هل تتغلب المصالح على المبادئ في إدارة بايدن؟

هل تتغلب المصالح على المبادئ في إدارة بايدن؟


كاتب ومترجم جزائري
25/01/2021

ترجمة: مدني قصري

في سياق حربها ضدّ إيران، قصفت إسرائيل، مرة أخرى، الميليشيات الشيعية العاملة في الأراضي السورية، في 13 كانون الثاني (يناير)، وكان هذا الهجوم هو الغارة الجوية الإسرائيلية الرابعة في أقل من ثلاثة أسابيع؛ فهل تهدف زيادة الضربات في سوريا إلى منع أيّ تقارب مستقبليّ بين إدارة بايدن وإيران؟

إذا كانت وكالة "فرانس برس" قد تحدثت، استناداً إلى أرقام صادرة عن منظمة غير حكومية مقرّها لندن، عن مقتل 57 شخصاً، فإنّ "وكالة الأنباء السورية "سانا"، وعدّة مصادر أخرى مطلعة على الأحداث في سوريا، لم تُحْصِ سوى ضحية واحدة فقط، وعددٍ من الجرحى، أما إيران، التي استهدِفت بشكل غير مباشر من قبل الجيش الإسرائيليّ، فقد أعلنت "عدم وقوع إصابات".

ما وراء الحرب الدعائية حول حصيلتها في الهجوم؛ فإنّ هذه الغارة الإسرائيلية الجديدة ضدّ الميليشيات المتحالفة مع طهران هي الرابعة في أقل من ثلاثة أسابيع؛ فما سرّ وراء تكثيف الضربات قبل أسبوع واحد من تولّي الرئيس القادم للولايات المتحدة، جو بايدن، لمنصبه؟

هل قلقُ إسرائيل المتزايد من سياسة جو بايدن تجاه حلفائها الخليجيين، محض خيال، أم خوف مشروع؟ يخطّط مسؤولون إسرائيليون لدفع واشنطن للحدّ من ضغط إدارة بايدن على بعض دول الخليج ومصر بشأن حقوق الإنسان، خشية أن يؤدّي ذلك إلى تقوية إيران، وفي هذا الشأن يقدّر الإعلامي الفرنسيّ، كريستيان شيسنو، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أنّ القدس ليس لديها الكثير مما تخاف عليه.

سيتعيّن على الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، أن يلعب لعبة التوازنات في سياسته الإقليمية، حتى يُرضي جميع أصحاب المصلحة في المنطقة

في هذا السياق، يقول الصحفي الإسرائيلي، باراك رافيد، لموقع الأخبار الأمريكي "أكسيوس" (Axios): "لقد اقتربنا جداً من خسارة مصر قبل عدة سنوات، وستكون رسالتنا إلى إدارة بايدن هي: "خذ الأمور بتروٍّ، لقد حدثت تغييرات جذرية، فلا تستسلم لميول واستعدادت مسبقة، ولا تضرّ بالعلاقات مع المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة ".

هل سيكون جو بايدن رجل المنعطف مع دول الخليج؟ إنّه يؤكد أنّ الجهاز الدبلوماسي الإسرائيلي ينوي استخدام كلّ نفوذه للتأثير في إدارة بايدن، حتى لا تمارس ضغوطاً قاسية على الدول المذكورة أعلاه، فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: كيف سيتدخل بايدن في أزمات الشرق الأوسط؟

ويُذَكِّر الصحفيّ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كريستيان شيسنو، بأنّ "العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، علاقة جدّ خاصة؛ فعلى مدى أربع سنوات، كان هناك اندماج بين نتنياهو وترامب. لقد كانت الإدارة الأمريكية الأكثر تأييداً لإسرائيل في التاريخ".

كما  تمتعت دول الخليج العربي أيضاً بعلاقات مميزة إلى حدّ ما مع واشنطن، خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، وقضية خاشقجي، خير مثال على ذلك.

على العكس من ذلك؛ أعلن جو بايدن خلال حملته الانتخابية، أنّه لن يُظهر أيّ تهاون تجاه حلفائه الذين لا يحترمون حقوق الإنسان، وهناك قائمة لـ 17 رئيس دولة ممن دعاهم جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن الحقيقة غالباً ما تميل إلى اللحاق بالمثل الأعلى، كما يقول كريستيان شيسنو، وقد يكون للقيود الاقتصادية، أحياناً، الأسبقية على الضرورات الأخلاقية:

"فحتى وإن قال جو بايدن إنّ حقوق الإنسان ستكون أولوية بالنسبة إليه، فإنّه يمكننا أن نتخيل أنه، نظراً للوضع الاقتصادي والمالي الذي تمرّ به الولايات المتحدة، والذي يمثل صعوبة كبيرة، فإنّ واشنطن لا يمكن أن تجرؤ على قطع الجسور مع  دول الخليج، أو أن تدير لها ظهرها".

يخطّط مسؤولون إسرائيليون لدفع واشنطن للحدّ من ضغط بايدن على بعض دول الخليج ومصر بشأن حقوق الإنسان، كيلا يؤدّي ذلك إلى تقوية إيران

ولهذه الأسباب؛ فإنّ العقود المربحة المرتبطة بمبيعات الأسلحة، قد تُحبط الطموحات السامية لرئيس الولايات المتحدة الجديد، بالتالي؛ فهل سيسعى بايدن لمداراة القدس وطهران معاً؟

هناك واقع تاريخي استذكرته ميريام بن رعد، الباحثة المشاركة في "IREMAM" (معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي) "IREMAM"، والمتخصصة في الشرق الأوسط: "في ظلّ إدارة أوباما، التي كانت تتحدّث بخطاب بايدن نفسه بشأن قضية حقوق الإنسان والديمقراطية، لم يتم التشكيك في هذا التحالف مع المملكة العربية السعودية وحلفائها؛ لذلك فنحن مهتمون بتأثيرات الإعلان أكثر من اهتمامنا بالسياسة التي ستتغير حتماً"؛ لذلك فإنّ العامل المجهول الكبير يَكمُن في جانب السياسة الأمريكية تجاه طهران.

اقرأ أيضاً: بعد تنصيب بايدن سفير أمريكي لدى الضفة الغربية وغزة... ما القصة؟

ترى إسرائيل أنّ التهديد الأول لوجودها هو من جانب إيران، وكلّ سياستها الإقليمية تندرج ضمن هذا السياق، بالتالي، فإنّ رغبة تل أبيب المزعومة للضغط على إدارة بايدن يجب أن توضع في الاعتبار مع رغبة واشنطن في تغيير علاقتها مع طهران. ومع ذلك؛ فعلى الرغم من أنّ الرئيس الديمقراطي المنتخب قد أظهر استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، فمن الصعب التنبؤ بشروط أيّة معاهدة جديدة محتملة، وفي انتظار ذلك؛ انتقل الإيرانيون إلى 20% من اليورانيوم المخصّب، وهي، بلا شكّ، خطوة مهمّة نحو صنع السلاح النووي.

ويشير باراك رافيد، في موقع "أكسيوس" Axios، إلى أنّ السبب الآخر للقلق، بالنسبة إلى إسرائيل، هو أنّ أيّ فتور قد يحدث في العلاقات بين واشنطن من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر من جهة أخرى، قد يدفع هذه الأخيرة إلى التقرّب أكثر من روسيا والصين.

لذلك؛ سيتعيّن على الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، أن يلعب لعبة التوازنات في سياسته الإقليمية، حتى يُرضي جميع أصحاب المصلحة في المنطقة؛ فهل سينجح في إرضاء هذا الطرف وذاك، من دون أن يُغضِب أيّاً منهما؟

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.jforum.fr


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية