هل الدفاع عن الإرهابيّين عمل أخلاقي؟

هل الدفاع عن الإرهابيّين عمل أخلاقي؟

هل الدفاع عن الإرهابيّين عمل أخلاقي؟


كاتب ومترجم جزائري
21/12/2020

هل يجب على المحامي أنْ يدافع عمّا هو غيرُ حَصين، وعمّا لا يُدافَع عنه؟ هل الدفاعُ نهجٌ شرعيّ أم غير شرعي؟ هل "الأخلاقيات" و"الإرهاب" تعبيرٌ عن تناقضٍ أو مُفراقة بالنسبة للمحامي؟

عندما يختارُ الدفاعَ عمّا لا يستحق أنْ يُدافَع عنه قد يبدو نهجُ المُحامي غيرَ أخلاقي. ومع ذلك، فإنّ هذا الدفاع جزءٌ من إطار قانوني ومشروع. فالواقع أنّ القانون الفرنسي (وغيره)  "يَمنح" للإرهابي مجموعةً من الحقوق الأساسية التي من بينها الحقُّ في الدفاع عنها. قد يبدو هذا التأكيد مفاجِئاً عندما يتعلق الأمرُ بالدفاع عن أسوأ الفظائع، لكنه مع ذلك ما يزال مقبولاً تماماً. وبالتالي فإنّ المُهمّة ليست سهلة. لا سيما وأنّه في ضوءِ الهجمات الكثيرة التي يشهدها العالم، كالتي وقعت في كانون الثاني (يناير)، وفي تشرين الثاني (نوفمبر)  2015 ، أو في الآونة الأخيرة مع الهجوم الذي وقع في نيس في 14 تموز (يوليو) 2016،  ما تزال المسألة وكأنها حدثتْ توّاً.  فعندما يُخدّرُه الألمُ يمتنِع الفردُ عن التفكير. ومع ذلك، يجب أنْ يُفكر في الحدثِ حتى لا يستسلم له ويقع فيه. عن طواعية يَقبلُ الجمهور أنّ يُدافِع المحامي عن الأرملة واليتيم، ولكنّ هذا المحامي سرعان ما يبدأ يشك في شرعيّة هذا الدفاع عندما يتعلق الأمرُ بالدفاع عن الأرملةِ ضد اليتيم.

المجتمع يخشى الإرهابي ولكنْ في الوقت نفسِه نراه يَحرِص على التذكير بأنّ كل إنسانٍ يستحق أنْ يُدافَع عنه

لا شك أنّ المجتمع يخشى الإرهابي، ولكنْ في الوقت نفسِه نراه يَحرِص على التذكير بأنّ كل إنسانٍ يستحق أنْ يُدافَع عنه. فإذا لم يكن هناك تعريفٌ مُوَحّدٌ للإرهاب، لا كعقيدة، ولا كنظامٍ دائم، فإنّ العملَ الإرهابي ينطوي على هدفٍ مشترك: الإخلالُ بالنظام العام عن طريق التخويف والإرهاب. ويتميزُ العمل الإرهابي بِجنونِ مُرتكبيه الذين يتصرّفون بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، ويعتدون على أماكن رمزية، أو التي يتردد عليها الناس بكثرة، وينتهكون حياة الأبرياء، وهذا من خلال عملٍ واحد، هو نفسُه دائماً، متميّزٍ بعنفٍ خطير وصادم، مما يؤدي إلى بلبلة وقلب أوضاع الجماعة بأكملها. وردُّ فعلِ الجمهور ردٌّ بالإجماع: الخوف، وعلى الخصوص كراهية الإرهابيين. ثم ما الذي يجعلنا نحكُم على شخصٍ يحارب ضد مجتمع كامل؟ فهل يرغب الإرهابيون حقاً في الاستفادة من حُكمٍ صادرٍ عن دولةٍ اختاروا طواعية، إبادتَها؟

لكل إجرام استثنائي عدالةٌ استثنائية؟

سواء أكان مشتبَهاً به، أو مُتّهَماً، أو مُداناً، فإنّ الإرهابي، شأنُه شأن أسوأ المُجرمين، يرى حقوقَه الأساسية مقيّدةً بتقنياتٍ إجرائية مُخالفة للقانون، أو استثنائية أو مُهينة. والواقع أنّ مبدأ احترامِ حقوقِ الدفاع الذي يَدعمه مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون هو أحدُ دعائم النظام القضائي في كثير من البلدان. فهو يعترف، دون أنْ يمتنِع المُشرّع عن التقيد به، بِحقّ أيّ شخصٍ في الاستفادة من مساعدة استشارية، أو أنْ يُمثله مُحام. وهذا يعني أنّ مُرتكب العمل الإرهابي يتمتّع بحقوقِ الدفاع، كالتي يتمتّع بها مرتكبُ سرقةٍ قام بفعل السرقة من أجل إطعام عائلته: هذه هي مُسَلَّمَةُ سيادة القانون بشكل عام. ومن ثم فإنّ المُحامي يُمثل شخصيةً أيقونية لحقوق الإنسان.

إنّ العديدَ من المحامين يُجمِعون على القول بأنّه يُمكنُهم الدفاعُ عن أيّ إرهابي طالما أنّه لا يطلبُ منهم أنْ يتبنَّوا أطروحته. وعلى هذا النحو، أوضح المحامي الجنائي الكبير إريك دوبونت موريتي، رؤيته لميكروفون قناة أوروبا 1 قائلاً: "لن أدافع عن الإرهابيين إلا إذا قبِلوا بالعملية القضائية. هل نعتقد بصدقٍ أنّ الأخوين كواشي كانا يريدان مُحامياً يدافع عنهما؟ هل يَقبَل المُتعصّبون السلطةَ القضائية؟ للعدالة أيضاً تأثيرُها التربوي، والهدف من ذلك هو منْع الآخرين من ارتكاب مثلِ هذا الرعب. وبنفس المعنى، كتب جاك فرجيس قائلاً: "الدفاع لا يعني العفو، الدفاعُ يعني أساساً الفهم والإدراك". 

المحامون يجِدون أنفسَهم أحياناً في مأزقٍ أخلاقي حين يبدو أنّ مُوكِّلهم قد فقدَ كلّ الصفات الإنسانية

خلافاً للأدبيات (أي الواجبات المهنية) التي تُنظّم بشكلٍ جماعي الأنشطةَ في إطارِ أيّ مهنة، فإنّ الأخلاق ليست قَسرية؛ بل هي انضباطٌ أخلاقيٌّ فردي يُوحِي بما هو مرغوب فيه، ويُدين ما ليس كذلك. وبالتالي، فإنّ اختيار الدفاع عن الإرهابيين لا يعني الموافقة على الفعل، أو جعْلِ تأثيره أمراً نسبِياً، وإنّما هو اعتمادُ نهجٍ مزدوج: احترامُ ضمانات دولة القانون الذي لا عدالة من دونه، وإدراكُ الظاهرةِ الإرهابية من خلال الفرد.

وعلاوة على ذلك، فمن الناحية العملية، يظل الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه نادراً. ففي الواقع، لا تتم محاكمة إرهابي إلا في بعض الأحيان فقط، إذ غالباً ما يصل هذا الإرهابي إلى غاياته: الموت "شهيداً"..

دفاع يُضعِفُه شرطُ الضمير

إذا كان العديد من المحامين يطالبون بالدفاع لفائدة الدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه، فإنّ هناك حلولاً للتحايل على ما يسمى بالدفاع "الاستثنائي".

من حيث المبدأ، يجوز للمحامي أنْ يرفض الدفاعَ عن قضيةٍ من القضايا عندما يُقدّر من خلال ضميرِه أنه لا يستطيع تقديمَ المساعدة أو الدفاعَ عن الشخص الذي يطلب منه  ذلك. وللمحامي الذي يُعيّنه نقيبُ المحامين الحقُّ في رفضِ القضية بحجةِ شرطِ الضمير، أو عدمِ توافقٍ مِهنيّ، أو تضارب مصالح. وبالمثل، يحتفِظُ أيُّ محامٍ دائماً بحقِّ الانسحاب من ملفٍّ بِعينِه عندما يختلف مع مُوكله، بل ومن حقّه ذلك أيضاً. لذلك سيكون هناك فرق بين ما هو قانونيّ وإجرائي، وبين ما هو أخلاقي. وعندئذٍ يعالِج كلُّ طرفٍ المسألة كما يراه مناسباً، طالما أنه لا يخون، في هذه الحالة، لا الآداب المهنية ولا القانون. أمّا البقيةُ فهي مسألة ضمير. فعلى سبيلِ المثال، في نقابة المحامين في شالون-إن-تشامباغن، دافع العديدُ من المحامين، في أعقاب هجمات شارلي إيبدو، عن حقهم في تحكيم الضمير ضد المتّهَمين المدانين والمُلاحَقين بأعمال إرهابية، تاركين ثِقَلَ الدفاع إلى نقابة المحامين.

الواقع أنّ المحامين يجِدون أنفسَهم بالفعل أحياناً في مأزقٍ أخلاقي، أي في مواجهةِ حالةٍ يبدو فيها أنّ مُوكِّلهم قد فقدَ كلّ الصفات الإنسانية. وقد يكون هذا هو حالُ بعضِ العُملاء الذين ارتكبوا أعمالاً يَعتبِرها المحامون بغيضةً، والتي تعطيهم انطباعاً عن إنسانيةٍ أُلقِيَ بها في الفراغ. فلهذا لا يدافع المحامي أبداً ضدّ ضميره. في هذا الصدد، في أكتوبر 2016 توقف المحاميان الأمريكيان، فرانك بيرتون وسفين ماري، عن الدفاع عن صلاح عبد السلام، وهو فرنسي من أصل مغربي مقيم في  بلجيكا، له صلة  بتنظيم داعش، وأحد أهم المتهمين والمدبرين لهجمات باريس في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015  التي خلفت 130 قتيلاً نظراً لرغبته العميقة في التزام الصمت. ففي الواقع، أمام مثلِ هذا السلوك، يجب أنْ نلاحظ فشلَ القَصدِيّة التربوية للسلطة القضائية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

"scienceshumaines"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية