هل تتحكم معلومات الصينيين بهم في المستقبل القريب؟ وماذا عنك؟

الصين

هل تتحكم معلومات الصينيين بهم في المستقبل القريب؟ وماذا عنك؟


24/07/2018

بتعداد سكان يتجاوز ملياراً وأربعمئة مليون مواطن، وبوجود كمٍّ كبيرٍ من الصناعات والأفكار في شتّى القطاعات من أبسط المنتجات إلى أعقد ما توصلت إليه مجالات التكنولوجيا والمعدات، ما جعلها تتربع على قمة الدول المصدّرة للخارج بمبلغ يفوق 2 تريليون دولار سنوياً، لم يكن من المستغرب أن يُطلق على الصين بلد كل شيء.

نظام الائتمان الاجتماعي للمواطنين يعمل من خلال برنامج نقاط اجتماعية وذلك لتقييمهم من الدولة

مؤخراً، ضمن ابتكاراتها التي لا تنتهي، تحاول الصين تثبيت نظامٍ خاص، لضبط وتوجيه الكم المهول من البيانات التي تحصل عليها، وجديدها هو "نظام الائتمان الاجتماعي للمواطنين"، الذي عمل من خلال برنامج نقاطٍ اجتماعية، وذلك لتقييمهم من قبل الدولة، ومن ثم تصنيفهم، ومنحهم امتيازاتٍ معينة، مثلاً؛ السفر أو الاقتراض من البنوك أو التملك والزواج، أو حرمانهم من هذه الأمور كلها في حال لم يحقّقوا النقاط الكافية.

ملايين الكاميرات تراقب ملايين الأفراد الذين تعمل معلوماتهم الشخصية ضدهم

عيون تراقب كل فرد

وفقاً لموقع "cctv"، المختص بأنظمة المراقبة، فإنّ الصين "أعلنت خلال شهر تموز (يوليو) 2017، أنها سوف تضيف 400 مليون كاميرا مراقبة في البلاد، ليصل عدد كاميرات المراقبة هذه إلى 600 كاميرا تقريباً، ويمكنها التعرف على الوجوه، من أجل ربط الأشخاص بالمعلومات المتوفرة عنهم".

توجد في الصين 600 مليون كاميرا يمكنها التعرف على الوجوه لربط الأشخاص بالمعلومات المتوفرة عنهم

وفي الصين، يتم أخذ صورة الوجه لوضعها ضمن قاعدة بيانات الحكومة، بمجرد بلوغ المرء السادسة عشرة؛ حيث يتم جمع بياناتٍ ضخمةٍ عن كل مواطن بمجرد تحركه في الفضاء العام لمجتمعه، وذلك من أجل تقييمه وفق نظام الائتمان الاجتماعي.

هذا النظام، تم اقتراحه أول مرة، العام 2007، وذلك لإنشاء منظومة جدارة ائتمانية تفيد الشركات الاقتصادية والأفراد على حدٍ سواء، وبحسب موقع "the conversation" فإنّ النظام بدأ تطبيقه اختيارياً منذ مطلع العام 2017، لكنه سوف يصبح إجبارياً بحلول العام 2020"

بحسب موقع "the conversation" فإنّ النظام سوف يصبح إجبارياً بحلول العام 2020

وحتى بداية العام الحالي، قامت الحكومة الصينية بمنع ملايين المواطنين من السفر بالقطارات والطائرات، وذلك بسبب تقديرهم الاجتماعي السيئ"، بحسب الموقع ذاته.

والسؤال المطروح: كيف يمكن للمواطنين التصرف في ظل الرقابة اللصيقة التي تقوم بها حكومتهم؟ فربما لا يمكن التخلص من هذه الرقابة؛ لأنها ترتبط بكل ما هو يومي في حياة الفرد، كيف يؤدي في عمله، كيف يقود سيارته مثلاً، وكيف يتصرف في الأماكن العامة، وما مقدار مشترياته، وما هي أنواعها، مما يكشف أفكاره واهتماماته، وعلاقاته الخاصة والعامة.

بحلول 2020 سيصبح النظام إجبارياً وسيخضع المواطنون للرقابة من خلال نشاطاتهم على شبكة الإنترنت

وهو ما يجعل من عملية التقييم ضمن هذا النظام تبدو مرعبة، لأنّها لا تأخذ بالفروقات الفردية والظروف التي تحكم تصرفات الأفراد وانحرافاتها أحياناً، كما أنّ مساحة الحرية للفرد، من الممكن أن تتقلص بفعل هذه المراقبة؛ لأنّ هنالك ثمناً مباشراً وباهظاً لكل خطأ، هو تخفيض نقاط الفرد.

ولأنّ ارتكاب الأخطاء المعقولة أحياناً، هو جزء من الممارسة الطبيعية للحرية، يمكن للقوانين العامة أن تتقصّاها، دون تعميمها على كل الأفراد، غير أنّ النظام الجديد جعل مدناً في الصين، تقوم بعرض أسماء وصور الأشخاص الأقل تقييماً؛ أي الأكثر ارتكاباً للأخطاء، من خلال شاشات عرضٍ في شوارعها، كما تخطّط في حال تم الاتصال هاتفياً بهؤلاء، أن تأتي رسالة للمتصل، تخبره أن الشخص الذي يطلبه "غير مأمون".

اقرأ أيضاً: الصين: مدارس تحارب المساواة وتعلم النساء الخضوع للرجال

لي هيو، صحفي صيني، ويعد مثالاً على شخصٍ تعرّض إلى مثل هذا التشهير والتعميم، وإلصاق أحكامٍ ثابتةٍ على سلوكه، حيث تم وضعه على اللائحة السوداء من قبلِ نظام الائتمان الاجتماعي الذي عد هيو شخصاً غير جديرٍ بالثقة، بعد اتهامه بنشر الإشاعات لاعتراضه على سياسات الحكومة الصينية.

إذن، تكثر عيون "الأخ الكبير" التي تراقب؛ فملايين الكاميرات تراقب ملايين الأفراد، الذين تعمل معلوماتهم الشخصية ضدهم، في حال وجد من يحللها وفقاً لنظامٍ معين ربما يتحكم كلياً في اتجاهات هؤلاء الأفراد وخطوط سير حياتهم.

عرض أسماء وصور الأشخاص الأكثر ارتكاباً للأخطاء من خلال شاشات في الشوارع

تخلّي الإنسان عن طبيعته

ليس جديداً أنّ الصين الشيوعية، تحكم قبضتها على معتقداتِ أفرادها، وتضرب بيدٍ من حديد كل مخالف؛ فالثورة الثقافية الصينية (1966) شهدت تشجيعاً من نظام ماو تسي تونغ لشبيبة الثورة الشيوعية الذين شنّوا حملة شعواء آنذاك؛ على المعابد والمراكز الدينية وحتى المحلات التجارية باعتبارها تعبيراً عن "النظام القديم" بشقيه الريفي التقليدي والبرجوازي. وحتى الكتب القديمة والدينية والتراثية لم تسلم من حملة التطهير الثقافي تلك.

التقييم ضمن هذا النظام عمليةً تبدو مرعبة لأنها لا تأخذ بالفروقات الفردية والظروف التي تحكم التصرفات وانحرافاتها

ومنذ ذلك الحين، تعبّر سياسات الصين الداخلية، عن فرض الدولة لولاء شبه مطلق لها على الشعب، وهي تعدّ أكبر دولةٍ لادينية في العالم، وحتى في عصر وسائل التواصل والمجتمعات الرقمية، تمتلك الصين محركها البحثي الخاص "baidu"، ومواقعها الخاصة على شبكةِ الإنترنت مثل "alibaba".

واليوم، يتعامل معظم مواطنيها مع الإنترنت بشكلٍ يومي، كما في دولٍ عديدةٍ من العالم، وذلك من خلال الشراء عبره، والإعلان، وعقد الصفقات التجارية، وتنظيم العمل، البحث عن المعلومات، وأشياء أخرى عديدة.

ومن هذه النشاطات، تتولّد بياناتٌ ضخمة عن المواطنين، يمكن جمعها من خلال مواقع شبكة الإنترنت، والشركات الكبرى، لتشكّل القوة الكبيرة لحكومة الصين، من أجل تطبيق نظام الائتمان الاجتماعي وفرض رقابةٍ شديدةٍ على مواطنيه.

أيّ محاولة للفرد لتعديل سلوكه ستجعله كائناً يتخلى عن طبيعته لصالح رؤيةٍ مسبقة تفرضها عليه السلطة

وفي مقاله الطويل، المنشور العام 2014 على موقع "researchgate"، يقول البروفيسور في جامعة تورينو الإيطالية، والباحث في البيانات الضخمة وأنظمة حماية المعلومات "أليساندرو مانتيليرو"، إنّ "النموذج الجديد للبيانات الضخمة، ليس متاحاً التحكم فيه إلا من قبل الحكومات والشركات الكبيرة، أما الأفراد فلا يملكون إمكانية تحليل وجمع هذه البيانات".

ويضيف مانتيليرو "من يصمم معدات جمع البيانات، وبرامجها، وحده القادر على تحديد المهام الممكن تنفيذها بواسطة تحليل وتصنيف هذه البيانات، ويمكن فرض سيطرةٍ من خلالها، ليس بمراقبةٍ فردٍ واحدٍ مثلاً، أو إعادة تصميم البيئة الرقمية من أجل التحكم في توجهاته فحسب؛ بل يمكن جعلها مهيئة للمراقبة والتحكم في مجتمعاتٍ بأكملها".

اقرأ أيضاً: "فيسبوك": هل أصبحت الخصوصية وهماً؟

ولعل قراءاتٍ عديدة كهذه، يمكن لها أن تثير الكثير من الجدل، عن الحرية، الرقابة، السيطرة، الولاء المطلق، الدولة المؤلّهة... والأخطر، جعل الإنسان رهناً للمعلومات الشخصية التي تمثّله، ولا يمكن أن يتفاداها، ويبدو أنّ أيّ محاولة منه لتعديل سلوكه وفق نظام الائتمان الاجتماعي هذا، سوف تجعل منه كائناً غير معهود، يتخلى عن طبيعته ليتصرف وفق رؤيةٍ مسبقة تفرضها عليه السلطة بحجة منع الجريمة، وتنظيم المجتمع، والوصول به إلى المثالية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية