان إلى أنّ "التعامل مع المرأة في مصر ينظر له بأنّه أمرٌ ثانوي يمكننا السكوت عنه، وهو ما لم تقبله التونسيات، لذلك استطعن الظفر بحقوق تبدو للمصريات أحلاماً شبه مستحيلة".

 

 

الصفحة الرئيسية