هل تدفع الفوضى السياسية في إسرائيل إلى جولة انتخابية رابعة؟

هل تدفع الفوضى السياسية في إسرائيل إلى جولة انتخابية رابعة؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
09/01/2021

يواجه الشارع الإسرائيلي حالة من الفوضى، المترتبة على حالة الجمود السياسي التي يواجهها الكنيست الإسرائيلي، نتيجة احتدام الصراع الداخلي بين الأحزاب السياسية، وصعوبة تشكيل حكومة تقود شؤون البلاد، فبعد عامين فقط من تشكيل ائتلاف الحكومة بين حزبَي الليكود وأزرق أبيض، عادت الأزمة السياسية لتراوح مكانها، بعد تصاعد وتيرة الخلافات بين شريكَي الائتلاف وفشل الاتفاق في إقرار ميزانية الدولة لعامَي 2020 و2021، الأمر الذي يدفع البلاد إلى جولة انتخابات مبكرة، منتصف آذار (مارس) المقبل .

اقرأ أيضاً: لماذا يرحّب أردوغان باتفاق السّلام مع المغرب ويقترب من إسرائيل؟

وتشهد المعركة الانتخابية في إسرائيل توتراً كبيراً، بعد حالة الشرخ والانشقاق الداخلي التي تشهدها الأحزاب السياسية، لا سيما الضربات القوية التي تلقتها كبرى الأحزاب السياسية من الليكود وأزرق أبيض، في أعقاب انشقاق كبار الأعضاء داخل الحزبين وتوجههم نحو تشكيل أحزاب سياسية منافسة، وهذا ما يجعل من إمكانية نجاح تشكيل حكومة، بعد جولة رابعة من الانتخابات، أمراً مستبعداً؛ بل ستأخذ الفوضى السياسية منحنى متصاعداً. 

 حالة من الجمود السياسي يواجهها الكنيست الإسرائيلي

وحذّر الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، من تصاعد وتيرة الغضب الشعبي في أوساط الإسرائيليين، مع زيادة الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة فشل الحكومة في إدارة شؤون البلاد، والتي قسمت المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب المخاوف من حالة النزاع القائمة داخل الأحزاب في الكنيست، مشدّداً على ضرورة اتفاق شريكَي الائتلاف على تجاوز الخلافات القائمة، وعدم الانجرار إلى جولة جديدة من انتخابات قد لا تحسم المستقبل السياسي للدولة.

اقرأيضاً: هل يكون علماء إسرائيل هدف إيران الانتقامي؟

وقالت صحيفة "إيديعوت أحرونوت": إنّ إجراء جولة انتخابات مبكرة، خلال عامين، من دون إقرار ميزانية، يحمل كثيراً من الإشارات بشأن تقويض الثقة بالديمقراطية وإضعاف السلطتين، التشريعية والقضائية، إلى جانب الإضرار بوسائل الإعلام، وفي هذه الحالة لا يترك بنيامين نتنياهو وراءه للإسرائيليين سوى الطوفان والأرض المحروقة، ومزيد من الفوضى.

لا يوجد حزب سياسي يستطيع تشكيل حكومة لوحده، فأيّ حزب، كي يتمكّن من الوصول إلى الحكم، يتطلب الحصول على 61 مقعداً في الكنيست

وأشارت الصحيفة إلى أنّ ميزانية العملية الانتخابية الإسرائيلية ستكون مرتفعة جداً هذه المرة؛ ففي السنوات العادية تبلغ الميزانية 400 مليون شيكل، لكن مع وجود أزمة كورونا ستضاف إلى مراكز الاقتراع والعاملين معدات التعقيم والحماية، وسيتكلّف ذلك مبالغ إضافية عالية، في ظلّ حالة الانهيار الاقتصادي المترتبة على حالة الإغلاق الشامل بسبب كورونا.

اقرأ أيضاً: لماذا تسعى تركيا إلى ترميم علاقاتها مع إسرائيل؟

ووصف الكاتب والمحلل السياسيّ الإسرائيليّ، نوحام شاي، ما يحدث بمثابة المرة الأولى في تاريخ إسرائيل، التي يتم فيها تفريق الكنيست بسبب عدم المصادقة على الميزانية، في حين أنّ جرّ البلاد بعد شهرين إلى جولة انتخابية رابعة يعدّ كارثة لم يسجلها رئيس وزراء إسرائيلي لنفسه من قبل، ما يعني أنّ النزاع السياسيّ سيبقى قائماً في ظلّ تبادل الاتّهامات بين الأحزاب السياسية، إلى جانب تعرّض وسائل الإعلام للهجوم والتحريض المتواصل على الكراهية، واستمرار نتنياهو في جهود إضعاف أسس الديمقراطية.

اقرأ أيضاً: سياسيون إسرائيليون بعد هزيمة ترامب: السماء سقطت على إسرائيل

من جهتها، أكّدت عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة، عايدة توما؛ أنّ النظام الحاكم في إسرائيل "فاشل وفاسد أخلاقياً"، وأنّ حالة عدم الاستقرار السياسيّ في الساحة الإسرائيلية ستبقى موجودة، وذلك بعد أن تزايدت أعداد الأحزاب الإسرائيلية داخل الكنيست، بفعل حالة الانشقاق والشرخ داخل الأحزاب، لا سيما ما حصل من انشقاق داخل كبرى الأحزاب الإسرائيلية؛ الليكود وأزرق أبيض.

عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة، عايدة توما

وأضافت توما، في حديثها لـ "حفريات": "توجه إسرائيل لجولة غير مضمونة من الانتخابات جاء بسبب مزاجية نتنياهو، التي قادت البلاد إلى حالة من الفوضى، بعد أن ضرب بعرض الحائط كافة الاتفاقيات مع شريكه في الائتلاف، بيني غانتس، والتمرد عليه، وعدم الإيفاء بمطالب الشارع الإسرائيلي، والاهتمام بمصالحه الشخصية على حساب قضايا المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب إدخال البلاد في أزمة صحية واقتصادية، بسبب سوء إدارة أزمة كورونا، وإثر ذلك تلقى ضربة قوية قد تهدّد مشواره السياسيّ في جولة قادمة من الانتخابات، ردّاً على سياسة اللامبالاة التي يتبعها، وذلك بانشقاق أبرز المنافسين له داخل الليكود، جدعون ساعر، وتشكيل حزب سياسيّ تحت مسمّى أمل جديد والوحدة لإسرائيل، لمنافسة نتنياهو".

اقرأ أيضاً: لماذا تتوجس إسرائيل من تقارب العلاقات بين روسيا وحماس؟

وأوضحت توما؛ أنّ الدولة الإسرائيلية لا تحتمل جولة خامسة من الانتخابات، في حال فشلت جولة الانتخابات الرابعة، فلا أحد سيحتمل الوضع الذي ستشهده إسرائيل؛ "لذلك تحاول الأحزاب السياسية إنقاذ الوضع بعدم التوجه لجولة مبكرة، ورابعة، من الانتخابات، محكوم عليها بالفشل، وذلك بالضغط على نتنياهو لتجاوز الخلافات القائمة مع شريكه، بيني غانتس، المتعلقة بإقرار الميزانية للعام الحالي، وتخطّي كافة القضايا العالقة".

المحلل السياسي فتحي بوزية لـ"حفريات": الشارع الإسرائيليّ والأحزاب السياسية يعوّلون على الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة بايدن، في إخراج إسرائيل من مأزقها السياسي

وتابعت: المغامرة السياسية التي يقودها زعيم حزب أزرق أبيض، بيني غانتس، وعدم وجود خبرة  كافية لديه، قد ساعد نتنياهو في تقويض الحزب وتفكيكه، وهو ما حصل بالطبع بعد أن انشقّ زعماء حزب أزرق أبيض؛ يائير لابيد، وبيني غانتس، في خطوة من قبل نتنياهو  للانفراد بالحكومة والقرارات، "لكنّ العقبة الأكبر أمامه الآن؛ أنّ المعركة في الانتخابات ستكون داخل معسكر اليمين، وهناك شخصيات سترشح نفسها، تحظى بتأييد كبير داخل اليمين، ستحطم آمال نتنياهو".

وشكّل كلّ من نتنياهو وغانتس حكومة وحدة، في أيار (مايو) الماضي، بعد جولة ثالثة من انتخابات غير حاسمة، منذ نيسان (أبريل) 2019، لكنّهما وصلا إلى طريق مسدود، بسبب خلاف بشأن إقرار الميزانية، وهي خطوة ضرورية لتنفيذ اتفاق يتسلّم بموجبه غانتس السلطة من نتنياهو، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021.

اقرأ أيضاً: كيف تنظر إسرائيل إلى تقارب عباس للمصالحة مع حماس؟

وفي إطار ذلك؛ أكّد عضو الكنيست عن القائمة العربية، جابر عساقلة، أنه لا يوجد حزب سياسي في إسرائيل يستطيع تشكيل حكومة لوحده، فأيّ حزب، كي يتمكّن من الوصول إلى الحكم، يتطلب الحصول على 61 مقعداً في الكنيست، وهذا أمر صعب ومؤشر على استمرار بقاء حالة الجمود السياسي، فعلى صعيد حزب الليكود، الذي يعدّ من الأحزاب اليمينية المسيطرة على الساحة السياسية في البلاد، يشهد هذا الحزب مشكلات داخلية لعدم مصداقية أعضائه، وتزايد العداءات الشخصية داخله، وزعيم الحزب، نتنياهو، لا يمتلك القوة للحصول على المقاعد الكافية، حتى إنّ معسكر اليمين بات غاضباً منه، والذي حوّل الخريطة السياسية إلى رهينة بيده ووفق مصالحه الشخصية.

عضو الكنيست عن القائمة العربية، جابر عساقلة

وأوضح عساقلة، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ إسرائيل متجهة في الأيام المقبلة نحو مزيد من الفوضى، بسبب أفعال نتنياهو، فهو سيقاتل ليس فقط من أجل حكمه، بل أيضاً من أجل حريته ومحاولة الهرب من القضاء، بعد تورّطه بقضايا فساد، وفي هذه الحرب كلّ الوسائل متاحة وحلال لديه، فسيواصل فرض إغلاق جديد لمواجهة كورونا، وستزيد في المقابل الأزمة الاقتصادية والصحية سوءاً، وستستمر هذه المعركة بقوة حتى إغلاق صناديق الاقتراع.

اقرأ أيضاً: تهدئة إسرائيلية مع حماس تتخللها جهود مصرية لتبادل الأسرى

وعن موقف القائمة العربية المشتركة من حالة الانسداد السياسي، ومحاولة تخصيص نتنياهو مكاناً في قائمته لنواب عرب من أجل دعمه بالأصوات؛ أشار عساقلة إلى أنّ القائمة العربية لديها القدرة على دعم أيّ ناخب، سواء نتنياهو أو غيره، بإيصاله إلى سدة الحكم، وهذا ما يؤكد محاولة لجوء نتنياهو مرات عديدة للنواب والناخبين العرب، لكسب أصواتهم، لكنّ القائمة العربية لديها برنامج سياسي واضح وغير متوافق مع الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، وهو متعلق بقضيتين؛ الأولى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، والقضية الثانية مطالبة الحكومة الإسرائيلية بتطبيق المساواة العادلة في المجتمع العربي، وتحقيق كافة مطالبه، ولا يوجد التزام إسرائيليّ حول هذه القضايا.

أما المختص في الشأن الإسرائيلي، فتحي بوزية، فقد أشار إلى أنّ الشارع الإسرائيليّ والأحزاب السياسية يعوّلون على الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة بايدن، في إخراج إسرائيل من مأزقها السياسي، وذلك بعد أن أوصلت إدارة ترامب إسرائيل إلى هذا الوضع السيء، بدعمها السخي، الذي منحه ترامب لصديقه نتنياهو، بإعطائه القوة نحو تجاهل الأحزاب والانفراد بالقرارات السياسية دون التشاور مع الشركاء في الحكومة.

اقرأ أيضاً: تنقيب تركيا عن الغاز قبالة سواحل ليبيا يثير قلق إسرائيل

 وأوضح بوزية، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ نتنياهو اعتاد  في السابق مهاجمة اليسار بنجاح، ولم يواجه خصوماً سياسيين حقيقيين، لكن عندما يعلن أعضاء من قادة الليكود، مثل جدعون ساعر وغيره، ترشحهما لرئاسة الوزراء، فهذا تحدٍّ كبير له، وخلط لأوراق الحلبة السياسية، ويظهر ذلك أنّ هناك خصوماً حقيقيين بإمكانهم القضاء على نتنياهو، وإنهاء حياته السياسية، وتشكيل ائتلاف حكومي يميني يحافظ على الدولة اليهودية الديمقراطية.

ولم يستبعد بوزية، في المقابل، إبقاء نتنياهو في الحكم، ونجاحه مرة أخرى في جولة الانتخابات المقبلة، فنتنياهو معروف بالرجل الساحر في الانتخابات، ويخصّص ميزانية مالية كبيرة له للترويج قبل الانتخابات، في حين أنّ أغلب المجتمع الإسرائيلي ينحاز لليمين، ونسبة كبيرة تؤيد نتنياهو، وذلك لثباته على مواقفه الحاقدة تجاه المجتمع العربي، والتحريض عليهم في الإعلام.  



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية