هل "تُبيض" صفقة الحدود بين لبنان وإسرائيل إرث عون؟

هل "تُبيض" صفقة الحدود بين لبنان وإسرائيل إرث عون؟

هل "تُبيض" صفقة الحدود بين لبنان وإسرائيل إرث عون؟


30/10/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على بعد أقل من أسبوعين من مغادرته المقرّرة لمنصبه، يصرّ الرّئيس اللبنانيّ، ميشال عون، على أنّ اتّفاق لبنان الأخير مع إسرائيل بشأن الحدود البحريّة يمثّل نجاحاً شخصيّاً له. ومن شأن الاتّفاق أن يُمهّد الطّريق أمام لبنان وإسرائيل لاستغلال احتياطيّاتهما البحريّة من الغاز - أو بالأحرى احتياطيّاتهما المفترضة من الغاز - في مناطق اقتصاديّة حصريّة محدّدة بوضوح.

من المؤكّد أنّ عون ومستشاريه قد ناورا بشكل جيّد للتّأكّد من أنّهم في قلب المفاوضات مع الوسيط الأمريكيّ، عاموس هوشستين. ويعني الاتّفاق أنّ رئاسة عون، التي انهار خلالها الاقتصاد اللبنانيّ وانتشر الفقر في جميع أنحاء المجتمع، لن تنتهي بتذمّر. ومع ذلك، وفيما وراء ذلك، ليس من الواضح إذا ما كان الاتّفاق يُغيّر الكثير بالنّسبة إلى الرّئيس.

بالنّسبة إلى عون، تسود قضيّتان رئيستان، وكلتاهما تتعلّق بالمستقبل السّياسيّ لصهره، جبران باسيل. أوّلاً، يأمل الرّئيس أن يكون لدوره في تأمين صفقة مع إسرائيل تداعيات إيجابيّة على الصّعيد المحلّيّ، الأمر الذي سيتيح لباسيل حرّيّةً أكبر لفرض أولويّاته على الرّئيس المقبل، حتّى وإن كان من غير المحتمل بشكل كبير أن يُنتخب باسيل نفسه.

صور الرئيس اللبناني ميشال عون وزعيم التيار الوطني الحر في لبنان جبران باسيل في مكتب الحزب في سن الفيل في أيار

ثانياً، يعتقد الرّئيس، أيضاً، أنّ توقيعه على صفقة بوساطةٍ من إدارة بايدن سيجعل من المرجّح أن ترفع الولايات المّتحدة عقوباتها عن باسيل. وكان الأخير قد عوقب في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2020 على خلفيّة تهم فساد، لكن العونيّين يعتقدون أنّ الدّافع الحقيقيّ وراء العقوبات هو قرب باسيل من حزب الله. لذلك، يفترض البعض أنّ قيام الرّئيس بتسهيل اتّفاق مع إسرائيل، وموافقة باسيل على ذلك، قد يضع مسافة بين الأخير والحزب وموقفه المسلّح من إسرائيل.

افتراضات خادعة

كلّ هذه الافتراضات خادعة، أو مضلّلة، أو مبنية على مقدّمات زائفة. إنّ افتراض عون أنّ الصّفقة مع إسرائيل ستبدّل وجهات النّظر السّلبيّة تجاه رئاسته في الدّاخل يُعدّ تفكيراً بالتّمنّي. فليس من الواضح حجم كمّيّة الغاز التي يمتلكها لبنان، أو سعر استخراجها، أو كيف ستُباع. أيضاً، معظم اللبنانيّين لا يربطون الصّفقة بعون وحده. ولم يكن هناك اتّفاق إلا عندما غنّى الرّئيس، ورئيس البرلمان، ورئيس الوزراء الأنشودة نفسها، بعد الكثير من الخلافات.

عون هو أحد هؤلاء القادة الذين أسهمَ انعدام كفاءتهم خلال فترة الأزمة في إفقار المزيد من اللبنانيّين منذ بداية الانهيار في (أكتوبر) 2019

كما لا يبدو أنّ عون مدرك أنّ حجم الانهيار الاقتصاديّ كبير لدرجة أنّه ما من شيء يفعله قد يغيّر آراء مواطنيه. يُعدّ عون مصدراً رئيساً للخلاف الوطنيّ (على الرّغم من أنّه ليس وحده في ذلك)، وبالتّالي فهو أحد هؤلاء القادة الذين أسهمَ انعدام كفاءتهم خلال فترة الأزمة في إفقار المزيد من اللبنانيّين منذ بداية الانهيار في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019.

إنّ أمل عون في أن يمنح نجاح الصّفقة البحرية باسيل المزيد من النّفوذ لفرض شروطه على رئيس لبنان القادم مضلّل. ومنذ أن أدرك باسيل أنّه ليس لديه فرصة لخلافة والد زوجته، سعى إلى فرض شروطه على أيّ رئيس جديد، واستخدام ذلك كنقطة انطلاق لترشّحه في غضون ستّة أعوام. يشعر باسيل أنّ بإمكانه القيام بذلك، لأنّ الرّئيس الجديد سيحتاج إلى موافقة الكتلة المسيحيّة التي يتزعّمها باسيل لتأمين شرعيّته.

ومع ذلك، فإنّ هذه المعادلة كانت ستصحّ سواء تمّ الاتّفاق على صفقة بحريّة أم لا. لم يكن من قبيل المصادفة أنّه في اليوم الذي أعطى فيه لبنان موافقته الرّسميّة على الصّفقة مع إسرائيل، كان باسيل يقوم بجولات بمبادرة جديدة حول الرّئاسة. وجوهر خطّته أنّ البحث عن مرشّح يجب أن يتمّ برعاية رئاسة الجمهوريّة والبطريركيّة المارونيّة، وأنّه يجب اختيار مرشح توافقيّ ممُثّل.

الكتل المسيحيّة الكبيرة في البرلمان

بالنّسبة إلى باسيل، يعني التّمثيل التّمتع بدعم الكتل المسيحيّة الكبيرة في البرلمان. ومنذ أن قالت كتلة القوّات اللبنانيّة، المنافس المسيحيّ الرّئيس للعونيّين، إنّها ستدعم مرشحاً يواجه حزب الله، ألمح العونيّون إلى أنّه من خلال دعم مرشح توافقيّ (وهو خيار تفضّله معظم الأحزاب السّياسيّة)، يمكنهم وحدهم منحه تصديقاً مسيحيّاً.

سفينة تخزين وتفريغ للإنتاج العائم من Energean في حقل كاريش

لم تعزّز الصّفقة البحريّة أو تغلّ من يد باسيل في هذا الصّدد. وربما يصّحّ القول، أيضاً، إنّ ذلك لم يؤثّر على موقف الأمريكيّين فيما يتعلّق بالعقوبات المفروضة عليه، أيضاً. بينما أثار باسيل لفترة طويلة غضب واشنطن والعديد من الدّول العربيّة بسبب تحالفه مع حزب الله، فقد عُوقِبَ بموجب «قانون ماغنيتسكي العالمي لمساءلة حقوق الإنسان». يُعاقِب القانون أولئك المتورّطين في الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، ولكي تزيل الولايات المتّحدة هذا التّصنيف، يجب عليها تبرير مثل هذه الخطوة علناً.

في أحسن الأحوال، الصّفقة البحريّة هي مجرّد جائزة ترضيّة لعون، إذا كانت تعني أنّه يمكن استغلالها في منافساته السّياسيّة الدّاخلية، وكذلك منافسات باسيل

إنّ تصنيف واشنطن لشخص فاسد يتطلّب عملية طويلة لتأكيد هذا الاتّهام. لا تستخدم وزارة الخزانة هذا السّلاح باستخفاف، وقد كشف مسؤولون أمريكيّون بشكل سرّىّ في الماضي أنّ الجهود المبذولة لفرض عقوبات على الأفراد المقرّبين من عون أسقطتها وزارة الخزانة بسبب نقص الأدلة. ويبدو من السّخف أن نفترض أنّ براءة باسيل ستُعلَن بطريقة سحريّة لأنّ والد زوجته دفع باتّجاه صفقة تصبّ في مصلحة لبنان.

في أحسن الأحوال، الصّفقة البحريّة هي مجرّد جائزة ترضيّة لعون، إذا كانت تعني أنّه يمكن استغلالها في منافساته السّياسيّة الدّاخلية، وكذلك منافسات باسيل. ومع ذلك، من المؤكّد أنّ الصّفقة تتناقض مع أعوام من الأداء الكئيب ضحّى خلالها عون بكل شيء نيابةً عن صهره. سيخرج بخاتمة إيجابيّة، لكنّه لن يدرك أبداً أنّ الكلمة العمليّة هنا، بالنّسبة إلى معظم اللبنانيّين، هي «خروج» ، وليست «إيجابيّة».

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال، 19 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2022




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية