الهندسة الوراثية: حاجة مستقبلية أم تطوير للرعب؟

تحقيقات

الهندسة الوراثية: حاجة مستقبلية أم تطوير للرعب؟


19/06/2018

تحقيق: عاصف الخالدي


يقول الكاتب مات ريدلي؛ "خريطة أو كتاب الجينوم، أكبر من الكتاب المقدس بثمانمائة مرة، ولو قرأت عليك الجينوم البشري بمعدل كلمة واحدة في الثانية مدة ثماني ساعات يومياً، فسأحتاج إلى قرن كامل حتى أنتهي منه. ولو كتبتُ الجينوم البشري، بحيث يحتل كل حرف منه مساحة ملليمتر واحد، فسيكون النص الناتج بطول نهر الدانوب. إنه وثيقة هائلة الحجم".

البداية من أصل الأنواع
شهد الإنسان عبر تاريخه الطويل، والمعروف على الأقل، تغيراتٍ كثيرة في كل المجالات، وظلت هنالك رغبة كامنة في داخله، لتغيير الطبيعة من حوله؛ طبيعة الأشياء، والأفكار، وكل شيء، وصولاً إلى مصيره ذاته.
وربما بدأ الإنسان نفسه يلاحظ، مدى تغير طبيعته هو، كلما ظن أنه يغير في طبيعة الحياة من حوله، ومنذ ظهور أفكار الهندسة الوراثية بفضل "تشارلز داروين" وكتابه أصل الأنواع عام 1859، حيث أسس بدايةً لدراسة الوراثة على الحيوانات والنباتات، وهو ما ظهر جلياً بداية القرن العشرين عن طريق "مندل". وباعتبار أن الإنسان مخلوقاً هو الآخر، وينتمي إلى طائفةٍ من طوائف الكائنات الحية، فلا بد أن له صفات وراثية وجينات، يمكن دراستها، وربما التحكم بها.
وبمرور القرن العشرين، توالت الاكتشافات، وما الحديث عن إمكانية التغيير في الصفات البشرية مثلاً، إلا نتاجٌ لتحديد "الكروموسومات" البشرية البالغ عددها 23، ومن ثم دراسة الجينات المرتبطة بها لاحقاً، وما تحدده من صفاتٍ نفسية وذاتية، وأخرى جسدية كالطول ولون العينين مثلاً.
لكن، كلما توالت الاكتشافات، دارت حولها الأسئلة الأخلاقية والثقافية، وأحياناً الدينية والمستقبلية، حول مصير الإنسان مستقبلاً، وفي ظل الهندسة الوراثية، ترتفع المخاوف وتزداد الآمال في آنٍ معاً، بخصوص ما أنجزته، وما هو متوقع أن تنجزه في المستقبل.

كتاب "الجينوم" للكاتب مات ريدلي

جينات غير عادلة

يحمل تعريف الهندسة الوراثية في طياته، صلب طبيعة مهمة الجينات؛ حيث يمكن تعريفها ببساطة ووفق موقع مؤسسة المستقبل في دبي، على أنها: "عبارة عن تعديل مجموعة المورّثات (الجينوم) الطبيعية للكائن الحيّ من خلال إضافة قطع من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) والذي يُعدّ مادة الحياة نفسها. وهذا يعني التدخل في تطوّر الكائن الحيّ لإنتاج شيء لم يتم تشكيله على مدى مئات الأجيال، وهو شيء لا يحدث في الاصطفاء الطبيعي من خلال مبدأ التجربة والخطأ الصعب والطويل الأمد".
إذاً، الجينات، عاملٌ أساسي في علم الوراثة. وفي كتابه "الجينوم"، الذي نشرته دار "كلمات" في 2012، يقول الكاتب البريطاني المتخصص بالعلوم المتقدمة "مات ريدلي"، إنّ "لحظة الإعلان عام 2000، عن اكتمال المسودة الأولى لخريطة الجينات البشرية، كانت لحظة مذهلة تاريخياً، ذلك أن الجين البشري، هو عبارة عن تعليماتٍ توضح كيفية بناء الجسم البشري وكيفية تركيبه".

اقرأ أيضاً: "تاريخ الفلسفة الحديثة" يؤرّخ لثورات العقل البشري
ويرى ريدلي، أنّ ملايين السلاسل التي تتشكل من الجينات، تحيي الأمل في "علاج الأمراض الوراثية والشائعة، مثل السرطان وأمراض القلب، التي تحرض الجينات على ظهورها أو تسهله، بينما يمكن لجينات أخرى طبيعية أو معدلة، أن تقوم بكبح هذه الأمراض".
وانطلاقاً من طرح هذا الكاتب، تبدو الجينات أساساً في صفات الإنسان وتركيب جسمه، وبغض النظر عن دور التغيرات الطبيعية وغير الطبيعية في عملها، فإنها ربما؛ (غير عادلة) وربما أنّ الإنسان بات يتدخل فيها لتحقيق العدالة، أو على الأقل، لإنصاف الجنس البشري من الأمراض المزمنة مثلاً، أو مما يمكن تسميته "خللاً جينياً"، ينتج وراثياً أو يتم تحفيزه تحت ظروفٍ معينة.

كتاب "أصل الأنواع" لـ تشارلز داروين

وبخصوص هذا الأمر، تقول المتخصصة في البيولوجيا الجزيئية ووراثة الإنسان، الأستاذة جميلة إبراهيم، إنّ "الخلل يصيب الكروموسومات نفسها، أو الجينات المرتبطة بها، أو الـ "DNA"، وربما ينتج أحياناً عن خللٍ في انقسام الخلايا".
وتضيف إبراهيم، "معظم الأمراض الوراثية ليست لها علاجات ناجعة منتشرة حتى اليوم". وهو ما يعزز من فكرة عدم العدالة بمسألة "الخلل الجيني" في حال تم نقل الأمراض الوراثية إلى الجنين مثلاً، كما يعزز من ضرورة دراسة خرائط الجينات وربما (التدخل فيها علمياً).
وبعد العام 2000، رافقت أحلام التخلص من أمراضٍ مزمنة وقاتلة الكثير من البشر في أنحاء كوكب الأرض، بينما أخذت المختبرات العلمية المغلقة ومراكز الأبحاث العالمية الكبرى، تغذ الخطى نحو فك أسرار خريطة الجينات البشرية، تلك التي تضم أسرار الماضي البعيد والحاضر، والتي يقال إنها يمكن أن "تكشف أسرار حرية الإرادة، والاختيار، أو الجبرية، وكيف تتشكل هذه الأشياء بتأثير الجينات".

الجينات غير عادلة وربما أن الإنسان يتدخل فيها لتحقيق العدالة لإنصاف الجنس البشري من الأمراض المزمنة

وبحلول العام 2010، أصبحت لا تمر بضعة أشهر، إلا ويأتي معها اكتشاف العديد من الجينات الجديدة، من ضمن عشرات الآلاف من الجينات التي يضمها جسم الإنسان.
والجينات، مسؤولة عن كثيرٍ مما يعتبره الإنسان مصيرياً في بعض الأحيان، كالذكاء، الجمال، الحمل، العقم، العدوانية، وصفاتٍ أخرى عديدة. لكن الجدل بشأن أخلاقيةِ التدخلات العلمية في صفات الإنسان، جدل عالمي، وليس محلياً فقط؛ إذ توجد دوافع دينية واجتماعية وثقافية، هي الأخرى متوارثة عبر العقود، ترى في الموضوع "تلاعباً"، بغض النظر عن مسألة العدالة في مواجهة جيناتٍ غير عادلة.
تلاعب واستهجان
ربما يلاحظ من يقوم بتصفح المقالات العربية الواقعة تحت مسمى "الهندسة الوراثية" في موقع "غوغل"، أن كلمة "تلاعب"، ترد في العديد من المقالات حول الموضوع، وفي قاموس "لسان العرب"، تكون هذه الكلمة غير علمية، إذ إن معناها هو "إحداث خلل مقصود أو الضحك والاحتيال". وهي كلمة لا تدل على أهدافٍ علمية، يتم الذهاب إليها من خلال مجموعة اختباراتٍ علمية دقيقة إن صح التعبير، لإحداث أثر إيجابي أو علاج خللٍ ما.
ومن ناحية أخرى، ربما تكون الكلمة دقيقة في حال أشارت إلى محاذير أخلاقية أو دينية أو إنسانية. ويتمثل رأي الدين الإسلامي في الهندسة الوراثية من خلال فتاوى مختلفة، من أبرزها فتوى منشورة في موقع "إسلام ويب"، وفحواها أنها تسعى "لتحريم التعامل مع النباتات والأغذية المعدلة وراثياً، لما قد تحدثه التعديلات الوراثية عليها من أضرار سامة لأنها لا تقوم بالنمو طبيعياً كما خلقها الله، وانطلاقاً من حديث الرسول الكريم (لا ضرر ولا ضرار) فإن كل نبات وغذاء خلقه الله حلال إلا ما قد يسبب الضرر".

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي ومصير العرب السياسي
أما موقع "أهل القرآن"، فيتقدم في فتواه عن الهندسة الوراثية على الموقع الأول، بتطرقه إلى الإنسان وجيناته، لكن الموقع يشدد من خلال فتواه بوضع تعريف مطلق للعلم، والقفز إلى النتائج مباشرة بحسب الفتوى:
"علم يتدخل وبشكل مباشر فى حاملات الوراثة من كافة الأنواع المخلوقة وتغييرها وهندستها بالطريقة التى يحتاجها فريق البحث ليصل لنتيجة مرجوة وهو تعريف مطاط يسمح بالتدخل فى كل أنواع الخلق دون أن يتقيد بأحكام الله وهى أحكام مطبقة فى الطبيعة من خلال التزام المخلوقات بها سواء حية أو ميتة".
الفتوى كاملة: الهندسة الوراثية والإسلام

نظرت في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية
أما مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الخامسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة، بتاريخ 31 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، فنظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية وخرج بنتائج آنذاك، من أهمها "الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه، أو تخفيف ضرره، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر أكبر. ولا يجوز استخدام أيٍ من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة والعدوانية، وفي كل ما يُحرَّم شرعًا".
وتشدد الفتوى أيضاً، على عدم العبث بأي شيء يخص موروثات الإنسان، "ومسؤوليته الفردية، أو للتدخل في بنية المورثات (الجينات) بدعوى تحسين السلالة البشرية".
ويمكن استخلاص أنّ الفتاوى الإسلامية، تحاول استثناء فكرة الضرر الناتج عن الهندسة الوراثية برأيها، رغم أنه ربما يكون طبيعياً لأن لكل شيء في الحياة نقيضه. لكن الفتاوى بصورةٍ عامة، تحاول التركيز على فكرة "عدم العبث بمخلوقات الخالق"، أو استخدام الهندسة الوراثية فيما يمكن اعتباره "إعادة خلق".

الفتاوى الإسلامية تحاول التركيز على عدم العبث بمخلوقات الخالق أو استخدام الهندسة الوراثية فيما يمكن اعتباره إعادة خلق

أما بخصوص أوروبا أو الغرب مثلاً، فإنّ جدل الهندسة الوراثية، يدور بين المتخصصين في المجال من علماء وباحثين وكتاب مطلعين، ولا يقوم على الفتاوى الدينية، ففي تقريرٍ لموقع "بي بي سي" بتاريخ 14 أيار (مايو) 2015، يتوضح الخلاف حول أخلاقية الهندسة الوراثية، من خلال رأي رائد الاستنساخ "توني بري"، الذي يرى فيها واجباً أخلاقياً، خصوصاً في مجال "القضاء على الأمراض، أو تعديل الخريطة الوراثية للأجنة"، بينما اعتبر علماء آخرون بحسب التقرير ذاته، أنّ الهندسة الوراثية للأجنة "غير ضرورية، وأنها خط لا يجب تجاوزه".
ويعطي التقرير مثالاً على القانون البريطاني، الذي "يسمح بتعديل الأجنة وراثياً لأغراض بحثية، ولكن ليس لزراعتها في رحم امرأة. وأي تغيير في هذا الأمر، سيؤدي في القانون إلى معارضة أخلاقية ودينية حادة".
وفي بلادٍ أوروبية أخرى كفرنسا، فإنّ الجدل يقوم بين حينٍ وآخر حول أخلاقيات علم الأحياء والهندسة الوراثية من خلال البرلمان الفرنسي، وكانت فرنسا؛ أعلنت فرنسا منذ عام 2011، ولادة أول طفلٍ من خلال "الهندسة الوراثية".
ويبدو أنّ دولاً عديدة حول العالم، عربية وإسلامية وغربية، تنظر بقلقٍ إلى الهندسة الوراثية على المستويات الدينية والاجتماعية والأخلاقية، بينما العلماء ماضون في تجاربهم، وإنجازاتهم. غير أنّ المخاوف والآمال، تذهب إلى ما يمكن أن يحل بالإنسان، بل، وبما "بعد الإنسان".
ما بعد الإنسان.. مخاوف وآمال
عربياً، يتحدث رئيس جمعية المهندسين الوراثيين الأردنيين، رمزي فودة، عن عدم اهتمام عربيٍ عام في مجال الهندسة الوراثية.
ويؤكد فودة لـ"حفريات"، أن "الجانب الإيجابي والمفيد للبشر، هو ما يجب التركيز عليه وعلى نتائجه؛ فالهندسة الوراثية تسهم في تشخيص أمراضٍ جديدة وخطيرة مثلاً، كفيروس كورونا، أو أنفلونزا الطيور، وتسهم في إيجاد تشخيص أسرع وعلاجاتٍ أسرع بطيبيعة الحال".
ويشير فودة بأسف، إلى أنّ الأردن كواحدٍ من الدول العربية، لا يزال "يركز على الجانب البحثي فقط وبإمكانياتٍ بسيطة، لا تغطي حاجة الأردن الحقيقية في بلدٍ فيه نسبٌ سنوية تعد مرتفعةً نسبياً، من أمراضٍ كالسرطان والسكري وضغط الدم".

اقرأ أيضاً: لماذا ننجب؟
ويقول فودة: "يرتفع مؤشر الخطر البيولوجي كلما قلت فرص وجود إمكانياتٍ لتشخيص الأمراض المعدية والخطيرة التي لا يمكن تشخيصها سوى من خلال فحص المادة الوراثية، وفي الأردن ربما لا توجد سوى مختبرات ثلاثة، لا تغطي حاجة الأردن بهذا الخصوص".
ويشدد رئيس جمعية المهندسين الوراثيين، على ضرورة تفعيل قطاع الهندسة الوراثية في الأردن وغيره من دولٍ عربية، ويعطي مثالاً بقوله إنّ "دولة كالصين، تحصّل دخلاً سنوياً يفوق 227 مليار دولارٍ كل عام، من نتائج دراسات الهندسة الوراثية وتطبيقاتها على النباتات والمحاصيل وفي علاج الأمراض".

جمعية المهندسين الوراثيين الأردنيين
وبسؤاله عن الأخطار، ورعب البعض أخلاقياً ودينياً وثقافياً من تقنيات الهندسة الوراثية، يجيب فودة: "نعم توجد أخطار، ويمكن قتل إنسان ما من خلال خريطته الوراثية والتعديل عليها مثلاً، ويوجد مثال شهير عن عميل روسي سابق قتل كما أظن من خلال تركيب نوع من العطور وفقاً لخريطته الجينية، وهو عطر يميت هذا العميل بمجرد استنشاقه، بينما لا يؤثر على أي شخصٍ آخر، كقاتل فعالٍ وصامت وبلا أثر، وأشير هنا إلى إمكانية استغلالٍ غير أخلاقي لعينات الحمض النووي المأخوذة من الناس، ومن ثم إيذائهم، أو محاولة السيطرة مستقبلياً عليهم مثلاً، أو تغييرٍ في صفاتهم، من خلال خرائطهم الجينية".

اقرأ أيضاً: الإعجاز إذ يجعل القرآن كتاباً علمياً!
وبينما ختم فودة بالقول إنّ هنالك معايير دولية ومواثيق تحكم التعامل مع عينات الحمض النووي، ومنها "عدم استخدامها لأغراض تدميرية، وإتلاف العينات بعد مدة زمنية محددة"، فإنّ هنالك ما يسمى بـنزعة "ما بعد الإنسان".
وتوصف هذه "النزعة"، بأنها إنسانية وتقدمية، تحاول تحقيق السعادة القصوى، من خلال ما يوصف بـ "الاندماج الكامل مع التكنولوجيا الفائقة"، وذلك بحسب دراسة نشرها موقع "مسارات" للرصد والدراسات المستقبلية بتاريخ 27 أيار (مايو) 2013.
وتنطلق هذه النزعة، من مهاجمة كل ما يعتبر "فكراً دينياً" بحسب الدراسة، خصوصاً إذا تعارض مع التقدم العلمي، إذ يؤمن أصحاب هذا الرأي، بأن العالم "تشارلز داروين"، أرسى قواعد تقدمية تقوم على تطور الأنواع المختلفة من الكائنات الحية، مما يوفر فرصة للبرنامج الوراثي، "من أجل تسريع عملية التطور التي يعد عيبها الوحيد أنها بطيئة، خصوصاً بحق الذكاء البشري، والحاجة الأخرى لتطوير أو تعديل مجموعة من الصفات البشرية".

ما بعد الإنسان: تطور البشر من خلال البرنامج الوراثي حتمية أسّس لها داروين في أصل الأنواع

ويرى أصحاب هذه النزعة، أنّ "التطور هو المسؤول على الوضع الإنساني الحالي، لذلك فإن الذكاء الإنساني، وهو نتاج التطور،  يعد أكثر ذكاء بكثير من مبتكرة. وكل ذكاء ابتكره البشر، أو قاموا بتطويره، لا بد أن يقوم بتجاوز ذكائهم كنتيجة حتمية للتطور".
أما التبرير الأخلاقي لما بعد الإنسان، فهو يتأثر بالفلسفة النفعية، حيث يعتمد على أنّ "القيمة الأخلاقية للعمل تتحدد من خلال ما يساهم به في تحقيق النفع العام، أي إسعاد الناس وتمكينهم من إنجاز أفضل ما يمكن للإنسان وذلك لتخليصه من الألم".
لكن هذه الآمال بالسعادة، التي تتمثل كذلك في الكثير من المقالات التي ربما تطرحها مجلات علمية مرموقة، أو يصرح بها علماء ومختصون غربيون بين حينٍ وآخر، عن اكتشاف جينٍ ما، يختص بصفةٍ بشرية معينة، أو يساهم في إحداث خلل ومرض، وبالتالي ستوجد فرص للعلاج أو التطوير، إضافةً إلى الطموحات البشرية الكبيرة، حول إنسان أطول حياة وأكثر قوةً.

اقرأ أيضاً: عندما تكشف وفاة ستيفن هوكنغ الخصومة مع العلم
والمقصود، إنسان تمكنه جيناته التي تم تطويرها من تحسين نظام الرؤية لديه مثلاً، وتقوي إحساسه، فيستطيع تقصي "الألغام" وينجو منها، أو ربما يعيش في ظروفٍ بيئية أصعب، أو يتمكن من التخلص من صفاتٍ كالعدوانية أو "القابلية للمرض والموت"، إن صح التعبير، ويتمكن من تحديد صفات وليده وجنس هذا المولود كما هو حاصل اليوم رغم التحريمات الدينية في معظم الأحيان.
آمال في الهندسة الوراثية: 

 

 

ولكن، إذا كان هذا كله يخص المستقبل، فإن ما يخص التاريخ الذي يخاف البعض من "تكراره"، يتعلق بمخاوف مرعبة، مثل القتل والتحكم وإعادة إنتاج تركيبة الإنسان الفكرية والوراثية، من خلال خريطته الجينية، كذلك تطوير الأمراض المعدية والقاتلة كأسلحة بيولوجية فتاكة، موجودة اليوم.
حلم الإنسان بالتطور منذ وعيه الأول، وطور هذا الحلم إلى وقائع وحقائق، اخترع النار، فأفاد منها، لكنه حرق بشراً آخرين بها، حقق حلمه بالطيران والتحليق، وأنهى أحلام بشرٍ آخرين في الحروب باختراعه الطائرات الحربية، وطالما حاول الإنسان إضفاء شرعية ما أو أخلاقيات، على اختراعاته واكتشافاته، بينما يمكن الاستنتاج من معلومات هذا التحقيق، أنّ موضوعاً علمياً كالهندسة الوراثية، ربما يكون غير قابلٍ للحسم.
فالإنسان لا يتوقف عن الوجود، بمعنى أنه لا يسعى للانقراض، بقدر ما يسعى للبقاء، وعلوم كهندسة الجينات والوراثة، ربما تسهم بإبقائه وحمايته وإطالة عمره، أو تسمح بانتقاء غير أخلاقي لمن يملك التقنيات، فيفني ويؤذي.
وكل هذا يشير إلى احتمالية بقاءٍ مع تغير في طبيعة الإنسان، أو تقدم مستقبلي تصبح فيه أيام البشر هذه مجرد ماضٍ متخلف. وكل هذا ياتي في سياق صراعٍ تاريخي دائم ربما، بين الإنسان وبنيته الجسدية والعقلية، وبين ما أوجده الإنسان من تصورات، وآلة، وتكنولوجيا، وعلوم.

الصفحة الرئيسية