هل يفتح القضاء التونسي ملف القروض والهبات؟

هل يفتح القضاء التونسي ملف القروض والهبات؟


03/08/2022

خالد هدوي

أثارت القروض والهبات التي حصلت عليها تونس في إطار إنعاش اقتصادها المأزوم خلال العشرية الماضية، جدلا واسعا بالبلاد، وسط تساؤلات الخبراء والمراقبين عن مآل تلك الأموال والدعوة إلى التدقيق في مجالات صرفها، فضلا عن المطالب الملحّة بضرورة المحاسبة وملاحقة المتجاوزين قضائيا.

وأعلنت الرئاسة التونسية عن رصد إخلالات رافقت صرف القروض والهبات الخارجية المسندة إلى الدولة والمؤسسات العمومية خلال السنوات العشر الأخيرة.

وبحث الرئيس قيس سعيد خلال لقاء جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن الاثنين التقرير الذي أعدته وزارة المالية حول نتائج مهمة جرد وضبط تلك القروض والهبات.

وسبق أن طالب قيس سعيّد بعمليات جرد لهذه القروض، بعد اتهامات مبطنة للحكومات التي تولت السلطة منذ بدء الانتقال السياسي في عام 2011 بالتورط في فساد مالي.

وقال الرئيس سعيد في خطاباته إن "القروض والهبات التي تلقتها الدولة طيلة تلك الفترة لم يكن لها أثر على التنمية والأوضاع المعيشية للتونسيين".

وأفاد بيان للرئاسة بأن "التقرير الذي أعدته وزارة المالية كشف عن العديد من الإخلالات مما تسبب في تحمل ميزانية الدولة لفوائد وخسائر صرف دون موجب في عديد الحالات".

ولم يكشف البيان الرئاسي عن حجم تلك القروض أو الخسائر التي تكبدتها الموازنة، وقال سعيد “هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر ويجب وضع حد لها وتحميل كل من تسبب في ذلك المسؤولية كاملة".

وطالب مراقبون سياسيون بضرورة الذهاب أكثر ما يمكن في هذا الملف الشائك ومحاسبة المتورطين في تلك التجاوزات وإهدار المال العام وإهمال مصالح الشعب التونسي، علاوة على تحمّل الجهاز القضائي لمسؤولياته والكشف عن الحقائق  المتعلقة به.

وأفاد بدرالدين قمودي، القيادي بحركة الشعب، والرئيس السابق للجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في البرلمان المنحل، أن "هذا الموضوع سبق وأن تم تناوله من قبل اللجنة”، قائلا "راسلنا الحكومة أكثر من مرة للكشف عن القروض والهبات التي حصلت عليها تونس منذ 2011 ومآلها، وهو موضوع أسال الكثير من الحبر ولم نر لتلك الأموال أثرا في مستوى التنمية".

وأضاف لـ"العرب"، “يستوجب أن يكون التقرير الحكومي نقطة انطلاق من أجل المحاسبة في إهدار المال العام الذي شهدته مؤسسات الدولة ومرافقها، كما أن المحاسبة اليوم أصبحت شعار المرحلة ولا بدّ أن تعرض على الرأي العام الذي مورس في حقّه هذا الشكل من الفساد". وتابع قمودي "هذا ملف فساد مالي واضح، ويجب توفير الآليات الجادة للقيام بالمحاسبة وأولها القضاء لفتح هذه الملفات بصفة جدية".

وحصلت تونس في السنوات الأخيرة على جملة من الهبات والقروض لإنعاش الاقتصاد والقيام بمشاريع تنموية أو لتعبئة موارد الموازنة، لكن الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ 2011 لم تحسن توظيفها في إيجاد فرص عمل ودفع نسق التنمية، وفق المتابعين للشأن التونسي.

وبحسب تقديرات الخبراء، تفوق قيمة القروض التي تحصّلت عليها تونس بعد 2011 الـ100 مليار دينار (35 مليار دولار) تقريبا. ودعت جهات قضائية إلى ضرورة نشر التقرير المتعلق بتلك التجاوزات للرأي العام في إطار من الشفافية، فضلا عن ضرورة تمكين القضاء من الآليات والوسائل اللازمة لفتح تلك الملفات والذهاب فيها بعيدا بكشف الحقائق ثم المحاسبة.

وقالت روضة القرافي، الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، "لا بدّ من نشر التقرير بكل شفافية حتى يطلع عليه الرأي العام، والمجتمع من حقّه في دولة ديمقراطية أن يعرف الحقائق، وعلى القضاء أن يؤدي دوره ويجب البتّ في هذه الملفات بكل حيادية واستقلالية بعيدا عن الضغط على القضاة".

وأضافت في تصريح لـ"العرب"، "المحاسبة يفترض ألاّ ترتبط بفترة سياسية معينة، بل بدولة القانون والمؤسسات، ولا بدّ من دعم القضاء لتحقيق نتائج جيّدة وكشف الحقائق المتعلقة بالملف".

وفي العام 2019 أثار سفير الاتحاد الأوروبي في تونس باتريس برغاميني جدلا واسعا عندما قال إن “بروكسل منحت السلطات التونسية منذ أحداث ثورة الرابع عشر من يناير ما قيمته 10 مليارات يورو، (ما يعادل 30 مليار دينار بالعملة التونسية) خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2017 في إطار هبات وقروض".

وسبق أن دعا الرئيس قيس سعيّد إلى ضرورة معرفة “مآل القروض التي جاءت من الخارج.."، قائلا "المليارات تم ضخها في تونس، ولكن لا أثر لها في الواقع وسيتحمل أيضا في هذا المجال كل شخص مسؤوليته". وأكد أن مكافحة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة ستكون أولوية في عمل الحكومة الجديدة، خصوصا مع ما تعيشه تونس من وضعية مالية صعبة.

ويتطلّع التونسيون إلى كشف الحقائق المتعلقة بتلك الأموال، إضافة إلى فتح ملفات أخرى، خصوصا بعدما حقق الرئيس التونسي نجاحا لافتا في اختبار الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من المشاركين فيه على مشروع الدستور الجديد الذي يمنحه صلاحيات واسعة.

وكان قيس سعيد، الذي انتخب رئيسا في أواخر عام 2019، قد تولّى كامل السلطات التنفيذية والتشريعية في الخامس والعشرين من يوليو 2021، وأقال رئيس الحكومة وعلّق نشاط البرلمان قبل أن يحلّه في مارس الماضي.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية