علي يورتاغول
يبدو أن تفاصيل الزيارة الرسمية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى برلين بدأت تتشكل ببطء، بحسب مطلعين في برلين ووسائل الإعلام التركية. فقد أكدت هنرييت ريكر، رئيسة بلدية كولونيا، أن زيارة الرئيس لن تقتصر على برلين، حيث سيقوم أردوغان بافتتاح مسجد مركزي جديد في كولونيا في غرب ألمانيا للالتقاء مع “قاعدته الانتخابية”.
كان اقتراح أردوغان زيارة كولونيا للقاء الجالية التركية الإسلامية المحلية يثير بعض المشاكل بالنسبة لبرلين. وقال استطلاع أجرته صحيفة “بيلد” الألمانية إن أغلبية ساحقة من السكان المحليين تعارض مثل هذا الاجتماع. ومن المتوقع أن تكون هناك احتجاجات في استقبال أردوغان في كولونيا. بالعودة إلى سؤالنا، يبدو أن أردوغان سوف يحصل على ما يريده بشأن العديد من القضايا في برلين، ولكن ليس كلها. فلنبدأ بالإيجابيات.
تثبت موافقة برلين على زيارة أردوغان لكولونيا استعداد الإدارة الألمانية لإرضاء الرئيس التركي. أرادت برلين أن تكون هذه الزيارة زيارة “عمل”، واتفقت في وقت لاحق على زيارة “رسمية” في إذعان لضغوط أنقرة.
بعد زيارته لباريس ولندن، سيتم استقبال أردوغان في برلين، وهي عاصمة هامة أخرى في أوروبا. فالسياسي الذي تعترض عليه العواصم الأوروبية منذ سنوات والذي لا يحظى بشعبية كبيرة في أوروبا (بحسب رأي أردوغان نفسه) تستضيفه هذه الحكومات، وهو ما يمثل تطورا إيجابيا ونجاحا دبلوماسيا في حد ذاته.
تريد برلين أن تكون هذه الزيارة ناجحة لسببين رئيسيين، وليس فقط بسبب الألمان من أصل تركي البالغ عددهم ثلاثة ملايين. تركيا ضرورية لأمن أوروبا وإمدادات الطاقة وقضايا اللاجئين. ومن هنا تريد برلين العودة إلى حوار بناء مع أنقرة.
أضف إلى ذلك الآلاف من الشركات الألمانية (يُقال إن الرقم يزيد على سبعة آلاف) التي لديها استثمارات في تركيا. إن الزيادة في الفرنك السويسري أو التخمين بأن بعض البنوك الأوروبية قد تضطر إلى البنوك التركية ليست مجرد مصادفة.
تريد برلين أن تكون تركيا دولة مستقرة تنعم بالنمو. وتعتقد الحكومة الألمانية أن الاستقرار والنمو في تركيا سيفيدان ألمانيا، على الرغم مما يفكر به الرئيس التركي ومستشاروه.
لذا تحاول برلين بذل قصارى جهدها لاحتضان أردوغان وإرضائه. تعدّ الحكومة الجمهور لهذه الزيارة، رغم الكراهية شبه العالمية للزائر. من الناحية العملية يقول جميع المطلعين في برلين مزيجا من هذه الكلمات “تركيا بلد مهم. علينا أن نواصل الحوار بين البلدين، حتى لو كان لا بد أن يكون مع أردوغان”.
باختصار، فتحت برلين أبوابها للتواصل الحكومي المتبادل مع أردوغان. أما بالنسبة للسؤال عما إذا كان الرئيس التركي يستطيع الحصول على أي شيء آخر غير فرصة العودة إلى الساحة السياسية الدولية، فإن الجواب للأسف شديد التعقيد. إنه أمر صعب لأنه حتى إذا اتفقت هاتان الحكومتان على قضايا مثل أزمة إدلب السورية أو أزمة اللاجئين، فمن الصعب التوصل إلى اتفاقيات حكومية دولية بشأن حقوق الإنسان والألمان المحتجزين والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي وقضية التأشيرة والاتحاد الجمركي.
بالرغم من كل هذه التحديات قد تؤثر الزيارة إيجابيا على هذه القضايا الحرجة. لكن هذا التأثير الإيجابي يعتمد على قدرة أنقرة على فهم بروكسل وبرلين والاستجابة بفعالية وكفاءة. ولا يمكن التفاؤل بشأن ذلك.
برلين عاصمة هامة. ليس فقط لأنها تمثل جزءا كبيرا من التجارة الدولية لتركيا، ولكن أيضا لموازنة عامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. قد يتوقف انخفاض قيمة الليرة بعد زيارة أردوغان إلى برلين، على سبيل المثال.
هناك تغييرات أخرى إيجابية في السياسة أيضا، على سبيل المثال خفضت برلين من تحذيرات السفر ورفعت الحدود المفروضة على ضمانات هيرميس الائتمانية للتصدير الصادرة عن الحكومة الاتحادية الألمانية.
إذا كان لا يزال لدينا نفس الظروف التي كانت في ذروة الأزمة بين البلدين عندما جاء إعلان أن الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر أعداء للجمهورية التركية، وعندما تم تصوير أنجيلا ميركل باعتبارها هتلر في عهد جديد في وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة، فإن هذه العقوبات الاقتصادية ستبقى ثابتة في مكانها. يتحدث البلدان الآن عن التضامن، وليس عن العقوبات. حتى الخطاب قد تغير. هل سمعت أردوغان يصرخ بشأن أوروبا في الآونة الأخيرة؟
تلعب الحكومة الألمانية دورا كبيرا في قضايا مثل إعادة التفاوض على الاتحاد الجمركي والسفر دون تأشيرة للمواطنين الأتراك. لكن الحكومة الألمانية تقول بشكل واضح إن القرار في هذه الأمور ممكن فقط إذا حسّنت تركيا سجلها في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون.
هل يمكن لتركيا أن تحسّن سجلها في الحقوق الأساسية في ظل وجود أردوغان على رأس السلطة وشريكه في التحالف القومي دولت بهجلي والقومي الاشتراكي دوغو برينجك؟ لا أظن ذلك. حتى إذا تضمن البيان الرسمي فهما لهذه القضايا فلن يكون هناك سوى الوعود الكاذبة. إذا كنت ترغب في قياس مدى انحراف تركيا عن مسارها فستجد ذلك على بعد خطوات قليلة من 2016.
نعم، اجتمعت مجموعة عمل الإصلاح الخاصة بالاتحاد الأوروبي للمرة الأولى بعد توقف ثلاث سنوات. ونعم لقد كانت استراحة أساسية من السنوات القليلة الماضية. ولكن في واقع الأمر، فإن وزيري العدل والداخلية اللذين التقيا في 29 أغسطس في هذا الاجتماع ووعدا بإصلاحات السلطة القضائية وأكثر من ذلك، هما المشكلة. كيف يمكن أن يكونا جزءا من الحل؟ أشك في أن الوزيرين يفهمان أو حتى يدركان حجم المشكلة.
هل ستقدم البنوك الألمانية المزيد من الائتمان لتركيا؟ كان بيرات البيرق زوج ابنة أردوغان، الذي يشرف على الاقتصاد التركي، في برلين الأسبوع الماضي مع وزير التجارة والطاقة للإعداد لزيارة أردوغان. ليس من قبيل المصادفة أن الوزراء المسؤولين عن الاقتصاد يضعون أساس الزيارة وليس وزارة الشؤون الخارجية.
وراء الأبواب المغلقة تعد أزمة العملة التركية هي القضية الأكثر أهمية. لا شك أن هؤلاء المسؤولين الأتراك موجودون في ألمانيا للتفاوض على صفقة بشأن حزمة مساعدات للتعامل مع المشاكل المالية الحالية في تركيا.
على الرغم من أن المسؤولين الأتراك رسموا صورة أكثر إيجابية بعد الاجتماعات، إلا أن وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، زعم أن الطرفين لم يتحدثا عن قضايا تركيا المالية، وقال إن ميركل وأردوغان سوف يناقشان الأمر خلال اجتماعهما.
لا أعتقد أن وزيري الاقتصاد في الدولتين لم يناقشا قضايا تركيا المالية خلال الاجتماع الثنائي. أعتقد أن الوزير الألماني نقل بوضوح شروط المساعدة المالية الألمانية، بعضها صعب للغاية إن توافق عليه الحكومة التركية، خلال لقائه مع الوزير البيرق وزملائه. أنقرة وجدت نفسها في وضع صعب للغاية. صعب لأنه كما قال مسؤول ألماني حكومي كبير “المشاكل المالية التركية تتجاوز قدرة ألمانيا على المساعدة”. حتى الرقم التقريبي الذي ذكره، الأموال المخصصة للطوارئ بقيمة 50 مليار يورو تتجاوز القدرة الألمانية. والديون التركية لألمانيا ثلاثة أضعاف هذا الرقم.
سيكون من الصعب أيضا شرح إقراض أموال كثيرة لتركيا للجمهور الألماني لأن تركيا ليست حتى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. كما أن تفعيل الأدوات مثل البنك المركزي الأوروبي، الذي ساعد اليونانيين خلال أزمتهم المالية، هو أمر بالغ الصعوبة أيضا، لا سيما وأن النمسا تتولى حاليا رئاسة البنك. ومن ثم أعتقد أن برلين اقترحت إشراف صندوق النقد الدولي مثلما فعلت مع الأزمة المالية اليونانية. وفكرة أن منظمة دولية مثل صندوق النقد الدولي تأخذ زمام المبادرة لن تساعد الحكومة الألمانية فقط على تبرير مساعداتها تركيا لجمهورها، ولكن يمكنها أيضا أن تجتذب دولا أخرى في الاتحاد الأوروبي.
ثم هناك “قضية الثقة”، أحد الأسباب الرئيسية للانهيار الأخير لليرة التركية. إن تصريحات أردوغان بشأن استقلال البنك المركزي التركي، والاعتمادات التعسفية لأصول الشركات الخاصة والأفراد، وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة تجعل تدخل صندوق النقد الدولي شبه مستحيل.
زيارة أردوغان لألمانيا تخيم عليها الأخبار اليومية القادمة من تركيا، عن سلسلة مستمرة من الاعتقالات والقرارات القضائية غير القانونية والقمع المتزايد للمعارضة السياسية. أنا في انتظار المحادثات بحماس. لكن إذا لم يذكر البيان المشترك شيئا عن المساعدات الاقتصادية فيجب أن نعرف أن أنقرة رفضت مقترحات برلين.
ماذا عن حقوق الإنسان وحكم القانون ومشاكل مماثلة في تركيا؟ تستطيع أنقرة حل هذه المشاكل إذا أرادت ذلك. الحكومة التركية لا تحتاج إلى مساعدة خارجية للتغلب على هذه المشاكل.
عن "العرب" اللندنية