يترقب الاقتصاد اللبناني انفراجة قريبة أملاً في استغلال اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل للاستفادة من الثروات الطبيعية للبنان في منطقة مياه البحر المتوسط، وتشير تقديرات أولية إلى وجود كميات ضخمة من البترول والغاز داخل المياه اللبنانية، تسعى الحكومة اللبنانية للبدء عاجلاً بعمليات التنقيب عنها، بهدف تحقيق انتعاشة اقتصادية للدولة والمساهمة بحل أزمة الطاقة المتفاقمة في البلاد.
ودخل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ يوم الخميس 27 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مع توقيع قادة البلدين على الوثيقة الرسمية للاتفاق، ممّا يمهّد الطريق أمام بيروت لبدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
ووقّع الرئيس اللبناني ميشيل عون رسالة تحمل موافقة بلاده على مضمون الرسالة الأمريكية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
انفراجة قريبة
وقال عون بحسب موقع "أخبار الطاقة": "إنّ إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أيّ أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول".
وشدد على أنّ "هذا الإنجاز يمكّن لبنان من أن يصبح دولة منتجة ومصدِّرة للغاز والنفط، بعد استكمال أعمال الحفر والتنقيب في الحقول الجنوبية بدءاً بحقل قانا، الأمر الذي يفعِّل الاقتصاد ويعيد الثقة الدولية بلبنان، فضلاً عن توفيره فرص عمل جديدة للشباب اللبناني".
وأضاف: "سنتابع في المرحلة المقبلة آليات التنفيذ ومن ضمنها التعامل مع "توتال" ومع الشركاء الأجانب الدوليين والمهتمين؛ لأنّه سيفتح المجال لباقي الشركات والدول المهتمة بقطاع النفط للمشاركة".
كيف يستفيد لبنان؟
قدّر مسح زلزالي أجرته شركة سبكتروم البريطانية لمنطقة بحرية محدودة في العام 2012 احتياطات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بـ (25,4) تريليون قدم مكعبة، وأعلنت السلطات اللبنانية بدورها عن تقديرات أعلى، بحسب "فرانس 24".
جُمعت بيانات المسح السيزمي ثنائي وثلاثي الأبعاد على مدار العقدين الماضيين، وذلك في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها حوالي (22) ألفاً و(730) كيلومتراً مربعاً، وبحسب المعطيات الأولية، توجد نحو (30) تريليون قدم مكعبة (احتياطيات غير مؤكدة) من الغاز في الركن الجنوبي الغربي. وتضم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان (10) مناطق بحرية تتراوح مساحتها ما بين (1201 و2374) كيلومتراً مربعاً للمربع الواحد.
باحث في شؤون الطاقة: تُعدّ الاحتياطيات اللبنانية من الغاز الطبيعي كافية لسد احتياجات لبنان من الطاقة وتصدير الفائض مستقبلاً في حال تأكيدها بحفر آبار استكشافية في تركيب قانا بعد التوقيع الرسمي
ووفق دراسة للباحث في شؤون الطاقة أحمد سلطان، المنشورة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بعنوان "اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل... من المستفيد الأكبر؟"، أُسندت عمليات البحث في قطاعين، منها (قطاع 4 وقطاع 9)، إلى ائتلاف مكوّن من (3) شركات؛ هي "توتال" الفرنسية، و"إيني" الإيطالية، و"نوفاتك" الروسية، وانسحبت الأخيرة مؤخراً لتؤول حصتها إلى الحكومة اللبنانية.
وتُعدّ تلك الاحتياطيات من الغاز الطبيعي، بحسب سلطان، كافية لسد احتياجات لبنان من الطاقة وتصدير الفائض مستقبلاً (في حال تأكيدها بحفر آبار استكشافية في تركيب قانا بعد التوقيع الرسمي).
ويرى سلطان أنّ الوضع الكارثي الذي يعاني منه قطاع الطاقة اللبناني أحد أهم الأسباب الرئيسة التي دفعت بيروت نحو انهيار اقتصادي وسياسي واسع النطاق؛ فعقب الفشل في تنفيذ إصلاحات حقيقية طوال عقود، لم يعد لبنان يملك ترف الوقت ولا حتى الموارد المالية لتنفيذ أيّ إصلاحات، في وقت باتت شوارعه وطرقه الرئيسة تغرق في ظلام دامس أثناء الليل؛ بسبب انعدام الإضاءة وعدم قدرة الحكومة على توفير الكهرباء للشعب اللبناني.
ويضيف: "هناك ضغوط متزايدة لإيجاد حل لأزمة الطاقة في البلاد، بينما على المستوى الدولي باتت أنظار الولايات المتحدة وأوروبا تتجه نحو موارد الطاقة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك وسط مخاوف كثيرة من أزمة طاقة باتت تلوح في الأفق في أوروبا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية".
وبحسب سلطان، دفعت هذه الضغوط إلى التحول المفاجئ في الموقف اللبناني وتنازله عن المطالبة بأن يتم ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل على أساس خط 29 (الذي يشمل حقل غاز كاريش)، والقبول بالترسيم وفق خط 23 (الذي يستثني حقل كاريش ويطالب فقط بحقل قانا بأكمله)، إضافة إلى عوامل خارجية، أهمها المقاربة التي تتبعها الإدارة الأمريكية لحل أزمة الطاقة في لبنان.
حقل قانا
تبلغ احتياطات حقل قانا (المحتمل) طبقاً للدراسات المعلنة حوالي (3) أضعاف حقل كاريش، ومن الممكن أن تجني بيروت في العام الأول حوالي (8) مليارات دولار، وقُدرت الاحتياطيات الممكنة للمنطقة بحوالي (250) مليار دولار على مدى (20) عاماً (بشرط نجاح تركيب قانا واكتشاف الغاز الطبيعي).
سلطان: الاتفاق اللبناني الإسرائيلي يُشكّل تسوية مهمة بين البلدين فيما يخص النزاع البحري، ويفتح الطريق للتنقيب عن مصادر الطاقة قبالة الساحل، ويخفف من مصدر لتوترات الأحداث بين البلدين
ومن جهته، أراد لبنان عدم التشارك مع إسرائيل في أيّ صورة مباشرة من صور التعاون بشأن حقل قانا الذي يقع جزء منه وفقاً للترسيم ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، وألّا يرتبط التنقيب في الحقل بتوقيع اتفاق بين الشركة المشغلة "توتال الفرنسية" وإسرائيل الأمر الذي يمكّنها من عرقلة استغلال لبنان لثرواته، وأرادت إسرائيل أن يكون لها حق مباشر في استغلال الحقل والتشارك مع لبنان في أنشطة التنقيب فيه والعائدات الخاصة بما يُستخرج منه، وفق ما أوردته دراسة للباحث محمد عبد الرازق بمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، تحت عنوان "ارتدادات إقليمية: حسابات اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل".
لذلك، نصت المسودة النهائية للاتفاق على أنّ إسرائيل وشركة توتال سيشاركان بشكل منفصل لتحديد نطاق الحقوق الاقتصادية لإسرائيل في المستقبل، وأن يتم تعويض إسرائيل من جانب الشركة مقابل حقوقها في أيّ عائدات محتملة من الحقل، ولهذا ستوقع إسرائيل وتوتال اتفاقية مالية منفصلة، ولبنان ليس مسؤولاً أو طرفاً في أيّ ترتيب بين الشركة الفرنسية وإسرائيل، ولن يؤثر أيّ ترتيب بين الطرفين على اتفاق لبنان مع توتال على الحصة الكاملة من حقوقه الاقتصادية في المستقبل.
هل يدخل لبنان سوق الطاقة العالمي؟
من جهته يرى الباحث في شؤون الطاقة أحمد سلطان أن الاتفاق اللبناني الإسرائيلي يُشكل تسوية مهمة بين البلدين فيما يخص النزاع البحري، ويفتح الطريق للتنقيب عن مصادر الطاقة قبالة الساحل، ويخفف من مصدر لتوترات الأحداث بين البلدين.
وبغضّ النظر عمّن هو المستفيد من هذا الاتفاق، فإنّه اتفاق سيؤدي إلى خلق حالة من الاستقرار في منطقة المتوسط.
ويتوقع سلطان مع ارتفاع الطلب عالمياً على الغاز وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، على وقع أزمة الطاقة التي أثارتها الحرب الروسية الأوكرانية، أن يسهم أيّ اكتشاف بحري في التخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي، ولكن بعد أكثر من عقد من الزمن على إعلان حدوده البحرية ومنطقته الاقتصادية الخالصة، لا يملك لبنان اليوم دلائل على احتياطات مؤكدة من الغاز الطبيعي، ولكن من أجل جذب شركات الطاقة والاستفادة من استكشافات محتملة، فإنّ لبنان في حاجة ماسة إلى تنفيذ إصلاحات.
سيناريو آخر "غير متفائل"
بالرغم من التوقعات الإيجابية أملاً في استغلال موارد النفط اللبناني، يذهب العديد من التقارير إلى عدم نجاح الجهود الهادفة لاستغلال موارد الطاقة اللبنانية، ويقول الباحث في معهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت مارك أيوب لوكالة "فرانس برس": "سيشكّل التوصل إلى اتفاق خطوة إلى الأمام، لكنّه لا يعني أنّ لبنان أصبح دولة منتجة للغاز أو النفط".
ويوضح: "نتحدّث عن إطار زمني من (5 إلى 6) أعوام قبل أول (استخراج) غاز، في حال تمّ العثور على مكامن تجارية صالحة"، واصفاً التقدير الزمني بأنّه "متفائل".
مواضيع ذات صلة:
- ماذا تعرف عن حقل "كاريش" المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل؟
- ما الدور الذي سيلعبه "المستقلون" ونواب "التغيير" في لبنان؟