"الإرهابيون المعتدلون" إذ يسلكون دروب البراغماتية

"الإرهابيون المعتدلون" إذ يسلكون دروب البراغماتية


10/10/2021

ترجمة: علي نوار

يستحيل مُجرّد تخيّل تنظيم القاعدة أو حركة طالبان حليفين أو شريكين للولايات المتحدة، فلا يمكن لأيّ من التنظيمين التخلّي بسهولة عن أفكاره، خاصة المبادئ التي كانت نواة وأساس إنشائهما وفي مقدّمتها الجهاد.

وتداولت على مدار الأسابيع الماضية، معلومات حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الأمريكية وحلفاؤها من دول سُنّية بشأن سقوط كابول، و98% من أراضي أفغانستان في يد حركة طالبان، وتشير إلى أنّ الاستخبارات العسكرية الباكستانية لم تكن بعيدة على الإطلاق عن الأحداث التي مهّدت الطريق أمام عودة التنظيم الجهادي إلى سُدّة الحُكم.

التوهّم بوجود "فكر جهادي معتدل" يمكن التفاوض مع أتباعه، لا يحمل في طياته أيّ احتمال، ولو ضئيل، بالنجاح، ويؤدّي إلى لا مكان، لقد أثبت التاريخ ذلك مرات ومرات

وأكّد دبلوماسيون غربيون أنّ التعامل مع هذه المعلومات يتمّ بحذر؛ نظراً لأنّها تدور حول مُثلّث مُكوّن من طالبان والقاعدة وشبكة حقاني؛ الجماعات الإرهابية الثلاث الأخطر خلال العقود الأخيرة في وسط آسيا؛ لذلك وفي ضوء التقارير والموقف الحالي، يجري العمل داخل أروقة الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية، وفي واشنطن ،على ترسيم إستراتيجية مُشتركة مع حكومات دول الخليج السُنّية لاحتواء انتشار فكر التطرّف الجهادي وخطر الإرهاب الإقليمي.

"الإمارة الإسلامية"

ويتبادر إلى ذهن كثيرين أنّ التحرّكات التي تستهدف التعامل مع التهديدات الإرهابية يتلخّص في العمل مع "الإمارة الإسلامية" نفسها من أجل السيطرة والقضاء على خطر ربّما يتعاظم نتيجة لتبعات سيطرة حركة طالبان على الحكومة الأفغانية، ويفكّر مسؤولون غربيون آخرون في تقديم الدّعم لجماعات إرهابية كي تواجه وتوقف جهاديي "إمارة أفغانستان"، ورُغم أنّ الفكرة الأخيرة بوضع إرهابيين في مواجهة إرهابيين غير مُحبّذة، إلّا أنّ هناك فريق يعتقد بجدواها من أجل كسر شوكة تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"؛ لذا يبدو هذا التصوّر مقبولاً، حتى لو كان يتجاوز آفاق الخيال، كإستراتيجية غير مستبعدة، لا سيما من قبل واشنطن.

لكن، في حقيقة الأمر، فإنّ هذا الخيار واقعي تماماً، وليس من ضروب الخيال، فالولايات المتحدة لم تدرج أبداً حركة طالبان ضمن قائمتها للمنظّمات الإرهابية الأجنبية، لكن المعلوم للجميع أنّ الحركة ما تزال تتمسّك بعلاقاتها مع تنظيم القاعدة عن طريق اتّفاقات قبليّة وروابط عائلية وصلات فكرية وهيكل قيادي، فضلاً عن شبكة حقاني التي تظهر في القائمة الأمريكية للمنظمّات الإرهابية، جنباً إلى جنب مع القاعدة، كلّ ذلك يُظهر إلى النور بكل وضوح علاقة طالبان بمنظّمات إرهابية.

اقرأ أيضاً: طالبان وباكستان: علاقة مضطربة تنخرها الشروخ والمخاوف

وبُناء على ذلك، يمكن التوصّل لاستنتاج مفاده أنّ طالبان أيضاً يجب أن تُدرج كمنظّمة إرهابية، باعتبار أنّها تضمّ عناصر إرهابية، وهناك نقاط رئيسة تعُزّز هذا الطرح؛ الأولى أنّ الحركة تمكّنت من العودة إلى الحكم في أفغانستان عبر الاستخدام المُمنهج للعنف ضدّ القوات الأمنية الحكومية والمدنيين الأبرياء، والثانية هي أنّها دأبت على تنفيذ هجمات انتحارية لتسقط قتلى وبشكل عشوائي بين المدنيين، كما أنّها قفزت على السُلطتين القضائية والتشريعية في البلاد، كي تطًبّق الشريعة الإسلامية، وبصورة تقوّض الحقوق المدنية والسياسية والإنسانية للأفغان.

غموض الموقف الأمريكي

على أنّ رسالة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تعبّر عن حالة من الغموض فيما يخصّ طالبان، التي رأى أنّها عدوّ لتنظيم "الدولة الإسلامية في خراسان"، ومن الممكن استخدامها لوقف خطورة التنظيم، لكنّ هذه الرؤية تتعارض مع تصريحات الجنرال فرانك ماكينزي، التي أدلى بها لشبكة "فويس أوف أمريكا"؛ حيث أكّد قائد القيادة المركزية الأمريكية أنّه لا يملك معلومات تزعم أنّ حركة طالبان تفعل شيئًا ذا نفع بالنسبة لشعبها، ولا حتى أعربت عن قلقها تجاه تصرّفات "ولاية خراسان"، واعترف ماكينزي: "منذ رحيلنا عن أفغانستان، لم يتحدثوا معنا أو يعرضوا إستراتيجية قوية لمكافحة الإرهاب والمخدّرات".

اقرأ أيضاً: طالبان تقصي النساء مجدداً في توسيعات حكومية وتعين أعضاء في الحركة

ولم تعلّق واشنطن حتى اللحظة على رغبة طالبان فيما يخصّ إستراتيجية مواجهة "ولاية خراسان"، وامتنع المسؤولون الأمريكيون كذلك عن الإدلاء بأيّة تصريحات بشأن واقعة مصرع 200 شخص على يدّ التنظيم الإرهابي في مطار العاصمة الأفغانية كابول، مع نهاية آب (أغسطس) الماضي، وقبل أيام معدودة من إتمام الانسحاب الأمريكي حين تمكّن انتحاري من اختراق الحزام الأمني الذي فرضته طالبان، وفجّر عبوات ناسفة كانت مثبّتة إلى جسده ليقتل مدنيين أبرياء، كان هذا الحادث مؤشّراً على عدم وجود نيّة حقيقية لدى حركة طالبان بإيقاف الإرهابي الانتحاري وتلافي حدوث خسائر بشرية.

من ناحية أخرى، تكشف المعلومات التي جمعتها أجهزة الاستخبارات في الدول المجاورة؛ أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية-ولاية خراسان" شنّ ما لا يقلّ عن 12 هجوماً في الفترة الماضية، رغم إنكار حكومة طالبان وقوعها، وتعتقد الإدارة الأمريكية أنّ هذه الهجمات الإرهابية أمكن تنفيذها بواسطة شبكات على درجة عالية من التنظيم وحضور قوي على الأراضي الأفغانية، وأنّ طالبان على دراية كاملة بكل ذلك، وقد أبلغ مستشارو بايدن الرئيس الأمريكي برأيهم بأنّ طالبان لا يسعها فعل الكثير لتفكيك هذه الشبكات.

اقرأ أيضاً: حدود سلطة "طالبان"

ويقول لورنزو فيدينو، رئيس برنامج دراسات التطرّف في جامعة جورج واشنطن، عبر مقال نشره مؤخّراً؛ إنّ الغرب يرتكب خطأ جسيماً بتصنيف الحركات الجهادية وتقسيمها إلى "معتدلة"، مثل طالبان، التي ربّما تتوصّل واشنطن معها لاتفاقات، و"متشدّدة" مثل تنظيم الدولة الإسلامية، والذي تراه الولايات المتحدة العدو الحقيقي والوحيد لها في أفغانستان.

دون صخب أو إزعاج

وأعاد الخبير الأكاديمي التذكير بأنّ ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش"، نتج عنه تكوين تحالف دولي كثّف جهوده على مواجهة التنظيم، بينما كان فرع تنظيم القاعدة في سوريا "جبهة النصرة" يوسّع نفوذه بدون صخب أو إزعاج، وتعرّض فقط لبعض الهجمات الانتقائية.

خبير في شؤون الإرهاب: ممارسات تنظيم "داعش" نتج عنه تكوين تحالف دولي كثّف جهوده على مواجهة التنظيم، بينما كان تنظيم "جبهة النصرة" يوسّع نفوذه بدون صخب أو إزعاج

ويبدو أنّ الدرس السوري ما يزال حاضراً وبصورة شبيهة في أفغانستان، كما اتّخذت الجماعات الإرهابية في أفريقيا الموالية لتنظيم القاعدة موقفاً مماثلاً في قتالها ضد القوات الفرنسية التي تُساند الحكومات المحلّية، وفي هذه الحالة، قرّر الإرهابيون التخلّي عن خُططهم بمهاجمة باريس، لكن مقابل عدم التعرّض لهم في الأراضي التي تسيطر عليها هذه التنظيمات في القارة السمراء.

وتلجأ الجماعات الإرهابية التي تتبنّى الفكر الجهادي للقاعدة إلى إستراتيجية "الاستنزاف والإرهاق"؛ حيث تدرك هذه التنظيمات أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون الرحيل عن المنطقة بأسرع وقت، ولا يحبّذون أن يلقى جنودهم حتفهم هناك، وبالطبع لا يبرز ضمن أولويات هذه الدول إنفاق أموال طائلة لحماية أماكن نائية لم تعد لها أهمية إستراتيجية تُذكر، وتشجّع كل هذه العوامل الجماعات الإرهابية على المطالبة بالدعم أو منحها السيطرة على الأراضي المُحرّرة في مقابل عدم التعرّض لقوات الدول الغربية.

ويبدو أنّ إدارة بايدن تنتهج براغماتية الواقعية السياسية مما قد يسمح لمنظّمات إرهابية بحُكم شعوب ودول في مقابل عدم المساس أو استهداف مُدن الغرب، وتتطلّع كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أن تلعب التنظيمات الإرهابية نفسها دوراً في القضاء على الجماعات التي تعدّها واشنطن وبروكسل تهديداً؛ ففي نهاية المطاف تعتقد الولايات المتحدة أنّ تنظيمات، مثل "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" و"الدولة الإسلامية-ولاية خراسان"، هي عدوّة للمسلمين أيضاً، أما الرُخصة الوحيدة التي قد تمنحها واشنطن للجماعات الجهادية "المعتدلة" فستكون على الأرجح استغلال أذرعها الدعائية في انتقاد الولايات المتحدة وأيّة دولة أوروبية تدعم إسرائيل وكذلك الحكومات الإسلامية التي يرى الجهاديون أنّها مُرتدّة.

اقرأ أيضاً: تدمير قاعدة لداعش في أفغانستان.. ما علاقة طالبان؟

ومن الواضح أنّ الإرهابيين "المعتدلين" الذين وقع اختيار الغرب عليهم كي يتحوّلوا إلى أطراف سياسية فاعلة، باتوا هم أيضاً يتعاملون ببراغماتية وانفتاح على أيّة اتفاقات من شأنها السماح لواشنطن وحلف شمال الأطلسي "ناتو" بالخروج من المنطقة دون أيّة تبعات سلبية، لكنّ هذا الاتجاه الذي يسير فيه الغرب قد يؤدّي إلى وضع ذي تكلفة باهظة على المدى المتوسط؛ نظراً إلى استحالة احتواء الخطر الإرهابي بإستراتيجية ما.

اقرأ أيضاً: طالبان تخنق الإعلام في أفغانستان... ما الجديد؟

بيد أنّ أغلب زعماء الدول الغربية ليسوا مستعدّين فيما يبدو للتمسّك بنشر قوات أجنبية في الخارج، وبالطبع لا يتأخّر الجهاديون "المعتدلون" عن استغلال الفرصة، إلّا أنّه من المستحيل تخيّل القاعدة أو طالبان على أنّهمت شريكتان للولايات المتحدة، والأمر راجع إلى أنّ أيّ من التنظيمَين لا يمكنه التخلّي بسهولة عن أفكاره، خاصة المبادئ التي كانت نواة إنشائهما وأساسه، وفي مقدّمتها الجهاد.

اقرأ أيضاً: عملياته مستمرة... هل أخفقت طالبان في القضاء على تنظيم داعش؟

وفي حال كان الغرب يظنّ أنّ تمكين الجهاديين، الذين يصفهم بـ "معتدلين"، من الحكم في مناطق يتعذّر السيطرة عليها، فسيسقط في الفخّ نفسه باستخدام نوع من البراغماتية التي لن تفضي إلى أيّ نجاح في مكافحة الإرهاب؛ بل على العكس سيعاني تبعات هذا القرار في لحظة ما على أراضيه، وسيتخلّى عن مكوّنات أساسية من ثقافته.

إنّ لعبة "الإسلامويين المعتدلين" في مواجهة الإسلامويين الجهاديين خطيرة جداً، ولم يسبق مطلقاً أن أسهمت في اندحار الإرهاب، والتوهّم بوجود "فكر جهادي معتدل" يمكن التفاوض مع أتباعه، لا يحمل في طياته أيّ احتمال، ولو ضئيل، بالنجاح، ويؤدّي إلى لا مكان، لقد أثبت التاريخ ذلك مرات ومرات.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3oCic5D




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية