هل يتحول الصومالي مختار روبو من إرهابي إلى لاعب سياسي؟

الصومال

هل يتحول الصومالي مختار روبو من إرهابي إلى لاعب سياسي؟


12/12/2018

في اليوم الثالث من كانون الأول (ديسمبر) العام 2009، كانت جامعة بنادر في الصومال تقيم حفلاً خاصاً لتخريج طلابها. وتوافد في الصباح الباكر عشرات الطلاب من تخصصات الطب والهندسة والتكنولوجيا في فندق شامو؛ الذي وقع عليه الاختيار لإقامة الحفل، لابسين ثوب التخرج، فرِحين ومتبادلين المعانقات والضحكات وإلتقاط الصور مع أصدقائهم.

بدأ الحفل بحضور مئات الأشخاص، من ذوي الطلاب وأصدقائهم، وعددٍ من وزراء الحكومة من بينهم وزيرة الصحة؛ قمر أدم علمي، ووزير التربية والتعليم؛ أحمد واييل، ووزير التعليم العالي؛ إبراهيم حسن.

اقرأ أيضاً: حركة الشباب المجاهدين الصومالية: كلما خفت بريقها توحّشت أكثر

وفي أثناء سير الحفل، تسلّل إلى القاعة، انتحاريّ يرتدي لباساً نسائياً وفجّر نفسه في المكان، في حادثة مروّعة راح ضحيتها الوزاء الثلاثة وعدد كبير من الطلاب، الذين تناثرت أشلاؤهم في المكان، وعلى الفور تبنّت "حركة الشباب" التفجير عبر ناطقها الرسمي آنذاك؛ مختار روبو أبو منصور، الذي أعلن بزهوّ وفخر وقوفه وراء هذا التفجير.

من شأن معاقبة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أن يعطي الصوماليين أملاً بأنّ زمن الإفلات من العقاب انتهى

واليوم، وبعد تسعة أعوام من تلك الحادثة، تشهد الصومال جدلاً واسعاً بشأن إعلان مختار روبو؛ نفس الوجه الذي تباهى بقتل طلاب أبرياء في حفل تخريجهم، عن ترشحه لانتخابات ولاية جنوب غرب الصومال، مما أثار لغطاً كبيراً في وسط المتابعين للشأن الصومالي، حول كيفية تحوّل شخص كان إلى وقتٍ قريب مرصوداً لقتله مكافأة قدرها 5 ملايين دولار أمريكي، إلى سياسي يحتكم إلى صندوق الاقتراع جنباً إلى جنب مع من كان يصفهم في الأمس القريب بـ"الكافرين والمرتدين".

وما يزيد الأمر غرابة أنّ روبو المعروف بـ"أبو منصور" يعتبر من المؤسسين البارزين لحركة الشباب المجاهدين في العام 2004، ونشط في صفوف المحاكم الإسلامية التي كانت الحركة منضوية تحت مظلتها، وهو من الجهاديين الصوماليين القلّة الذين تدربوا في أفغانستان في التسعينيات.

حركة الشباب الصومالية

وفي أوج توهّج حركة الشباب في العام 2007 شغل روبو منصب المسؤول الثاني في الحركة واعتلى منبرها الإعلامي، وعرُف بكونه من أكثر المتحمسين لقتال الحكومة الانتقالية الصومالية التي كانت تساندها القوات الإثيوبية.

الانشقاق عن الحركة

في العام 2012، نشبت خلافات حادة داخل حركة الشباب، أدت إلى تصفية بعض قيادات صفها الأول على يد أمير حركة الشباب السابق، والمؤسس الفعلي للحركة أحمد عبدي غودني، كان روبو من ضمن الذين اختلفوا مع غودني، وفرّ عن الحركة، ليعيش معزولاً مع مناصرين له في منطقة بمحافظة حدر غربي الصومال.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تدعم إيران "حركة الشباب" الإرهابية

وهناك أعلن فيها انشقاقه عن الحركة، نتيجة خلافات "عقدية" لم يشرحها، لكن الحركة هاجمته أكثر من مرة، وخاضت معه قتالاً مريراً، وظل يحتمي بها من عشيرته، إلا أنه قبل عام تعرض لحصارٍ خانق من جانب الحركة، وهو ما دفعه للاستنجاد بالقوات الحكومية لإنقاذه، فاستسلم للحكومة الصومالية يوم 13 آب (أغسطس) العام 2017.

موقف الحكومة الاتحادية

المشكلة في نظر كثير من المراقبين للشأن الصومالي، هي أنّ الحكومة الفيدرالية في الصومال تعيش في حالة فراغ دستوري، ولا يُعرف الجهة المخولة لتحديد أحقية المترشحين في الولايات، وبخصوص مختار روبو، التزمت الحكومة الاتحادية الصمت عن ترشحه في أول الأمر، كما رفضت بعثة الأمم المتحدة في الصومال، التي تقدم الدعم المالي للانتخابات، أي تعليق بشأن روبو، واكتفت بتعبيرها بأنها تتطلع إلى أن تشهد الولاية "انتخابات ذات مصداقية".

مختار روبو المنشق عن الشباب والمترشح لانتخابات ولاية جنوب غرب الصومال

علاوة على ذلك، فإنّ العلاقة بين الحكومة الفيدرالية في الصومال وأجهزتها الإقليمية في حالة سيئة، لدرجة أنّ التعاون شبه مقطوع، بسبب ما تدعوه الولايات الفيدرالية بأنه تدخل في صلاحياتها من جانب الحكومة الاتحادية.

وقد عبّر بعض الناشطين الصوماليين، الذين تلاحقهم الذكريات المؤلمة للجرائم التي ارتكبها روبو، عن ضرورة محاسبته على قطع الرؤوس وأعمال القتل الأخرى التي نُفذت تحت قيادته. كما عبروا عن شعورهم بالقلق من أنه سيحدّ بشدة من حقوق المرأة والحريات الاجتماعية الأخرى في حالة انتخابه، وأنه سيحول الإقليم إلى ولاية إسلامية.

مختار روبو وعد ناخبيه في حال نجاحه أن يفتتح معاهد دينية جديدة تعلم الناس القانون الإسلامي المتشدّد

وفي الشهر الماضي، أصدرت الحكومة الفيدرالية الصومالية رسالة تمنعه من خوض الانتخابات، لكنها سرعان ما سمحت له بالمضيّ قُدماً في الترشّح. وترجع المشكلة ليس فقط بالفراغ الدستوري الذي يلفّ الجهة المخوّلة لتحديد أحقية تحديد المترشح، بل كذلك أرادت الحكومة الفيدرالية إطاحة الرئيس الحالي للولاية؛ شريف حسن، بحيث لا تمانع أن يكون بديله متشدداً إسلامياً.

وأصبح شريف حسن، الذي ترأس الولاية في السنوات الماضية، مصدر قلق للحكومة الفيدرالية، وهو واحد من رؤساء الولايات الأربعة الذين قطعوا علاقاتهم مع الحكومة الاتحادية في مقديشو، وسعت الحكومة الاتحادية من خلف الكواليس لإخراج الرجل من المشهد السياسي.

مخاوف من الحدّ من الحريات العامة

بات كثيرون من أوساط الحقوقيين والمجتمع المدني وأغلب شرائح المجتمع الصومالي يعبرون عن قلقهم بأن تؤدي سيطرة المتشددين على المشهد السياسي بالتضييق على الحريات العامة ومصادرتها، وتطبيق القانون الإسلامي المتشدد، كما هو واضح من تصريحات مختار روبو أبو منصور -المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات المقبلة والمزمع عقدها في ولاية جنوب غرب الصومال الفيدرالية- التي أدلى بها في قبل أسابيع حين وعد ناخبيه -في حال انتخابه- بأنه سيفتتح معاهد دينية جديدة تعلم الناس القانون الإسلامي المتشدّد.

اقرأ أيضاً: المساعي الانفصالية ونظريات حقّ تقرير المصير: حالة "صومال لاند" أنموذجاً

ويؤكد الباحث في الشؤون الإسلامية أحمد حنفي في حديثه لـ "حفريات" بأنّ الإسلاميين في هذه الفترة "يسعون بشكل محموم إلى أن يضعوا للبلاد دستوراً دينياً من منظورٍ سلفي سروري إخواني متشدّد، لأنهم فشلوا في فرض آرائهم الدينية عبر الجهاد المسلّح، لذلك يريدون التسلّل الى الدستور وجعله دستوراً يتوافق مع تصوارتهم في الحكم".

أحمد مدوبي حاكم ولاية جوبلاند الذي نشط سابقاً في صفوف المحاكم الإسلامية

ازهار ثقافة الإفلات من العقاب

بالنسبة للمدافعين لترشح مختار روبو، فإنهم يبرّرون بأنه ليس الحالة الأولى من نوعه؛ فهو ليس أول جهادي ينخرط في العمل السياسي، ويُعزى ذلك إلى غياب ما يسمى بالعدالة الانتقالية في الصومال، وما يزال جلّ قادة أمراء الحرب والفصائل الاسلامية المتناحرة يشاركون في العمل السياسي في الصومال. ومن بينهم رؤساء أقاليم، مثل الرئيس الحالي لإقليم جوبالاند الذي كان في يوم من الأيام جزءاً من فصائل الإسلاميين الذين كانوا يسعون لإطاحة الحكومة الانتقالية الصومالية، وقد استقبله أخيراً مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى الصومال، نيكولاس هايسوم، بالأحضان.

يبرر المدافعون عن ترشح روبو بأنه ليس أول جهادي ينخرط في العمل السياسي ويُعزى ذلك لغياب العدالة الانتقالية في الصومال

وتشمل العدالة الانتقالية تطبيق ثقافة المساءلة التي تعطى إحساساً بالأمان للضحايا، ويوجه تحذيراً لمن يفكرون في ارتكاب انتهاكاتٍ في المستقبل، كما أنه يعطي قدراً من الإنصاف لمعاناة الضحايا، ويساعد على كبح الميل إلى ممارسة العدالة الأهلية أو القصاص، كما أنه يتيح فرصة مهمةً لتوطيد مصداقية النظام القضائي الذي أصابه الفساد والدمار.

وبهذا الصدد يشير حفني إلى "فشل ذريع بشأن الإستراتيجية المتبعة من قبل الحكومة الصومالية الحالية التي تسعى إلى استمالة المنشقين عبر مكافأتهم بتسليم مناصب أمنية حساسة ورفيعة، مما أوجد هناك اختراقاً أمنياً خطيراً لصالح حركة الشباب داخل اجهزة الدولة ومكّنها من تنفيذ هجماتها بشكل سلس، لأنّ عقيدة هؤلاء المقاتلين لم تتغير وأفكارهم لم تتبدّل، وإنما انشقوا عن حركة الشباب لأسباب إدارية وتكتيكية، وكان من المفروض أن يتم تأهيل المنشقين فكرياً وتبديل قناعاتهم عبر مراجعات مكتوبة ومسجّلة، وأن يأخذ هؤلاء فترة من مراجعة ذاتية قبل انخراطهم في العمل السياسي والإداري والقضائي".

سفير بريطانيا لدى الصومال يستقبل روبو وهي خطوة أثارت الجدل في صفحات التواصل الاجتماعي

وبخصوص ثقافة الإفلات من العقاب، يقول حنفي: "في الوقت الذي يتم قتل صغار حركة الشباب وإعدامهم من قبل الحكومة الحالية جهاراً نهاراً في حركات استعراضية، تكافئ الحكومة كبار قادة الحركة بتقليدهم بمناصب رفيعة أمنية وقضائية، مما يجبر صغار الشاب على عدم الانشقاق والبقاء في الحركة، لغاية أن يصبحوا كباراً ويفلتوا من العقاب كبقية كبارهم السابقين".

اقرأ أيضاً: لماذا تخرق إيران حظر السلاح وتدعم الإرهابيين في الصومال؟

ويعتبر عدم محاكمة المنشقين عن الشباب على جرائم الحرب التي ارتكبوها، استعصاءً قانونياً في الصومال، وثمة حاجة ملحّة لتحقيق العدالة، والتي تشمل اتخاذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي جرت في الصومال. ويطالب كثيرون أن تستهدف هذه المحاكمات مرتكبي هذه الجرائم والتركيز على العاملين في المستويات القيادية العليا في الحركة الإرهابية، ومن شأن هذا أن يعطي الصوماليين أملاً بأنّ زمن الإفلات من العقاب انتهى، كما من شأن هذه المحاسبة على متسوى آخر؛ كبح محاولات المتطرفين في السيطرة على المشهد السياسي مجدداً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية