هل حقاً باتت الصين وشيكة من اتخاذ قرار السيطرة العسكرية على تايوان؟

هل حقاً باتت الصين وشيكة من اتخاذ قرار السيطرة العسكرية على تايوان؟


23/12/2021

تعتبر الصينُ، جزيرةَ تايوان، مقاطعةً منشقّةً منذ العام 1949م، حين لجأ إليها قادة الحزب القومي الصيني (الكومينتانغ) بعد هزيمتهم في الحرب الأهلية الصينية أمام الحزب الشيوعي، وأنّه يجب إعادة ضمّها وتوحيد كامل البلاد من جديد، تحت سلطة وسيادة عاصمة واحدة. ومع ازدياد أهمية الجزيرة وتصاعد التأكيدات والحرص الصيني على مبدأ الوحدة والضمّ، تتزايد التحذيرات التايوانية - والغربية معها - من قرب قيام الصين باتخاذ خطوة الغزو العسكري للجزيرة، بحيث يتم إعلان ضم الجزيرة بالعنف والقوة.

وتتراوح التقديرات لموعد قيام الصين بهذه الخطوة بشكل خاصّ في الفترة ما بين العامين 2025 و2030. فما دوافع الصين للتمسّك بضم تايوان؟ وهل السيطرة العسكرية هي الخيار الوحيد؟ ولماذا قد تُقدم أو لا تُقدم عليه؟

الالتزام بمبدأ الصين الواحدة

يتمسّك الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بمبدأ أساسي وهو "الصين الواحدة"، والذي يعني أنّه لا يوجد في العالم سوى "صين واحدة"، وتايوان تنتمي إليها. ووفقاً لما يتبنّاه الحزب أيضاً فإنّه يتم تحقيق "الصين الواحدة" من خلال مبدأ "التوحيد السلمي، دولة واحدة، ونظامان"، وهي السياسة الأساسية المُعلَنة للحزب الشيوعي الصيني تجاه تايوان.

يتمسّك الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بمبدأ أساسي وهو "الصين الواحدة"، والذي يعني أنّه لا يوجد في العالم سوى "صين واحدة"، وتايوان تنتمي إليها

خلال عقديْ السبعينيات والثمانينيات نفّذت الحكومة الصينية سياسة إعادة التوحيد السلمي، وبلوَرت تدريجياً مفهوم "دولة واحدة، ونظامان". وعلى هذا الأساس التزمت جمهورية الصين الشعبية بتحقيق الوحدة من خلال المفاوضات السلميّة (ولكن مع عدم التعهد بعدم استخدام القوة إطلاقاً؛ إذ إنّه يمكن اللجوء إليها في حالات معيّنة)، مع الالتزام بإقامة نظامين بعد التوحيد، بحيث تكون الصين مستمرة بالتزامها بالنظام الاشتراكي، في حين يسمح لتايوان بالمحافظة على نظامها الرأسمالي الحرّ، ومع احتفاظ تايوان بدرجة عالية من الحكم الذاتي، تماماً كما حصل بعد عودة كل من هونغ كونغ (عام 1997) وماكاو (عام 1999) إلى السيادة الصينية، حيث احتفظت كل منهما بنظامهما الخاصّ، وقابل ذلك تقدّم بالعلاقات وتقارب من جهة تايوان نحو بكين.

إقرأ أيضاً: وثائق تظهر الأعداد الحقيقية لقتلى الغارات الأمريكية من المدنيين في الشرق الأوسط

إلّا أنّه منذ عقد التسعينيات تخلّى رئيس تايوان لي تنغ هوي، المعروف بـ "أبو الديمقراطية في تايوان" تدريجياً عن التقارب مع مبدأ "الصين الواحدة"، واتّبع بقوة سياسة انفصالية، وهو ما قابله اتجاه الصين في مطلع الألفية الجديدة نحو إقرار قانون عُرف بـ "قانون مناهضة الانفصال" الذي أقرّته بكين في العام 2005، ونصّ على حقّ الصين في استخدام "الوسائل غير السلمية" ضد تايوان إذا حاولت الانفصال.

متظاهرون في تايوان يرفعون شعارات منددة بمبدأ "الصين الواحدة"

البُعدان الاقتصادي والاستراتيجي

وتكتسب تايوان أهمية مضاعفة بالنسبة إلى الصين، بالنظر إلى وزنها وأهميتها الاقتصادية على المستويين؛ الآسيوي والدولي؛ إذ إنّها، وبحجم اقتصاد يبلغ نحو (760) مليار دولار، تأتي في المرتبة الـ7 من حيث حجم الاقتصاد على مستوى قارة آسيا، وفي المرتبة الـ21 على مستوى العالم.

وتتميز تايوان تحديداً بتفوقها في مجال الصناعات التكنولوجية، وتبرز خاصّة على صعيد صناعة الرقائق الإلكترونية، التي تصنّعها شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC)، المُسطيرة على أكثر من (56%) من أسواق الرقائق الإلكترونية العالمية،‏ وبالنظر إلى أنّ صناعة الرقائق تُعتبر أساس التقنية اليوم، ولكون الشركة تُعتبر الأكثر تطوّراً عالمياً، بات الحفاظ على استقرارها ومنع قطع إمداداتها أمراً غاية في الأهمية لعمالقة صناعة الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك كبرى الشركات الأمريكية مثل "آبل" و"إنتل". ولا يتوقف الأمر على التكنولوجيا، بل يمتدّ إلى الأمن أيضاً؛ إذ تُصنّع شركة (TSMC) الرقائق الإلكترونية لمعظم أسلحة الترسانة العسكرية الأمريكية، ومن أهمها رقائق تخصّ الطائرة الأمريكية من الجيل الـ5 (F-35). وبالإضافة إلى (TSMC) تحتضن تايوان شركة "فوكسكون" التي تُعدّ أكبر مصنّع للمكونات الإلكترونية في العالم، والتي تقوم بتجميع أجهزة "آيفون" التابعة لشركة "آبل".

إقرأ أيضاً: هل تجتاح روسيا أوكرانيا في مطلع العام الجديد؟.. 4 اعتبارات تحكم القرار الروسي

وفي حال تحقيق الوحدة، فإنّ الصين تجد أنّه سيتم تعزيز الشراكات والاتفاقيات والاستثمارات بين الصين وتايوان، وسيتم تسهيل حركة الأموال بينهما دون أي عراقيل وقيود وحسابات سياسية، وخاصّة أنّ هناك ارتباطاً كبيراً بين الصين وتايوان؛ إذ يوجد عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين من الضفتين يتوزع نشاطهم وأعمالهم بينهما.

وعلى المستوى الاستراتيجي، فإنّ موقع جزيرة تايوان يُعتبر حيويّاً وغاية في الأهمية بالنسبة إلى الأمن القومي الصيني، فهي تقع في أقصى غرب المحيط الهادئ، وتأتي في منطقة متوسطة بين اليابان شمالاً، والفلبين جنوباً. وبالنظر إلى ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة، منذ تأسيسها في العام 1949، ومع احتضانها قوات وأسلحة أمريكية، فإنّ تايوان تُعتبر أكبر خطر عسكري على الصين في حال وقوع أي مواجهة عسكرية بين الصين والولايات المتحدة؛ بسبب موقعها الذي يؤهلها منطلقاً لتوجيه الضربات في عمق البرّ الصيني. وتنظر الصين إلى تايوان وعلاقاتها مع الولايات المتحدة ونزعتها الانفصالية باعتبار أنّ كل ذلك يأتي في سياق تحركات مستفزّة للصين، تنسجم مع التوجّه الأمريكي لتطويق الصين، وكبح طموحها بالتفوّق والتوسّع.

تحتضن تايوان شركة "فوكسكون" التي تُعدّ أكبر مصنّع للمكوّنات الإلكترونية في العالم

الميزان الدولي... ومبدأ "الغموض الاستراتيجي"

من منظور الحسابات الدولية، فإنّ الصين إذا كانت قادرة على غزو تايوان وإحكام السيطرة عليها عسكرياً بفاعلية وسهولة، فإنّ العالم سيكون عندها مختلفاً بشكل جوهري، وهو ما يعني أنّ مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة قد تراجعت بالتأكيد، وسيكون ذلك بمثابة إعلان صريح على الانتقال إلى مرحلة جديدة تتّسم بالتعددية القطبية، وهو ما سيعني أيضاً غياب الرادع الكافي واحتمال أن تتجه دول أخرى للإقدام على القيام بخطوات مماثلة في أزمات أخرى.

وبذلك، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من التزامها بالإقرار بوحدة الصين منذ عام 1979، إلّا أنّها تلتزم كذك بعدم قيام الصين بضمّ تايوان بالقوّة. وفي سبيل ذلك التزمت الولايات المتحدة بالتعاون العسكري -دون الالتزام بالدفاع- مع تايوان، واستمرّت في إمدادها بالخبراء العسكريين والأسلحة.

أقرّت الصين قانون "مناهضة الانفصال" في العام 2005، ونصّ على حقّ الصين في استخدام "الوسائل غير السلمية" ضد تايوان إذا حاولت الانفصال

وبالمقابل، ونظراً لتطوّر العلاقات الاقتصادية والسياسية الأمريكية مع الصين، خلال العقود الـ4 الماضية، فإنّها التزمت بعد الإعلان عن أيّ سياسة هجومية صريحة تجاه الصين فيما يتعلق بمسألة ضمّ تايوان، وهو ما اصطلح على تسميته بمبدأ "الغموض الاستراتيجي"، الذي حافظت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على ممارسته تجاه هذه الأزمة.

وبمقتضى هذا المبدأ، تتجنّب الولايات المتحدة الأمريكية الإعلان صراحةً عن تدخلها عسكرياً في حال قرّرت الصين فرض سيادتها على تايوان باستخدام القوّة (إلا أنّها تُرسِل رسائل ضمنية محذرة، قد يُفهَم منها ذلك)، وهو ما يكبح أيضاً آمال الانفصاليين التايوانيين الذين قد يقودهم مثل هذا الإعلان إلى تصعيد الموقف في مواجهة الصين والإعلان عن الاستقلال.

إقرأ أيضاً: كيف أصبحت الصين الهدفَ الجديد للجهاديين؟

ويستمر تعزيز حالة الغموض من قبل الجانب الأمريكي، وهو ما جاء ضمنه الإعلان عن تشكيل تحالف "أوكوس" (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا)، في 15 أيلول (سبتمبر) 2021، والذي يهدف بشكل أساسي إلى محاصرة الصين في المحيط الهادئ، مع صفقة لتسليح أستراليا بغواصات نووية، وهو ما يهدف لإبقاء الصين حذرة، وجعلها تدرك وتشعر بأنّها قد تتعرض لخطر الضرب في حال قيامها بأيّ خطوات تصعيدية، وفي مقدمتها الاتجاه نحو تبنّي

قوّات تايوانية أثناء استعراض عسكري

الإضعاف المتدرج... وتكتيك النفس الطويل

وبينما يتأخر الهجوم العسكري الصيني، فإنّ ذلك لا يعني تأجيل لحظة ضمّ الجزيرة، وبالنسبة إلى القادة الصينيين فإنّ لحظة إعلان الضم باستخدام القوّة العسكرية تأتي تحديداً في حال أعلن الحكام في تايوان الانفصال والاستقلال عن الصين، أمّا ما لم يتم ذلك، فإنّها لا تهدد ولا تعلن التزامها بتحقيق الوحدة عسكرياً. إلّا أنّه أمام الفارق الكبير في تعداد الجيش والسلاح والإنفاق العسكري، فإنّ الصين تتبع استراتيجية إرهاق تايوان؛ وضمن هذا التكتيك وعلى مدار العامين الأخيرين، كثفت الصين أنشطتها العسكرية بالقرب من تايوان، بما في ذلك إجراء مناورات عسكرية، بحرية وجوية، وضمن السعي لتحقيق هدف الضغط عليها لقبول الحكم الصيني طواعية.

إقرأ أيضاً: الصراع على امتلاك وإنتاج المعادن النادرة في العالم... هل يمكن الفكاك من الهيمنة الصينية؟

وفي سبيل تحقيق الإرهاق العسكري يتبع الجيش الصيني تكتيكات مثل تكرار اختراق المقاتلات الصينية لأجواء جزيرة تايوان؛ إذ تزايدت في الآونة الأخيرة توغلات الطائرات المقاتلة الصينية داخل المجال الجوي التايواني، ففي العام 2020 نفّذت الطائرات العسكرية الصينية عدداً قياسياً من عمليات التوغل في المجال الجوي التايواني وصل إلى (380) اختراقاً، وفي العام 2021، حتى مطلع تشرين الأول (أكتوبر)، نفّذت أكثر من (600) عملية اختراق؛ وتتسبّب هذه العمليات في استهلاك وإتلاف الطائرات التايوانية بسبب إرهاقها؛ لأنّه يتوجب عليها أن تحلق باستمرار حتى تبُعد الطائرات الصينية، وهو ما يترتب عليه بالمحصلة كلف كبيرة للصيانة المستمرة ولشراء طائرات جديدة.

         على المستوى الاستراتيجي، فإنّ موقع جزيرة تايوان يُعتبر حيويّاً، وغاية في الأهمية بالنسبة إلى الأمن القومي الصيني

وتتزامن المناورات والتوغلات مع هجمات سيبرانية مستمرة ومتصاعدة من قبل القراصنة الصينيين في فضاء الإنترنت، فضلاً عن المساعي المستمرة للتأثير على المستوى الإعلامي ومحاولة حشد الدعم للوحدة في تايوان عبر التأثير في الرأي العام، ودعم المناصرين للوحدة وخاصة من أنصار الحزب القومي (الكونتانغ). وتعمل الصين على زيادة أعداد السياح الصينيين المتجهين إلى الجزيرة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية وحركة انتقال الأفراد والأموال والبضائع بين تايوان والصين، وكلّ ذلك بما يعزز من واقع الوحدة، ويجعلها أمراً من المتعذّر الالتفاف عليه وتجاوزه.

في العام 2021، حتى مطلع تشرين الأول نفّذت الصين أكثر من (600) عملية اختراق للأجواء التايوانية

كلّ تلك الوسائل تعمل الصين على تعزيزها من أجل الوصول إلى ضم سلميّ لجزيرة تايوان، وذلك مع استمرار التلويح باستخدام خيار القوّة في حال قيام الجانب التايواني بإعلان الانفصال والاستقلال. وتحرص الصين على إبقاء حالة التأهب والضغط العسكري عند أقصى حدّ؛ حتى لا يندفع قادة تايوان لاتخاذ خطوة إعلان الاستقلال. وفي حين لا يبدو أنّ الصين عازمة على اتخاذ خطوة وشيكة بالضمّ العسكري للجزيرة - في حال لم يعلن التايوانيون الانفصال - فإنّ التايوانيين لا يتوقفون عن التلويح بقرب وقوع خطوة صينية من هذا القبيل، وذلك لغرض أساسيّ وهو ضمان استمرار الدعم والإمداد والإسناد الغربي ـ والأمريكي خاصّة ـ لتايوان، وبما يخدم بقاء الوضع الانفصالي لها.

وبغضّ النظر عن طبيعة الوسيلة؛ هل هي سلميّة أو عنيفة، فإنّه بالنسبة إلى القيادة الحاكمة في الصين فإنّ هدف ضمّ تايوان وإعادة توحيد الصين هدفٌ لا يمكن الحياد عنه، وهو يأتي كأحد شروط تحقيق مشروع "الحلم الصيني" الذي يحلّ موعد إتمامه في العام 2049، مع حلول مئوية قيام جمهورية الصين الشعبية، وليتحقق بذلك الهدف الاستراتيجي الشامل المتمثل بـ "إحياء الأمّة الصينية العظيمة".

الصفحة الرئيسية