يواجهون تحدياً وتهديداً وجودياً في لندن... هل تخسر جماعة الإخوان مقرها الرئيسي؟

يواجهون تحدياً وتهديداً وجودياً في لندن... هل تخسر جماعة الإخوان مقرها الرئيسي؟

يواجهون تحدياً وتهديداً وجودياً في لندن... هل تخسر جماعة الإخوان مقرها الرئيسي؟


17/03/2024

يواجه تنظيم الإخوان المسلمين إجراءات أوروبية غير مسبوقة للحدّ من نشاطه وتتبع مصادر تمويله، وتهديدات وجودية وصلت مؤخراً إلى لندن التي مثلت على مدار العقود الماضية منذ عام 1960 ملاذاً آمناً لنشاط التنظيم ومقراً رئيسياً له، لأنّها تؤوي عدداً كبيراً من قيادات التنظيم الدولي للإخوان وتحتضن أنشطة التنظيم ومقره العالمي.

العاصمة التي فتحت ذراعيها لقيادات الإخوان الفارين من مصر والمغرب العربي، ومن سوريا وفلسطين والعراق، تحصد اليوم نتائج سياساتها، جراء تزايد جرائم الكراهية، وخاصة بعد حرب غزة، والهجوم الذي شنته حركة حماس على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية، والتي دفع ثمنها غالياً الشعب الفلسطيني في القطاع بسبب العدوان الغاشم الذي تشنه تل أبيب منذ نحو (6) أشهر.

وقد تحركت لندن ضدّ جماعات الإسلام السياسي خاصة تنظيم الإخوان المسلمين، وقدمت الحكومة البريطانية الخميس الماضي تعريفاً أكثر صرامة للتطرف يهدف إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنّه "سم للديمقراطية"، وفق ما نقلت (بي بي سي).

سامح إسماعيل :القرار البريطاني سيؤدي إلى تقييد حركة التنظيم داخل أوروبا، وتقليص مصادر التمويل

وسمّى وزير التسوية والإسكان والمجتمعات المحلية البريطاني، المعني بملف تعريف التطرف، مايكل جوف يوم الخميس في خطاب له أمام البرلمان (3) منظمات قال إنّ الحكومة تعتزم "محاسبتها" باستخدام التعريف الجديد للتطرف، حسبما نقت وكالة (فرانس برس).

والمنظمات الـ (3) التي اتهمها جوف بأنّ لها "توجهات إسلامية"، هي الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)، و(كيج إنترناشيونال)، و(ميند).

وكشفت صحيفة (الأوبزرفر) البريطانية أنّ جوف من المقرر أن يعلن عن خطة مثيرة للجدل هذا الأسبوع لحظر الأفراد والجماعات الذين "يقوضون نظام الديمقراطية الليبرالية في المملكة المتحدة" من الحياة العامة، على الرغم من المخاوف داخل الحكومة من أنّ المخطط معرّض لخطر التحدي القانوني، حسبما تكشف الوثائق المسربة.

وسيتم استبعاد المنظمات والأفراد الذين ينتهكون التعريف الرسمي الجديد للتطرف من الاجتماعات، أو وقف أيّ تعامل مع الوزراء وكبار موظفي الخدمة المدنية والمجالس الاستشارية الحكومية والتمويل.

مختار قنديل: دوافع القرار البريطاني هي تصاعد جرائم الكراهية ضد اليهود والمسلمين بعد أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهجوم حركة حماس على إسرائيل

 

ومن المتوقع أن تحذو المجالس حذو الحكومة، وتقطع أيّ روابط مالية وأيّ دعم للأفراد أو الجماعات التي تم تصنيفها على أنّها متطرفة.

وأوضحت الصحيفة أنّ التعريف الجديد للتطرف في بريطانيا يقول: إنّ "السلوكيات الأساسية" التي يمكن أن تشكل تطرفاً تشمل محاولات "قلب أو استغلال أو تقويض نظام الديمقراطية الليبرالية في المملكة المتحدة لمنح مزايا أو عيوب لمجموعات معينة"، أو تهديد الحقوق الفردية أو تمكين انتشار التطرف.

وفي أوراق الإحاطة الداخلية يعترف مسؤولون بوجود خطر حدوث تحدٍّ قانوني، ويواجه الوزير بالفعل معارضة قوية للخطط، بما في ذلك من جماعات الحريات المدنية والمسؤولين وبعض كبار أعضاء البرلمان من حزب المحافظين.

النجار: القرار سيؤدي إلى تحجيم تحركات تلك المنظمات في المجتمع البريطاني

وتُعدّ الإجراءات الجديدة لاستهداف الجماعات التي صنفتها الحكومة على أنّها متطرفة جزءاً من حملة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لقمع المتطرفين الإسلاميين والجماعات اليمينية المتطرفة.

وحذّر في خطاب ألقاه خارج مبنى مجلس الوزراء في الأول من آذار (مارس) من الشوارع التي "اختطفتها مجموعات صغيرة"، والاحتجاجات التي انحدرت إلى "الترهيب والتهديدات وأعمال العنف المخطط لها".

وذكرت الحكومة في بيان أوردته وكالة (رويترز) أنّ "الأمر لا يتعلق بإسكات الذين لديهم معتقدات خاصة وسلمية"، ولا "التأثير على حرية التعبير، التي ستكون محمية دائماً".

 

لندن التي فتحت ذراعيها لقيادات الإخوان الفارين من مصر والمغرب العربي، ومن سوريا وفلسطين والعراق، تحصد اليوم نتائج سياساتها، جراء تزايد جرائم الكراهية.

 

لكنّ هذا التصنيف لا يعني التجريم أو منع المنظمة من العمل بشكل تام في الأراضي البريطانية، لكنّه في الوقت نفسه يعني تقييد الظهور العام للتنظيمات التي تندرج تحته، ويسحب منها ميزة التعامل مباشرة مع الحكومة، وبالتالي يحدّ من نفوذها وتأثيرها في المجتمع بشكل كبير.

ووفق (العين الإخبارية)، فإنّ مثل هذا التصنيف -إذا حدث- سيحرم رابطة مسلمي بريطانيا الإخوانية من إحدى أهم استراتيجيات الجماعة في الدول الأوروبية، وهي ادعاء تمثيل المجتمعات المسلمة، واختراق المجتمع على هذا الأساس، فالمنظمة المحرومة من التواصل مع الحكومة والمسؤولين المنتخبين لن تستطيع لعب دور حلقة الوصل بين المجتمعات المسلمة والمؤسسات العامة، ممّا سيحرمها أيضاً من ركن أساسي في عملها.

وبالأخذ في الاعتبار أنّ رابطة مسلمي بريطانيا تمر بأزمة منذ أعوام، وفقدت الكثير من نفوذها، فإنّ هذا التصنيف -إن حدث- سيكون ضربة قاصمة لمستقبلها، لكن سيكون أمامها خيار اللجوء إلى المحكمة العليا وتحدّي هذا التصنيف الحكومي.

كما أنّ التصنيف الحكومي لم يطل حتى الآن منظمات أخرى مثل مجلس مسلمي بريطانيا، والفروع الرئيسية للإخوان، المصري والعراقي والفلسطيني، ممّا يعني أنّ الحكومة ما يزال أمامها الكثير من العمل لتوجيه ضربة قوية وقاتلة لتطرف الإخوان.

سلطان: يصعب القول إنّ التحرك يمثل تغييراً في النهج البريطاني تجاه الإخوان

وحول التأثيرات المحتملة للقرار على مستقبل التنظيم يقول الأكاديمي والباحث المختص بشؤون الإسلام السياسي والإرهاب الدكتور سامح إسماعيل، في تصريح لـ (سكاي نيوز عربية): "إنّ القرار البريطاني بوضع قيود على الرابطة الإسلامية المحسوبة على الإخوان سيترك أثراً كبيراً على الجماعة، حيث ستؤدي هذه الخطوات لتقييد حركة التنظيم داخل أوروبا، وتقليص مصادر التمويل".

وبحسب إسماعيل، فإنّ المواجهة انتقلت إلى بريطانيا التي يعتبرها الإخوان حاضنة رئيسية لهم، ثم إلى مناطق أوروبية أخرى، الأمر الذي دفع مجلس مسلمي أوروبا، وهو ذراع الإخوان الذي أسسه القيادي الإخواني يوسف القرضاوي، إلى بدء مواجهة مضادة من خلال توظيف برامج لمواجهة الإسلاموفوبيا والمظلومية، وأيضاً الأزمة الأخيرة في غزة من أجل خدمة مصالح التنظيم وتوفير أوعية مالية بديلة له.

 

مايكل جوف: تعتزم الحكومة محاسبة (3) منظمات باستخدام التعريف الجديد للتطرف، وهي (الرابطة الإسلامية في بريطانيا)، و(كيج إنترناشيونال)، و(ميند).

 

ويؤكد الباحث المتخصص في شؤون التطرف والإرهاب بمركز (تريندز للبحوث والاستشارات) محمد مختار قنديل في تصريح صحفي أنّ دوافع القرار البريطاني هي تصاعد جرائم الكراهية ضد اليهود والمسلمين بعد أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهجوم حركة حماس على إسرائيل.

ويرى قنديل أنّه من الناحية النظرية قد يبالغ البعض بالقول إنّ تصنيف مجموعات مرتبطة بالإخوان يحمل في طياته تصنيفاً للجماعة، ولكن لا بدّ من التفرقة ما بين تصنيف مجموعات مدعومة أو مرتبطة بالجماعة، وبين تصنيف الإخوان المسلمين ككل.

ويرى قنديل أنّ إعادة التعريف البريطاني لن يدفع لوقف نشاط تلك المنظمات في الداخل البريطاني، بل سيتوقف تقديم الدعم المالي الحكومي لها، مع استمرار نشاطها وحقها في التظاهر.

التصنيف سيحرم رابطة مسلمي بريطانيا الإخوانية من ادعاء تمثيل المجتمعات المسلمة

ويشير قنديل إلى أنّ الفائدة الكبرى من إعادة التعريف، ووضع منظمات بعينها مرتبطة بالإخوان على أنّها مجموعات متطرفة، أنّها ربما تساهم في تقليل أن تحظى أنشطتها ومظاهراتها بالدعم الشعبي.

هذا، ووصف الباحث في الإسلام السياسي هشام النجار خطوة إعادة تعريف المنظمات الإرهابية بـ "المهمّة جداً والمفيدة في الحرب على الإرهاب"، ولكنّه اعتبرها "غير كافية، وقد لا تحلّ جذور المشكلة".

وأوضح الباحث في الإسلام السياسي أنّ "إعادة بريطانيا تعريف التطرف تأتي في سياق المضطر؛ فبعد تزايد التطرف والتطرف المضاد إثر حرب غزة وقعت أحداث عنف كثيرة من قبل اليمين المتطرف، وزادت خطورة تفجر المشهد الاجتماعي في بريطانيا عن ذي قبل بسبب هذا التصارع الإيديولوجي والطائفي والديني المتشدد، مؤكداً أنّه سيكون للقرار تأثير كبير على الوجود الإخواني في بريطانيا"، مشيراً إلى أنّه سيؤدي إلى "تحجيم تحركات تلك المنظمات، في المجتمع البريطاني، ويوقف إلى حدٍّ بعيد حركة نقل الأموال الإخوانية".

 

يواجه الوزير معارضة قوية للخطط، بما في ذلك من جماعات الحريات المدنية والمسؤولين وبعض كبار أعضاء البرلمان من حزب المحافظين.

 

في السياق نفسه، قال الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان: إنّ الخطوة البريطانية تأتي بعد تزايد جرائم الكراهية، مشيراً إلى أنّه يصعب القول إنّ التحرك يمثل تغييراً في النهج البريطاني تجاه الإخوان، فالواقع يؤكد أنّ حكومة ريشي سوناك تتبنّى نهجاً براغماتياً لضمان مصالحها.

 وأوضح أنّ "القرار موجّه إلى الداخل البريطاني، ولتهدئة بعض دوائر اتخاذ القرار؛ فالمظاهرات التي خرجت في لندن منددة بالحرب على قطاع غزة نظمتها منظمات وجهات متطرفة، ورفعت شعارات تهدد السلم العام البريطاني، وهي نغمة جديدة لم يعتادوا عليها".

ويرى الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والتطرف العالمي منير أديب أنّ لندن تدفع فاتورة رعايتها للجماعات المتطرفة، فقد سبق أن احتضنت كل الجماعات الإرهابية، وسمحت لها بالإقامة على أراضيها، "رغم علمها بأنّها ضد الديمقراطية".

منير أديب: لندن تدفع فاتورة رعايتها للجماعات المتطرفة

وأوضح أديب، في حديث لـ (العين الإخبارية)، أنّ بريطانيا دأبت على "توفير ملاذات آمنة للإخوان ولكل الجماعات المتطرفة، وسمحت بأن تكون عاصمتها مقرّ مكتب التنظيم الدولي، ومقر قيادات السلفية الجهادية وجماعة الجهاد وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، رغم علمها بخطورة تلك الجماعة على سلامة المجتمعات".

ويقول الكاتب والباحث في الجماعات الإسلامية عمرو فاروق: إنّ فكرة إدراج بريطانيا الإخوان على قوائم الإرهاب أمر مستبعد، مشيراً إلى أنّ الخطوة مجرد تهديد تلجأ إليه لندن من آنٍ إلى آخر لاعتبارات سياسية داخلية.

وأوضح فاروق أنّ بريطانيا هي الراعي الرسمي للإخوان، وهي التي انتقل إليها التنظيم الإرهابي عقب صدامه مع السلطات المصرية في 2013، وهي التي استقبلت الإعلاميين الإخوان بعد إبعاد تركيا لهم، وهي التي تستثمر في الإسلام السياسي منذ نشأتهم عام 1928 حتى الآن، مشيراً إلى أنّ كل الأدلة التي ساقتها القاهرة لبريطانيا، والتي تثبت تورط الإخوان في العنف والإرهاب، لم تلقَ منها آذاناً صاغية.

وفي النهاية، يبقى السؤال: هل تتخلى بريطانيا عن سياستها المتساهلة مع الإخوان المسلمين، خاصة أنّ إرهابهم وصل إلى عقر دارها؟   




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية