هل حقاً إنّ العالم بعد كورونا سيكون أمام خيارين؟

كورونا

هل حقاً إنّ العالم بعد كورونا سيكون أمام خيارين؟


13/04/2020

بمجرد مرور شهرعلى انتشار مرض فيروس كورونا في العالم، بدأ الحديث في أوساطٍ شعبية وثقافية وعلمية وسياسية، عن السرعة التي انتشر فيها المرض، متهمين العولمة التي سهلت الانتقال وحولت العالم إلى قريةٍ صغيرة، على أنها أسهمت في جعل الوباء عالمياً، كما دارَ الحديث عن أنّ الإرهاق والكساد المحتمل أن يصيبا الاقتصاد العالمي هذا العام، وربما لأكثر، يقودان إلى ضرورة مراجعة النظام الرأسمالي القائم، حتى إنّ كثيرين نادوا بعودةِ الاشتراكية، بعدما ذكّرهم الفيروس باشتراكيته؛ لأنه غزا دون تمييز.

اقرأ أيضاً: جماعات الإسلام السياسي بعد كورونا
أسئلة عديدة، وغير هذه الأسئلة، عن السياسة والاقتصاد، شغلت كثيرين، فلماذا يتم طرحها اليوم في ظل جائحةٍ لا يعرف إلى متى ستدوم، وكم ستترك من آثار، وهل يحتاج العالم حقاً إلى تغيير؟ ولماذا لم يتم نشر هذا الطرح بقوة، قبل اجتياح كورونا؟

 

أيديولوجيا وبيولوجيا
يبدو فيروس كورونا منتجاً بيولوجياً عابراً للقارات، وهو غير قابلٍ للشراء، إذ من الطبيعي ألا يحبه أحد، ابتداء من الصين، وليس انتهاءً بأمريكا، إلا أنه مفروض على الجميع كما بدا عليه الأمر خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهذا ما طرح أسئلةً كثيرة، منذ بدءِ الحديث عن أزماتٍ سوف تصيب القطاعات الإنتاجية والعمالية والخدمية حول العالم، وأنه لو كان نظامٌ آخر غير الرأسمالية النيوليبرالية الجديدة موجوداً، لربما تم تجنب الكثير من البلاء، وعلى هذا الأساس، خرج المفكر الأمريكي والمعارض الشهير نعوم تشومسكي، ليقول إنّ "العالم أمام خيارين، إما إعادة بناء العالم بشروطٍ أكثر إنسانيةً ومساواة، وإما العودة إلى أنظمةٍ أكثر استبدادية".

إسماعيل: الحديث عن دولة اشتراكية يبدأ من أن النظم الرأسمالية تدير ظهرها للفقراء وللقطاعات العمالية خلال الكوارث

وأوضح تشومسكي في رأيه الذي نشرته "الحرة" في الثاني من نيسان (إبريل) الجاري أنّ الاقتصاد العالمي "قد ينتعش بصورةٍ قوية بعد الأزمة، لكن ذلك لن يمنع حلول كوارث متوقعة بسبب السياسات النيوليبرالية الاقتصادية العالمية" والتي سببها ليس كورونا بحسب ما قاله، بل إنّ كورونا بحسب المفكر الأمريكي، هو تحذير بأنّ الدول تسير في الاتجاه الخطأ، وأنّ مشاكل الطبيعة والاحتباس الحراري والحروب والمنافسات في الأسواق المفتوحة، سوف "تتسبب جميعها بكوارث تغير وجه العالم كما عرفناه". ولم يقدم تشومسكي أي دعوةٍ واضحة للاستعانة بالاشتراكية مثلاً، كحل اقتصادي دولي، بل أظهر رأيه كذلك، بأنّ وجهة الدول غير واضحة حتى الآن، بما يمكن أن تتخذه من إجراءات اقتصادية وسياسية، تختلف عما كانت تقوم به قبل الجائحة.

اقرأ أيضاً: جان دوندار: أردوغان يستعمل فيروس كورونا لمعاقبة السجناء السياسيين

وفي سياق آخر، المؤرخ البلجيكي المعروف إيريك توسان قال إنّ الفرصة سانحةً اليوم، بعد كشف عيوب "العولمة" والنظام العالمي كي تعود الدول إلى مراجعاتها الخاصة، فها هي حسب رأيه "تواجه كل منها الجائحة وحدها تقريباً" وهي بحاجة لنبذ مصالح الشركات الكبرى وأنظمة الدَين العالمي وغيرها، لصالح ما أسماه "خلق قوة ديمقراطية ذاتية الإدارة، نسوية، وتعتني بالبيئة، واشتراكية" وربما وطنية قُطرية أيضاً، بعيداً عن خيوط العولمة التي تنسجها الرأسمالية العالمية.

 


وقد علق أيضاً في مقاله المنشور بموقع "بوابة الهدف" مطلع الشهر الجاري أنّ "دول العالم الثالث، المثقلة بالديون، ربما تصبح الضحية الوحيدة للأزمة" وذلك بسبب سياسات الاستدانة التي تثقلها أصلاً، منذ عقود. ويبدو، أنّ تشومسكي وتوسان، وغيرهما، مثل هنري كيسنجر، يعتقدون إلى جانب بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، أنّ العالم سوف يتغير، وربما نشهد انكماشاً للعولمة والعلاقات الاقتصادية الدولية خلال الفترة القادمة، بل وربما تعود الاشتراكية والانكماش على مقومات الدولة القومية كحلٍ يطبقه البعض في الفترة القادمة.

 

اقرأ أيضاً: قطر تستثني العمال الأجانب من إجراءات السلامة لمواجهة كورونا
وهكذا، فإنّ الوباء، طرح التساؤل حول شكل أو مستقبل الدولة في ظل كورونا وما قبلها، فماذا كانت الإجابات عن هذا التساؤل؟

الدولة المستحيلة
يقول الباحث المصري في العلوم السياسية سامح إسماعيل، إنّ مفتاح التغير اقتصادي؛ إذ إنّ "الشعوب تدرك أنّ النظم الرأسمالية باتت تدير ظهرها إلى الطبقة العاملة عند كل أزمةٍ تواجهها (كأزمة كورونا) مما يعني أنّ الكثيرين فكروا في إصلاحٍ تجاه اليسار، من أجل ضمان شيء من حقوق العمال حول العالم".
ويؤكد إسماعيل لـ"حفريات" أنّ "العديد من الشركات ورجال الأعمال حول العالم، بات همهم الحفاظ على معدلات الإنتاج والاستهلاك، بالرغم من المخاطر، لذا فإنّ هؤلاء يقلقون من توسع نظام العزل الصحي والتباعد الاجتماعي، بل ويحاولون الكسب من خلال تقليل الأيدي العاملة في ظل الجائحة في الوقت نفسه، ويعد هذا استغلالاً بالطبع، يدفع إلى إيجاد بدائل تحفظ حقوق العمال، ومنها الاشتراكية".

اقرأ أيضاً: هل تستغل إيران انشغال العالم بكورونا لتسريع تخصيب اليورانيوم؟

وفي الإطار ذاته، وبسؤاله عن شكل الدولة الذي يمكن أن يظهر بعد انقضاء جائحة كورونا، قال الباحث المصري، والمتخصص في الاقتصاد الكلي والسياسي مجدي عبد الهادي؛ إنه من المبكر "التفاؤل أو التشاؤم بشأن أن ينهي كورونا الديموقراطية، كما أنه لن يسقط الرأسمالية ويقيم الاشتراكية، فهذه تحولات اجتماعية كبيرة، ولن تتحقق سوى بثمنها التاريخي الطبيعي، أي الصراع الطبقي بين ذوي المصلحة، لا القفزات الاعتباطية التي يهبنا إياها فيروس أو أزمة طبيعية".

 


وأضاف عبد الهادي في تصريحه لـ"حفريات": "لو انتهت الأزمة سريعاً، فلن يتغيّر شيء تقريباً، ولن تكون هناك دروس حقيقية، ربما فقط بعض التغيّرات في ترتيبات القوى والمصالح ضمن إطار النظام العالمي القائم، مع استمرار نفس منطقه وآليات عمله، لكن الأزمة لو استمرت، فمن المُرجَّح أن تكسب دعوات "تحديد النمو" القديمة الجديدة مزيداً من القبول والتأييد الاجتماعي على حساب أيديولوجية "النمو للنمو" المرتبطة بسيادة الربح والتراكم المستمر لرأس المال". وهو ما يعني دولاً أكثر مركزية بعيداً عن عولمةٍ يسودها عالم رأسمالي ورقمي مفتوح.

 

اقرأ أيضاً: هل يفتك كورونا بالنسيج الاجتماعي في غزة؟
ورأى الباحث المتخصص في علم الاجتماع الاقتصادي أيضاً أنّ "مشاكل الاقتصاد الرأسمالي المعولم ستبدأ إذا حامت الشكوك حوله بصورةٍ أكبر، على أنه سبب مخاطر الاختلال البيئي والتغير المناخي وتراجع أساليب الزراعة والأعمال وإلخ، والإسهام في ظهور الفيروسات القاتلة، وضعف أنظمة الرعاية الصحية".
وبالتالي، يستنتج عبد الهادي أنّ "الشكوك تجاه عالمية النظام الرأسمالي، سوف تعيد إلى الدولة القومية بعضاً من قوتها وأهميتها في المدى القصير، وقد يتراجع التعاون الدولي وربما تتقلّص التجارة الدولية وحرية حركة رأس المال جزئياً؛ حيث ستتّجه الحكومات إلى مزيد من السيطرة على أسواقها المحلية، وتحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي من القطاعات الأساسية والسلع الإستراتيجية، وتقصير سلاسل توريدها من الخارج، وتقليص هيمنة رأس المال المالي ودور البورصات".

عبد الهادي: قد يشهد العالم عودةً للدولة القومية المنكمشة على اقتصاد وسياسات واستراتيجيات محلية في مواجهة العولمة والكوارث

وفي ضوء ذلك، فإنّ عودة الدولة القومية أو القطرية إلى المجال المحلي بقوة، على حساب تقليص الدور العالمي لرأس المال العابر للقارات وأسواقه، ربما يكون أمراً مستبعداً الآن، لكن ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفرد، يعتقد أنّ "الوباء سيدعم صعود الحركات القومية ويدعم سلطة الحكومات وقبضتها على مقاليد الأمور. وستتبنى الحكومات بمختلف اتجاهاتها إجراءات طارئة في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس، ولن يتخلوا عن تلك السلطات بسهولة فور انتهاء الأزمة".
وأضاف والت في تقريرٍ نشرته "يورو نيوز" نهاية الشهر الماضي أنّ "الفيروس سيؤدي إلى سرعة انتقال ميزان القوى العالمية من الغرب إلى الشرق وإلى دول استطاعت تدارك الأزمة بشكل سريع نسبياً ككوريا الجنوبية وسنغافورة والصين، في وقت تباطأت فيه الحكومات الغربية والأوروبية ودخلت في طرق عشوائية لاحتواء الأزمة". لذا فإنّ العالم قد يشهد صعود نظمٍ أكثر استبدادية وسيطرة رأسمالية، وربما يشهد انكماش استبداداتٍ معزولة على نفسها في دولٍ عديدة.
أما الرأي الأخير، فإنه يتحدث عن حكوماتٍ رقمية وعالمٍ مرتبطٍ رقمياً يسهم في تغيير علاقات العمل والإنتاج بصورةٍ غير مسبوقة، وبالتالي صعود قوةٍ عالمية أساسها الرقابة والتحكم الكبيرين، على دولٍ وأفراد، وبالتالي، الاستثمار في ضحايا كسادٍ عظيمٍ تَطَلبَ اجراءاتٍ عالمية تشبه ما يحصل اليوم في ظل فيروس كورونا.
التنبؤ بشكل الدولة بعد الجائحة، يبدو مستحيلاً لدى عديدين، بين تغييرٍ مأمول نحو عدالةٍ ومساواة وظروف بشرية أفضل، ونحو نظرةٍ متشائمة تلوح في أفق البعض.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية