هل يمكن مقارنة إستراتيجية بوتين بما فعله هتلر؟

هل يمكن مقارنة إستراتيجية بوتين بما فعله هتلر؟


كاتب ومترجم جزائري
08/03/2022

ترجمة: مدني قصري

مناورات عسكرية ودبلوماسية ومعارك أيديولوجية الموقف المنهجي والهجوم العسكري للرئيس الروسي، يمكن أن يعيد إلى الأذهان موقف زعيم الرايخ الثالث، لكن إلى أيّ حدّ؟

يتفق الجميع على أنّ فلاديمير بوتين ليس أدولف هتلر؛ فالأول ينوي استعادة الإمبراطورية الروسية إقليمياً مع المناطق الناطقة بالروسية، دولياً، مع مناطق نفوذها، والثاني كان يسعى لفرض هيمنة كاملة على أوروبا والعالم  مع إنشاء إمبراطورية قائمة على العرق، غازياً ومدمِّراً.

ومع ذلك يمكن أن يكون المنظور مفيداً؛ لأنّ النقاط المشتركة لا يمكن التغاضي عنها.

 

اقرأ أيضاً: أين تقف أفريقيا من الحرب الأوكرانية؟

النقطة الأولى تتعلق بكون الزعيمين ديكتاتوريين، نوع الدولتين ليس هو نفسه بالطبع، لكنّ السلطة الشخصية حقيقة واقعة، لا شكّ في أنّ المثقفين والسياسيين الفرنسيين الذين يتحدثون عن الانتخابات في روسيا اليوم لا تنقصهم الجرأة! فعندما يكون المعارضون في السجن أو ممنوعين من المنافسة، وعندما تخضع وسائل الإعلام لرقابة مشددة، وعندما يتم حلّ جمعيات المجتمع المدني، وعندما تنتقد تأكيدات السلطة وتاريخها الرسمي، مثل جمعية ميموريال "Mémorial" الروسية  مؤخراً، لا بدّ أن يكون من الصعب التحدث عن أيّة ديمقراطية، وإلا فلم يعد للكلمات أية دلالة.

يتفق الجميع على أنّ فلاديمير بوتين ليس أدولف هتلر

في النص المشترك، الذي نشرته الصين وروسيا خلال الاجتماع بين فلاديمير بوتين وشي جينغ بينغ، عند افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين، والمطالبة بديمقراطية "حقيقية" لأنظمتهما، مقابل الديمقراطية الغربية المنحطة الزائفة، يجب أن تذكرنا بكل الدعاية حول "الديمقراطيات الشعبية" التي أظهر تاريخُها كلّ الغرور.

سياسة سلطوية منهجية مفرطة

النقطة المشتركة الثانية تتعلق بطابع الشرعية التي غذّت وتغذّي هاتين الديكتاتوريتين ونوعها: القومية. بالنسبة إلى هتلر كان الأمر يتعلق بالانتقام لألمانيا عن إذلال معاهدة فرساي لها، وبالنسبة إلى فلاديمير بوتين يتعلق الأمر بالثأر لروسيا عن الإذلال الذي حدث في العقد الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وهذا يفسّر الدعم الذي يمكن أن يحظى به هذان النظامان في وجهات نظرهما، طالما أنّ الانتصارات (والمكاسب) موجودة.

هناك بديهياً إعادة توزيع لميزان القوى على المستوى العالمي، لكن هناك أيضاً معركة قيم للدفاع عن الديمقراطية الليبرالية التي ترفضها روسيا والصين والعديد من الدول الديكتاتورية

يمكن للسياسات التي يتبعانها أن تكون سياسات قوّة فقط. فالهزيمة العسكرية أو الدبلوماسية غير مسموح بها تحت طائلة رؤية انهيار سلطة الدكتاتوريين وأنظمتهما.

إنّ معرفة الهدف المراد تحقيقه، كالذي يريده فلاديمير بوتين، مثلاً، يمنحه ميزة على أولئك الذين لا يعرفون ما يريدونه حقاً.

هناك، أخيراً، نقطة ثالثة مشتركة، وهي اليوم، بشكل لا جدال فيه الأكثر وضوحاً، وهي تتعلق بالطريقة، كلاهما أعلنا بوضوح عن نواياهما ومشاريعهما السياسية؛ بل حتى أنهما كتبا تلك النوايا ونشراها...

 

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف في العالم و"النازيون" في أوكرانيا

بالطبع، يذكّرنا هذا بكفاح أدولف هتلر، لكنّ فلاديمير بوتين نشر مقالاً طويلاً خلال هذا الصيف عرَض فيه رؤيته لتاريخ روسيا ومصيرها، حيث لا يمكن لأوكرانيا إلا أن تكون جزءاً من الوطن الأم، وهو ما يتضح مرّة أخرى في خطابه، في 21 شباط (فبراير)، الذي أعلن فيه الاعتراف باستقلال جمهوريتَي دونباس التي نصّبت ذاتياً نفسَيهما بنفسَيها، دون تحديد حدودها الدقيقة. ومن الصعب الادعاء بعدم معرفة أهدافها النهائية!

أمّا معرفة ما إذا كان سيتم تحقيقها فذاك أمرٌ آخر. على أي حال، لتحقيق ذلك فهو يمزج بين المناورات العسكرية والمناورات الدبلوماسية، والاستيلاء بالقوة على الأراضي والوعود الدبلوماسية التي سرعان ما يفنّدها بمجرد أن تصبح علاقات القوى في صالحه.

معالم تاريخية للتذكير

من المثير للاهتمام التذكير بالعملية التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كانت نيّة أدولف هتلر الواضحة هي تمزيق معاهدة فرساي. وقد فعل ذلك بشكل منهجي، من خلال الخطاب العنيف، المصحوب بالأفعال، وباللعب على تطلعات السلام في الآراء الأوروبية التي أصبحت راسخة تماماً بعد إراقة الدماء في الحرب العالمية الأولى. كانت إعادة تسليح ألمانيا، عام 1935، الاختبار الأوّل، لقد أقنعتها تسويفاتُ فرنسا وإنجلترا بشكل أساسي بأنّه يمكنها المضي قدماً في مشروعها، وفي شباط (فبراير) 1936 كانت إعادة تسليح راينلاند (ألمانيا الحالية) نقطة تحوّل تاريخية.

 بالنسبة إلى هتلر كان الأمر يتعلق بالانتقام لألمانيا عن إذلال معاهدة فرساي لها

يتفق المؤرخون اليوم بالفعل على القول إنّ القوات العسكرية كانت، في ذلك الوقت، ما تزال تعمل لمصلحة الديمقراطيَّتَيْن، وكان ذلك جيداً، وهو ما كان يخشاه العديد من الجنرالات الألمان، لكنّ إنجلترا لم ترغب في التشكيك في سياستها المتمثلة في "التهدئة"، وقد خشيت الحكومة الفرنسية من أن تضطر إلى إصدار مرسوم للتعبئة العامة على النحو الذي كانت تطالب به هيئة الأركان العامة في حالة حدوث صراع؛ ففي ذلك الوقت بالذات بدأ أدولف هتلر يدّعي أنّ ذلك آخر مطالب ألمانيا.

اقرأ أيضاً: قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟

في أيار (مايو) 1936، حدث السيناريو نفسه خلال عملية  آنشلوس (1)، ممّا أدى إلى ضمٍّ فعليٍّ للنمسا، وقد أدّى عدم وجود ردود فعل دولية وانحياز إيطاليا في عهد موسوليني إلى جانبها إلى إقناع أدولف هتلر بأنّ إعادة توحيد جميع الأراضي التي يسكنها السكان الألمان قد أصبحت في متناوله.

من المثير للاهتمام التذكير بالعملية التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كانت نيّة أدولف هتلر الواضحة هي تمزيق معاهدة فرساي، من خلال الخطاب العنيف، المصحوب بالأفعال

كانت هذه كلّ الدراما في مؤتمر ميونيخ، في أيلول (سبتمبر) 1938، وكثيراً ما يتم ذكرها في هذه الأيام، كانت المسألةُ تتعلق بـ "حماية" أقلية ألمانية، السوديت "Sudètes" التي قيل إنّها كانت مضطهدة في جمهورية تشيكوسلوفاكيا، بدأ أدولف هتلر بالتهديد باستخدام القوة دفاعاً عن تلك الأقلية.

وفي هذا السياق طُرِح حلٌّ وسط اقترحه رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، الذي جاء إلى برلين، في 15 أيلول (سبتمبر)، وتمّ قبول الاقتراح في الظاهر، ولكن تمّت إدانته في اليوم التالي من قبل المستشار الذي تقدّم بمطالب جديدة لإضعاف دفاع تشيكوسلوفاكيا، وهكذا ظنت أوروبا هذه المرّة أنّها أصبحت على شفا حرب.

أدّت مبادرة موسوليني إلى عقد المؤتمر الرباعي في ميونيخ، في 29 أيلول (سبتمبر)، دون حضور الرئيس التشيكوسلوفاكي، إدوارد بينيس. وقد وقّعت الرباعية على تخلي تشيكوسلوفاكيا الفعلي وأتاح ذلك للمستشار الألماني أن يردِّد أنّ ذلك كان "مطلبه الأخير".

أوجه تشابه واضحة

من المؤكد أنه ليس من الضروري حساب المواقف، لكن هناك أوجه تشابه في الأساليب ليس من المعقول تجاهلها، هذا المزيج من استخدام القوّة والدبلوماسية لا يمكن أن يخدع إلا أولئك الذين ليست أفكارهم واضحة. إنّ معرفة الهدف المقصود، مثل فلاديمير بوتين، يمنح ميزة على أولئك الذين لا يعرفون ما يريدونه حقاً، هذا هو الرهان الذي ظلّ على المحكّ، منذ عام 2008، مع الأزمة الجورجية، منذ عام 2014، مع ضمّ شبه جزيرة القرم وتمكين قيام جمهوريَتَيْ دونباس.

يجب أن يظلّ ردّ فعل الغربيين الأوّل والأفضل، وقبل كلّ شيء إدراكهم لِقِيَمِهم ومصالحهم المشتركة.

اقرأ أيضاً: قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟

أمّا التشابه الآخر مع ثلاثينيات القرن الماضي فهو تأثيرُ جهة فاعلة ثالثة، وليس أقلها أهمية، في المواجهة بين روسيا بوتين والدول الغربية، وهي الصين التي هي أيضاً "قوة تصحيحية"، كما يقال، والتي تعاني أيضاً من ألوان من الإذلال التي تسعى للثأر لها، والتي اكتسبت ثقلاً كبيراً في العالم، على شاكلة الإمبراطورية اليابانية التي دخلت في "محور" مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.

من ناحية أخرى، فإنّ الاختلاف الذي يجب التفكير فيه مرتبطٌ بالمعطيات العسكرية؛ ففي عام 1936 وحتى عام 1938 لم يكن الجيش الألماني يمتلك أيّ تفوّق على جيش فرنسا وإنجلترا، واليوم أضحت قوّة الجيش الروسي الذي أعيد بناؤه وتحديثه خلال العشرين عاماً الماضية، واضحةً، بما تمتلكه روسيا اليوم من أسلحة متطورة ومدمِّرة، ناهيك عن أنّ روسيا قوّة نووية عظمى، كما أشار إليه فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

إعادة توزيع علاقات القوى

الحرب العالمية ليست خياراً محتملاً، بالنظر إلى الدمار الشامل المتوقع منها، وهو ما يمنح ميزة لفلاديمير بوتين، الذي لا تفوته الإشارة إلى أنّ أوكرانيا، بطريقة أو بأخرى، يجب أن تنتمي إلى مجال نفوذ روسيا.

يجب أن يكون ردّ فعل الغربيين الأول والأفضل، قبل كلّ شيء، أن يدركوا قِيَمهم ومصالحهم المشتركة. نحن في فترة تاريخية جديدة، هناك بديهياً إعادة توزيع لميزان القوى على المستوى العالمي، لكن هناك أيضاً معركة قيم للدفاع عن ديمقراطياتنا الليبرالية التي ترفضها روسيا والصين والعديد من الدول الديكتاتورية والمرفوضة، للأسف، حتى من الداخل.

العقوبات المعلَنة والقادمة ضرورية، فحتى إن لم تكن حاسمة؛ فهي وسيلة لتأكيد وحدةٍ لن نصبح من دونها في أوروبا سوى "أشياء" لدى القوى الأخرى، ويؤكد لنا هذا بوضوح اجتياحُ الجيش الروسي لأوكرانيا، في 24 شباط (فبراير) 2022.


الهامش

(1) آنشلوس "Anschluss": عملية عسكرية سلمية تم بموجبها ضمّ جمهورية النمسا إلى ألمانيا على يد الحكومة النازية، وذلك في 12 آذار (مارس) 1938. لقي هذا الضم ترحيباً كبيراً من قبل غالبية النمساويين حينها وذلك في عهد مستشار النمسا أرتور زايس إنكفارت، وقد بقيت النمسا جزءاً من ألمانيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.slate.fr/story/224004

http://www.slate.fr/story/224004/poutine-hitler-invasion-ukraine-strategie-militaire-guerre




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية