هل يتواصل في عام 2020 خط الانتفاضات الطويل؟

الاحتجاجات

هل يتواصل في عام 2020 خط الانتفاضات الطويل؟


17/12/2019

شهد عام 2019 العديد من الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية في بلدانٍ عربية مختلفة، فيما عُد موجة أخرى من موجات الربيع العربي؛ وثورة ضدّ الأوضاع الاقتصادية المتردية في هذه الدول، وكذلك ضدّ التصلب الأيديولوجي والطائفي.
واستحوذت أحداث هذه الانتفاضات على الواقع السياسي لعام 2019، فما أهم هذه الانتفاضات وبماذا طالبت؟ وكيف امتدت من قلب الجزائر، وصولاً إلى العاصمة الإيرانية طهران، التي تأثرت بانتفاضتي العراق ولبنان.

السودان: كفى فقراً ودكتاتورية
في مطلع 2019؛ اجتمع بضع مئات من المواطنين السودانيين في العاصمة السودانية الخرطوم، وتظاهروا ضدّ هبوط العملة، وعدم توفر العديد من السلع الأساسية، فقامت بمحاصرتهم مجموعة كبيرة من قوات الأمن، التي قمعت المتظاهرين بعنفٍ شديد، امتدّ إلى حدّ إطلاق الذخيرة الحية ضدّهم، مما أدى لجرح البعض ومقتل بعضٍ آخر، فانتشرت الانتفاضة في المدن السودانية.

رغمِ عزل البشير إلّا أنّ الاحتجاجات لم تتوقف وطالب السودانيون بتشكيل مجلس انتقالي مدني بدلاً عن المجلس العسكري

وبمرور أسبوعين على التظاهرات، حاولت السلطة إيقافها بفرض حظر التجول، واعتقلت العديد من الناشطين، بينما ردّ المتظاهرون بإغلاق الطرق الرئيسة، وحرق مقرات حزب الرئيس السوداني، عمر البشير، الذي كان يحكم منذ عقود، وقد استمرت التظاهرات بعد ذلك، وارتفعت وتيرتها؛ حيث شاركت مختلف فئات الشعب السوداني فيها، بينما، وخلال ثلاثة أشهر، ظلت فيها المظاهرات مشتعلة، حاول الجيش السوداني لعب دور الوسيط بين قوات الأمن والمتظاهرين، إلا أنّ مطالب الشعب ارتفعت بسقوفها للمطالبة بإسقاط عمر البشير؛ بسبب دكتاتوريته ورفضه الاستجابة لشعبه.

اقرأ أيضاً: إجراءات لقمع احتجاجات العراق.. والمتظاهرون: إيران برا وبغداد حرة 

وفي بداية الشهر الرابع؛ اضطر الجيش للتحرك، واعتقال عمر البشير، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ثم أعلن تشكيل مجلسٍ عسكريٍ انتقالي، ورغم عزل البشير، إلا أنّ الاحتجاجات لم تتوقف وظلّ عددٌ كبيرٌ من السودانيين في مقرّ الاعتصام قربَ القيادة العامّة للجيش مُطالبينَ بتشكيلِ مجلس انتقالي مدني يقودُ البلاد في تلك الفترة كبديلٍ للمجلس العسكري.
وقد تميزت الثورة السودانية بعدم قبولها أيّ حلّ غير مدني، وبمشاركة نسائية كبيرة في صفوف الشعب، ومن خلالهن انطلق الشعار المشهور للثورة السودانية "الطلقة لا تقتل الرجل، بل تقتل سكوته عن حقوقه".

السودانيون ثاروا ضدّ الدكتاتورية والفقر وكسل السلطة اقتصادياً

الجزائر "باعوها يا علي"
على ذكرى المناضل الجزائري الشهير ضدّ الاحتلال الفرنسي، علي لابوانت، هتف الشعب الجزائري، في 22 شباط (فبراير) 2019، في الشوارع، بعدم رغبته في ترشح الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إلى ولاية جديدة؛  فبوتفليقة الذي حكم مدة طويلة، شاعت في الأعوام الأخيرة حكاية عجزه ومرضه، وأنّه صار مجرد واجهة يحكم من خلالها رجال عديدون، ينتمون إلى مصالحهم، وليس إلى الوطن ومصالح شعبه، وخلال أقل من أسبوعين، أصبح يخرج مئات الآلاف من الجزائريين كلّ يوم، في العاصمة الجزائر والمدن الجزائرية الأخرى، فتمّ تأجيل الانتخابات الرئاسية الجزائرية.
وبحلول الأسبوع الرابع للتظاهرات؛ ظلّت أجهزة الدولة الرسمية والإعلامية تفشل في التعامل مع المظاهرات، حتى إنّ عدداً كبيراً من الإعلاميين في قنوات التلفزة الرسمية استقالوا، بينما سرت إشاعات عديدة بأنّ السلطة تحضر لإيجاد بديل عن بوتفليقة، بعد إعلانها أنّ بوتفليقة لن يترشح لولاية رئاسية أخرى.

لم يمنع انتخاب رئيس جزائري جديد ومحاكمة العديد من رموز النظام السابق الجزائريين من الاستمرار بالمطالبة بتغييراتٍ جذرية

الشعب الجزائري، الذي تعدّ مظاهراته الأضخم عدداً، والأكثر تنظيماً بين انتفاضات 2019، أعلن عصياناً مدنياً، شمل معظم القطاعات والمهن، وقد تميزت الثورة الجزائرية بعد تنحي بوتفليقة، بانطلاق آراء شعبية تتحدث عن فقدان الثقة في رجال المنظومة الحاكمة، وبعض قادة الجيش خلال فترة حكم بوتفليقة، وأدّت هذه الآراء إلى سقوط الكثير من رموز وأعضاء السلطة السابقة، من سياسيين وعسكريين وبعض رجالات الجيش.
وقد استمرت التظاهرات الشعبية، وهي مستمرة إلى اليوم، رغم انتخاب رئيس جزائري جديد منذ أيام قليلة، هو عبد المجيد تبون، وبنسبة اقتراعٍ ضئيلة؛ حيث انطلقت مظاهرات عارمة في مدنٍ جزائرية عديدة من جديد، رفضاً للرئيس الجديد، الذي وعد بالحوار مع الشعب المنتفض والنظر في مطالبه جميعها، وكانت الثورة الجزائرية قد طالبت، كالثورة السودانية، بتغييراتٍ جذرية في بنية النظام ومؤسساته وعمله، من أجل تحسين الاقتصاد والنهوض بالبلاد، وهو ما لا يزال غير واضحٍ حتى الآن، ومتروكاً للمستقبل، في ظلّ استمرار حراك الشعب، والحديث عن ثورات وثوراتٍ مضادة، ربما تؤدي إلى بقاء الوضع على ما هو عليه، أو تأخذ البلاد إلى المجهول.

لا يقبل الجزائريون إلا بتغييراتٍ جذرية تضمن لهم مستقبلاً أفضل

لبنان: كلن يعني كلن 
بعد أعوامٍ من انعدام الاستقرار في لبنان، وتشعب مشاكله السياسية بفضل ولاء عددٍ من قادته السياسيين إلى دولٍ خارجية، خصوصاً حزب الله الذي يعد فصيلاً سياسياً مسلحاً، وجماعة اجتماعية طائفية تدين بولائها لإيران، وارتفاع معدلات البطالة وانحدار الاقتصاد، وعدم القدرة على توفير الكهرباء وعدد من الخدمات بما فيها خدمات النظافة العامة، وتراكم القمامة وازدياد التلوث؛ ثار الشعب اللبناني في السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وبدأت مظاهراتٌ غير كبيرة تحتل الساحات والميادين الرئيسة في العاصمة اللبنانية، بيروت، وسط دعواتٍ شعبية لتوسيع نطاق المظاهرات، وخلال أيامٍ قليلة، حصلت مفاجأة لم يتوقعها سياسيو لبنان؛ بأن خرج مئات الآلاف من المواطنين في مدنٍ عديدة، محتجين ضد الطبقة السياسية التي حملوها مسؤولية الفساد والأزمة الاقتصادية، رافعين شعارهم الذي طبق الآفاق: "كلن يعني كلن".
لكنّ المفاجأة الأكبر تمثلت في ثورة سكان المناطق التي تمّ عدّها لعقود معقلاً للفصائل الشيعية، كحركة أمل وحزب الله، مثل النبطية والبقاع؛ حيث طالب السكان علناً بإيقاف الفساد والاستغلال الذي يقوم به قادة هذه الفصائل من مواقعهم في الحكومة وفي تنظيماتهم طوال أعوام.


ووفق تقارير؛ بدأت ردّة الفعل عند حركة أمل وحزب الله تأخذ طابعاً تصاعدياً، من خلال محاولات قمع ناعمة ومدروسة؛ منها استخدام أسلوب (شارع ضد شارع) من خلال إخراج مؤيديها إلى الشوارع للاصطدام بالمتظاهرين الآخرين، وإطلاق تحذيراتٍ وتهديدات، بعدم تحول الساحة إلى ساحة حربٍ أهلية، رغم أنّ الشعب اللبناني حدّد في مطالبه أنّه يريد إنهاء آثار الحرب الأهلية اللبنانية، التي قامت في 1975، وتمثلت آثارها في تضخم الطائفية وقادتها، الذين نهبوا لبنان وتقاسموه، على حساب الوطن ومستقبله.

 

ثار اللبنانيون ضدّ الطائفية واتحدوا ضدّ الطبقة السياسية الفاسدة وقادة نظام المحاصصات الذي امتص دم الشعب

ورغم ردود الأفعال، وقيام الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بإطلاق خطابين يحملان بعض الوعود والتهديدات للمتظاهرين، والتلاعب السياسي الذي قام به رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بوعده السماع لمطالب الناس، بينما فصيله (حركة أمل) يهاجم المواطنين في شوارعهم وقرب بيوتهم  ويضربهم، بل ويهدّدهم بالقتل أحياناً، انتهى هذا كلّه باستقالة الحريري، ومن ثم، وبعد معاندة شكلية، تنحّى الرجل الذي رأى فيه لبنانيون (عدوّ الشعب)، جبران باسيل، الذي كان حليفاً لحزب الله وأرباب نظام المحاصصة السياسية، الذين ظلوا يستفيدون من امتصاص اقتصاد لبنان وتدميره طوال أعوام.
وحتى اليوم، ورغم انخفاض وتيرة الحراك اللبناني، إلا أنّ الوضع مرشح دوماً للاشتعال، خصوصاً أنّ حواجز كثيرة كسرها الشعب اللبناني، كالطائفية، وكذلك أثبت كثيرون أنّهم غير محسوبين على طوائفهم، بقدر ما هم محسوبون على لبنانيتهم، ويبقى الوضع في لبنان معقداً حتى اللحظة، بانتظار ما سوف يأتي به عام 2020.

كسر اللبنانيون حواجز الطائفية وأعلنوا أنّ الوطن هو قاسمهم المشترك الوحيد

العراق: رغم الوحشية، الشعب لا ينكسر

منذ مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2019، نفض أبناء الرافدين غبار عقودٍ من القهر والظلم وانعدام الأمل في التقدم والحياة الكريمة، فبعدّ الاحتلال الأمريكي، تُرك العراق ساحة خصبة لتدخلات إيران، التي استثمرت الطائفة الشيعية قدر ما تستطيع، في استغلال العراق، الذي عانى بعد عام 2010 من تنظيم داعش الإرهابي، وعانى في المقابل، من قمع وعنف شديدين، تمثّلا في إقصاء العراقيين عن حكم أنفسهم بأنفسهم، أو على الأقل، ضمان وجود رجالٍ موالين لطهران في السلطة، وقد استغلت إيران حدودها الطويلة مع العراق، والروابط الدينية بينها وبين كثيرين من العراقيين، واستثمرت كذلك في قواتها وفصائلها المسلحة التي شكلها حرسها الثوري، مستغلاً عدم الاستقرار والإرهاب من تنظيم داعش وغيره، فأسهم ذلك كلّه في تدمير اقتصاد العراق، الذي تم تجييره لصالح إيران، إضافة إلى تعزيز الانقسام الطائفي، وقمع الحريات في مختلف المجالات، وتسهيل التهريب وتبييض الأموال لصالح إيران وميليشياتها، وكلّ ذلك على حساب الشعب العراقي، بما فيه من شيعة تمّ قمعهم، والحفاظ على المنتمين إلى إيران، عسكرياً وسياسياً، منهم فقط.

رغم القمع والقتل يلتف العراقيون حول الحرية والأمان والمستقبل ضدّ القتلة

هذا كله ثار عليه الشعب العراقي، من قلب بغداد، إلى قلب المعاقل الشيعية في النجف؛ إذ اتّحد السنّة والشيعة كعراقيين وكمواطنين، ضدّ تغول إيران عليهم وعلى بلادهم، وثاروا ضد الفقر والبطالة ودمار الاقتصاد وانعدام الأمان، وقد قاومت الحكومة العراقية، ومعظم وسائل الإعلام المحلية، هذه الثورة، وكانت ردود أفعالها هي الأعنف؛ فقتل مئات العراقيين، واختطف واعتقل آخرون، وجرح كثيرون، وتمّ قطع الإنترنت مرات عديدة، لكنّ كلّ ذلك لم يمنع استقالة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، مؤخراً، دون أن يوقف ذلك الحراك الشعبي، الذي أصبحت ميليشيات إيران، وبعض القوى الداخلية الأخرى، تستهدفه وتستهدف المتظاهرين والمتظاهرات بشدة، وتقتل بعض قادة الثورة الناشطين في حراك الشعب.
وحتى اليوم؛ لم يظهر رئيس وزراء عراقيٍ جديد في وجه الشعب العراقي، الذي يعدّ أسطورة من أساطير القرن الواحد والعشرين، بصموده ضدّ الوحشية والقمع، واستمراره المطالبة بحقوقه، آملاً أن يحمل له العام الجديد، تغييراتٍ تؤدي إلى شيءٍ من مطالبه الإنسانية العظيمة، ورغم صمت المجتمع الدولي حتى اليوم على كلّ ما يرتكب ضدّ الشعب العراقي من قمع وقتل، إلا أنّ التضامن الكبير جاء من مصدر غير متوقع، وهو الشعب الإيراني ذاته، الذي انتفض ضدّ سلطته الغاشمة، فتعرض المتظاهرون الإيرانيون، إلى القتل والاعتقال والتهديد، وسط تعتيمٍ شديد من الإعلام وقطع تام للإنترنت، فوقع عدد كبير من الضحايا لا توجد إحصائية تشملهم حتى الآن، إلا أنّ خطّ الانتفاضات الطويل، وصل إلى قلب طهران، بصورة أو بأخرى، منذراً بأنّ الشعوب لا تبقى مقموعة إلى الأبد.

المصادر:
موقع "Soudan tribune": الخط الزمني للثورة السودانية، نيسان 2019
موقع "الشرق الأوسط": السودان: الاعتصام مستمر، والاستعداد لمليونية المدنية، 05 أيار 2019
موقع "RT Arabic": إعلاميون جزائريون يحتجون علة تغطية ترشح بوتفليقة، شباط 2019.
شبكة المستقبل: تأجيل الانتخابات الجزائرية.. وبوتفليقة لن يترشح، آذار 2019.
موقع صحيفة "النهار نت" : المتظاهرون يبقون الثورة حية 22 تشرين الثاني 2019.
موقع "DW": مظاهرات لبنان، حراك شعبي حطم حاجز الطائفية، فهل سيسقطها، تشرين الأول 2019.
موقع "EURONEWS" ماذا يحدث في العراق؟ تشرين الثاني 2019.
موقع "بي بي سي" هل تنجح الاحتجاجات في العراق بإحداث علامات فارقة؟ تشرين الثاني 2019.
موقع "العربية نت" العراق: الحراك يضع شروطاً لرئيس الوزراء الجديد، كانون الأول 2019
موقع "بي بي سي": قائمة أحداث العراق.
موقع "MTV LEBANON" تغطيات لبنان ينتفض المباشرة، يوتيوب، الموقع الرسمي للقناة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية