هل أعلن قيس سعيّد وفاة مشروع الإسلام السياسي في تونس؟

هل أعلن قيس سعيّد وفاة مشروع الإسلام السياسي في تونس؟


12/09/2021

شهدت تونس تراجعاً لافتاً في الأنشطة الحزبية داخل الفضاء العام، في الآونة الأخيرة، التي تلت الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيّد في  25 تموز (يوليو) الماضي؛ إذ يرى البعض أنّ دور العديد من هذه الأحزاب، خاصّة التي تشكلت في السنوات العشر الماضية، قد انتهى بمسار سياسي راكم الفشل منذ عقد من الزمن، فيما يذهب آخرون إلى أنّ تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي سيعمّق في أزمتها، ولن يترك لبعضها المجال للاستعراض السياسي في البرلمان.

اقرأ أيضاً: تونس: التيار المدني يتصدى لتدخلات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ولا يختلف التونسيون مع موقف قيس سعيّد، الذي يرى فيه أنّ الأحزاب سبب البلاء في تونس، فيما تؤكد أغلب القراءات على أنّ ضمور الأحزاب السياسية في الفترة الحالية في تونس يسير نحو انحسار تدريجيّ، كنتيجة مباشرة لانشغالها بالصراعات السياسية، وعجزها عن حلّ الأزمات ومعالجة قضايا الشعب، واتخاذ مطالب المواطنين مجرد شعارات ترددها، وهو ما أدّى إلى انسداد سياسي داخل مؤسسات الحكم.

تراجع حزبي وسياسي

ويعود تراجع النشاط الحزبي في الساحة التونسية مؤخراً إلى مجموعة أسباب، منها تورّط عدّة أحزاب في قضايا الفساد، وهو ما يجبرها على الصمت ومجاراة الأحداث دون التعليق؛ لأنّها محلّ تتبع، إلى جانب هشاشة بعضها من حيث الأفكار، فهي في حالة تذبذب؛ "قلب تونس" لا مكان له، فرئيسه في حالة فرار، و"ائتلاف الكرامة" يمثّل العنف ونوابه محل تتبع، و"حركة النهضة" تدافع عن مصالحها.

قرارات سعيّد أيضاً حوّلت مسرح الصراعات والانقسامات من الشارع التونسي إلى الجسم الحزبي وداخل هياكل بعض الأحزاب، التي تتخبّط داخلياً بين الرفض والمساندة وعدم الانحياز، لتبرز تحالفات جديدة وتطفو الأحزاب غير البرلمانية من جديد على الساحة وتتصدر المشهد بالتصريحات بعد تجميد البرلمان وتعليق قواعد اللعبة الديمقراطية.

ويتوقّع مراقبون أن تطرأ تغيرات كثيرة على الأحزاب والمشهد السياسي بعد هذه المرحلة، مع تراجع بعضها، مقابل صعود أخرى سارعت لدعم قرارات سعيّد أو غيّرت رأيها من الرفض إلى المساندة.

بين معارك الزعامة وتقاسم الحقائب الوزارية

ظلّت المعارك بين القوى السياسية في تونس بعيدة عن الأفكار والمشاريع، وانحسرت في تصويت عاطفي شخصي، فيما انتخب أغلب من توجهوا إلى مراكز الاقتراع، وهم أقل من ثلث الشعب التونسي، الصورة فقط لا الأفكار أو البرامج، فتتالت الإخفاقات السياسية ، خصوصاً أنّ حركة النهضة، التي فازت في المركز الأول بالانتخابات التشريعية التونسية الماضية، وحلفاءها، لم يقدموا سوى المزيد من الوعود الوهمية للشعب، وفشلوا في القيام بأية إصلاحات، حيث اتسمت تونس بتعدد الحكومات وعدم استقرارها وعدم قدرتها على الحكم.

عبد الجبار المدوري: النّهضة حاولت دائماً بسط نفوذها السياسي والتحكم في مقاليد الحكم، وأججت صراع النفوذ على الحقائب الوزارية والزعامة بين الأحزاب

وعرفت تونس، التي حكمها خلال السنوات العشر الماضية 9 رؤساء حكومات، بمعدل أقل من سنة لكلّ حكومة، بحسب المحلل السياسي عبد الجبار المدوري، في تصريحه لـ "حفريات"، حيث لفت إلى أنّ النّهضة الإسلامية حاولت دائماً بسط نفوذها السياسي والتحكم في مقاليد الحكم، وأججت صراع النفوذ على الحقائب الوزارية وعلى الزعامة بين الأحزاب، وهو ما انعكس سلباً على عملها السياسي.

المحلل السياسي عبد الجبار المدوري

وبيّن المدوري؛ أنّ تفاقم الخلاف منذ انتخابات 2019 التي أسفرت عن تكوين برلمان منقسم ورئيس جديد على الساحة السياسية، ما أوجد حالة مستمرة من الاضطرابات السياسية، مشيراً إلى أنّ الخلاف وصل إلى ذروته في وقت تحاول فيه تونس تجاوز الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا بشأن التعديلات الوزارية، في حين أنّ النهضة كانت تعمل على افتكاك مزيد من الحقائب الوزارية، خاصة منها السيادية.

اقرأ أيضاً: خطر "الإخوان" في تونس

وأضاف المدوري؛ رغم أنّ تونس تخلصت من الحكم الاستبدادي عقب ثورة 2011، لكنّ الكثير من التونسيين أصيبوا بخيبة أمل، بسبب تردّي حالة الاقتصاد منذ وصول حركة النهضة للحكم، مؤكّداً أنّ نظام تقاسم السلطة الذي تضمّنه دستور 2014 أدّى، في الوقت نفسه، إلى خلاف مستمر بين الرؤساء، بالتالي؛ فإنّ الصراع السياسي في تونس بين الأحزاب السياسية على الحكم كان حرب كسر عظام مع خصومهم في المشهد البرلماني، وهو ما سبّب حالة نفور من الشباب التونسي من الأحزاب السياسية، لينزل في 25 تموز (يوليو) 2020، معلناً شهادة وفاة هذه الأحزاب.

انتكاسة كبرى للإسلام السياسي

 ويؤكد جلّ التونسيين على أنّ الزلازل السياسي الذي أحدثته القرارات الاستثنائية للرئيس التونسي، لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة للغضب التدريجي تجاه حركة النهضة وخطابها السياسي طوال العشرية الماضية، والذي بلغ بركانه في 25 تموز (يوليو)، خصوصاً أنّه لم يكن مقبولاً، في البداية، من النخب والقوى الحية والفاعلة في المجتمع التونسي، خاصة من اليسار التونسي، الذي أطلق عليه أنصار حركة النهضة، استهزاءً، تسمية "جماعة الصفر فاصل"، أو أحياناً من قبل الفاعلين والمؤثرين في المشهد السياسي بالحركة نفسها، إلى حدّ اتساع دائرة الغضب من داخل الحركة وخارجها، وبات أغلبُ "النهضاويين" يطالبون بتنحية الغنوشي من كافة مسؤولياته في الحركة على أن يُفسح المجال للشباب.

الرئيس التونسي نجح في اختيار الوقت المناسب لتصدير الأزمة التي يعيشها الإخوان إلى تونس، تحديداً داخل حركة النهضة، وأدخلها في حالة من التضارب

هذه الصفعة التي تلقتها الأحزاب السياسية بعد قرارات تجميد البرلمان كانت أكثر انتكاسة للمشروع الإخواني، الذي كانت تقوده حركة النهضة، رغم أنّها كحركة حافظت على تماسكها أكثر من 10 سنوات، رغم الأعاصير السياسية التي عرفتها البلاد، خلافاً لحلفائها؛ كحزب الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، "المؤتمر من أجل الجمهورية"، وحزب "نداء تونس"؛ الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وكان الحزب الأول في الانتخابات التشريعية لسنة 2014، وحقّق 89 مقعداً.

 ويعتقد الباحث محمد ذويب، لـ "حفريات" أنّ قرارات سعيّد أثرت مباشرة في المشهد السياسي، وأربكت الأحزاب السياسية بلا استثناء؛ فحركة النهضة، التي كانت تشكّل السلطة الحاكمة تقريباً منذ عشر سنوات، كانت أكثر الأحزاب تضرراً، معتبراً أنّ الحزب قد عُزل عن الخارج حيث يبدو أنّ القوى الدولية قد تخلّت نهائياً عن حركة الإخوان المسلمين، ليس في تونس فقط، بل في المنطقة برمتها.

الباحث محمد ذويب

وأشار ذويب إلى أنّ الرئيس التونسي نجح في اختيار الوقت المناسب لتصدير الأزمة التي يعيشها الإخوان إلى تونس، تحديداً داخل حركة النهضة، وأدخلها في حالة من التضارب والتناقض في المواقف، وجعل قياداتها يعيشون حالة صراع داخلي سرعان ما خرج إلى العلن بدعوات ومطالب عزل الغنوشي.

ورأى ذويب؛ أنّ ما قام به الغنوشي مؤخراً بعزل المكتب التنفيذي للحركة دليل على حالة التخبط التي تجري داخل الحركة، مبيناً أنّ الاتهامات المتعلقة بقيادات الحركة المتهمة بالتخابر والتورط في الاغتيالات السياسية والتسفير والفساد، وغيرها، إضافة إلى تفعيل الفصل 163، وتفعيل تقرير دائرة المحاسبات، قد ينهي الحركة بشكلها الحالي نهائياً.

اقرأ أيضاً: تحركات جديدة لداعش والقاعدة بين ليبيا وتونس

وعن بقية الأحزاب، قال ذويب: الحزب الدستوري  يعدّ ثاني أكبر المتضررين من إجراءات 25 تموز (يوليو)؛ لأنّ هذا الحزب قدم نفسه كنقيض لحركة النهضة وقد تقلص حضوره بتقلص هذه الأخيرة، ووضعه لا يختلف كثيراً عن حزب  التيار الديمقراطي، الذي تقلّصت أيضاً شعبيته بفعل ارتباك مواقفه، موضحاً أنّ الحزب الوحيد الذي ظلت مواقفه صلبة وثابتة ومساندة لقرارات رئيس الجمهورية منذ مدة طويلة؛ هو "حركة الشعب"، الذي يبدو أنّ البنية الأيديولوجية التي ينتمي إليها قد مكّنته من تعديل مواقفه على نبض الشارع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية