هل تبشّر ولاية ثانية لماكرون بعلاقات أفضل مع الجزائر؟

هل تبشّر ولاية ثانية لماكرون بعلاقات أفضل مع الجزائر؟


27/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

لم يُنهِ التّوقيع على "اتّفاقيّات إيفيان"، في مثل هذا اليوم قبل 60 عاماً رسميّاً، حرب الاستقلال المريرة والدّمويّة بين كلّ من فرنسا والجزائر فحسب، بل أنهى 132 عاماً من الحكم الاستعماريّ.

سُمّيت الاتّفاقيّات على اسم المنتجع الصّحّيّ الواقع على ضفاف بحيرة جنيف، حيث التقى الوفدان الفرنسيّ والجزائريّ للتّصديق على نصوصها المكوّنة من 93 صفحة، وكان الهدف منها أن تُبشّر بعهد جديد من الاحترام المتبادل والصّداقة.

بعد ستّة عقود، مع ذلك، يتطلّب الأمر أكثر وجهات النّظر سذاجة وورديّة لتصديق أن أيّ شيء من هذا القبيل قد تحقّق.

"الأقدام السّوداء"

في البداية، استمرّ العنف بمستويات مماثلة لما حدث في سبعة أعوام وأربعة أشهر من الحرب، أمّا "الأقدام السّوداء"، السكان الجزائريّون الأوروبيّون من مولدٍ أو أصلٍ فرنسيّ، فقد عارضوا بشدّة استسلام "الجزائر الفرنسيّة"، الحيازة الفرنسيّة التي أعطتهم حياة كريمة، وارتكب متطرّفوهم فظائع مروّعة ضدّ السّكان المسلمين في الجزائر.

ما تزال العلاقات بين البلدين متوتّرة

كان هناك بعض التّواطؤ بين شخصيّات عسكريّة فرنسيّة مُحبَطة. ونجا الرّئيس الفرنسيّ آنذاك، شارل ديغول، من محاولات اغتيال بدأت بعد وقتٍ قصيرٍ من التّصديق على الاتّفاقيّات من خلال استفتاءات أُجريت في البلدين؛ صوّتت فرنسا بما يقرب من 91 في المئة لصالح الاتّفاقيّات، وصوّتت الجزائر بالإجماع تقريباً.

اقرأ أيضاً: من الجزائر إلى الرياض: الغرب يفتش عن بدائل لغاز ونفط روسيا

من جانبهم، تجاهل المسلّحون الجزائريّون بنود الاتّفاقيّات ونفّذوا عمليات قتل انتقاميّة بحقّ أعداد كبيرة من "الحركيّين"، الذين نُظِر إليهم على أنّهم خونة لأنّهم قاتلوا إلى جانب فرنسا ضدّ الوطنيّين الجزائريّين.

بعد اعترافه الرّائد بأخطاء الماضي، يفضّل ماكرون،  الذي من المتوقّع على نطاق واسع أن يفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرّئاسيّة الشّهر المقبل، متحفاً يحتضن الثقافة والعلوم ويجذب الشّباب

عانت الجزائر لاحقاً من مزيد من الصّراع، الذي تمثّل هذه المرّة في حربٍ أهليّةٍ دامت عشرة أعوام من عام 1991، مصحوبة مرّة أخرى بهجمات إرهابيّة على القوّة الاستعماريّة السّابقة، بما في ذلك محاولة فاشلة لتفجير طائرة ركاب مخطوفة فوق برج إيفل في باريس أو التّحليق بالطّائرة والاصطدام به.

ما تزال العلاقات بين البلدين متوتّرة، ويشعر الأشخاص الذين تعود جذورهم إلى مستعمرات فرنسا المغاربيّة والجنوب صحراويّة السّابقة، سواء كانوا مهاجرين أو وُلِدوا في فرنسا، بأنّهم مواطنون من الدّرجة الثّانية يتعرّضون للتّمييز في التّوظيف والإسكان والتّعليم. يوجد في فرنسا أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، وبعض الفرنسيّين، خاصّة الأقلّيّة الكبيرة التي تنجذب إلى السّياسيّين اليمينيّين المتطرّفين، غير مرحّبين وغير متسامحين معهم.

الغرائز الانفصاليّة

إنّ الرّدكلة والانجذاب إلى العنف لدى قلّة قليلة، والغرائز الانفصاليّة لعددٍ أكبر، كلّها أشياء تتسبّب في أشكال غير متناسبة من عدم الثّقة والخوف والاستياء.

أحد المشاريع التي من شأنها تحسين العلاقات والتّفاهم الفرنسيّ الجزائريّ بعد الاستقلال، وهو متحف طموح مخصّص للتّاريخ المشترك، أُجّل مراراً وتكراراً خلال 19 عاماً منذ الإعلان عنه للمرّة الأولى.

 خُصّص للمشروع موقع مهيب في القلب التّاريخيّ لمدينة مونتيبلييه الجنوبيّة، ووُضِعَت لها ميزانيّة قدرها 20 مليون يورو (22 مليون دولار)، وجُهّزت له مجموعة تضمّ أكثر من 5,000 قطعة وصورة ووثيقة.

اقرأ أيضاً: قضية الصحراء والخلافات المغربية الجزائرية: حقل ألغام لا يهدأ

منذ نشأته كمتحف يصوّر "فرنسا في الجزائر"، خضع الاسم لتغيير دقيق ولكن مهمّ، ليصبح متحف فرنسا والجزائر. أوّلاً كان هناك تأخير في العمل على تجهيز المبنى. ثمّ أُلغي المشروع من قِبل مجلس المدينة اللّاحق، عام 2014، قبل عام من موعد افتتاح المتحف. ويشتبه مؤيّدو المشروع في أنّ السّلطات رضخت لضغوط المنظّمات التي تمثل "الأقدام السّوداء"، الذين استقرّوا بأعداد كبيرة في هذه البلدة وغيرها من البلدات الجنوبيّة بعد طردهم من الجزائر بعد الاستقلال.

نفى المجلس ذلك، وأصرّ على أنّ القيادة البلديّة الجديدة كان لديها ببساطة أولويّات أخرى، افتُتح متحف أكثر تواضعاً للفنّ المعاصر بدلاً من ذلك.

"المتحف الشبحيّ" أصبح محتملاً

أفادت صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، بأنّ "المتحف الشبحيّ" أصبح محتملاً مرّة أخرى بعد أن صدر تقرير بتكليف من الرّئيس إيمانويل ماكرون حول تشجيع المصالحة الفرنسيّة الجزائريّة.

سُلّم التّقرير، في أوائل عام 2021، من قِبل بنيامين ستورا، المؤرّخ الفرنسيّ البارز، الذي ولد في قسنطينة، وهي مدينة تقع شرق الجزائر العاصمة، وعاش كطفل خلال حرب الاستقلال حتّى انضمّت عائلته إلى النّزوح الجماعيّ الذي أعقب ذلك.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإسلاموية في الجزائر: أين يتجه الإخوان بعد كل هذا التشتت؟

كانت مبادرة تتّفق مع سياسة ماكرون في الاعتراف بخطايا فرنسا التّاريخيّة، بينما ونُظِر إليها أيضاً على أنّها تقف بحزم ضدّ التّطرّف، وأيّ رفض للقِيَم الفرنسيّة، خاصّة العلمانيّة الدّستوريّة.

في حملته الانتخابية لعام 2017، ذهب ماكرون إلى أبعد من أيّ رئيسٍ سابقٍ من خلال الاعتراف بأنّ الاستعمار الفرنسيّ للجزائر كان "جريمة ضدّ الإنسانيّة"، بعد عقود من الاستقلال، كان ذلك إعلاناً مثيراً للجدل؛ فحتّى عام 1999، رفضت فرنسا الاعتراف بأنّ ما حدث في شمال أفريقيا بين عامي 1954 و1962 كان حتّى حرباً.

 

ويشعر الأشخاص، الذين تعود جذورهم إلى مستعمرات فرنسا المغاربيّة والجنوب صحراويّة السّابقة، بأنّهم مواطنون من الدّرجة الثّانية

 

ومع ذلك؛ فإنّ الخلاف بين باريس والجزائر مستمرّ. في العام الماضي، اندلع خلاف دبلوماسيّ عندما قالت فرنسا إنّها ستخفض بشدّة عدّد التّأشيرات الممنوحة للجزائريّين وغيرهم من المغاربيّين، بسبب عدم التّعاون المزعوم بشأن ترحيل أولئك الذين تعتبرهم السّلطات الفرنسيّة غير مرغوب فيهم.

بعد مرور خمسة أعوام على اعترافه الرّائد بأخطاء الماضي، يفضّل ماكرون،  الذي من المتوقّع على نطاق واسع أن يفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرّئاسيّة الشّهر المقبل، متحفاً يحتضن الثقافة والعلوم ويجذب الشّباب.

"يشعّ خارج جدرانه"

أخبر أحد المساعدين صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"؛ بأنّ الرّئيس يريد متحفاً "يشعّ خارج جدرانه"، لكنّه أقرّ بأنّه من غير المرجّح أن يُصبح حقيقة قبل عام 2025 على أقرب تقدير.

 

اقرأ أيضاً: الرئيس الجزائري: توترنا الحالي مع فرنسا الأخطر منذ 15 عاماً

إذا تحقّق المشروع في نهاية المطاف؛ فهل سيساعد العلاقات بين الدّول وشعوبها على الازدهار كما كانت تتمنّى "اتّفاقيّات إيفيان"؟ يعتقد وزير الثّقافة السّابق جاك لانغ، الرّئيس الحاليّ لمعهد العالم العربيّ، ومقرّه باريس، أنّه سيفعل ذلك.

ويحتفل المعهد بذكرى الاستقلال بطريقته الخاصّة، لا سيّما من خلال معرض للفنّ الجزائريّ، "الجزائر حبّي"، يستمرّ حتّى حزيران (يونيو).

قال لانغ لصحيفة ذي ناشونال: "لم يولد الرّئيس (ماكرون) إلّا بعد أعوام عديدة من انتهاء هذه الحرب الرّهيبة"، وأضاف: "لكن لديه رؤية إيجابيّة للغاية واتّخذ العديد من المبادرات للاعتراف بمسؤوليّات فرنسا، يريد إنشاء المتحف. وقد تمّت استشارتنا وسيستغرق الأمر بضعة أشهر لتأسيس المفهوم، لكنّه مشروع رائع".

وعلى الرّغم من إرث التّظلّم والفشل؛ فإنّ لانغ، الوزير الاشتراكيّ السّابق البالغ من العمر الآن 82 عاماً، يحتفل بذكرى "اتّفاقيّات إيفيان". يقول: "بالنّسبة إليّ، بعد أن ناضلت من أجل السّلام عندما كنت شابّاً، كان ذلك يوماً رائعاً، وأشعر بتفاؤل شديد بشأن العلاقات بين شعبينا، خاصّة الشباب الذين لم يعرفوا فترة الحرب الرهيبة هذه".

يجب على أيّ شخص يؤيّد حملة "نعيش معاً" الفرنسيّة الجديرة بالثّناء أن يأمل أن يكون تفاؤل لانغ مبرّراً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كولن راندال، ذي ناشونال، 18 آذار (مارس) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/03/18/might-macrons-montpellier-museum-move-help-reignite-france-algeria-ties/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية