
بينما تواصل السلطات التونسية مسار محاسبة الإخوان على سنوات حكمهم وما خلفته "العشرية السوداء" من أزمات، شرعت الرئاسة التونسية منذ أسابيع في إجراء اتصالات غير معلنة بعدد من الشخصيات السياسية وممثلين عن أحزاب ومنظمات مدنية وحقوقية، ترتيبا لإجراء حوار وطني، يُرجح أن يكون في آذار / مارس المقبل، فيما استثنت حركة النهضة الإخوانية.
وبحسب ما ذكرت مصادر شبكة "الحرة"، فإن الحوار السياسي يهدف إلى إذابة الجليد" بين سلطة الرئيس قيس سعيد وطيف واسع من القوى السياسية والمدنية في البلاد، و"رسم ملامح مرحلة انفتاح سياسي على الأحزاب والائتلافات الداعمة للسلطة والمعارضة لها".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، قال إن "تحديات كثيرة سنرفعها في مواجهة كل أشكال التحديات في ظل هذه الأوضاع المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم، تتمثل في وحدة وطنية صماء تتكسّر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار".
حوار يستثني أحزاب الإخوان
في السياق نفسه، توقع عبد الرزاق الرايس المحلل السياسي التونسي أن يكون الحوار الوطني المرتقب مختلفا عن تلك التي عرفتها البلاد سابقا، والتي اقتصرت على الأحزاب والمنظمات الوطنية الكبرى، موضحا أنه من المنتظر إشراك المواطنين من أصحاب الأفكار الخلاقة كي يكون الشعب صاحب كلمة ورؤية.
وأوضح في حديث لموقع "العين الإخبارية"، أنه في حزيران / يونيو 2022 أجرى الرئيس قيس سعيد حوارا وطنيا، تمهيدا لتنظيم استفتاء على دستور في 25 تموز / يوليو من السنة ذاتها يعوض دستور الإخوان الصادر سنة 2014، بهدف الخروج من الأزمة السياسية في البلاد، وشهد حينها حضور جميع الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية ما عدا الأحزاب الإخوانية وحلفائها".
وأشار إلى أن الحوار السياسي المنتظر سيستثني بدوره أحزاب الإخوان؛ بينها حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب العمل والإنجاز بقيادة عبد اللطيف المكي وجبهة الخلاص الإخوانية التي يقودها أحمد نجيب الشابي".
وبحسب المحلل السياسي، فإنه "حان الوقت للتهدئة في البلاد والانطلاق في مشروع البناء والتشييد الذي أعلن عنه قيس سعيد إثر فوزه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في الانتخابات الرئاسية والذي لن يتحقق إلا بمشاركة جميع الأحزاب السياسية، تفاديا لأي انفجار اجتماعي في البلا".
وكانت تونس شهدت بين 2013 و2014 حوارا وطنيا أفضى إلى إنهاء الأزمة السياسية التي اندلعت عقب عمليتي اغتيال للمعارضين السياسيين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.
ترتيب البيت السياسي الداخلي
ورجح مراقبون خلال الفترة الأخيرة ، بحسب شبكة "الحرة"، أن تتجه السلطات في تونس إلى إعادة ترتيب البيت السياسي الداخلي تفاعلا مع المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، وأبرزها ما يحدث في سوريا وليبيا وعدد من البلدان الأخرى.
قراءات أخرى تعتقد أن إجراء حوار وطني في تونس غير ممكن في الوقت الحالي وتنفي أن يكون لما حدث في سوريا تداعياته على البلد الذي جرّب الثورة
من جانبه، اعتبر النائب في مجلس نواب الشعب ياسين مامي أن حديث رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن الوحدة الوطنية ،مؤشرا ايجابيا خصوصا وأن البلاد تحتاج إل خطاب طمأنة ومناخ مشجع على الاستثمار وعلى مواجهة التحديات والرهانات الوطنية والإقليمية والدولية بوحدة وطنية.
وبيّن مامي، في تصريح لإذاعة "موزاييك" التونسية، أنه لا يعتقد أن الوحدة الوطنية التي تحدث عنها رئيس الجمهورية تعني الوحدة الوطنية التقليدية التي نفرها الشعب التونسي في الماضي خصوصا وأن ما وقع سابقا في البلاد كان تحت عنوان الوحدة الوطنية.
وأشار إلى أنه ربما يقصد رئيس الجمهورية بالوحدة الوطنية، وحدة القوى الحية في البلاد، و أهمها حالياً ما تبقى من قوى حيّة ( الإدارة و القطاع الخاص اي المستثمرين ).
ويرى ياسين مامي أن رئيس الوظيفة التنفيذية مطالب أكثر بالمضي في تعزيز الوحدة الوطنية في ظل الأوضاع الإقليمية وخصوصا في ظل السياسة الجديدة واللافتة التي توختها الجارة الجزائر خلال الأسابيع الفارطة واجتماع رئيس الجمهورية الجزائرية بالمجلسين التشريعيين والرسائل الايجابية التي وجهها للأحزاب السياسية وخطابه النوعي.
ليس في تونس معارضة جدية وازنة
لكن قراءات أخرى تعتقد أن إجراء حوار وطني في تونس غير ممكن في الوقت الحالي، وتنفي أن يكون لما حدث في سوريا تداعياته على البلد الذي جرّب الثورة وعاش تفاصيل الربيع العربي وقطع مع المنظومة التي أفرزها.
ويقول المحلل السياسي محمد ذويب لـ"النهار" إن الدعوة إلى الوحدة الوطنية صدرت مرات عدة عن بعض الشخصيات السياسية وعن الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويرى أن القرار النهائي في الوقت الحالي بات بيد رئيس الجمهورية الذي نال تفويضاً شعبياً في الانتخابات الرئاسية بنسبة تصويت تجاوزت 90 في المئة، متابعاً: "لا أعتقد أن الرئيس قيس سعيد سيذهب في هذا الاتجاه".
وفي تقديره فإن حديث سعيد عن الوحدة الوطنية المقصود به "الوحدة مع الشعب وليس الوحدة مع بقية المنظمات والأحزاب السياسية".
وعن تداعيات ما حدث في سوريا على تونس وإمكان أن يدفع نحو حوار في تونس يرى ذويب أن الحدث السوري بعيد كل البعد عن السيناريوات المطروحة في تونس.
ويشرح أنه ليس في تونس معارضة جدية وازنة يمكن أن يتحاور معها الرئيس "فنحن لا نرى شارعاً يتحرك مثلاً، فحركة النهضة وبقية الأحزاب السياسية الأخرى يبدو أنها اختارت الاستكانة والاكتفاء ببعض البيانات والتصريحات الإعلامية لبعض نشطائها في الخارج، والحزب الدستوري الحر دخل في سبات، والاتحاد العام التونسي للشغل يعيش أزمةً داخليةً كبيرةً"، ويتابع: "كل هذه المعطيات جعلت الرئيس قيس سعيّد وحده من يتحكم في المشهد السياسي كما يريد".
ويرجّح ألا يذهب سعيّد وهو من بات المتحكم في المشهد السياسي إلى حوار وطني مع معارضة ضعيفة لا وجود لها أو تأثير على أرض الواقع.
هل ولى زمن الأحزاب السياسية
وبات دور الأحزاب السياسية في تونس هشًّا للغاية منذ سنوات، وزاد وقعها تعقيدًا في ظل مقاطعة هذه الأحزاب للانتخابات النيابية والمحلية التي عرفتها البلاد في وقت سابق؛ ما يثير تساؤلات حول مستقبلها.
في السياق، قال المحلل السياسي التونسي، نبيل الرابحي، إن"الدور الكلاسيكي للأحزاب انتهى"، مضيفا: "هذا في الواقع ليس من الآن حيث انتهى في الثمانينيات وقد لاحظنا ذلك أكثر في السنوات الأخيرة بصعود قيس سعيد وغيره".
وأكد في تصريح خاص لـ "إرم نيوز" أن "السؤال الذي يطرح اليوم: هل الديمقراطية ما زالت ترتكز على الأحزاب السياسية والأجسام الوسيطة أم لا؟"، مؤكدا أن: "هذا يبقى سؤالًا نظريًّا وللنقاش وربما ليست له إجابة في الوقت الراهن، لكن يجب العمل على تطوير الديمقراطية".
وشدد على أن "من ناحية أخرى من الضروري إيجاد خطاب سياسي في تونس يتماشى والعصر الحالي"، وأشار إلى أن المفهوم الكلاسيكي للأحزاب انتهى والمفهوم الكلاسيكي للسلطة الغنيمة انتهى، لذلك يجب تطوير خطاب جديد يتماشى مع الأجيال الجديدة والتكنولوجيا".