هل دقت ساعة رحيل الإخوان من تركيا؟

هل دقت ساعة رحيل الإخوان من تركيا؟


05/07/2021

يبدو أنّ تركيا أدركت أخيراً فشل تنظيم الإخوان المسلمين، وأنّ سياساتها السابقة بتوظيفهم لصالحها لم يعد عليها بالنفع، فضلاً عن أنّ فاتورة استخدامهم مكلفة للغاية، ومؤخراً بدأت السلطات التركية في التخلي عن رعايتها للجماعة، سياسياً وإعلامياً، والتوقف عن حماية عناصرها المطلوبين أمنياً، مما أحدث ارتباكاً كبيراً في صفوف الإخوان، وبدأت الجماعة إجراءات تصفية وجودهم في تركيا والرحيل لدول أخرى مع حل المكاتب الإدارية لهم بتركيا، خوفاً من تداعيات انتهاء مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.

وأوقفت تركيا أنشطة جماعة الإخوان السياسية والإعلامية من أراضيها، وهو ما وصفه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بـأنه "خطوة إيجابية"، وذلك خلال مداخلة هاتفية مع فضائية "القاهرة والناس" المصرية، مساء السبت الماضي، قائلاً "إنّ السياسة التي بدأت تركيا تعتمدها مع مصر تتفق مع قواعد القانون الدولي"، مؤكداً أنّ استمرار هذه السياسات يعني "تطبيع العلاقات" بين البلدين والتوصل لإطار أفضل.

وشملت هذه الخطوة أوامر صارمة لعناصر التنظيم بالتوقف عن ممارسة العمل السياسي من الأراضي التركية أو مغادرة تركيا فوراً، وكذلك لعدد من مذيعي الجماعة بوقف كافة أنشطتهم الإعلامية تماماً، ويشمل ذلك مواقعهم الشخصية على وسائل التواصل.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يذكر مؤرخو الإخوان إيجابيات عهد السيسي؟

أحدث القرار صدمة داخل الجماعة، فعلى الرغم من مغازلة أنقرة للقاهرة طوال شهر أيار (مايو) الماضي، إلا أنّ كثيرين من اتباع الجماعة لم يتصوروا أن يصل الأمر حد وقف أي نشاطات لهم أو ترحيلهم إلى القاهرة، أو طلب مغادرتهم، نظراً إلى تقديم تركيا لعناصر الإخوان على أنّها دولة الإسلام، وأنّ أردوغان هو خليفة المسلمين القادم الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً، حتى صدّق بسطاء الإخوان أنّها جنة الله في أرضه، وأنّها دار الهجرة في العصر الحالي، فوفدت إليها أعداد كبيرة منهم.

شملت خطوات تركيا أوامر صارمة لعناصر التنظيم بالتوقف عن ممارسة العمل السياسي من أراضيها أو المغادرة فوراً

تعامل قيادات الجماعة مع القرارات التركية بواقعية، وأدركوا أنّ ظروف توظيفهم تغيرت، وأنّ دورهم الوظيفي انتهى، ومن المتوقع قيام السلطات التركية بالمزيد من الإجراءات ضدهم، لهذا أمروا أتباعهم بالخروج من تركيا والرحيل إلى دول أخرى، مثل؛ كندا وبريطانيا وهولندا وماليزيا، فضلاً عن عدد من دول البلقان، وحسب مصادر مطلعة لـ"سكاي نيوز" فقد غادر بالفعل عدد كبير من الإخوان تركيا، فيما يبحث العشرات عن وسيلة للسفر أو الهروب إلى أوروبا أو كندا، لكنهم يواجهون صعوبات بسبب عدم توافر أوراق رسمية لديهم، خاصة أنّ معظمهم غادر مصر قبل أعوام بطرق غير شرعية ولا يحمل أوراقاً ثبوتية.

ومما زاد من حالة من الرعب على عناصر التنظيم الموجودين على الأراضي التركية، قيام المسؤولون الأتراك بمراجعة الأسماء المطلوبة لدى القضاء المصري فعلاً، والتي سبق وقدمت بها مصر عدة نشرات لدى الإنتربول الدولي، مع الوضع في الاعتبار أنّ عدد الإخوان في تركيا قد تجاوز 20 ألفاً.

وفي تصريح رسمي سابق، أقر مستشار الرئيس التركي والمسؤول الأول عن ملف الإخوان بالنظام التركي، ياسين أقطاي، بأنّ عدد المصريين الموجودين في تركيا من عناصر التنظيم تجاوز 15 ألف شخص، غير أنّ إحصائيات غير رسمية أكدت أنّ العدد يبلغ أضعاف ذلك، ليس كلهم مطلوبين أمام القضاء المصري، لكنّ أعداداً كبيرة وشخصيات محورية في الجماعة قد صدر بحقها أحكام نهائية تطلبهم القاهرة، وعناصر الإخوان البسيطة كانت قد فقدت الثقة في السلطات التركية من زمن تسليم الإخواني محمد عبد الحفيظ المتهم في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات، وقتها كانت أنقرة ترعى الإخوان بكل قوة، لذا من المرجح أنّها ستسلم العشرات في ظل تغيير سياستها نحو القاهرة، والاكتفاء من تجربة الإسلام السياسي.

 تعامل قيادات الجماعة مع القرارات التركية بواقعية وأدركوا أنّ ظروف توظيفهم تغيرت

وفي محاولة لتجنب المواجهة مع السلطات التركية قامت الهيئة الإدارية العليا، التي يترأسها القائم بأعمال المرشد العام، إبراهيم منير، بإصدار مجموعة من القرارات تمثلت في: حل المكتب الإداري للإخوان المسلمين في تركيا، وحل مجلس شورى القُطر بتركي، وتأجيل الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها خلال الشهر الجاري، لمدة 6 أشهر، الأمر الذي أدى إلى نشوب خلاف كبير بين قيادات الجماعة وإبراهيم منير، ففي الوقت الذي تتهم قيادات وسطى في الجماعة "منير" بالتهاون في إيجاد حل لأزمة الإخوان في تركيا، بينما يتهمهم منير بضعف الأداء الإداري وعدم قدرتهم على احتواء الصف الإخواني، وفشل في إدارة التنظيم بتركيا، وتبادل الطرفان اتهامات بالتهاون مع قيادات إخوانية حصلت على مبالغ مالية كبيرة بعد إقفال قنوات إخوانية، ورفضوا تسليم مستحقات العاملين فيها.

اقرأ أيضاً: تركيا تحاصر الإخوان... ما القرارات التي اتخذتها؟

كما وضعت الجماعة خططاً لنقل فضائياتها الموجهة لمصر خارج تركيا، فحسب قناة "العربية"  قررت الهيئة الإدارية العليا نقل فضائية "وطن" المملوكة كلياً للجماعة ودمجها في فضائية "الحوار" التي يديرها الإخواني الفلسطيني عزام التميمي من لندن، أما فضائية "مكملين" فمن المحتمل تحويلها إلى قناة للمنوعات، ويبحث حالياً إسناد الإشراف على هذه البرامج إلى مطرب شهير لحين ترتيب عملية النقل إلى لندن. وتعتزم فضائية "الشرق" الانتقال أيضاً للبث من خارج تركيا، ولحين تنفيذ قرار النقل قررت الالتزام بتعليمات السلطات التركية بوقف البرامج التحريضية ضد مصر ودول الخليج، ومنع بث أي محتوى يخالف التعليمات التركية.

 ونظراً للارتباك الكبير في صفوف الإخوان بتركيا، قرر بعض رجال أعمال الإخوان الحاصلين على الجنسية التركية الاستمرار بالعيش على الأراضي التركية مقابل ترك أنشطة الجماعة بشكل كامل والعمل في النشاط الاقتصادي فقط والاستثمارات، كما عرضت السلطات التركية امتيازات اقتصادية واستثمارية على عدد من رجال الأعمال الإخوان الذين لم يحصلوا على الجنسية التركية مقابل تجميد أنشطتهم السياسية أيضاً، المفارقة أنّهم وافقوا بالفعل وقدموا طلبات إقامة جديدة لمدة 3 - 5 أعوام في تركيا، مرفقين مع الطلبات شهادات بالتوقف عن النشاط السياسي بشكل تام.

اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان تحل مكتبها في تركيا... ما الأسباب؟

وعلى صعيد متصل، تعثرت محاولات السلطات التركية للتقارب مع مصر ودول الخليج، من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات، فقد توقفت المفاوضات التركية المصرية، وليس من المؤكد أنها ستستأنف في القريب العاجل، كما لن تقوم القاهرة برفع التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة في الوقت الحالي، مما يعني أنّ على الأخيرة اتخاذ خطوات أكثر فاعلية لضمان نجاح التقارب والمصالحة مع مصر ودول الخليج.

 تعتزم فضائية "الشرق" الانتقال أيضاً للبث من خارج تركيا والالتزام بتعليمات السلطات بوقف البرامج التحريضية حالياً

يذكر أنّ العلاقات بن البلدين شهدت تدهوراً بعد الإطاحة بحكم الإخوان في 2013، لكن تركيا عندما أدركت أنّها أصبحت معزولة إقليمياً، وأنّها خسرت الرهان على تنظيم الإخوان المسلمين ليقوم بدوره الوظيفي الذي من أجله يحصل على الرعاية المالية والأمنية والسياسية والإعلامية، وهذا الدور محصور في زعزعة الاستقرار في المنطقة، ونشر الفتنة وتفتيت القوى الوطنية ونشر الشائعات وتهديد السلم العام، بهدف إخضاع الدول العربية لسياسات تركيا في المنطقة، وعندما انتهى دور الجماعة ولم يعد من مصلحة تركيا استمرار تقديم أوجه الدعم والرعاية لهم، أعلنت تركيا عن رغبتها استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر في آذار (مارس) الماضي، وتغيرت لهجة الخطاب الرسمي للأحسن، أثمر هذا التغيير قيام وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، بزيارة للقاهرة في أيار (مايو) الماضي، وهي أول زيارة من نوعها منذ 2013، لإجراء محادثات استكشافية مع مسؤولين مصريين.

 ثم توقفت المباحثات على خلفية تباين وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة في عدد من القضايا، فتركيا لم تزود مصر بمعلومات أمنية عن متطرفين عادوا من سوريا إليها، كما طالبت مصر بتجميد ووقف نقل أي عناصر مصرية شديدة التطرّف إلى ليبيا ودول مجاورة. كما رفضت تركيا التوقيع على وثائق تتعهد فيها بالانسحاب غير المشروط في ليبيا، وهو الطلب الذي تتمسك به القاهرة، إضافة إلى منع أي عمليات لتعطيل الانتخابات في البلاد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية