هل تنقذ تحولات السياسة الخارجية التركية شعبية أردوغان المتهاوية في الانتخابات المقبلة؟

هل تنقذ تحولات السياسة الخارجية التركية شعبية أردوغان المتهاوية في الانتخابات المقبلة؟


21/08/2022

تفرض التحوّلات الجذرية في السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العديد من التساؤلات حول التوقيت، حيث تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في البلاد منتصف العام المقبل، والأهداف التي يرمي إليها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والذي يسعى لتحسين صورته واسترجاع شعبيته المتراجعة، جراء تدهور الوضع الاقتصادي في الداخل، ووضع البلاد في حالة عداء مستمر مع محيطها الإقليمي جراء السياسات الخاطئة للرئيس أردوغان، على حد وصف مراقبين. 

وفي تناقض واضح لمجمل السياسات التركية التي اتسمت بالعداء مع دول الجوار خلال الأعوام الماضية سواء بالعدوان على الشمال السوري، أو دعم جماعة الإخوان الإرهابية وإيواء الهاربين من عناصرها والمطلوبين على ذمة قضايا لدى القاهرة، فضلاً عن التحركات الأحادية خارج مظلة الشرعية الدولية في مياه شرق المتوسط للتنقيب عن الغاز دون اتفاق مع دول الجوار، تحدث أردوغان مساء الجمعة، حول إمكانية التشاور مع النظام السوري من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي، وتطرق في حديثه مع الصحافيين عقب زيارته لأوكرانيا عن علاقات بلاده مع مصر، مشدداً على أهمية التوصل إلى "علاقات تعاونية"، وقال: إنه "لا يوجد خلاف بين أنقرة والشعب المصري، وأنّ بلاده تحتاج إلى السلام مع القاهرة في أسرع وقت".

ويبدو لافتاً خلال الشهور الست الماضية حرص أردوغان على تحويل نمط سياسته الخارجية، بعد زيارته لدولة الإمارات في شباط (فبراير) الماضي، والمملكة العربية السعودية في نيسان (أبريل)، فيما تتحدث تقارير عن عزمه زيارة القاهرة لتدشين مرحلة جديدة من التفاهمات مع مصر. 

ماري ماهر: المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية فرضت على تركيا إعادة توجيه سياستها الخارجية نحو نهج متعدد المحاور

ويرجع مراقبون، أسباب التحول المتناقض في سياسات أردوغان الخارجية إلى سببين رئيسين: الأول؛ هو محاولة الرئيس التركي البحث عن متنفس لاحتواء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد على مدار الأعوام الماضية، والثاني؛ هو محاولة الحزب الحاكم في تركيا العودة إلى سياسته القديمة التي تعتمد على (تصفير المشكلات) مع دول الإقليم وبناء علاقات جيدة مع الشرق الأوسط، بهدف تحسين صورته أمام الجمهور الغاضب، قبيل انعقاد الانتخابات الرئاسية بالبلاد، خاصة أنّ غالبية استطلاعات الرأي التي جرت في تركيا مؤخراً تشير إلى تهاوي شعبية أردوغان وحزبه. 

ما الدوافع؟ 

الباحث المصري المختص في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي، يرى أنّ التحركات الخارجية للرئيس التركي خلال الفترة الماضية يمكن قراءتها في ضوء العديد من الدوافع، أهمها رغبة أردوغان في تهدئة الخلافات والتوصل إلى حلول دبلوماسية في سياق سياسة جديدة مع دول الشرق الأوسط، بعد أن فشلت السياسات القديمة الخاصة بدعم وتمويل الإرهاب أو التجاوزات الإقليمية ومحاولة فرض السيطرة العسكرية خارج الحدود التركية في تحقيق أي مكاسب للرئيس التركي أو حزبه، بينما أرهقت البلاد بإقحامها في صراعات طويلة الأمد ومتعمقة ومتشعبة في ذات التوقيت، وهو ما نتج عنه "خنق" تركيا سياسياً واقتصادياً. 

 محمد فوزي: أزمات تركيا الاقتصادية وعزلتها الإقليمية نتيجة سياسات أردوغان الخاطئة، تدفعها نحو التهدئة الإقليمية والبحث عن شراكات جديدة

وفي تصريح لـ"حفريات"، يقول فوزي، إنّ الرهانات القديمة جميعها فشلت، بينما يواجه الرئيس التركي ضغوطاً متزايدة من المعارضة داخل البلاد والتي تتهمه بشكل أساسي بممارسة سياسات خاطئة تسببت في إغراق الدولة بأزمة اقتصادية تاريخية في الداخل وأدت لزياة حالة الاستقطاب بشكل غير مسبوق، وعلى مستوى الخارج تسببت سياسات أردوغان في عزل تركيا عن محيطها الإقليمي.

وينوه فوزي إلى أهمية تلك التحولات لتصحيح وضع الرئيس التركي في الداخل، قبيل الانتخابات الرئاسية التي يخشى حزب العدالة والتنمية خساراتها، فيما تشير كافة التقارير والاستطلاعات لتراجع شعبيته، وتزايد حالة الغضب الشعبي تجاهه نتيجة السياسات السابقة. 

وحول التفاهمات مع مصر، يشير فوزي إلى أنّ "الملف مرتبط بالعديد من القضايا التي لم يتم التوصل إلى تفاهمات بشأنها، ويتوقف الأمر على مدى جدية أنقرة في تحقيق الشروط التي وضعتها القاهرة مسبقاً، أبرزها وقف التدخل العسكري في ليبيا، التي تمثل عمقاً للأمن المصري، وكذلك التوقف تماماً عن تقديم الدعم لجماعة الإخوان وتسليم المطلوبين لديها، وثالثاً التوقف عن أي تصرفات أحادية في منطقة شرق المتوسط والالتزام بالاتفاقيات الموقعة من جانب مصر واليونان وقبرص". 

تحولات براغماتية.. تفرضها معطيات دولية إقليمية

وفي سياق متصل، ترى الباحثة ببرنامج العلاقات الدولية بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، ماري ماهر، أنّ "المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية الراهنة فرضت على تركيا إعادة توجيه سياستها الخارجية نحو نهج متعدد المحاور وأكثر براغماتيةً وهدوءاً يعطي مساحة أكبر لصالح التفاهمات الدبلوماسية والسياسية مقابل تراجع سياسة المواجهة وتقليل التداخلات الأمنية بهدف بناء علاقات إيجابية مع الشرق الأوسط واستعادة موقعها كشريك إستراتيجي للولايات المتحدة وتقليل التوترات مع الاتحاد الأوروبي دون قطع العلاقات المتميزة والصعبة مع روسيا. 

وبحسب دراستها المنشورة بموقع المركز تحت عنوان "تعدد المحاور.. قراءة في تحولات السياسة الخارجية التركية"، ترجح ماهر أنّ تواصل تركيا إستراتيجية الحياد والتحوط في ظل بيئة عالمية مضطربة يسودها عدم الاستقرار وتشهد إعادة تشكيل التحالفات؛ لأن الانحياز إلى جانب يعني تقليص قدرتها على العمل كجسر بين روسيا والحلفاء الغربيين، لذلك قد تكون الدولة الأكثر موثوقية عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات المحتملة بين روسيا وأوكرانيا.

تورغت أوغلو: يأمل "العدالة والتنمية" من خلال التحركات السياسية الأخيرة الحصول على بعض المكاسب للبقاء في السلطة

ومع ذلك، ليس متوقعاً إغفال أنقرة عن تأمين مصالحها الوطنية في سوريا وليبيا والقوقاز ومنطقة شرق المتوسط، بما يُعطي مؤشراً على استمرار الحلول العسكرية كخيار لا يزال مطروحاً لمعالجة بعض المسائل الأمنية التي تعتبرها أنقرة غير قابلة للتفاوض.

هل ستؤثر التحولات الحالية في نتائج الانتخابات؟

المحلل السياسي التركي تورغت أوغلو، يصف السياسات الحالية لأردوغان بأنها مجرد محاولة من حزب العدالة والتنمية للبقاء في السلطة وتحقيق مكاسب اقتصادية. 

وبحسب تحليل سياسي مطول لأوغلو نشره موقع "إندبندنت بالعربية" تحت عنوان "هل ستؤثر سياسة أردوغان الخارجية على نتائج الانتخابات؟"، "يبذل أردوغان جهداً بالغاً لاغتنام كل فرصة تتيح له العثور على أموال ساخنة وفتح مساحة لنفسه، وسيحاول الصمود أمام التحديات التي يواجهها من خلال الاستمرار في سياسات المد والجزر اليومية حتى الانتخابات".

ويشير الباحث التركي إلى أنّ "هذه هي الطريقة التي يمكننا بها تقييم تحركات السياسة الخارجية الأخيرة للحكومة التركية، على سبيل المثال، عندما شاركت أنقرة في قمة "الناتو" بمدريد فسر المعلقون تصرفاتها على أنها "عادت إلى محورها"، ثم عندما التقى أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي رجعوا ليرددوا عبارة "أنقرة تغير المحور".

ليس متوقعاً إغفال أنقرة عن تأمين مصالحها الوطنية في سوريا وليبيا والقوقاز ومنطقة شرق المتوسط، بما يُعطي مؤشراً على استمرار الحلول العسكرية كخيار لا يزال مطروحاً لمعالجة بعض المسائل الأمنية التي تعتبرها أنقرة غير قابلة للتفاوض

وينوه إلى أنّ "هذه المحاور ليست من النوع الذي يمكن التحول عنها بين ليلة وضحاها، وإذا حاولت تركيا فعل ذلك فستخسر الحقوق التي اكتسبتها لمدة 50 عاماً، وسينقلب نظامها العسكري رأساً على عقب، حيث إنّ البنية التحية العسكرية بالكامل تم تكييفها في هذه المدة الطويلة مع نظام حلف شمال الأطلسي".

ويضيف: "أستطيع القول إنّ حزب العدالة والتنمية سيقوم خلال الأشهر العشرة المقبلة، أي حتى الانتخابات، بهذا المد والجزر، لكن لن تكون هذه إجراءات جوهرية في نهاية المطاف، لهذا السبب، فإن هذه التحركات الأخيرة هي تلك التي يأمل حزب العدالة والتنمية على المدى القصير الحصول من خلالها على بعض المكاسب من أجل البقاء في السلطة".

ويتابع: "قد تكون هذه المكاسب اقتصادية أو يكون الغرض منها هو رفع اليد في المساومة مع الغرب، وبعبارة أخرى، يجرب رئيس حزب العدالة والتنمية كل خياراته في وقت واحد، لذلك فإنّ هذه السياسات الازدواجية لا تعني أنّ تركيا ستتحول عن محورها، بل هي جهود يبذلها حزب العدالة والتنمية للبقاء في السلطة".

مواضيع ذات صلة:

وزير تركي سابق يكشف خطط أردوغان لتغيير نظام الأسد.. ماذا عن سر التقارب المفاجئ؟

الاقتصاد التركي يواصل النزيف وآلاف الشركات تشهر إفلاسها... ما الأسباب؟

هل الانعطافة التركية تجاه سوريا تكتيكية مؤقتة أم استراتيجية دائمة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية