هل الإسلام متوافق مع الحداثة والديمقراطية؟

هل الإسلام متوافق مع الحداثة والديمقراطية؟

هل الإسلام متوافق مع الحداثة والديمقراطية؟


21/09/2023

يطرق الكاتب الصحافي والباحث الفرنسي، المختص في شؤون الشرق الأوسط، آلان غريش، في كتابه "الإسلام والجمهورية والعالم"، منطقة شديدة الالتباس والجدل، حول العلاقة بين النظام الغربي والعالم الإسلامي، وما راكمته من خطابات متناقضة، وصورة صدامية، تقوم على الصراع والحروب الدموية، والمواقف المغلقة، والمسارات الانسدادية، التي تدشنها الرؤى والمواقف الأحادية.

ففي كتابه، الصادر في نسخته العربية، عن دار الساقي، من ترجمة جلال بدلة، يقدّم الباحث الفرنسي رؤية مغايرة ومختلفة، عن تلك المحاولات الانفعالية واليمينية المتطرفة، التي تحاول وصم "الإسلام"، بأنّه معادٍ للغرب، وولادة الخوف تجاهه باستمرار، وتأجيج مشاعر الغضب، والتحريض ضده، وإلحاق كل الشر والأذى بالمسلمين، بصورة مطلقة، لا تمييز فيها أو استثناء، واعتبارهم يمثلون ودينهم، خطراً وجودياً يهدد الغرب، بحضارته، وقيمه الديمقراطية والثقافية.

الكاتب الصحافي والباحث الفرنسي، المختص في شؤون الشرق الأوسط، آلان غريش

وفي ظل خلق ما بات يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، تكرست الرؤى الأحادية المتطرفة، التي تنهض على فكرة الصدام الأبدي، واعتبار أنّ ثمة طرفاً حضارياً وآخر بربرياً، كما هو الحال، لدى الجماعات الإسلاموية، التي تفصل العالم إلى: "هم" و"نحن"، وتشطرهما، بين حزب الله وحزب الشيطان، والخير والشر.

اقرأ أيضاً: عندما يشعل الجهل بالدين والديمقراطية حرائق التعصب

ويقر المؤلف، بداهة، بأنّه لا يوجد إسلام واحد، بل إسلامات عديدة، مثلما الغرب، فهناك أكثر من صورة ونموذج، تحمل تفاوتات وبنى مختلفة، لا تنسجم في صورة كلية واحدة، ومطلقة، فلا يواجه أحد منهما الآخر، في الحقيقة. كما يرفض إلغاء طرف وإقصاءه، لحساب الآخر، سواء لدوافع مادية أو أيديولوجية.

الإسلام والهوية الفرنسية

وفي المقدمة العربية للكتاب، يوضح الباحث الفرنسي، من أصل مصري، الاعتداءات الإرهابية، التي تعرضت لها باريس، مبيّناً أن تلك الحوادث من أعنف المواجهات دموية، التي تعرض لها المدنيون في المجتمع الفرنسي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، ونهاية حرب الجزائر، وهو ما أدى إلى تنامي الخطاب الأيديولوجي المعادي للإسلام، وشكلت ردود فعل غاضبة، برزت في الحراك الاحتجاجي الاستثنائي، مع خروج الفرنسيين، للتعبير عن مواقفهم الرافضة للإرهاب، خاصة، مع طبيعة الهجوم الذي استهدف صحيفة، وقتل العديد من رجال الشرطة والعابرين، من بينهم مسلمون، وأخذ أربعة مواطنين من اليهود، كرهائن، وقتلهم، لمجرد أنهم يهود.

اقرأ أيضاً: كيف انتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا ومن غذّاها؟

ذلك الأمر، عمّق من حالة الانقسام داخل المجتمع الفرنسي، تجاه قضايا الإسلام والمسلمين، وجدّد حمى السجال حول واقع المسلمين في أوروبا، لا سيما، بعد أزمة المهاجرين، التي تعد أخطر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.

وطرح الكتاب قضايا مركزية، لخصها في هذه الثنائيات: الإسلام والديمقراطية، الإسلام والغرب، الحجاب وفرنسا، قيم الجمهورية الفرنسية والمسلمين الفرنسيين، العلمانية الفرنسية والرموز الدينية. وتساءل: "هل الإسلام متوافق مع الديمقراطية؟ هل الحجاب سلاح ضد العلمانية؟ هل بمقدور المسلمين الاندماج في المجتمعات الأوروبية؟".

غلاف كتاب "الإسلام والجمهورية والعالم" لـ"غريش"

"صدام الحضارات" وصناعة العدو

رصد غريش الأدبيات الفرنسية، المتأثرة بمصطلح "صدام الحضارات"، كما ورد في كتاب برنارد لويس، في العام 1964، وقام بإعادة طرحه بعد ربع قرن، في مقال له، أوائل التسعينيات، عنوانه "جذور الغضب الإسلامي"، إلى أن تم الترويج له، عبر مقال للكاتب الأمريكي، صموئيل هنتغتون، في مجلة الشؤون الخارجية.

ولئن عمد، غريش، إلى إدانة الظاهرة الإسلاموية، وحوادث الإرهاب، فكراً وممارسة، إلا أنّه يرتكز في فهمه وتحليله لها، على أسس فكرية وتاريخية رصينة، وتبيان خطورة التطرف الإسلامي الأيديولوجي، ويوضح، في المقابل، وجود يمين مسيحي، وتطرف يهودي، لا يمكن إغفالهما.

وحول هذه المقولة التي روج لها لويس وهنتغتون، فقد حاول دحضها، كمنظومة تحليلية، تبناها المثقفون الغربيون، واحتلت عقولهم، وباتت تؤطر فهمهم للعالم، وتستحوذ على جهازهم المفاهيمي.

الجيل الثاني من المسلمين الفرنسيين لا يمكنهم الانصهار في قيم الجمهورية الفرنسية إلا إذا شملتهم وسائل الرعاية الاجتماعية

ويشير إلى صحفيين ومثقفين، مثل: هنري ليف وفيليب فال، اللذين أصدرا بياناً بعنوان: "ضد النزعة الشمولية الجديدة"، وهي الإسلاموية، التي تتماثل، برأيهم، مع النزعات القديمة؛ كالفاشية والنازية والستالينية، وتبرز كخطر جديد، بينما يروجون للحرب بين الحضارات، ويصنفون الحوادث، التي تجري اليوم، من هذا المنطلق، واعتبارها، حرباً كونية ثالثة.

وبنفس المنطق، يقف في الجهة المقابلة، بحسب غريش، خطاب مماثل، يتجذر في العالم الإسلامي، وهو خطاب "أسامة بن لادن"، عن الحرب ضد "الصليبيين واليهود"، تعززه، بقوة، مشاهد الحرب والقتل، والعدوان الأمريكي في العراق، والإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. والديمقراطية

ويصل، غريش، إلى مقاربة مفاداها، أنّ ثمة خطوط اتصال عميقة، بين حروب بوش الابن "الصليبية"، وحروب بن لادن "الإسلامية".

في ظل خلق ما بات يعرف بـ"الإسلاموفوبيا" تكرست الرؤى الأحادية المتطرفة

ولادة الخوف

بعد الأحداث الإرهابية، التي وقعت في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، في الولايات المتحدة، تصاعدت مقولات سهلة وغير دقيقة، كمثل "الصدام بين الحضارات"، حاولت الترويج إلى أن سبب الصراعات، في المنطقة هو الإسلام، الذي أصبح الخطر البديل، بعد الشيوعية.

وهنا، قصد غريش المعنى المتخفي وراء تحليله، من خلق خطر جديد، بصورة عمدية وتلفيقية، بعد الشيوعية، التي سقطت في معقلها الأساسي بالاتحاد السوفياتي، فأورد عبارة الأديب والدبلوماسي الفرنسي، جان كريستوف روفان "العدو الجيد هو مفتاح المجتمع المتوازن".

غريش: يتجذر في العالم الإسلامي خطاب يتحدث عن الحرب ضد "الصليبيين واليهود"

ويطرح صاحب "علام يطلق اسم فلسطين"، قضية مفصلية، يفسر بها أزمة نشوء التشدد الإسلاموي، والاغتراب عن قيم المجتمع الغربي، يبرزها في ثنائية: الضواحي، والاندماج.

ويتجاوز فكرة تهديد الإسلام للهوية الفرنسية، ويبني فرضية تستلهم جذورها، من الواقعين؛ الاجتماعي والاقتصادي، لأزمة الضواحي، وما تساهم فيها من حدوث توترات، تكشف عن أعراضها، بعض الأسباب المحلية أو الخارجية، كظهور الرموز الدينية، ومفهوم الأمة الافتراضية، الأصولية الإسلامية، الجهاد المعولم، البطالة، الفقر، التهميش الاجتماعي، والتطرف الديني.

اقرأ أيضاً: علاقة الإسلام السياسي بالديمقراطية

ويرى أنّ الجيل الثاني من المسلمين الفرنسيين، لا يمكنهم الانصهار في قيم الجمهورية الفرنسية، إلا إذا شملتهم وسائل الرعاية الاجتماعية، وتحسين شروط العيش والاعتراف بحقوقهم.

مسلمو فرنسا وإغراءات العنف الديني

ينتقد الكتاب حالة الإخفاق، الذي أصاب اليسار الفرنسي، بعدما تحول الحزب الاشتراكي، إلى حزب الفئات الوسطى، ولا يعبر عن تطلعات الشباب المهاجرين، وبنفس القدر، انفصل عن المهمشين، ما سبب حدوث انقسام بين العمال والموظفين، كما بين الفرنسيين والمهاجرين، في آن معاً.

ومن ثم، يتصدى، غريش، لتفسير أزمة التطرف والإرهاب الإسلاموي، إلى أربع نقاط أساسية: العنف الإرهابي، الضواحي وحالة عدم الأمن، النزوع إلى الجماعاتية، في مواجهة العلمانية، والديموغرافيا.

اقرأ أيضاً: هل نجح اليمين المتطرف بألمانيا في تأجيج "الإسلاموفوبيا"؟

ويشير في هذا الصدد، إلى التبدل الذي شهدته الصحافة الفرنسية، التي كانت تهتم في السبعينيات، من القرن الماضي، بالشروط الحياتية للمهاجرين، لكن، اختفى تعاطفها مع البروليتاريا والمهمشين، حتى بدأت تفسير المشكلات الاجتماعية، بردها إلى العوامل الإثنية.

وفي الفصل الختامي، يدعو جريش إلى بناء "ذاكرة مشتركة"، تشمل تاريخ الثورة الفرنسية، وتاريخ الجمهورية الثالثة، وتاريخ الهجرة، والحركة العمالية، والحرب العالمية الثانية، والإبادة العرقية لليهود والاستعمار.

اقرأ أيضاً: الإسلاميون.. وتجربة "المسيحية الديمقراطية"

وفي الوقت ذاته، ينبّه إلى ما أسماه "فقدان الذاكرة الكولونيالية"، ودان تجاهل تأثير الحقبة الاستعمارية، خلال القرنين الماضيين، على وجدان الشعوب، التي تعرضت للاستعمار، وطالب بالاعتذار عما تم ارتكابه من جرائم والاعتراف بها، حتى تضمد جراحها، وتؤدي إلى طغيان الصراعات داخل وجدان تلك الشعوب التي تعرضت للاضطهاد والاستغلال، ومازالت آثار هذه الفترة، وندوبها النفسية، تحكم رؤيتهم وعلاقتهم تجاه الغرب، الذي ما زال بنظرهم المعتدي (المستعمر) القديم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية