هل تحل الطاقة النووية أزمة المناخ في الشرق الأوسط؟

هل تحل الطاقة النووية أزمة المناخ في الشرق الأوسط؟

هل تحل الطاقة النووية أزمة المناخ في الشرق الأوسط؟


25/09/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

الشّمس في الأساس مفاعل انشطار نوويّ هائل، والحرارة الدّاخليّة للأرض، الطّاقة الحراريّة الأرضيّة، ناتجة عن مزيج الحرارة المتبقية منذ تشكّلها والمواد المشعّة المتحلّلة باستمرار، وكوكبنا صالح للسّكن في المقام الأول بسبب توازن الطّاقة النّوويّة من الشّمس والأرض.

لكنّ الطّاقة النّووية التي من صنع الإنسان هي المكان الذي تكمن فيه بعض أعظم فرصنا، على الأقلّ في المدى القريب.

440 محطّة نوويّة

تُعدّ الطّاقة النّوويّة حالياً مصدر حوالي 10 في المئة من كهرباء العالم، فهناك حوالي 440 محطّة نوويّة، وليس من المستغرب أنّ الأعداد في ازدياد، فالطّاقة النّوويّة موثوقة وفعّالة. وتعمل الطاقة النووية 24 ساعة في اليوم وسبعة أيّام في الأسبوع و365 يوماً في العام، إلّا عند الحاجة إلى التّزوّد بالوقود أو الصّيانة. وغالباً ما تعمل بأكثر من 90 في المئة من قدرتها، مصادر طاقة قليلة جدّاً تقترب من تلك النّسبة، يمكن استخدام قوّتها لإنتاج الهيدروجين، والأمونيا، والمياه المحلّاة.

يُخطَّط الآن لخمسة وخمسين مفاعلاً جديداً في أنحاء العالم كافّة، وينبغي توقّع المزيد، بالنّظر إلى توتّرات الطّاقة والمناخ الآخذة في التّطوّر في العالم. تدرس حوالي 30 دولة برامج نوويّة جديدة، أو توسّع برامجها الحالية، بما في ذلك الصّين ومصر والهند وروسيا والمملكة العربيّة السّعوديّة وكوريا الجنوبيّة وتركيا والإمارات العربيّة المّتحدة والولايات المّتحدة.

محطة براكة للطاقة النووية في أبوظبي

ستكون معظم محطّات الطّاقة النّوويّة الجديدة في شرق آسيا، وجنوب آسيا، وروسيا. ومع ذلك، تتمتّع منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بإمكانيّات هائلة في بعض البلدان، بما في ذلك؛ مصر والمملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة.

بسبب صدمات الطّاقة الأخيرة في اليابان، فإنّ البلد بصدد إعادة العديد من محطّات الطّاقة النّوويّة التي كانت قد أُغلقت بعد حادث فوكوشيما، وبولندا بصدد تطوير نظام للطّاقة النّوويّة، وألمانيا يبدو أنّها قد تُغلق مفاعلاتها، لكن يَتعيّن مراقبة ما إذا كانت صدمات الطّاقة الشّتويّة ستغيّر ذلك، أما السّويد وفنلندا فتُريدان زيادة قدراتهما في مجال الطّاقة النّوويّة، أيضاً.

يجب أن تأخذ منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بعين الاعتبار المخاطر المرتبطة بالطّاقة النّوويّة والمواد الانشطاريّة المنتجة في محطات الطّاقة النّوويّة التي يمكن استخدامها لصنع أسلحة

لطالما كان هناك قلق من أنّ الطّاقة النّوويّة ليست آمنة، لكن لا توجد طاقة آمنة تماماً، كما لا يوجد شيء اسمه طاقة نظيفة حقّاً على طول سلسلة التّوريد الكاملة لنظام الطّاقة، لكن فيما يتعلّق بالصّحة والسّلامة النّسبيّتين؛ فإنّ الطّاقة النّوويّة أفضل بكثير من غيرها.

النشاط الإشعاعي

يتعرّض أيّ شخص يقوم برحلات طويلة المدى للنّشاط الإشعاعيّ، العديد من المنازل لديها نشاط إشعاعيّ في طوابقها السّفليّة.

حقول النّفط والغاز لها نشاط إشعاعيّ؛ السّاعات، والهواتف المحمولة، وأجهزة إنذار الحريق، ومواد البناء بها نشاط إشعاعيّ، وكذلك كثير من الأطعمة التي نأكلها، فالنّشاط الإشعاعيّ في كلّ مكان، وهو في الغالب غير ضارّ.

كان هناك عدد قليل جدّاً من الحوادث الكبيرة والوفيات المرتبطة بهذه الحوادث مقارنة بالملايين الذين يموتون كلّ عام من تلوث الهواء وغير ذلك من المشكلات الصّحّيّة النّاتجة عن الوقود التّقليديّ، لا سيما الفحم، واستخداماته النّهائيّة، مثل حرق الوقود في السّيّارات والشّاحنات والسّفن الكبيرة والأفران والسّخانات. وقد توفَّى حوالي 8 ملايين شخص بسبب تلوث الوقود الأحفوريّ عام 2018، أي 18 في المئة من الوفيات العالميّة.

 تجوّل في أنحاء أولان باتور وبكين ونيودلهي في الشّتاء، وسترى ذلك بشكل واضح وتختبره شخصيّاً، لا تنتج الطّاقة النّوويّة أيّ جسيمات.

رئيس كوريا الجنوبية ينظر إلى مفاعل معياري صغير في المعهد الكوري لأبحاث الطاقة الذرية في دايجون، نوفمبر الماضي

تتمثّل إحدى طرق التّأكّد من أنّنا نقلّل من وجود الكربون على مستوى العالم ونكافح تغيّر المناخ في المستقبل في استخدام المزيد من الطّاقة النّوويّة لتوليد الكهرباء.

بالطّبع، يجب أن تأخذ منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بعين الاعتبار المخاطر المرتبطة بالطّاقة النّوويّة والمواد الانشطاريّة المنتجة في محطات الطّاقة النّوويّة التي يمكن استخدامها لصنع أسلحة، لكنّ دولاً مثل الإمارات العربيّة المتّحدة قادت الطّريق من خلال توقيع اتّفاقيّات خاصّة مع "الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّرّيّة" والولايات المّتحدة تحدّد تطوير الإمارات للوقود واستخدامه. ومن المتوقّع، أيضاً، أن تضمن المملكة العربيّة السّعوديّة أن تكون بروتوكولات وأنظمة "الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّرّيّة" سارية أثناء تطوير برنامجها.

بالنّسبة إلى البلدان التي ينتابها الحذر من الاعتماد على القروض، يمكن بناء المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم في وحدات يمكن أن تضيف بمرور الوقت إلى نظام طاقةٍ نوويّةٍ أكثر شمولاً

علاوةً على ذلك، صادقت جميع دول منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا (باستثناء إسرائيل) على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النّوويّة أو انضمّت إليها، وفي حين أنّه من الصّحيح أنّ إيران انتهكت قواعد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النّوويّة ومراقبة وتحقّق "الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّرّيّة"؛ فمن الجدير بالذّكر أنّ كلّ دول المنطقة أعضاء في الوكالة ويخضعوا لجهودها في المراقبة والتّحقّق.

تحت المراقبة

سيراقب العالم منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا عندما يتطوّر المزيد من أنظمة الطّاقة النّوويّة، ستُطبَّق القيود والخيارات المتاحة للدّول الأخرى على دول الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي يواجه العديد منها تحدّيّات فريدة وصعبة، ممّا يجعل المنطقة اختباراً جيّداً للتّكنولوجيا. بعض الدّول، على سبيل المثال، قد لا تجتاز اختبارات السّلامة والأمن لبداية مثل هذه البرامج، وإذا بدأت نظاماً نوويّاً، أو حتّى نظاماً بحثيّاً، من دون اتّفاق عالميّ، فمن الممكن حدوث تأزّمات.

يمكن للحكومات في المنطقة النّظر في خيار نشر مفاعلات نوويّة صغيرة الحجم. عادةً ما تصل قدرة الطّاقة لدى هذه المفاعلات إلى 300 ميغاواط لكلّ وحدة (تنتج المفاعلات القياسيّة أكثر من ألف ميغاواط من الكهرباء)، لكنّها تأتي مع مزايا ملحوظة. يمكنها استخدام أنواع أقلّ من الوقود التّكاثريّ ولديها أنظمة سلبيّة للتّبريد والإغلاق. يمكن تصميم بعض المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم لحرق الوقود المستخدم، ممّا يقلّل من أيّة مواد انشطاريّة متبقّية.

يمكن بناء المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم تحت الأرض

يمكن بناء المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم تحت الأرض، ممّا قد يقلّل من فرص التّخريب وما شابه، ومتطلّبات الخدمة والصّيانة الخاصّة بها أقلّ بكثير من المفاعلات الكبيرة.

يمكن أن تكون أجهزة الاستشعار وأجهزة الكشف قائمة بذاتها، وتتطلّب المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم، أيضاً، كمّيّة أقلّ من الماء من المفاعلات التّقليديّة. بالنّسبة إلى البلدان التي ينتابها الحذر من الاعتماد على قروض الدول الأكثر قوّة، يمكن بناء المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم في وحدات يمكن أن تضيف بمرور الوقت إلى نظام طاقةٍ نوويّةٍ أكثر شمولاً.

مع وجود اللوائح والقوانين والإشراف وبروتوكولات الصّيانة المناسبة؛ فإنّ الطّاقة النّوويّة، خاصّة النّاجمة عن المفاعلات النّوويّة صغيرة الحجم، لديها إمكانات هائلة لمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى المدى الطّويل، يمكن أن تساعد المنطقة على تحسين أنظمة الطّاقة والبيئة والصّحّة والمياه والأمن الغذائيّ، عند إقرانها بأنظمة الطّاقة المتجدّدة.

هناك عدد من الخيارات لمزيج الطّاقة في المنطقة في المستقبل، ويمكن، بل يجب، أن تكون الطّاقة النّوويّة جزءاً من ذلك.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بول سوليفان، ذي ناشونال، 15 أيلول (سبتمبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية