هل تجتاح روسيا أوكرانيا في مطلع العام الجديد؟.. 4 اعتبارات تحكم القرار الروسي

هل تجتاح روسيا أوكرانيا في مطلع العام الجديد؟.. 4 اعتبارات تحكم القرار الروسي


19/12/2021

بعدما هدأ القتال في شرق أوكرانيا خلال الأعوام الـ5 الأخيرة، تزايدت التقارير خلال الأشهر الأخيرة التي تشير إلى وجود حشودات ومناورات عسكرية روسية على الحدود مع أوكرانيا، مع حديث عن تحشيد (100) ألف جندي روسي. وتزعم السلطات الأوكرانية أنّ روسيا تخطط لشنّ هجوم عسكري في نهاية كانون الثاني (يناير) 2022، وذلك بهدف السيطرة على إقليم دونباس (شرق أوكرانيا) وضمّه، ولتكرر بذلك سيناريو ضمّ شبه جزيرة القرم في العام 2014. فما أبرز الدوافع المحكمة بالقرار الروسي التي قد تدفع لاتخاذ قرار الغزو أو الرجوع عنه؟

مساعي انضمام أوكرانيا لحلف الناتو

تبرز من بين أولى الاعتبارات التي تقود الموقف الروسي من التدخل العسكري في أوكرانيا: الخشية من التوجه الأوكراني المعلن للانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما يعني بالنسبة إلى روسيا تطويقها ومحاصرتها من جهة الغرب، وبالتالي منعها وتقييدها من مواصلة التحوّل إلى قوة عظمى من جديد، مهيمنة ومؤثرة على المستوى الدولي والأوروبي.

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا: طبول الحرب تقرع... وأمريكا وأوروبا تتوعدان

وفي حال تموضع حلف الناتو عسكرياً في أوكرانيا، فإنّه سيكون بإمكانه الوصول إلى العاصمة الروسية موسكو خلال مدة زمنية قصيرة جداً، وبالتالي فإنّ مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو هي مسألة تمسّ أمن روسيا. وتسعى أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، إذ تهيمن القناعة لدى الساسة فيها بأنّ بلادهم لو كانت عضواً في الناتو عام 2014، عندما اجتاحت روسيا شبه جزيرة القرم، لما تجرأت روسيا على الاجتياح.

مؤتمر صحفي لأمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ (يمين) والرئيس الأوكراني زيلينسكي... كانون الأول 2021

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرّح خلال حديثه إلى المشاركين في منتدى الاستثمار، مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2021 بأنّ: "توسع الناتو باتجاه الشرق يهدد المصالح الأمنية الأساسية لموسكو"،  مُعرباً عن قلقه من أنّ "الناتو قد يستخدم الأراضي الأوكرانية لنشر صواريخ قادرة على الوصول إلى مراكز القيادة الروسية في غضون (5) دقائق فقط".

تطالب روسيا حلف شمال الأطلسي بإلغاء قراره الصادر عام 2008 بفتح الباب أمام انضمام كل من جورجيا وأوكرانيا للحلف

وبعد مطالبة روسيا، في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2021، حلف شمال الأطلسي بإلغاء قراره الصادر عام 2008 بفتح الباب أمام انضمام كلٍّ من جورجيا وأوكرانيا للحلف، رفض الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الطلب الروسي. وأكد ستولتنبرغ أنّ "علاقة حلف شمال الأطلسي بأوكرانيا تقررها الدول الـ(30) الأعضاء في الحلف وأوكرانيا، ولا أحد سواها". وأضاف: "لا يمكننا أن نقبل محاولة روسيا إعادة إرساء نظام تكون للقوى الكبرى فيه، مثل روسيا، مناطق نفوذ، ويمكنها فيه أن تتحكم أو تقرر ما يمكن أن يفعله أعضاء آخرون".

اقرأ أيضاً: هل نجحت قمة بوتين-بايدن في تجنّب الحرب في أوكرانيا؟

وقد توسعت عضوية حلف الناتو وتضاعفت منذ تفكّك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وضمّ إليه (13) دولة جديدة، من بينها دول كانت سابقاً من الجمهوريات السوفيتية؛ مثل إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا. وكانت هناك تفاهمات من المفترض أن تنفذ بين روسيا والغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ سحبت روسيا جميع قواتها العسكرية من وسط وشرق أوروبا، في ظلّ الاعتقاد بأنّه لن يكون هناك توسع للناتو في أوروبا الشرقية، إلّا أنّ الحلف أخلف بهذا الوعد، وهو ما خلق هاجس الريبة والشكّ المستمر لدى الروس، والذي أخذ يتزايد ويتعاظم مع انضمام كل دولة جديدة إلى حلف الناتو، وبلغت الريبة ذروتها في العام 2008 حين اتجهت مساعي المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لضم كل من أوكرانيا وجورجيا، ومولدوفا، الدول الواقعة على حدود روسيا مباشرة، إلى حلف الناتو.

مخاوف من إمداد عسكري غربي لأوكرانيا

على مستوى آخر، وحتى في حال عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو فإنّ الخشية الروسية تتزايد من تصاعد وتيرة التسلّح الأوكراني بالسلاح الغربي من دول حلف الناتو، ومن احتمال تموضع قوات من الحلف وأسلحة تابعة لجيوش الدول الأعضاء فيه وبشكل دائم في أوكرانيا، وحدوث ذلك كبديل عن انضمام أوكرانيا إلى الحلف، وهو ما يعني تشكيل تهديد مباشر لروسيا وأمنها. إضافة إلى أنّ روسيا ترى في ذلك مؤشرات متزايدة على توجه أوكرانيا نحو خيار الحسم العسكري والضمّ للأقاليم الروسية الانفصالية شرق أوكرانيا، والتي ترى روسيا أنّها تضم مواطنين روس يتوجب عليها توفير الحماية لهم والدفاع عنهم.

قوات أوكرانية تستعرض صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدبابات

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد باعت أسلحة مؤخراً لأوكرانيا، مثل صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات. بالإضافة إلى ذلك، قدمت تركيا إلى أوكرانيا طائرات جوية قتالية بدون طيار من طراز "Bayraktar - TB2" - وكلّ ذلك يعني بالنسبة إلى الروس الاستعداد والتحضير لمواجهة عسكرية مع الجيش الروسي – وقد عزّز الناتو وجوده وأجرى تدريبات بحرية في البحر الأسود مع الجيش الأوكراني.

تهدّد الدول الغربية روسيا باتخاذ القرار بعزلها عن نظام التحويلات المالية الدولية

وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) 2021، صرّحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأنّ هناك الكثير من الأسلحة والمعدات والتعاقدات بالمليارات يتم ضخها في أوكرانيا. وصرّح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في اليوم التالي لتصريح زاخاروفا بأنّ "تصريحات واشنطن حول احتمال إرسال قوات عسكرية إلى أوروبا الشرقية تغذي شعور الكراهية ضد روسيا، وتثير المشاعر الانتقامية لدى أوكرانيا".

سلاح العقوبات الاقتصادية

تركّز الدول الغربية من جديد على التلويح بسلاح فرض العقوبات ضد روسيا في حال إقدامها على خطوة الاجتياح لأجزاء من أوكرانيا والقيام بضمها. وهو السلاح الذي أكد عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع تهديدات وصلت إلى حدّ التهديد باتخاذ القرار بعزل روسيا عن نظام التحويلات المالية الدولية (Swift)، وهي الورقة الأخيرة التي قد تلجأ الدول الغربية للزجّ بها في هذه المواجهة، وذلك في ظل عدم التفضيل من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية لخيار إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، بحيث يحدث صدام واشتباك عسكري مباشر مع القوّات الروسية.

اقرأ أيضاً: هل يرسل بايدن قوات أمريكية إلى أوكرانيا؟.. وماذا عن فرض عقوبات على روسيا؟

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تحدّث إلى بوتين في مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2021 ووجّه تحذيراً صريحاً بأنّ الدول الغربية تتجه لفرض عقوبات اقتصادية على شخصيات بارزة في روسيا، فضلاً عن طرد روسيا من نظام الدفع المصرفي الدولي. وتدفع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً من أجل تعليق خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا.

تدفع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من أجل تعليق خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا

ويتمسّك الأوكرانيون بهذا السلاح، ويعوّلون عليه، وقد صرّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للأوروبيين خلال قمة بروكسل في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2021 بأنّ "بلاده مستعدة لأيّ شكل من أشكال المحادثات مع روسيا، لكنّها ترغب في أن ترى سياسة عقوبات غربية قوية ضد موسكو لتفادي مزيد من التصعيد". ومن جهتها، فإنّ روسيا لا تريد أن تصبح دولة معزولة عن النظام المالي الدولي مثل إيران؛ ممّا قد يدفعها إلى الكفّ عن خيار الاجتياح والتوصل إلى عقد تسويات دبلوماسية سلمية.

وكانت العقوبات الاقتصادية الدولية قد فُرضت خلال الحرب الروسية الأوكرانية من قبل عدد كبير من الدول ضد روسيا، وذلك عقب الإعلان الروسي بضم شبه جزيرة القرم في شباط (فبراير) 2014. وفُرضت العقوبات في حينه من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى ضد أفراد وشركات ومسؤولين روس. وردّت روسيا بفرض عقوبات على عدد من الدول، بما في ذلك حظر كامل على واردات المواد الغذائية من أستراليا وكندا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، معوّضةً عن ذلك بالإنتاج المحلي.

مخاوف من قيام أوكرانيا بضم إقليم الدونباس

تعلن روسيا أنّ السبب الأول الدافع لها للتدخل عسكرياً في أوكرانيا هو حماية السكان الروس (وهم من أصحاب الأصول الروسية ومن الناطقين باللغة الروسية) المتواجدين بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك (في شرق أوكرانيا)، والذين يشكلون نحو (75%) من سكان دونيتسك و(70%) من سكان لوغانسك، إذ ترى روسيا أنّهم على وشك التعرض لانتهاكات واسعة في حال ضم الأوكرانيين وإخضاعم الجمهوريتين بشكل عنيف وقسري بالاعتماد على خيار القوة العسكرية.

ترى روسيا أنّ تدخلها عسكريّاً في شرق أوكرانيا هو للدفاع عن الروس الموجودين هناك

وكانت الجمهوريات الانفصالية عن أوكرانيا، جمهورية دونيتسك وجمهورية لوغانسك، قد أجرتا استفتاءات حول وضع مقاطعتَيْ دونيتسك ولوغانسك في أيار (مايو) 2014، وذلك في أعقاب المواجهات التي اندلعت مطلع العام 2014 بين الانفصاليين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية. وفي هذه الاستفتاءات، صوّت حوالي (90%) لصالح الاستقلال عن أوكرانيا، وهو ما لم تعترف به أوكرانيا، ورفضته.

وفي عام 2021، وبعد مضيّ أكثر من (7) أعوام على اندلاع الأزمة الروسية - الأوكرانية، فإنّ 70% من سكان إقليم دونباس (جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك) باتوا يحملون جواز سفر روسيّاً، وهو واقع جديد حاولت روسيا خلقه وفرضه على الأرض، وبالتالي فإنّ روسيا باتت تعلن أنّه في حال وقوع أيّ هجوم على الإقليم، فإنّها سوف تتدخل للدفاع عن مواطنيها.

باللون الأحمر... مناطق تركز وتواجد الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم

وكان بوتين قد تحدث أول مرة في عام 2019 عن احتمال تعرّض السكان الناطقين بالروسية في "الدونباس" لمذبحة مماثلة لـ"مذبحة سربرنيتسا" (التي حصلت في البوسنة عام 1995)، إذا استعادت أوكرانيا السيطرة الكاملة على منطقة الدونباس دون ضمانات. وفي العام 2021 جدد بوتين اتهامه لأوكرانيا بتعمّد التصعيد في إقليم دونباس، وبممارسة العنصرية ضد الروس فيه، محذراً من حدوث إبادة جماعية.

اقرأ أيضاً: ما لا تخبرنا به الصراعات الجارية في أوكرانيا وسوريا وليبيا وناغورنو-قاراباخ عن مستقبل الحرب

واليوم ترى روسيا أنّ تدخلها عسكريّاً في شرق أوكرانيا هو للدفاع عن الروس الموجودين هناك، وأنّ الاتجاه نحو استخدام القوة العسكرية يأتي للحيلولة دون تطهير الروس في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، لأنّه ووفقاً للدستور الروسي، يتوجب حمايتهم في حال كانت حياتهم معرضة للخطر من جانب قوات عسكرية من دولة أخرى.

من المنظور الغربي، فإنّ إيقاف روسيا وكبح طموحها نحو التوسع غرباً هي مسألة أمن قومي، تتعلق بمخاطر مستقبلية متزايدة قد تواجهها أوروبا والغرب في حال تصاعد القوة والنفوذ والهيمنة الروسية. ومنذ تصاعد الأزمة الأوكرانية باتت دول أوروبية، مثل بولندا ورومانيا، ترى أنّها قد تكون الهدف التالي بعد أوكرانيا، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي ودول المنظومة الغربية نحو التشدد واتخاذ موقف حازم من الطموح الروسي في أوكرانيا.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية