يشكل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي تهديدا لسلطة الرئيس التركي أردوغان. الاعتقالات التعسفية في حق أعضائه ووصفه بأنه "الذراع السياسية لحركة حزب العمال الكردستاني الإرهابية" لم تعمل على إيقافه. فهل تتجه أنقرة إلى حظر الحزب؟
أحدث حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) الموالي للأكراد الفارق في الانتخابات الكبرى الأخيرة في تركيا. وبشكل خاص الانتخابات المحلية في مارس/ آذار من العام الماضي التي ساهمت في تأكيد سمعته كـ "صانع للملوك". ففي خطوة ذكية ساهم في الهزيمة الانتخابية الأولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية، بعدما سحبت قيادة حزب الشعوب الديمقراطي مرشحيها في بعض المدن وطالبوا ناخبيهم بالتصويت بدلاً من ذلك لمرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP). فبدون الدعم الكردي، كان فوز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات في بعض المدن التركية غير وارد.
لكن هذه الخطوة التي أفادت حزب الشعب الجمهوري، سيدفع ثمنها حزب الشعوب الديمقراطي في الأشهر التي تلت الاستحقاقات الانتخابية. فمنذ ذلك الحين، رفعت الحكومة التركية ضغطها بشكل مطرد على الحزب الكردي ذو التوجه اليساري، بعد إقالة معظم رؤساء البلديات والمجالس في المقاطعات الـ65 التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي بالانتخابات واستبدالهم بمسؤولين إداريين قادمين من أنقرة. ولم يتبق للحزب الكردي سوى 6 مقاطعات صغيرة يحكمها، فيما يقبع العديد من مسؤوليه في السجن، بمن فيهم الزعيمان السابقان للحزب صلاح الدين ديميرتاش وفيغين يوكسيكداغ.
موجة اعتقالات رغم ضعف الأدلة
وغالبا، ما يُتهم حزب الشعوب الديمقراطي بصلاته مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي المحظور. ففي الأسبوع الماضي فقط، وصف وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، حزب الشعوب الديمقراطي وأعضائه بأنهم "عملاء رسميون للإرهابيين"، نافيا حق الحزب في الوجود. وقال صويلو "الحزب الذي لا يعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ولا ينأى بنفسه عنه لا يمكن أن يكون حزبا سياسيا في هذا البلد".
وقبل ذلك بفترة وجيزة، أصدر أمرا باعتقال أكثر من 700 من رؤساء المقاطعات والمناطق التابعة للحزب الكردي. وسبق ذلك الحادثة التي تم العثور خلالها على 13 رهينة تركية ميتين في كهف جبلي في كردستان العراق. وعلى الرغم من ارتكاب الحكومة التركية لأخطاء خلال عملية تحرير الرهائن، إلا أنها تلقي باللوم على الحزب الكردي في مأساة الرهائن.
ولإثبات أن حزب الشعوب الديمقراطي "حزب إرهابي"، نشر وزير الداخلية التركي صورًا تجمع الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي برفين بولدان وقائد حزب العمال الكردستاني مراد كاراييلان. ويرى العديد من الخبراء والمراقبين في هذه الخطوة محاولة خداع باعتبار أن التقاط هذه الصور كان بين عامي 2013 و2015، وهي فترة كان يفاوض خلالها حزب الشعوب الديمقراطي رسميًا ميليشيات حزب العمال الكردستاني الإرهابية، حينما كانت الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني يعملان معاً على بدء عملية سلام في ذلك الوقت، لكنها باءت بالفشل.
وخلال هذه المفاوضات، كان الحقوقي وهاب كوسكون أحد أعضاء ما يسمى بـ "مجلس الحكماء"، الذي كان يقدم المشورة للحكومة في ذلك الوقت. وأكد كوسكون في مقابلة مع DW أن الحكومة التركية نفسها كانت منخرطة بشدة في عملية السلام. وتابع كوسكون "لا شك أن أردوغان كان مطلعا بشكل مباشر وفي جميع الأوقات على سير المفاوضات، سواء خلال فترة رئاسته للوزراء أو خلال فترته الرئاسية".
منع حزب الشعوب الديمقراطية تكتيك انتخابي؟
وعلى الرغم من ضعف الأدلة، تتزايد الدعوات لحظر حزب الشعوب الديمقراطي من جانب الحكومة التركية. ويقف وراء ذلك على وجه الخصوص حزب الحركة القومية التركي (MHP) ورئيسه دولت بهجلي حليف أردوغان.
بالنسبة للبروفيسور بيرك إيسن من جامعة سابانجي، فإن هذه الدعوات تدخل في نطاق تكتيكات انتخابية في المقام الأول: "نتائج الانتخابات الجيدة لحزب الشعوب الديمقراطي هي المسؤولة عن حقيقة أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ لم يتمكن من الفوز بأغلبية مطلقة منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2015 ". ولذلك، فإن الحكومة تحاول بكل الوسائل دفع الحزب المعارض إلى ما دون حاجز الـ 10 في المائة، حسب قول الخبير السياسي التركي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المطالبة بالحظر هي إشارة إلى أن حزب الحركة القومية نفسه في أزمة، كما يقول إيسن، حيث "تظهر أحدث التوقعات أن الحزب القومي لن يتجاوز حاليًا عتبة 10 بالمائة". ويتابع الخبير السياسي بالقول "إن القوميين يحاولون الآن وضع حزب العدالة والتنمية في مسار موقفهم وقطع الطريق أمام تحالفات بديلة من خلال اتخاذ مسار أكثر راديكالية". وتسود في الوقت الحالي تكهنات في صفوف الرأي العام التركي فيما إذا كان حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان سيغير شريكه في الائتلاف الحكومي حزب الحركة القومية بحليف قومي آخر هو حزب "الخير" (IYI) القومي.
السعي لتفيك المعارضة؟
ويعتقد كثير من الخبراء السياسين الأتراك، ومن بينهم بيرك أيسين، أن الحكومة التركية تحاول تشتيت صفوف المعارضة باستخدام القضية الكردية الحساسة للغاية، حيث تقوم حسابات السلطة، حسب مراقبين، على التالي: كتلة المعارضة تضم الجمهوريين ممثلين بحزب الشعب الجمهوري وحزب "الخير" (IYI) القومي. وأي تقارب بين هذين الحزبين وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد الذي تتهمه الحكومة بـ"الإرهاب" قد يردع قاعدة الناخبين الأساسيين لديهما.
عن "دويتشة فيلية"