
ترجمة: محمد الدخاخني
في نهاية الأسبوع الماضي زارت نائبة المبعوث الأمريكي الخاص، مورغان أورتاغوس، بيروت، في ثاني زيارة لها منذ انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان. وبينما هَدفَت زيارتها الأولى إلى فتح قنوات اتصال مع عون ورئيس الوزراء نواف سلام، اتَّسمت الثانية بطابع أكثر صرامة؛ إذ تريد أورتاغوس من اللبنانيين وضع جدول زمني لنزع سلاح حزب الله وتشكيل لجان لحل المسائل العالقة مع إسرائيل.
أثار كلا المطلبين قلق اللبنانيين، فنزع سلاح الحزب أمرٌ مُعقَّد ومحفوف بالمخاطر للغاية، ولا يمكن التسرُّع فيه من قِبَل جهات خارجية تعمل وفق ما يُلائمها من جداول أعمال سياسية. ويخشى اللبنانيون من أنّ محادثات مع إسرائيل قد تخلق مظهراً من التّطبيع بين البلدين. وبينما يريدون معالجة (3) قضايا رئيسة، وهي: الحدود المتنازع عليها، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان، والسجناء اللبنانيون المحتجزون في إسرائيل، فإنّهم لا يريدون أن تسمح صيغة المحادثات لإسرائيل بتصوير الأمر على أنّه خطوة نحو السلام.
تُعدُّ مسألة سلاح حزب الله مسألةً حساسةً بالنسبة إلى لبنان، لا سيّما أنّ الرئيس اللبناني وحكومته قد التزما علناً بمبدأ احتكار الدولة للسلاح. ومع ذلك فإنّ طريقتهما المُفضَّلة لتحقيق ذلك هي الحوار. وقد كرَّر عون هذه النقطة مؤخَّراً في مقابلة مع قناة (فرانس 24)، وأضاف أنّ حزب الله مُتعاونٌ في مسألة السلاح هذه.
لم يرضَ المتشددون المعادون لحزب الله عن ذكر الرئيس لحوار مع الحزب، إذ رأوا أنّ ذلك سيمنح الحزب هامش مناورة لتقويض عملية نزع سلاحه. وبينما قد تكون وجهة نظرهم مبررة نظرياً، فإنّه من الصعب تصوُّر بديل واقعي للحوار، بالنظر إلى المخاطر الحقيقية المترتبة على اتباع أساليب أخرى.
لن تُقدِم السلطات اللبنانية على اتخاذ إجراء عسكري لنزع سلاح الحزب. فقد يعتبر معظم المواطنين الشيعة شيئاً من هذا القبيل بمثابة هجوم على طائفتهم. وقد يؤدِّي هذا، بدوره، إلى حرب أهلية، ويقسم الجيش، ويقود إلى نتائج غير مرغوب فيها على الإطلاق. فعلى الرغم من فضائله، لا يمتلك الجيش القدرة على القضاء على الحزب بالقوة بسهولة.
علاوة على ذلك، فإنّ الدولة التي تُشجِّع هذا الإجراء، أي الولايات المتحدة، تُعاني من مشاكل في مصداقيتها في بيروت. فبينما يسعى عون إلى الحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن، فإنّه ليس مستعداً للقيام بذلك إذا كان ذلك يعني أنّ الأمريكيين يحاولون فرض أجندة إسرائيلية عليه.
ولأورتاغوس نفسها مشاكلها الخاصة في هذا الصدد. فعندما زارت بيروت آخر مرة ارتكبت خطأً بإعلانها في مؤتمر صحافي: "نحن ممتنون لأنّ حليفتنا إسرائيل هزمت حزب الله"، غافلةً عن الدمار الذي ألحقه الإسرائيليون بالبلد الذي كانت تحلُّ عليه ضيفةً. لقد أحرج هذا التصريح اللبنانيين، لكنّه كشف عن استعداد إدارة ترامب للذهاب بعيداً في تحقيق الأهداف الإسرائيلية في لبنان.
والأمر الأكثر خطورة هو أنّ المسؤولين اللبنانيين يدركون أمرين في تاريخ بلادهم الحديث يفرضان الحذر فيما يتعلق بالمفاوضات مع إسرائيل وتطبيق حل عسكري لمصادرة أسلحة حزب الله.
في عامي 1982 و1983 بدأ اللبنانيون محادثات مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق انسحاب بعد الحرب الصيفية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وقد أدَّت المفاوضات إلى انقسام لبنان بشكل عميق؛ ممّا أدى إلى ما كان سيصبح اتفاق سلام لو تم تنفيذه. وكانت النتيجة تصاعد الصراع الذي منع الحكومة من التصديق على الاتفاق. وهكذا انسحبت الولايات المتحدة من لبنان.
لم يُدرك الأمريكيون آنذاك أنّ لبنان لا يستطيع توقيع اتفاقية سلام من دون توافق داخلي، وبالتالي فإنّ فرض الأمر لم يُفضِ إلا إلى تفاقم الأمور واستئناف الحرب الأهلية. واليوم لا بدّ من إيجاد صيغة لتجنب تشويه سمعة عون وسلام، اللذين يُعارضان أولويات حزب الله.
ويُدرك عون بشكل خاص حدثاً ثانياً يجعله أكثر واقعية بشأن نزع سلاح الحزب بالقوة. لقد كان ضابطاً عام 1990، عندما حاول الجيش، بقيادة ميشال عون آنذاك، نزع سلاح ميليشيا القوات اللبنانية المسيحية. فشلت الحملة فشلاً ذريعاً، على الرغم من أنّ الجيش كان أقوى من الميليشيا، وقاد الوضع إلى دمار، وفي النهاية إلى نفي ميشال عون من البلاد لمدة (14) عاماً.
هل ينوي جوزيف عون تكرار هذه التجربة؟ من المستبعد جداً، وسيكون خطأً فادحاً إذا حاول هو والحكومة فعل ذلك. حتى الرغبة في الحصول على الدعم الأمريكي لن تدفع اللبنانيين إلى دورة جديدة من الصراع الأهلي.
لكن على اللبنانيين توخي الحذر، فهم أيضاً لا يستطيعون تأخير الحوار مع حزب الله، ناهيك عن إرجاء تطبيق أكثر حزماً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701)، الذي يسعى إلى جعل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني منزوعة السلاح. وبالنظر إلى امتلاك إسرائيل شيكاً مفتوحاً في واشنطن، فمن المحتمل أنّه إذا شعرت أنّ لبنان لا يفي بالتزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تُوُصِّلَ إليه في تشرين الثاني (نوفمبر)، فقد تستأنف إسرائيل الصراع، وتتقدم نحو الليطاني أو ما بعده، وتبقى هناك إلى أجل غير مسمّى حتى يتم نزع سلاح حزب الله وفرض اتفاق سلام.
اللبنانيون مُحِقّون في مقاومة الأوامر الأمريكية التي قد لا تكون مدروسةً جيداً، خاصة إذا كانت تتوافق مع قراءة إسرائيل للأحداث في لبنان. ومع ذلك، فإنّ ترك الأمور على حالها أمرٌ خطير. إنّ لدى إسرائيل العديد من الخيارات، وما لم يستعدّ اللبنانيون لهذه الخيارات ويحاولون تحييدها، فقد يجدون قريباً أنّ المزيد من أراضي بلادهم أصبح محتلاً.
المصدر: