في أول زيارة لوزير تركي منذ 2013، ومنذ الحديث عن سعي أنقرة للتصالح وتطبيع العلاقات مع مصر، لم تحمل زيارة وزير المالية التركي نور الدين النبطي إلى شرم الشيخ حتى الحد الأدنى من المؤشرات على ذوبان جليد العلاقات السياسية بين القاهرة وأنقرة.
وقد زار النبطي شرم الشيخ للمشاركة في فعاليات المؤتمر السنوي للبنك الإسلامي للتنمية التي امتدت من (1 إلى 4) حزيران (يونيو) الجاري، وانتهت الزيارة دون الحديث عن عقد اتفاقيات أو مشاورات ثنائية اقتصادية مع نظيره المصري محمد معيط، في حين تم الإعلان عن مشاورات تركية مع وزراء عدد من الدول، أهمها قطر والسعودية والإمارات، وكذلك لقاءات مصرية قطرية وجزائرية، ومع عدد من وزراء الدول الأفريقية، وفقاً لصحيفة "الزمان" التركية.
لم تحمل زيارة وزير المالية التركي إلى شرم الشيخ الحد الأدنى من المؤشرات على ذوبان الجليد بين القاهرة وأنقرة
وقال النبطي: إنّه التقى بنظيره الإماراتي وكذلك القطري، والتقى الوزير المصري بالوزيرين، لكن لم يكن هناك أيّ لقاء بين معيط ونبطي على هامش اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية، ممّا اعتبرته صحيفة "الزمان" "استمرارا للفتور في العلاقات المصرية- التركية".
وعلى عكس ما روجت له وسائل الإعلام التركية، فإنّ زيارة الوزير نبطي إلى مصر بعد أعوام من القطيعة، ورغم أنّ الزيارة تأتي في سياق اجتماع دولي يحضره وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية بالدول الإسلامية، إلا أنّها لم تحمل أيّ مؤشرات على التقارب السياسي بين البلدين.
والعلاقات التجارية كانت الشعرة الباقية التي لم تنقطع بين البلدين، لكن يبدو أنّ تركيا ليس لديها ما تقدّمه إلى مصر على غرار قطر التي تحسنت علاقتها مع القاهرة مؤخراً، بل إنّ تركيا تبحث في الواقع عن دعم عربي أو خليجي للاقتصاد التركي الذي يعاني في ظل التضخم المرتفع، وقد وجدت أنقرة غايتها لدى الإمارات التي وعدت باستثمارات كبيرة في تركيا على غرار قطر.
وتبذل تركيا منذ مطلع العام الماضي جهوداً جمّة لإصلاح العلاقات مع مصر ودول الشرق الأوسط، لكن يبدو أنّ أنقرة فشلت في إقناع القاهرة بجدوى التحالف بينهما، بينما استجابت أبو ظبي، ثم الرياض، وتبدو تل أبيب غير متحمسة.
ونزولاً عند شروط القاهرة، طردت أنقرة العديد من الإعلاميين الإخوانيين خارج أراضيها مؤخراً، وأبرزهم محمد ناصر، الذي أعلن عبر تغريدة على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر رحيله عن تركيا والتوجه إلى دولة أخرى لم يسمّها.
انتهت الزيارة دون الحديث عن عقد اتفاقيات أو مشاورات ثنائية اقتصادية مع نظيره المصري محمد معيط
ويأتي رحيل ناصر عن تركيا بعد نحو (3) أسابيع من قرار قناة مكملين الإخوانية إغلاق مقراتها في تركيا والتوجه لدولة أخرى لم تسمّها أيضاً، بعد (8) أعوام من انطلاقها من الأراضي التركية، وسط أنباء استخباراتية غير رسمية عن عزم تركيا تسليم قائمة ببعض المطلوبين في قضايا إرهاب في مصر للسلطات المصرية.
ونشر موقع "إنتيلجنس أون لاين" الفرنسي تقريراً في أيار (مايو) الماضي، أكد فيه وجود تنسيق أمني ومخابراتي بين البلدين للنظر في تسليم بعض قيادات جماعة الإخوان إلى مصر، موضحاً أنّ أنقرة لديها رغبة قوية في تسريع وتيرة التقارب مع القاهرة، "حتى لو وصل الأمر إلى تسليم بعض القيادات من جماعة الإخوان"، وهو مطلب تصرّ عليه مصر، ولن تتراجع عنه، في ظل الرغبة التركية بتصفير الخلافات بين البلدين وإعادتها إلى سابق عهدها، على حدّ قول الموقع الفرنسي.
وفي آذار (مارس) 2021 أصدرت السلطات التركية تعليمات لـ3 قنوات تلفزيونية للإخوان المسلمين في إسطنبول، وهي "الشرق" و"مكملين" و"وطن"، بتخفيف حدة انتقادها للحكومة المصرية و"ضبط سياستها التحريرية" في محاولة لتطبيع العلاقات مع مصر، في خطوة اعتبرها مراقبون دوليون صفعة مصرية جديدة لجماعة الإخوان المسلمين التي أُطيح بها في مصر في تموز (يوليو) 2013 بعد عزل الرئيس محمد مرسي، المنتمي للجماعة ذاتها، الأمر الذي بدا جلياً في ترحيب مؤسسات الدولة المصرية، ومن بينها وزارتا الخارجية والإعلام.
وقد توترت العلاقات المصرية التركية في أعقاب الإطاحة بمحمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في 3 تموز (يوليو) 2013، بعد ثورة الـ30 من حزيران (يونيو) من العام نفسه، حيث شنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء حينها، حملة ضارية على السلطات المصرية والجيش المصري متهماً الأخير بالانقلاب على حكم جماعة الإخوان، التي حظيت بتعاطف تركيا ودعم أردوغان السياسي والمالي واللوجيستي على مدار أعوام.