2022 تطفئ وهج التّكنولوجيا"

2022 تطفئ وهج التّكنولوجيا"

2022 تطفئ وهج التّكنولوجيا"


28/12/2022

لمياء نبيل

في مطلع عام 2022، كان مؤشر ناسداك لأسهم التكنولوجيا يحوم فوق 15.500 ألف نقطة... واليوم، يحوم المؤشر حول 11.600 ألف نقطة، فاقداً نحو ثلث قيمته منذ ذروته التاريخية عند 16.659 ألف نقطة المحققة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011... وهو أمر شجع صحيفة "ذي غارديان" البريطانية على القول إن "فقاعة شركات التكنولوجيا انفجرت"!

مؤشر ناسداك ربما يعطي صورة عامة عن حال قطاع التكنولوجيا الذي شهد قمة تألقه في عام 2021، بعد صعود قوي أسهمت فيه جائحة كورونا وما تلاها من إغلاق دفع العديد من المستهلكين إلى تعديل نمط حياتهم، لتصبح التكنولوجيا منفذهم إلى الترفيه والشراء والعمل والاستهلاك بأشكال لم يسبق لها مثيل.

هذه الفورة التاريخية، مع الظروف الاستثنائية التي لم يكن أحد من صناع التقنية يحلم بها، دفعت عمالقة التكنولوجيا في عام 2021، الذي اعتبر عام الرخاء على مستوى العالم أجمع، إلى تنمية أعمالهم تنمية غير مسبوقة، إما من ناحية التشغيل، أو الاستثمارات، أو التوسعات، أو الديون والتطوير.. لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، ليبدأ عام 2022 بحرب غير متوقعة بين روسيا وأوكرانيا، جرّت في ذيلها النمو العالمي إلى خانات الركود والتضخم، ما دفع المستهلكين على مستوى العالم إلى موجة تقشف غير مسبوقة... أتت أول ما أتت على قطاع التكنولوجيا بكل تأكيد.

سبب إضافي ليس بالهين لتراجع شركات التكنولوجيا يكمن في رفع الفائدة الأميركية، التي دفعت كثيراً من المستثمرين إلى التخلي سريعاً عن أسهم التكنولوجيا "الخاسرة" حالياً، لتوجيه استثماراتهم نحو أصول مضمونة أكثر وأكثر ربحية، سواء في السندات أم حتى في الملاذات الآمنة وعلى رأسها الدولار والذهب. 

 تأثيرات فورية 

شركات التكنولوجيا تأثرت فوراً، لتتعرض لخسائر غير مسبوقة، وتبدأ موجة تسريحات لم يشهدها القطاع من قبل. وبسبب مخاوف الركود الوشيك، توقعت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية انخفاض أرباح شركات التكنولوجيا العملاقة بنسبة 5 في المئة، وهي الخسائر التي ينتظر تفاقمها إلى 20 في المئة في الشركات التي تعتمد على أرباح الإعلانات عبر الإنترنت أو التجارة الإلكترونية اعتماداً أكبر.

وانهار العديد من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى خلال الأسبوع الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، مع ظهور تراجع في الأرباح خلال العام بأكمله، إذ كان أداء "الأسهم العالية النمو" (سابقاً) أقل بكثير من أداء السوق، أو حتى مقارنة بأدائها خلال الأعوام الماضية. 

وانخفضت أسهم شركة "ميتا" المالكة "فايسبوك" بنحو 70 في المئة منذ بداية العام، بما في ذلك انخفاض قدره 24 في المئة يوم الخميس الماضي وحده، في أعقاب الإعلان عن انخفاض الإيرادات في الربع الأخير، واحتلت "ميتا" الآن قمة الشركات الأسوأ أداءً، وكانت من أسوأ خمسة أسهم على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في عام 2022 إجمالاً.

وتعافت شركة البث العملاقة "نتفليكس" إلى حد ما بعد احتلالها مرتبة الأسوأ أداءً على مؤشر ستاندرد آند بورز 500، لكنها ما زالت متراجعة بنحو 50 في المئة منذ بداية العام حتى الآن، بعدما أصيب المستثمرون بالذعر على مدار ربعين متتالين من خسائر كبيرة للشركة. 

وعلى صعيد مجموعة "فانغ" (التي تضم أسهم فايسبوك، وأمازون وآبل ونتفلكس وغوغل) كانت الشركات الباقية أفضل قليلاً من "ميتا"، لكنها لا تزال منخفضة هذا العام. وخلال الربع الثالث، تراجع صافي أرباح "ألفابت" (مالكة غوغل) بنحو 26.5 في المئة على أساس سنوي، نتيجة تباطؤ الإعلانات.

تراجع الإعلانات أيضاً دفع أسهم شركة "سبوتيفاي" (عملاق الموسيقى) إلى التراجع بنحو 58.5 في المئة هذا العام. وقال دانييل إيك، الرئيس التنفيذي للشركة لـ“رويترز" إن "هذا مؤشر مبكر إلى المخاوف التي تشعر بها الشركات بشأن الاقتصاد... لا نشعر بالقلق على المدى الطويل، ولكنه بالتأكيد سيؤثر فينا على المدى القصير، وقد ساهم في تراجع هامش الربح الإجمالي الذي حققناه في هذا الربع أيضاً".

كما انخفضت أسهم "مايكروسفت" بنحو 32 في المئة منذ بداية العام حتى الآن، وتراجعت أسهم تسلا بنحو 37 في المئة... بينما كانت "آبل" أقله انخفاضاً بنحو 20 في المئة منذ بداية العام وحتى تاريخه.

وبشكل أوسع، فإن مؤسسة "غارتنر" للأبحاث أشارت إلى أن مبيعات الحواسب الشخصية على مستوى العالم تراجعت بنحو 20 في المئة في الربع الثالث من عام 2022 على أساس سنوي، تأثراً بالأوضاع الاقتصادية السيئة والتضخم وتراجع سلاسل الإمداد العالمية، وهو أسوأ تراجع من نوعه بالنسبة المئوية منذ منتصف التسعينات بالقرن الماضي.

الحلقة الأضعف 

ووسط الأزمة، باتت الحلقة الأضعف هي الموظفون في قطاع التكنولوجيا، لتبدأ شركات التقنية الاستغناء عن آلاف منهم. الشهر الماضي، قال ديف ليمب، المدير التنفيذي لشركة "أمازون"، في تدوينة: "ما زلنا نواجه بيئة غير عادية وغير مؤكدة في الاقتصاد الكبير. في ضوء ذلك، فقد عملنا خلال الأشهر القليلة الماضية على تحديد الأولويات بشكل أكبر للأمور الأكثر أهمية لعملائنا والشركات"، وفسر العديد ذلك بأنه سيكون بداية لموجة غير مسبوقة من التسريح.

ومنذ بداية العام، بلغت تقديرات مستقلة للاستغناء عن العمالة في القطاع بنحو 250 ألف شخص حول العالم، ليكون 2022 هو العام الأكثر قسوة على موظفي التكنولوجيا. ومنذ منتصف تشرين الثاني الماضي وخلال اقل من 10 أيام فقط، جرى تسريح أكثر من 73 ألف موظف في قطاع التكنولوجيا الأميركي بالفعل.

وقبل أشهر، قال المدير المالي لـ“أمازون" بريان أولسافسكي إنه "مع انحسار الوباء في النصف الثاني من الربع السنوي وعودة الموظفين من الإجازة، انتقلنا سريعاً من نقص الموظفين إلى تكدس الموظفين، ما أدى إلى انخفاض الإنتاجية". وفي منتصف تشرين الثاني، قال الرئيس التنفيذي للمجموعة الأميركية آندي جاسي في مذكرة داخلية نُشرت على موقع "أمازون": "ما زال الاقتصاد في وضع معقد، ونحن عينّا موظفين بسرعة في السنوات الأخيرة"، فيما قال الرئيس التنفيذي لـ“ميتا" مارك زوكربيرغ لموظفيه قبل أيام، إنه يتوقع واحدة من أسوأ فترات الانكماش في التاريخ الحديث.

وفي ما يخص التنفيذ، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن "أمازون" تخطط لتسريح ما يقرب من 10 آلاف موظف، بما يعادل نحو 3 في المئة من مجمل العاملين لديها، ليكون أكبر خفض للوظائف في تاريخ الشركة. وقال جاسي: "أشغل هذا المنصب منذ نحو عام ونصف عام، وهذا بلا شك أصعب قرار اتخذناه خلال هذه الفترة". وأكد أنه يدرك أن الأمر لا يتعلق بمجرد "وظائف" بل بـ"أشخاص لديهم عواطف وطموحات ومسؤوليات وستتأثر حياتهم".

وبدوره، قال زوكربيرغ للموظفين قبل تسريحهم إنه كان يتوقع استمرار الطفرة في التجارة الإلكترونية والنشاط عبر الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19، لكن "لم يقتصر الأمر على عودة التجارة عبر الإنترنت إلى الاتجاهات السابقة، ولكن الانكماش الاقتصادي الكلي وزيادة المنافسة والمؤشر على خسارة الإعلانات تسببت في انخفاض عائداتنا كثيراً عما كنت أتوقعه"... موضحاً: "لكنني أخطأت في تقديري، وأنا أتحمل مسؤولية ذلك".

كما خفض إيلون ماسك عدد موظفي "تويتر" إلى النصف بعد شراء الشركة، فيما أعلنت "ميتا" أنها ستسرح 11 ألف موظف، بما يعادل نحو 13 في المئة من قوتها العاملة. كما أعلنت "انتل" التخطيط لتسريح نحو 20 في المئة من موظفيها البالغين 120 ألف موظف. 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية