التخبط يعصف بالنهضة: هل تنجح المناورات وحيلة شراء الوقت؟

التخبط يعصف بالنهضة: هل تنجح المناورات وحيلة شراء الوقت؟


09/08/2021

ما تزال القرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية التونسي، قيس سعيّد، بحلّ الحكومة وتجميد البرلمان لمدة شهر، تلقي بظلالها على التماسك الداخلي لحركة النهضة؛ إذ ظهرت بعض الاستقالات بين قياداتها، فيما تعرضت قيادات أخرى لانتقادات شديدة من قواعدها، وقد كشف مجلس شورى الحركة الأخير هذا التصدّع وعدم الانسجام.

اقرأ أيضاً: "إخوان تونس" الفشل و"النجاح"!

قرارات سعيّد، وتصدّع بيت النهضة الداخلي، وضعا الحركة، برئاسة راشد الغنوشي، في موقع صعب قد يقودها إلى الانهيار والخروج من المشهد نهائياً، فيما تؤكد القراءات السياسية على أنّ الحركة باتت تلازمها حالة من التوتر والارتباك غير المسبوقة، خصوصاً بعد تراجع شعبيتها وتخلي أنصارها عنها، وهو ما يفسّر انقلاب الغنوشي على نفسه في مواقف متضاربة واقتراح إجراء حوار وطني، في مناورة سياسية جديدة، تبعاً لما يعرَف به من إدمان على المناورات لمزيد كسب الوقت والتغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع.

انقلاب في المواقف وانسحابات

والتأم، الأسبوع الماضي، مجلس شورى الحركة لإجراء مشاورات استثنائية، لبحث الوضع العام في البلاد، بعد 10 أيام من التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، استجابة لمطالب شعبية جابت أنحاء البلاد، للمطالبة بحلّ البرلمان ومحاسبة حركة النهضة.

الاجتماع حضره الغنوشي، رغم مطالب شباب الحركة وقياداته، فضلاً عن قواعدها، باستقالته من قيادة الحركة، محمّلين إياه مسؤولية فشل البلاد خلال السنوات العشر الماضية، وفشل الحركة التي خسرت أعداداً مهمة من خزانها الانتخابي، وقواعدها الشعبية.

وفي تغيّر مثير لموقفه، رأى الغنوشي خلال المجلس أنّ الإجراءات الاستثنائية التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في 25 تموز (يوليو)، هي تصحيح مسار وليست انقلاباً، كما عبّر عن رفضه لأيّة إجراءات استثنائية في حركة النهضة، وفق مصادر خاصة لـ "حفريات"، ودعا إلى ضرورة تحويلها إلى "فرصة للإصلاح"، وفق ما نشرته الحركة على صفحتها في فيسبوك.

المحلل السياسي عبد الله العبيدي لـ"حفريات": على النهضة البحث عن الانسجام الداخلي ، ثم في مرحلة لاحقة تبحث عن إجراء حوار مع الفرقاء السياسيين

وأعلنت القياديات بحركة النهضة؛ جميلة الكسيكسي، ويمينة الزغلامي، ومنية إبراهيم، عبر فيسبوك، انسحابهنّ من الدورة الاستثنائية لمجلس الشورى.

ويشهد مجلس شورى الحركة خلافات متصاعدة، أصبحت تهدّد وجودها، بعد ظهور أجنحة معارضة للغنوشي ودائرته المقربة، واتهامه شخصياً بالمسؤولية عن تدهور الوضع، وانهيار شعبية الحركة، والمطالبة بإقالته، أو استقالته.

النهضة مرتبكة

ونشرت الحركة على صفحتها بموقع فيسبوك، إثر انتهاء مجلس الشورى، تدوينة أشارت إلى ضرورة تحويل قرارات سعيّد إلى فرصة للإصلاح، ثم عادت الحركة وحذفت التدوينة التي نشرت فيها البيان على صفحتها.

وكان سامي الطريقي، عضو المكتب السياسي ولجنة السياسات في حركة النهضة، هو من نشر تدوينة على صفحة الحركة، ونسب فيها إلى الغنوشي قوله إنّ ما اتخذه الرئيس سعيّد من إجراءات يجب أن يصبح مرحلة من مراحل المسار الديمقراطي، ثم عاد الطريقي هو الآخر وأوضح ذلك بقوله: "لم يذكر رئيس الحركة أنّ ما وقع هو تحوّل ديمقراطي، إنّما قلت يجب أن تصبح تلك الإجراءات من ضمن المسار الديمقراطي وألا تخرج عنه".

وأضاف: "أي أن تكون تلك التدابير الاستثنائية المعلنة في حدود ما أعلنته وضمن سياقها الزمني، وأن تكون فعلاً فرصة للإصلاح كذلك بالعودة إلى السياق الدستوري واسترجاع المؤسسات الدستورية".

من جانبه، قال رفيق عبد السلام، عضو المكتب التنفيذي للحركة وصهر الغنوشي: "التصريح الذي نقله سامي الطريقي لا علاقة له بما ورد من مداولات في مجلس الشورى، وهو رأي شخصي لا يلزم أحداً غيره".

وأضاف عبد السلام: "الجميع متفق على أنّ ما وقع يوم 25 يوليو هو انقلاب مكتمل الأركان، ولا يوجد له أيّ وصف آخر، نحن حريصون على وحدة النسيج المجتمعي وعلى أمن البلاد واستقرارها، مع تشبّثنا بالدفاع عن رصيد الحرية ومكتسب الديمقراطية، إلى جانب غيرنا من القوى السياسية والاجتماعية النزيهة".

أمين عام حزب "تونس إلى الأمام"، عبيد البريكي لـ"حفريات": الإسلام السياسي يلجأ إلى التراجع المقترن بالترصد للتغيرات المحتملة مستقبلاً كلّما شعر بأنّه معزول ومرفوض

وكان الغنوشي، في البداية، قد أكد أنّ قرارات سعيّد انقلاب على الدستور وخرق لفصوله، وحاول الاعتصام أمام مبنى البرلمان، كما دعا أنصاره إلى الخروج إلى الشوارع للاحتجاج ضدّ هذه القرارات، وهدّد بالعنف والإرهاب، في حال لم يتراجع سعيّد عن قراراته.

ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مصادرها الخاصة؛ أنّ الغنوشي والمقربين منه، يحاولون تجاوز أزمة مجلس الشورى بتحميل رئيسه، عبد الكريم الهاروني، الذي هدّد حكومة المشيشي المقالة باحتجاجات واسعة والتسبّب في شلل كامل للبلاد، إذا رفضت صرف تعويضات مالية هائلة لأعضاء الحركة، وجبر الضرر الذي تعرّضوا له بسبب أفكارهم السياسية قبل الثورة.

وأكّدت المصادر نفسها أنّ عدداً من أعضاء الشورى طلبوا من الهاروني، المقرب من الغنوشي، الاستقالة، وحمّلوه مسؤولية بعض الأخطاء الاتّصالية والسياسية، إلا أنّه رفض الاستقالة، معتبراً أنّه لم يقم بما من شأنه أن يدفعه إلى اتخاذ قرار مماثل.

مناورات واعترافات

ودعت الحركة، خلال الاجتماع، إلى "إطلاق حوار وطني للمضي في إصلاحات سياسية واقتصادية"، وإنهاء تعليق اختصاصات البرلمان، مع قيام الحركة بـ "المراجعات الضرورية وتجديد برامجها"، في ضوء "رسائل الشارع".

اقرأ أيضاً: عندما يستحوذ قيس سعيّد على قواعد حركة النهضة

ويرى المحلل السياسي، عبد الله عبد العبيدي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ  الحوار ابتُذل من جميع الأطراف بتونس، وأنّ هذه الدعوة في غير محلّها؛ لأنّ الدولة الآن لا تحتاج إلى حوار بقدر ما تحتاج إلى من يطبق القانون، مشيراً إلى أنّه من الصعب جداً الاستجابة لدعوتها في الفترة الحالية، خصوصاً أنّ المشهد السياسي متحرّك جداً وغير ثابت.

عبد الله عبد العبيدي

ولفت العبيدي إلى أنّ الحركة أظهرت أنّها لم تعد منسجمة، بحسب ما حدث في مجلس الشورى الأخير، داعياً إياها إلى البحث عن الانسجام الداخلي بين قياداتها وزعيمهم والتحاور فيما بينهم، ثم في مرحلة لاحقة تبحث عن إجراء حوار مع الفرقاء السياسيين.

القراءات التونسية للمشهد الحالي ترى أنّ النهضة التي أدمنت المناورات، وما تزال، رغم العزلة التي تعيشها، تحاول التموقع في المشهد السياسي الجديد، وتناور بعد أن خسرت عدداً من مناصريها وتهالكت شعبيتها، بالتزامن مع احتجاجات واسعة ضدّ الطبقة السياسية وسخط شعبي منها.

إلى ماذا تسعى النهضة؟

من جهته، وصف الناشط السياسي اليساري وأمين عام حزب "تونس إلى الأمام"، عبيد البريكي، تحركات النهضة بـ "المناورة" لربح الوقت، وهي من المناورات التي طالما اعتمدتها  النهضة والإسلام السياسي ككلّ، مشدّداً على أنّ "الإسلام السياسي يلجأ إلى التراجع المقترن بالترصد للتغيرات المحتملة مستقبلاً كلّما شعر بأنّه معزول ومرفوض".

وقال البريكي لـ "حفريات": التاريخ القريب أثبت أنّ النهضة تتناقض عندما تكون في موقع قوّة، وتناقض أحياناً الرأي العام التونسي، فيما تتراجع اضطرارياً وتتنازل من أجل البقاء في المشهد، وهو ما يؤكد أنّ هذه الحركة لا تتمسّك بالدين كمبدأ، بل من أجل ممارسة السياسة وإدراك السلطة.

عبيد البريكي

 وأكّد البريكي أنّ هدف النهضة من التراجع في المواقف والدعوة إلى الحوار هو امتصاص غضب حراك 25 تموز (يوليو)، لأنّها تراهن على فشل المرحلة المقبلة، باعتبار أنّ فشل مرحلة ما يدفع الشعوب إلى المطالبة بالرجوع إلى الماضي، أي إلى فترتها، لافتاً إلى أنّها تحاول بكلّ الطرق النقاش حول ما بعد 25 تموز (يوليو).

اقرأ أيضاً: كيف تسعى حركة النهضة لنشر الفوضى في تونس؟.. ما علاقة ليبيا؟

وفي سياق متصل، رأى المحلل السياسي باسل ترجمان؛ أنّ النهضة وجدت نفسها اليوم متورطة في أزمة كبيرة ومتصاعدة، بعد إيقاف القيادي السابق فيها والوزير السابق، أنور معروف، حيث باتت لديها مخاوف من أن تتسبّب حملة الإيقافات الحالية بكشف ملفاتها وحلّها، لأنّها متورطة في عدّة قضايا قد تشكّل انتهاكاً جسيماً للقانون وللدستور.

وأضاف ترجمان، لـ "حفريات": "النهضة تتخبّط حالياً لإيجاد مخرج من الورطة التي وجدت فيها نفسها، والحوار جزء من أسلوبها"، مشيراً إلى أنّ الغنوشي يحاول التقاط صور مع أيّة شخصية من الشخصيات السياسية التي قد تساعده في الخروج من المأزق الذي وضعه فيه سعيّد.

ترجمان ذكّر أيضاً بأنّ النهضة وجدت نفسها، في ثمانينات القرن الماضي، في مواجهة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (الرئيس الأول في تونس بعد الاستقلال)، وفي التسعينيات دخلت في صدام مع الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (الرئيس الذي أطاحته ثورة 2011)، لكنّها اليوم في مواجهة الشارع؛ لأنّ الرئيس سعيّد ليس له حزب.

باسل ترجمان

وتعدّ حركة النهضة الإسلامية، التي كانت محظورة قبل ثورة 2011، جزءاً أساسياً في الحكومات الائتلافية المتعاقبة، وهي حالياً أكبر حزب في البرلمان (مجلس نواب الشعب). وبسبب سياساتها التي أغرقت البلاد في عدّة أزمات، فقد وُضعت منذ 25 تموز (يوليو) في مواجهة الشعب الذي طالبها بالخروج من الحكم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية