
قبل فترة قريبة قرأت مقترحاً "جديداً" لتغيير قانون الأحوال الشخصية في العراق، تفاءلت، ثم ماذا؟ السماح بتزويج الفتيات الصغيرات؟ من الطبيعي أن تتغير الأطر التشريعية لتواكب المستجدات على أرض الواقع، لكن يبدو أنّ هذا يحدث في كل مكان، إلّا في العراق، فبدلاً من استشراف المستقبل، هناك من يصرّ على العودة إلى الخلف.
وقد أثار التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية العراقي جدلاً كبيراً داخل العراق وخارجه، وتركز الجدل حول التعديلات التي اقترحها برلمانيون حول سِنّ الزواج، وتسجيل الزواج في المحاكم، والمرجعية القانونية والشرعية للزواج المختلط، وحضانة الأطفال، وحقوق المطلقة.
كما تضمن المقترح - الذي تقدم به النائب رائد المالكي ـ تعديل (3) مواد بشكل أساسي: إضافة فقرة تتيح للمواطنين اختيار المذهب السنّي أو الشيعي في قضايا الأحوال الشخصية، وإلغاء المادة التي تُجرّم عقد الزواج خارج المحكمة، وتصديق المحكمة على عقود زواج البالغين بتخويل من الوقف السنّي أو الشيعي، وفق ما نقل موقع (السامرية).
وقد ناقش البرلمان العراقي في جلسة الأخيرة تعديل قانون الأحوال الشخصية للسماح بزواج الفتيات دون سن التاسعة، ممّا دفع قوى سياسية ومنظمات حقوقية لإعلان رفضها القاطع.
وتسعى القوى الشيعية لتمرير القانون بتوافق مجتمعي، لكنّها تواجه رفضاً واسعاً من قوى مدنية ومنظمات نسوية.
وأكد التحالف الرافض للقانون، الذي يضم حركات نسوية ومنظمات مدنية وقوى سياسية، أنّ التعديلات تمثل انتهاكاً صارخاً للدستور العراقي وللاتفاقيات الدولية الموقعة، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي تمنع الزواج قبل سن (18) عاماً، وفق ما نقلت شبكة (سكاي نيوز).
وقال الكاتب والباحث السياسي حيدر الموسوي: إنّ التعديلات لا تُشرعن زواج القاصرات كما يُشاع، بل تهدف إلى تقنين الواقع الحالي.
وأشار إلى أنّ القانون يمنح الحرية للعراقيين لاختيار المذهب الذي يناسبهم، مضيفاً أنّ النصوص ستحدد الحد الأدنى للزواج عند (15) عاماً فما فوق.
بدوره أكد النائب السابق في برلمان إقليم كردستان العراق عبد السلام برواري في تصريح صحفي أنّ القانون يمثل محاولة لفرض رؤية مذهبية ودينية على المجتمع بأسره، مشيراً إلى أنّه قد يؤدي إلى تحويل العراق إلى نسخة مشابهة للنظام الديني الإيراني.
وأوضح أنّ المراجعات الدينية المستخدمة كمرجع ستجعل المحاكم ملزمة بآراء رجال الدين، ممّا يهدد مبدأ الفصل بين الدين والدولة.
هذا، وقالت مسؤولة البرامج في إحدى المنظمات غير الحكومية في العراق هديل "اسم مستعار": إنّ زواج الأطفال يترتب عليه زيادة نسب العنف والطلاق، ممّا يجعل الفتاة تعود إلى عائلتها مع أطفال لا تستطيع إعالتهم، الأمر الذي قد يعرض القاصر لزواج ثانٍ، ومن ثم إعادة التجربة الفاشلة نفسها، ممّا قد يدفع العديدات منهنّ للانتحار.
منظمة العفو الدولية: يجب على المشرعين العراقيين إسقاط هذه التعديلات، التي من شأنها أن تنتهك حقوق النساء والفتيات، وتزيد من ترسيخ التمييز المجحف.
أمّا بخصوص المسودة الجديدة، فتضيف في حديثها لموقع (رصيف22): "أعتقد أنّ انتشار ظاهرة التزويج بعقد إمام أو سيّد ممّن لا يمتلك أيّ شخصية قانونية، يزيد من تفاقم أثر زواج الأطفال، لأنّه في هذه الحالة يتم تسجيل الزواج لدى المحاكم الشرعية فقط. صحيح أنّ مسودة القانون تفرض تسجيل الزواج بعد ذلك في خلال مهلة محددة، ولكنّ هذا قد يأخذ وقتاً تكون الفتاة فيه قد تم تزويجها وتطليقها، قبل أن يسجل الزواج من الأساس، وبذلك تفقد كل حقوقها إن كانت قد ذكرت حقوقها أصلاً في عقد الزواج المكتوب لدى رجل الدين".
وقالت (هيومن رايتس ووتش) في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني: إنّ البرلمان العراقي يعمل على تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد بحيث يسمح للمرجعيات الدينية العراقية، بدلاً من قانون الدولة، بتنظيم شؤون الزواج والميراث على حساب الحقوق الأساسية.
وأضافت المنظمة الحقوقية أنّه إذا ما أُقرّ التعديل، فستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، إذ سيسمح بزواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن (9) أعوام، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة أوجه حماية المرأة في الطلاق والميراث. ويعرّض زواج الأطفال والفتيات لتزايد خطر العنف الجنسي والجسدي، وعواقب وخيمة على الصحة البدنية والنفسية، والحرمان من التعليم والعمل.
وقالت (هيومن رايتس ووتش): إنّ مشروع التعديل يشرّع مشكلة زواج الأطفال الكبيرة والمتنامية في العراق بدل محاولة حلها.
من جانبها قالت منظمة العفو الدولية في بيان عبر موقعها الإلكتروني: إنّه قبَيْل تصويت وشيك على تعديلات لقانون الأحوال الشخصية، يجب على المشرعين العراقيين إسقاط هذه التعديلات، التي من شأنها أن تنتهك حقوق النساء والفتيات، وتزيد من ترسيخ التمييز المجحف، وقد تسمح بزواج الفتيات في سن التاسعة.
وقالت الباحثة المعنية بشوؤن العراق في منظمة العفو الدولية رازاو صاليي: "يجب على المشرعين العراقيين أن يستمعوا إلى تحذيرات المجتمع المدني، ومجموعات حقوق المرأة، من التأثير المدمر لهذه التعديلات، التي من شأنها إلغاء سن الزواج القانوني الحالي البالغ (18) عاماً للفتيات والفتيان على حد سواء، ممّا يمهد الطريق لزواج الأطفال، وكذلك تجريد النساء والفتيات من الحماية فيما يتعلق بالطلاق والميراث.
وهناك أكثر من نقطة خلافية وجدلية في تعديلات قانون الأحوال الشخصية العراقية، أبرزها ما يتعلق بسن زواج الإناث، حيث يعدل القانون سن زواج الإناث إلى ما دون سن الـ (14) عاماً، ويسمح بزواج الفتيات بعمر التاسعة.
الخلاف الثاني يتعلق بتسجيل عقد الزواج، فالتعديلات سمحت بما يُسمّى زواج المأذون، والمأذون بالنسبة إلى السُّنّة هو رجل دين، وبالنسبة إلى الشيعة يُسمّى السيّد.
وهناك نقاط خلافية أخرى تتعلق بالزواج المختلط، أي الزواج بين طائفتين مختلفتين، فالتعديلات أقرت بأن يكون تسجيل عقد الزواج بموجب الانتماء الطائفي للزوج.
وأيضاً هناك نقاط خلافية تتعلق بحقوق المرأة المطلقة، وقد وصفت الإجراءات بالأكثر قسوة إذ تشمل منعها من الحصول على حقوقها كاملة، وبالتحديد ما يُسمّى بالنفقة، وأيضاً سمحت التعديلات بحضانة الرجل للأطفال، وفق وكالة (مونت كارلو).