هل ينجح الكاظمي في تفكيك الميليشيات الإيرانية في بغداد؟

هل ينجح الكاظمي في تفكيك الميليشيات الإيرانية في بغداد؟


27/09/2020

يتحرّى رئيس وزراء العراق، مصطفى الكاظمي، وضع مجموعة من السياسات الجديدة، والإجراءات النوعية، للحيلولة دون مواصلة الميليشيات المدعومة من إيران، ممارسة تهديداتها الأمنية والسياسية على العراق، لا سيما مع عودة شبح الاختطاف والقتل للناشطين العراقيين والمدونين، المرتبطين بالحراك الشعبي ضدّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأزومة، من ناحية، والفوضى والسيولة الأمنية، من ناحية أخرى؛ إذ يواجه الكاظمي ضغوطاً عديدة لتجميد وكبح تحركاته، سواء المحلية أو الإقليمية، الساعية نحو خصم رصيد طهران، وتصفية نفوذها في بغداد.

الكاظمي والميليشيات

وهاجمت بشدّة ميليشيات عصائب أهل الحقّ، برئاسة قيس الخزعلي، توجيهات الكاظمي إلى قوات مكافحة الإرهاب، في مدينة الناصرية، الواقعة جنوب شرق العراق، لملاحقة خاطفي الناشط العراقي، سجاد العراقي، وذلك بعد الاتهامات المتداولة من ناشطين عراقيين حول تورّط عناصرهم في عملية الخطف؛ حيث تحرّكت قوة أمنية خاصة، مدعومة بمروحيات تابعة للجيش العراقي، للبحث عن الناشط العراقي المختطف، السبت الماضي، كما حاصرت القوات العسكرية والأمنية، لمدة يومين، مجموعة من المنازل المشتبه في استخدامها كسجون سرّية للمنظمات التابعة للحشد، وتحديداً منظمة "بدر"، برئاسة هادي العامري، والمتهمة على نحو مباشر بتنفيذ اختطاف سجاد.

وبينما صرّح رئيس الوزراء العراقي، بضرورة تعقّب العناصر المتورطة في عمليات الاختطاف والاغتيال، ومحاسبة المسؤولين عنها، فقد قام كذلك بعدة جولات تفقدية مباغتة لمجموعة من السجون، لجهة ضمان عدم وجود محتجزين من الحراك الشعبي.

منظمة العفو الدولية: الحشد الشعبي يمتلك أسلحة مصنعة في 16 بلداً، تضم أسلحة خفيفة وصواريخ، وأنظمة مدفعية، ومركبات مصفّحة، صينية وأوروبية وعراقية وإيرانية وروسية وأمريكية

وفي غضون ذلك، هاجم جواد الطليباوي، القيادي في عصائب أهل الحق، في تغريدة عبر حسابه الرسمي، في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، نشاط الكاظمي وتحركاته المتصلة بقضية اختطاف الناشط العراقي، وكذا الاتهامات المتداولة من ناشطين باتجاه مسؤولية "بدر" في هذا الشأن، وحملت التغريدة المنشورة خطاب كراهية وعنف صريح، يدفع باتجاه الصدام بين الحكومة والعشائر؛ إذ قال: "لولا تضحيات عشائر ذي قار لما تحقّق النصر، ولما كانت هناك هيبة للدولة؛ لذلك من المعيب استعراض الكاظمي بجهاز مكافحة الإرهاب على أبناء عشائرنا في ذي قار، واستخدامه لترويعهم، بذريعة وجود شخص مخطوف".

من قاد العراق إلى اللادولة؟

لا تعدو المواجهة القائمة بين الكاظمي والميليشيات العراقية، المدعومة من إيران، حادثاً جديداً أو طارئاً، إنما يعود إلى أوقات سابقة، شهدت سياقات عديدة وخلفيات متنوعة، وقد أخذت محطات تراوحت بين الشدّة واللين، لكن طابعها العام هو التحدي من جانب الأخيرة، ومحاولة تثبيت الأوضاع الخاصة بنفوذها في بغداد؛ إذ قام حزب الله العراقي إبان اعتقال مجموعة من عناصره، بتنفيذ استعراض عسكري أمام مقرّ الحكومة، في المنطقة الخضراء، ما جعل الكاظمي يبعث بملف المعتقلين إلى هيئة الحشد الشعبي، والتي قامت بالإفراج عنهم.

يعكس الصراع القائم تعقيدات الأزمة العراقية، منذ سقوط بغداد، عام 2003، ومن ثم، التحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة إثر ذلك التاريخ، فقد تعرضت الدولة إلى الانهيار والتفكيك، كما يوضح الباحث العراقي، عبد القادر الجنابي، وامتدّ الوضع، بصورة خطيرة وحساسة، إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، وقد جرى إضعافها، من جهة، وتشكيلها بناء على التوافقات السياسية الجديدة، من جهة أخرى؛ إذ أصبحت هيئة ميلشياوية مثل الحشد الشعبي، رغم الولاء الخارجي لها، سياسياً وعقائدياً، ضمن المؤسسة العسكرية الأمنية الرسمية.

الباحث عبد القادر الجنابي لـ "حفريات": صعود الحشد الشعبي كان إفرازاً طبيعياً للتكتلات التي مثّلت الصراع على أساس طائفي، عقب سقوط الموصل في قبضة داعش

ويضيف الجنابي لـ "حفريات": "ذلك هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الكاظمي، وغيره من رؤساء الحكومات التي تريد استعادة الدولة ومؤسساتها، بمفهومها الوطني؛ إذ إنّ صعود الحشد الشعبي كان إفرازاً طبيعياً للتكتلات التي مثّلت الصراع على أساس طائفي، سنّي شيعي، وقد تزامن تأسيس الحشد عقب سقوط الموصل في قبضة تنظيم داعش الإرهابي، وخلال أربعة شهور فقط، لكنّها، وفي ظلّ وضع الدولة الهشّ، وضعت نفسها باعتبارها لاعباً سياسياً مؤثراً، على المستويين المحلي والإقليمي، كما هي عادة الدولة الراعية، إيران، وإستراتيجيتها في العمل، الأمر الذي حدث مثله في لبنان مع حزب الله.

إيران وتصدير الأزمة

تعود بدايات تأسيس الحشد الشعبي، من خلال الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي، آية الله علي السيستاني؛ حيث حرّض كلّ من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية، لجهة التصدي لمسلحي تنظيم الدولة، وهو ما وصفه بـ "الجهاد الكفائي"، بيد أنّ العام 2016، كان لحظة مختلفة ومفصلية في تاريخ الحشد الشعبي، من الناحيتَين، التنظيمية والسياسية؛ حيث مرّر البرلمان العراقي قانوناً، ترتّب عليه تقنين وضعه، فتحوّل من فصيل عسكري غير نظامي، إلى مكوّن سياسي وعسكري رسمي.

تعدّدت الجرائم الإنسانية، والانتهاكات الحقوقية التي ارتكبتها ميلشيات الحشد؛ حيث سبق لمنظمة العفو الدولية، أن طالبت "الدول التي تزوّد العراق بالأسلحة، بوضع ضوابط صارمة لمنع وصول الأسلحة لميليشيات الحشد الشعبي، بهدف تفادي وقوع جرائم حرب في حقّ المدنيين"، ووصفت في تقريرها تلك الميليشيات بأنّها "ارتكبت جرائم قتل وعذبت واختطفت آلاف الرجال والصبيان".

اقرأ أيضاً: برلمانيون عراقيون لـ"حفريات": الحكومة ستعاني في تأمين رواتب الأشهر المقبلة

وأوضحت المنظمة الدولية؛ أنّ قوات الحشد، قامت بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وتعذيب واختطاف آلاف الرجال والفتيان، دونما خشية من أيّ عقاب، بينما كشف التقرير الصادر عن المنظمة؛ أنّ الحشد الشعبي يمتلك أسلحة مصنعة، في 16 بلداً، على الأقل، وتتراوح بين "أسلحة صغيرة وأخرى خفيفة، إضافة إلى صواريخ، وأنظمة مدفعية، ومركبات مصفّحة، صينية وأوروبية وعراقية وإيرانية وروسية وأمريكية".

وإلى ذلك، غرّد الناطق الرسمي بلسان رئيس الوزراء، أحمد ملا طلال، بأنّ "القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، وجّه بإصدار قرار منع سفر بحقّ الفريق جميل الشمري، لتورطه بقضايا قتل المتظاهرين، في الناصرية".

الدولة العميقة في بغداد

ومن جهته، دان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بعض فصائل الحشد الشعبي، التي وصفها بأنّها تعمد إلى "إضعاف العراق"، كما طالبهم بضرورة "وقف القصف والاغتيالات"، كما دعا إلى إنهاء وضع بغداد كساحة لصراع بالوكالة لحساب آخرين.

ويرى الباحث العراقي، زمان إدريس، أنّ موضوعاً كبيراً مثل الفساد في العراق، بصفة عامة، له ارتباطاته الواسعة، وامتداداته العميقة؛ فهو، ظاهرياً، لا يعكس عمق الأزمة التاريخية والسياسية، التي تتصل بأيديولوجيات متناحرة، وإستراتيجيات إقليمية، وحروب دولية، بينما يحيلنا الموضوع إلى إيران الثورة (1979)، وكذا مشروع ولاية الفقيه، التي تحوّلت على إثره طهران إلى دولة المنظمة التبشيرية التوسعية السرية، بحسب توصيفه.

اقرأ أيضاً: انهيار الفساد في العراق.. هل بات وشيكاً؟

ويضيف إدريس لـ "حفريات": "الإحالة المباشرة لموضوع الفساد لا تمكن مناقشته بمعزل عن توغّل الميليشيات المتنفذة في العراق، فثمة ارتباط وثيق بين الأمرين، ولطالما ظلّ وضع تلك الميليشيات يكتنفه الغموض؛ فهي في النهار جزء من الدولة، وفي الخفاء تتحوّل إلى عصابات، بالتالي، عصيّة على الحصر والاقتناص والمعالجة، في ظلّ تلوّنها وتخفيها الدائم؛ لذا تورّطت الميليشيات وهي تدافع عن مشروعها، في اغتيال الناشطين المنتمين إلى ثورة تشرين الأول (أكتوبر) العام 2019، وذلك لمجرّد أنّ هؤلاء الشباب طالبوا باستعادة وطنهم من يد الميليشيات وقوى الفساد.

ومن هنا، جاء التحالف التاريخي "القوي" بين الميليشيات والفاسدين، بحسب الباحث العراقي، وكان آخر محاولات الاغتيال مع الناشط سجاد العراقي، وهي العملية التي كشفت دخول عنصر جديد في معادلة الفساد الميليشيات ممثلاً في العشائر؛ حيث أودع المخطوف في منزل شيخ عشيرة (الهراكصة)، مما استدعى تدخل قوات من العاصمة (جهاز مكافحة الارهاب) وطائرات من الجيش العراقي.

وفي نظر الباحث العراقي، فإنّ "استدعاء تدخّل أهم قوة عراقية في عملية تحرير مخطوف، وفشلها في ذلك الأمر، يبرز سيناريو التصادم الذي تمّ تأجيله طويلاً بين الدولة والميليشيات، والأخيرة تحوّلت إلى دولة عميقة، من خلال الدعم الإقليمي الخارجي الذي تحظى به، إضافة إلى استفادتها من الفساد، لمدة 18 عاماً، وفي ظلّ حكومات خدم فيها زعماء طوائف، وقادة سياسيون، وقوى قبلية عشائرية من جميع مكونات الشعب العراقي، لذا فهي من القوة حيث تكاد أن تطيح الدولة العراقية "الهشّة"".

الصفحة الرئيسية