احتفالات رمضان قديماً في بيروت: مسيرات ومواكب سيارة و"قبضايات" الأحياء يفجرون "الديناميت"

احتفالات رمضان قديماً في بيروت: مسيرات ومواكب سيارة و"قبضايات" الأحياء يفجرون "الديناميت"


03/04/2022

روزيت فاضل

يستقبل المؤمنون شهر رمضان المبارك في كل البلدان والمدن العربية والإسلامية بحلة زاهية، وتُقام له الاحتفالات ابتهاجاً، وتنطلق المواكب ترحيباً بقدوم الشهر الكريم.

يسلط موقع "النهار العربي" مع الباحث في التراث الشعبي زياد عيتاني في حوار خاص، الضوء على محطات تاريخية وشعبية للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل.

بداية، أكد عيتاني أنه "للدلالة على قِدم الاحتفاء والاحتفال تعظيماً بالشهر الفضيل، يفيدنا الرحالة إبن جُبير عن احتفالات المكييّن بقدوم شهر الصوم في وصف رحلته، كيف كان أهل مكة يستقبلون رمضان المعظّم بقوله: "... وقع الاحتفال في المسجد الحرام لهذا الشهر المبارك، وحق ذلك من تجديد الحُصر وتكثير الشمع والمشاعل وغير ذلك من الآلات حتى تلألأ الحرم نوراً وسطع ضياءَ، وتفرقت الأئمة لإقامة التراويح فرقاً..."، مشيراً الى أنه "كاد لا يبقى في المسجد زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلّي بجماعة خلفه، فيرتج المسجد لأصوات القراءة من كل ناحية، فتعاين الأبصار، وتشاهد الأسماع من ذلك مرأى ومستمعاً تخلع له النفوس خشية ورقة"...

وانتقل الى إبن بطوطة، الذي وصف من جهته في رحلته إستقبال أهل مكة لشهر رمضان بقوله: "وإذا أهلّ هلال رمضان تُضرب الطبول والدباب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحُصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نوراً، ويسطع بهجة وإشراقاً، وترّق القلوب وتهمل الأعين"...

المواكب الرمضانية

وانتقل الى "المواكب الاحتفالية بقدوم رمضان، التي تُعرف "بمواكب الرؤية" أو "مواكب الركبة"، والتي غدت من العادات الرمضانية، وهي ترجع إلى عهد الخلفاء الفاطميين في مصر، وتحديداً عام 362 هـجرية الموافق عام 972 ميلادية مع قدوم الخليفة المعز لدين الله".

وتوقف عند تفاصيل "موكب الخليفة، الذي كان يبدأ من بين القصرين أي شارع المعز بالصاغة الآن، ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح، أحد أبواب سور القاهرة الشمالية، ثم يدخل من باب النصر عائداً إلى باب الذهب بالقصر، وفي أثناء العودة توزع الصدقات على الفقراء والمساكين".

وأوضح أنه "كانت تُصاحب الموسيقى المواكب وتصدح بأنغام قوية وتحوي بين آلاتها أبواقاً خاصة لا تعزف إلا بمصاحبة الخليفة، كما انتشرت في كل مكان الأعلام التي تحمل عبارات النصر على أسنة الرماح، وكان الناس يحتشدون على جانبي الطريق لمشاهدة موكب الخليفة وإلقاء التحية عليه وتهنئته بشهر الصوم".

وعن الاحتفالات في بيروت، ذكر عيتاني أن المدينة "كانت تستقبل قدوم شهر رمضان الفضيل بحلّة زاهية، فتزين شوارعها وزواياها وتضاء فيها المصابيح وتطلق الأسهم النارية ابتهاجاً وتشعّ أنوار مساجدها ترحيباً واحتفالاً بقدوم شهر الصوم والعبادة"، مشيراً الى أنه "ما إنْ يُعلن ثبوت شهر رمضان حتى كانت تنطلق الفرق والأفواج الكشفية بمسيرات استقبال للشهر الكريم، وكانت تطوف أحياء العاصمة يتقدمهم حملة الأعلام والمشاعل المضيئة ويرتدي أفرادها الزيّ الكشفي الموحّد على وقع الخطوات المنتظمة. وكان الأهالي ينثرون عليهم الزهور والرزّ وماء الزهر والورد".

وذكر أنه "في ما بعد أصبحت المسيرات الكشفية أكثر رونقاً وبهجة في نفوس الأهالي، بعدما صارت تصاحبها الفرق الموسيقية، فتمتزج مشاعر الغبطة بقدوم شهر رمضان بين مختلف شرائح الناس في واحدة من أبرز المظاهر الاحتفالية التي كانت تتكرر كل سنة مع إطلالة شهر الخير والبركة"، مشيراً الى أنه "ومع مرور الزمن، اندثرت الاحتفالات الكشفية لتحل مكانها خلال الأعوام الماضية المواكب الرمضانية السيارة التي تجوب الشوارع والمناطق وعلى متنها مجسمات تمثل معالم تاريخية وتراثية، مُطلقة العنان للأغاني الخاصة بالشهر الكريم، لا سيما أغناني المبدع أحمد قعبور، وتقلُّ الأطفال الذين يرتدون ثياباً تراثية جميلة كثياب المسحراتي والعروس المكللة بتاج من الورود والأزهار ويحملون الأعلام ملوحين بها ويوزعون ابتساماتهم البريئة على المواطنين المنتشرين على الأرصفة وشرفات المنازل، فيضيفون أجواء البهجة والفرح والتفاؤل بقدوم شهر الخير والبركات. ويعود الفضل لهذه الظاهرة الرمضانية في أرجاء العاصمة بيروت لمؤسسة الرعاية الاجتماعية - دار الأيتام الإسلامية، ما يضفي على المدينة طابعاً رمضانياً زاهياً، يعود بذاكرة أهلها إلى الماضي الجميل، ويحفظ هويتها التراثية الخلابة".

العادات والتقاليد

وانتقل الى محور مهم يعني العادات والتقاليد، والتي جرى عليها الناس احتفالاً بشهر رمضان المبارك وبأعيادهم المجيدة في بيروت، ظاهرة إطلاق الأسهم النارية واستخدام المفرقعات، تعبيراً عن سعادتهم وبهجتهم برمضان والأعياد وللفت الأنظار باحتفالهم به على طريقتهم الخاصة ولإعطاء العيد نكهة وخصوصية تميزه عن باقي أيام السنة"، مشيراً الى أنه "وللدلالة على قدم عادة إطلاق الأسهم النارية خلال العيد نشير إلى ما ذكره الرّحالة الفرنسي بيروكيه الذي زار بلادنا عام 1433 ووصف الاحتفال بالعيد بقوله: "رأيت في بيروت المسلمين يحتفلون بعيدهم على طريقتهم التقليدية، فيبدأ الاحتفال مساءً عند الغروب بالأناشيد وتطلق مدافع القلعة قذائفها والناس يطلقون عالياً في الفضاء صواريخ يفوق حجم الواحد منها حجم أكبر فانوس عرفته".

وشدد أنه جرت أيضاً" العادة في الماضي عند الإعلان عن ثبوت شهر رمضان وعيد الفطر أن يعمد عدد من "قبضايات" بيروت أصحاب الشهرة الواسعة على تفجير أصابع من "الديناميت" في الجو، خصوصاً في المناطق المطّلة على البحر لخلوها من المارة، وذلك للتعبير عن مشاركتهم بالعيد على طريقتهم ولإعطاء الانطباع للناس عن مكانتهم المميزة بالمجتمع، لأن تفجير "الديناميت" لا شك هو من المحظورات"، مشيراً الى أنه "يروى في هذا المجال إلى أن أحد "القبضايات" في محلة عين المريسة كان يصعد إلى مئذنة مسجدها لإطلاق وتفجير أصابع "الديناميت" من أعلاها".

وختاماً، لفت الى أن "من المظاهر المحببة أنه وفور الإعلان عن وقوع شهر الصيام حتى يُقبل الناس على تهنئة بعضهم بعضاً ويتبادلون التبريكات...".

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية