هل يتحول حرق الكتب المقدسة إلى ظاهرة حول العالم؟

هل يتحول حرق الكتب المقدسة إلى ظاهرة حول العالم؟

هل يتحول حرق الكتب المقدسة إلى ظاهرة حول العالم؟


20/07/2023

تواترت في الفترة الأخيرة ظاهرة حرق الكتب السماوية كحركة احتجاجية أدرجها القائمون عليها ضمن "حرية التعبير"، برغم تحوّلها في بعض المناسبات إلى عنف، حتى أنّه لم يعد تكرار حوادث حرق الكتب السماوية مقتصراً على مكان أو كتاب مقدّس بحدّ ذاته.

ومع تكرار هذه الحوادث التي كثيراً ما تتحول إلى عنف، باتت الأمم المتحدة تدين مثل هذه التصرفات باعتبارها "تحريضاً على الكراهية الدينية"، ويعتبر مراقبون أنّ المعاقبة على هذه الأفعال باعتبارها تحريضاً على الكراهية، أو مجرد التنديد بها خشية اشتعال العنف مع الإقرار بأحقية ممارستها كحرية تعبير، يعتمد على قوانين الدول بحدّ ذاتها.

يُذكر أنّه في ظلّ تزايد حوادث الاعتداء على الرموز الدينية، تبنّى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً غير ملزم في عام 2009 يدين الإساءة للأديان، وعلى الرغم من تبنّي القرار"غير الملزم"، أعربت حكومات غربية وناشطون عن رفضهم لهذا النص؛ بسبب مخاوف من استغلال القرار لإسكات وتخويف الأصوات المستقلة وحرية التعبير.

حرية التعبير

مع كل حادثة من هذا النوع يتكرر نقاش مثير للجدل حول حدود حرية التعبير في العالم، التي تُعدّ حقاً أساسياً، وربما مقدّساً، في الدول الديمقراطية، والحدّ الفاصل الواجب تواجده بين حرية التعبير وخطاب الكراهية الذي يحرض على العنف والفوضى.

ووفقاً لدراسة بعنوان "حرق القرآن والكراهية الدينية: مقارنة بين المقاربات الأمريكية والدولية والأوروبية لحرية التعبير" صادرة عن جامعة واشنطن عام 2012، فإنّ عدداً من الدول الأوروبية تعمل على تقييد خطاب الكراهية العرقية والدينية، وهذه الدول تطبق تدابير أكثر صرامة من الولايات المتحدة في تقييد الكلام غير المقبول. وحفزت حوادث في دول أوروبية أخرى، مثل الدنمارك وفرنسا، على مناقشة التوازن بين مختلف حقوق الإنسان، ومهّدت الطريق للحوار في دول أخرى مثل بريطانيا بشأن التعامل مع حوادث مثل حرق القرآن.

أحرق مهاجر عراقي إلى السويد نسخة من المصحف أمام مسجد في استوكهولم الأسبوع الماضي

وترى كل المؤسسات الرسمية الإسلامية حول العالم أنّ ازدراء الأديان يجب ألّا يدخل ضمن ما يُعرف بحرية التعبير، وتطالب بقانون دولي يجرّم معاداة الإسلام والتمييز ضد المسلمين، وتعتبر أنّ الإساءة لأيّ رمز ديني لا يُعدّ سلوكاً ينم عن حرية ولا حضارة.

على الجانب الآخر، فإنّ المعسكر الذي يرى أنّ انتقاد الأديان يمثل نوعاً من حرية التعبير، يتهم المؤسسات الدينية بالنفاق، ويعتبر أنّ حرية الأديان تعني في الوقت نفسه حرية انتقاد الأديان، ويعتبر كثير من المختصين بهذا الجانب أنّ الجدل كله ينبع من وجود مجتمعين على طرفي النقيض من الناحية الفكرية، فيما يتعلق بالنظرة إلى الأديان.

مع كل حادثة من هذا النوع يتكرر نقاش مثير للجدل حول حدود حرية التعبير في العالم، التي تُعدّ حقاً أساسياً وربما مقدّساً في الدول الديمقراطية

وبعيداً عن الطرفين، يعتبر مختصون بالحوار بين الأديان أنّ هناك عدة عوامل تعمّق من الخلاف، بشأن ما إذا كان تناول الأديان بالنقد يمثل حرية تعبير أم أنّه نوع من الازدراء، وهي عوامل تتعلق بالهيمنة الأوروبية، والإسلاموفوبيا، وتاريخ حقبة ما بعد الاستعمار، وهي تسهم في مفاقمة الشعور بالألم تجاه تلك الأحداث لدى المسلمين في أنحاء العالم.

حرق المصحف يفجر الأوضاع

وقد أحرق مهاجر عراقي إلى السويد نسخة من المصحف أمام مسجد في استوكهولم الأسبوع الماضي، ممّا أثار غضب العالم الإسلامي الذي ندد بشدة بالواقعة، وقالت أجهزة الأمن السويدية إنّ هذا الفعل جعل البلاد أقلّ أمناً.

ورفضت الشرطة لدواعٍ أمنية هذا العام عدة طلبات لتنظيم احتجاجات كان من المزمع أن تشمل إحراق المصحف، لكنّ محاكم سويدية ألغت قرارات الشرطة، قائلة إنّ هذه الأفعال تكفلها قوانين حرية التعبير الشاملة في السويد.

وغالباً ما تجري أعمال مماثلة في السويد وفي دول أوروبية أخرى، بمبادرة من اليمين المتطرف، وتثير مثل هذه الأفعال ردود فعل في العالم الإسلامي وتنديدات دولية، إذ أصدرت حكومات عدة دول إسلامية، من بينها العراق وتركيا والإمارات والأردن والمغرب، احتجاجات على الواقعة، ويسعى العراق لاسترداد الرجل لمحاكمته.

كما نددت الولايات المتحدة بالواقعة، لكنّها قالت إنّ إصدار السويد للتصريح يدعم حرية التعبير، وليس تأييداً للإجراء.

لم يعد تكرار حوادث حرق الكتب السماوية مقتصراً على مكان أو كتاب مقدّس بحدّ ذاته

ودعا الأزهر الشريف كافة الشعوب الإسلامية والعربية وأصحاب الضمير الحي إلى تجديد مقاطعة المنتجات السويدية، نصرةً للمصحف الشريف كتاب الله المقدّس، وذلك بعد تكرار الانتهاكات غير المقبولة تجاه المصحف الشريف، والاستفزازات الدائمة لجموع المسلمين حول العالم، تحت لافتة حرية الرأي والتعبير الزائفة. 

ترى كل المؤسسات الرسمية الإسلامية حول العالم أنّ ازدراء الأديان يجب ألّا يدخل ضمن ما يُعرف بحرية التعبير، وتطالب بقانون دولي يجرّم معاداة الإسلام

كما دعا الأزهر حكومات الدول الإسلامية والعربية لاتخاذ مواقف جادة وموحدة تجاه تلك الانتهاكات التي لا يمكن قبولها بأيّ حال من الأحوال، والتي تحمل إجراماً وتطرفاً تجاه المقدّسات الإسلامية؛ مشدداً على أنّ سماح السلطات السويدية للإرهابيين المتطرفين بحرق المصحف وتمزيقه في عيد المسلمين، هو دعوة صريحة للعداء والعنف وإشعال الفتن، وهو ما لا يليق بأيّ دولة متحضرة أو مسؤولة عن قراراتها.

حوادث تتكرر

وتكررت هذه الحوادث التي لا تقتصر على المكان أو الكتاب، وباتت تحظى بانتشار أوسع في ظل التطور التكنولوجي والإنترنت، بينما تراجع شاب مسلم الأسبوع الماضي عن حرق كتابي التوراة والإنجيل في استوكهولم، موضحاً أنّه كان يريد فضح أولئك الذين يحرقون الكتب المقدّسة، مثل المصحف، في الدولة الإسكندنافية.

وسمحت الشرطة السويدية الجمعة للرجل بالتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية، وهو قرار أدانته الدولة العبرية ومنظمات دينية مختلفة.

وفي آب (أغسطس) 2020 اندلعت احتجاجات عنيفة في (مالمو) بعد أن أجج حرق المصحف غضب المسلمين في أنحاء السويد، ممّا دفع محكمة سويدية إلى منع بالودان من دخول البلاد عامين.

وقد اندلعت في أوسلو بالنرويج اشتباكات بين متظاهرين من اليمين المتطرف وآخرين مناهضين لخطاب الكراهية والعنصرية. وخلال العام ذاته أحبطت دول أوروبية عدة خططاً قادها الزعيم اليميني المتطرف لحرق نسخ من المصحف.

وفي شباط (فبراير) الماضي، أحرق زوجان من المثليين نسخة من الكتاب المقدّس لإغاظة مجموعة من المسيحيين المحافظين في ولاية تينيسي الأمريكية، وفي 2020 خلال احتجاجات "حياة السود تهم"، برز مقطع فيديو لمجموعة متظاهرين في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأمريكية، يحرقون نسخاً من الإنجيل.

تكررت هذه الحوادث التي لا تقتصر على المكان أو الكتاب

في الولايات المتحدة هدد القس المتطرف تيري جونز عام 2010 بحرق نسخة من القرآن، تزامناً مع ذكرى هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي شنها تنظيم (القاعدة) الإرهابي على الولايات المتحدة. وبين الحين والآخر تقع حوادث حرق نسخ من الإنجيل من قبل بعض التيارات السياسية كنوع من الاحتجاج أو لإثارة غضب المحافظين.

وفي الدنمارك، أثارت صحيفة (يولاندس بوستن) جدلاً واسعاً عام 2005 عندما نشرت سلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية التي تصور النبي محمد. وفي حين أنّ الأمر قد تسبب في حينه بغضب كبير بين الجالية المسلمة، وأدى إلى هجمات على السفارات الدنماركية في دول عدة، لكن في الدنمارك جرى إسقاط التهم الموجهة إلى فريق التحرير في (يولاندس بوستن) لصالح حرية التعبير.

مواضيع ذات صلة:

فعالية جديدة لحرق المصحف... واقتحام السفارة السويدية في بغداد

شاب يتراجع عن حرق نسخة من التوراة في السويد.. ما التفاصيل؟

حرق المصحف وازدراء الإنسان




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية