هل تكون الشراكة بين الإمارات ومصر والأردن نواة لقاطرة اقتصادية؟

هل تكون الشراكة بين الإمارات ومصر والأردن نواة لقاطرة اقتصادية؟


18/06/2022

أكد خبراء إماراتيون وعرب في مجال الأعمال والاقتصاد أنّ الشراكة الصناعية التكاملية، التي تم الإعلان عنها في 29 الماضي، بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، نقلة نوعية في التنسيق الإقليمي، لبناء اقتصاد تكاملي بين الدول الثلاث، وفق ما نشرته صحيفة "البيان" أمس الجمعة.

وأكد مشاركون في جلسة حوارية على "تويتر" أنّ الشراكة الجديدة "نواة لقاطرة اقتصادية متاحة لانضمام دول أخرى في المنطقة، وأنها تفتح الباب أمام أسواق عالمية أوسع بكثير من الأسواق الوطنية للدول الثلاث لبناء استقلالية اقتصادية على قاعدة الربح المشترك".

خلال الأعوام العشرة الماضية التي شهدت خلالها المنطقة العربية الاحتجاجات الشعبية، التي عُرفت باسم "الربيع العربي"، طالت تحولات جوهرية العلاقات بين بلدان المنطقة والعالم، وكان أحد معالمها البارزة هو تصدّر الاقتصاد أجندة العلاقات بين الدول، بعد أن كان يتوارى إلى الخلف في دول عديدة في المنطقة.

وعلى خلاف مصر، التي كانت دبلوماسيتها التقليدية بعيدة عن الاقتصاد نسبياً، كانت الإمارات تضع الاقتصاد محركاً أساسياً لعلاقاتها الدولية، وهو الأمر الذي سارت على نهجه دول المنطقة، التي تعرّضت لهزّات اجتماعية واقتصادية، كانت هي الأساس المحرك لموجة الربيع العربي.

 فضلاً عن ذلك شهد العالم أزمات كبرى، منها أزمة كورونا وتوابعها، ثم أزمة الحرب في أوكرانيا وتوابعها، وغيرها من العوامل الدولية التي جعلت المنطقة العربية تعاني بشدة، إلى حدّ يكاد يكون خطراً على الاستقرار الذي تحقق في عدد من دولها بعد تضحيات كبيرة، كما في حالة مصر.

الشيخ محمد بن زايد يتوسط رئيسي وزراء الأردن ومصر

ولهذا سعت دول عربية تجمعها قيم وأهداف مشتركة لمواجهة التحديات الدولية، والتعاضد الإقليمي في مواجهة التبعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لعلاقات الدول الكبرى، فكان إعلان دول الإمارات ومصر والأردن تدشين مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية من أجل التنمية الاقتصادية المستدامة، والتي تحمل أهدافاً اقتصادية وأخرى تتعلق بدعم نموذج الدولة الوطنية في مواجهة قوى التطرف والإرهاب.

تعاون ثلاثي

وخلال أيار (مايو) الماضي، بدأت دول الإمارات ومصر والأردن تحركاً مشتركاً لبلورة آلية للتعاون الصناعي بين البلدان الثلاثة، وذلك كترجمة لمخرجات اللقاء الثلاثي بين رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين، في آذار (مارس) في مدينة العقبة الأردنية.

وخلال مؤتمر العقبة انضمّ رئيس الوزراء العراقي إلى قمة رباعية، وبحثت الأهداف ذاتها، وقالت الرئاسة المصرية عن اللقاء: "تناول مناقشة سبل تعزيز علاقات التعاون المشترك بين الدول الأربع في جميع المجالات، خاصة التجارية والاقتصادية، فضلاً عن تبادل وجهات النظر والرؤى حول مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي".

تختلف هذه المبادرة عن أخرى ثلاثية سابقة جمعت مصر والأردن والعراق، حيث إنّ افتقاد العراق للاستقرار السياسي أثّر سلباً في المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقيات الثلاثية

وأضافت الرئاسة المصرية: "تناول القادة ما يتعلق بمواجهة تداعيات وآثار الظروف العالمية الحالية على قطاعات الأمن الغذائي والطاقة والتجارة، وذلك على النحو الذى يحافظ على الاستقرار الإقليمي وأمن المنطقة".

وترجمةً لذلك، زار رئيسا وزراء مصر والأردن، مصطفى مدبولي وبشر الخصاونة أبو ظبي، وتم إطلاق مبادرة "الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة" بحضور رئيس الدولة، الشيخ محمد بن زايد، وعدد من الوزراء من الدول الثلاث. وفي خطوة كاشفة لحجم التفاهم الكبير بين الدول الثلاث خصوصاً على المستويات القيادية، أعلنت شركة أبو ظبي القابضة (ADQ) تخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المتفق عليها، وهي قيمة مبدئية، بحسب وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، سلطان بن أحمد الجابر.

الأمن والتنمية

وتركز الشراكة على مجالات صناعية ذات قيمة مضافة تشمل: الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات. وتولي اهتماماً كبيراً بتحقيق الأمن الغذائي في الدول الثلاث، من خلال استثمار القدرات الزراعية، لمضاعفة إنتاج القمح والذرة إلى 30 مليون طن سنوياً.

محمد حامد: المبادرة رافعة للأمن القومي العربي

وتقوم هذه الشراكة على عدة مبادئ إدارية فعّالة، ومنها؛ منح القطاع الخاص الأولوية، وتعزيز القدرات الاقتصادية في الدول الثلاث، واستثمار القدرات الفنية والمهنية الموجودة. وفي قطاع الزراعة تملك مصر والأردن خبرات كبيرة، إلى جانب الموارد الزراعية، بينما تمتلك دولة الإمارات التكنولوجيا الحديثة في هذا القطاع، والتي تعدّ الحلّ الأمثل لمواجهة النمو السكاني ومحدودية المياه والأراضي الصالحة للزراعة في هذه الدول، وكذا الأمر في بقية القطاعات.

ويقول الباحث السياسي الأردني، صلاح ملكاوي: "مثلت المبادرة علامةً فارقةً وتتويجاً لما يجمع الدول الثلاث لتحقيق انطلاقة من قاعدة أنّ السياسة دائماً من خدمة الاقتصاد، وذلك بعد الاضطرابات في سلال التوريد وارتفاع الأسعار وشحّ الموارد، التي تعدّ من تداعيات وباء كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا. ويمكن لهذه المبادرة أن تكون نواة لتحقيق تكامل اقتصادي عربي إقليمي، من خلال الميزات التنافسية والنسبية لكلّ دولة".

الباحث محمد حامد لـ "حفريات": العمل على وجود بنية صناعية حقيقية خطوة إيجابية، يمكن البناء عليها لبناء اقتصاديات منتجة أكثر قوة وقدرة على مواجهة الصدمات الدولية والإقليمية

ومن جانبه، قال مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والأبحاث، محمد حامد: "في ظلّ الوضع الإقليمي المتدهور والأزمة الاقتصادية والصعوبات التي تواجه الموازنات المالية العربية، تأتي المبادرة كتعاون عربي لمواجهة هذه التحديات التي تمسّ حياة المواطنين، خصوصاً في دولتَي مصر والأردن، للتخفيف من تبعات الأزمة الاقتصادية لمنع ظهور حركات احتجاجية كالتي شهدتها المنطقة من قبل".

ويرى الباحث المصري في حديثه لـ "حفريات"، أنّ هذه الخطوة جاءت متأخرة، وكان يجب الشروع فيها منذ أعوام، وقال: "العمل على وجود بنية صناعية حقيقية خطوة إيجابية، يمكن البناء عليها لبناء اقتصاديات منتجة أكثر قوة وقدرة على مواجهة الصدمات الدولية والإقليمية، خصوصاً أنّ هذه الدول الثلاث تتبنى الاستقرار الذي يتطلب تحقيق التنمية الاقتصادية لمواجهة التطرف والإرهاب، ولهذا فهذه المبادرة هي رافعة للأمن القومي العربي".

تحديات المبادرة

وتختلف هذه المبادرة، عن أخرى ثلاثية سابقة، جمعت مصر والأردن والعراق؛ حيث إنّ افتقاد العراق للاستقرار السياسي أثر سلباً على المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقيات الثلاثية، والتي شملت قطاعات الطاقة والنقل والتجارة والصناعة والبنية التحتية، لكنّ ما يميز هذه المبادرة هو الاستقرار السياسي الذي تتميز به دول الإمارات ومصر والأردن.

صلاح ملكاوي: فرصة غير مسبوقةٍ في الشراكة مع الإمارات ومصر

وبخصوص دولة الإمارات فهي مستعدة للمضي قدماً في المبادرة؛ لما لها من استقرار اقتصادي وإداري وسوابق كبرى في الشراكات الدولية، ولهذا يبقى التحدي في إنجاز حكومتي مصر والأردن لدورهما في تهيئة الظروف الإدارية والتنسيقية مع القطاع الخاص، وغير ذلك لتنزيل المبادرة على أرض الواقع.

وفي سبيل ذلك، عقدت حكومتا الأردن ومصر اجتماعات داخلية مع القطاع الخاص والمؤسسات المعنية في البلدين، لتحديد أولويات الاستفادة من الاستثمار والخبرات الإماراتية، وكذلك عقدت الدول الثلاث اجتماعاً، مطلع الشهر الجاري، على مستوى وزراء التجارة والصناعة لبحث تأسيس المجلس التنفيذي للمبادرة.

وبالنظر إلى سابقة ضخّ شركة أبوظبي القابضة استثمارات بعدة مليارات لشراء عدد من الأصول المصرية الاقتصادية، بما يساعد الحكومة المصرية على رفع الاحتياطي النقدي الأجنبي لتدعيم سعر صرف الجنيه، ومواجهة خروج الاستثمارات الأجنبية المباشرة على خلفية رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة، فضلاً عن توجيهات الرئيس السيسي، فإنّ مصر هي الأخرى على أتم الاستعداد لاستيعاب الاستثمارات الإماراتية الجديدة وفق ما حددته المبادرة.

وحول الأردن، يقول الباحث صلاح ملكاوي، لـ "حفريات": "نحن في الأردن نرى أننا حصلنا على فرصةٍ غير مسبوقةٍ في الشراكة مع الإمارات ومصر لتنمية القطاعات الاقتصادية، خاصة في ظلّ تميزنا في صناعات مثل الأدوية والتعدين والبوتاس والفوسفات، وخصوصاً قطاع التعدين الذي يحتاج لاستثمارات وخبرات مصر والإمارات ليدر عوائد كبيرة على خزينة الدولة".

وأشار ملكاوي إلى أنّ الأردن بمجرد توقيع الاتفاقية "باشر في تشكيل لجنة وزارية تضمّ القطاع الخاص لتبدأ عملها فوراً نحو ترجمة أهداف المبادرة الثلاثية، خصوصاً في ظلّ الحاجة الملحّة إلى زيادة نسب التشغيل لمواجهة البطالة".

الأردن بمجرد توقيع الاتفاقية باشر في تشكيل لجنة وزارية تضمّ القطاع الخاص لتبدأ عملها فوراً

وشدد ملكاوي على ضرورة الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بين البلدان الثلاثة إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة نفسه، وأشار إلى أنّ "حجم التبادل التجاري بين الأردن وكلّ من مصر والإمارات يعدّ ضعيفاً، ولا يعبّر عن قوة العلاقات السياسية مع الدولتين". ولفت الباحث الأردني إلى أنّ هناك ميزة كبرى تتمتع بها دولة الإمارات ستفيد بها مصر والأردن، وهي "الانفتاح على العالم، والارتباط الأوسع بالاقتصاد العالمي، فضلاً عن قدرتها الاستثمارية الكبيرة".

وتشكّل القدرة المجمعة للدول الثلاث نحو 22% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحوالي 765 مليار دولار، بحسب إحصائيات البنك الدولي في عام 2019، كما تحظى الكتلة التجارية للدول الثلاث بالمرتبة 14 من حيث قيمة الصادرات مع العالم بقيمة 419 ملياراً، والواردات بواقع 380 مليار دولار.

مواضيع ذات صلة:

الإمارات ومصر والأردن.. شراكة وأخوة

انطلاق الشراكة الصناعية بين الإمارات ومصر والأردن... ما أهميتها؟‎

ما أبعاد الشراكة الإماراتية مع بريطانيا وفرنسا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية