هل أضر النزاع في السودان بآثار البلاد؟

هل أضر النزاع في السودان بآثار البلاد؟

هل أضر النزاع في السودان بآثار البلاد؟


30/05/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

مرّ الآن أكثر من شهر بقليل على اندلاع القتال بين الجيش السّودانيّ و«قوّات الدّعم السّريع». وخلال ذلك، لقي مدنيّون ومقاتلون مصرعهم في جميع أنحاء البلاد. ودُمّرت منازل ومصادر رزق، وارتفعت تكلفة السّلع الأساسيّة إلى مستويات لا يمكن التّغلّب عليها تقريباً. وتعطّل معظم الخدمات، بما في ذلك خدمة الإنترنت.

وسط هذه الفوضى - التي تُظهِر علامات قليلة على انحسار النّزاع - قد يبدو الحفاظ على التّراث الثّقافيّ السّودانيّ وكأنّه أولويّة دُنيا. ومع ذلك، كما رأينا في نزاعات سابقة، فإنّ هذا غير صحيح. يعتبر التّراث الثّقافيّ رمزاً قويّاً للهويّة، وعلى هذا النّحو، غالباً ما يكون هدفاً للعنف أثناء نزاعات مثل هذه.

على الرّغم من أنّ القتال اندلع في عدّة مواقع في جميع أنحاء البلاد، فإنّه تركّز في الخرطوم، عاصمة السّودان، التي تستضيف عدداً من المعالم التّاريخيّة ولديها أكبر عدد من متاحف البلاد. وفي 12 أيار (مايو)، قالت «اليونسكو» إنّ هناك «تقارير عن أضرار لحقت بالقصر الرّئاسيّ، وهو مبنى تاريخيّ يضمّ، أيضاً، متحف القصر الجمهوري»، لكن لم يُتحقّق من صحّة ذلك. وحتّى الآن، يبدو من الصّعب تأكيد ما إذا كان قد حدث - أو لم يحدث - أيّ ضرر كبير للمواقع الأثريّة، أو المعالم الأثريّة، أو المتاحف في العاصمة.

نهب الآثار ضئيل

ويبدو تهديد النّهب - على الرّغم من انتشاره في العراق بعد عام 2003 وفي مصر أثناء الانتفاضة العربيّة - ضئيلاً. جيف إمبرلينغ، وهو باحث في جامعة ميشيغان ومدير مشروع كبير في جبل البركل في السّودان، وهو موقع صنّفته «اليونسكو» تراثاً عالميّاً، أخبرني أنّ «السّودان، لحسن الحظّ، ليس لديه تاريخ من النّهب واسع النّطاق للمواقع الأثريّة».

أهرامات نوري بالقرب من كريمة في السودان

وأضاف: «صحيح أنّ بعض القطع ظهرت في سوق الآثار العالميّة... وأنّ هناك شبكة من تجّار الآثار الصّغيرة (شبكة تعتمد جزئيّاً على اكتشافات قانونيّة للآثار يقوم بها أشخاصٌ عاديّون في ممتلكاتهم الخاصّة)، لكنّني لست قلقاً على المدى القصير بشأن حدوث عمليات نهب مكثّفة للمواقع، لأنّ ذلك سيتطلّب شبكةً راسخةً من التّجار لجعلها جديرة بالاهتمام».

تعرّضت الحيوانات، التي تشتمل على تماسيح، وثعابين نادرة، وطيور، لموت بطيء لعدم تمكّن أحد من إعطائها الطّعام أو الماء منذ اندلاع النّزاع في السودان

هذا لا يعني بالضّرورة أنّ الدّمار أو النّهب لن يحدثا في الخرطوم في المستقبل. سارة عبد الله خضر سعيد، مديرة «متحف التّاريخ الطّبيعيّ»، قالت على «تويتر» إنّ «المتاحف الآن بلا حراسة أو رقابة تحميها». وكما أشار تهامي أبو القاسم، وهو مدير مشارك لعلم الآثار المجتمعيّ في مشروع إمبرلينغ في جبل البركل المذكور سابقاً، فإنّ «المنطقة الواقعة بين متحف التّاريخ الطّبيعيّ ومتحف السّودان الوطنيّ عبارة عن ساحة قتال مركزيّة» بين الجيش و«قوّات الدّعم السّريع».

وأضاف: «هذا يعني أنّ المتاحف قد تصبح أضراراً جانبيّة».

أكبر خسارة للتّراث الثّقافيّ

في الواقع، عندما نضع في الاعتبار أنّ التّراث الثّقافيّ يتعلّق بكلّ من الملموس وغير الملموس، بما هو من صُنع الإنسان وما هو طبيعيّ، فإنّ أكبر خسارة للتّراث الثّقافيّ في الخرطوم حتّى الآن هي الحيوانات الحيّة الموجودة في «متحف التّاريخ الطّبيعيّ». تعرّضت الحيوانات، التي تشتمل على تماسيح، وثعابين نادرة، وطيور، لموت بطيء لعدم تمكّن أحد من إعطائها الطّعام أو الماء منذ اندلاع النّزاع.

وللأسف، اهتزّ السّودانيّون، أيضاً، لوفاة شخصيّات ثقافيّة محبوبة، مثل الممثّلة الشّهيرة آسيا عبد المجيد، ولاعب كرة القدم السّابق فوزي المرضي، ومؤخّراً المطربة الشّعبيّة شادن حسين، التي قُتلت في تبادل لإطلاق النّار بين الفصائل المتحاربة في مدينة أم درمان الأسبوع الماضي.

الحفاظ على قوّة عمل كافية في السودان يمثّل تحدّياً لجميع مواقع التّراث الثّقافيّ، القديمة أو الحديثة، في وقت فرضت فيه الحكومة "إجازة طويلة" على معظم موظّفي الدّولة

خارج الخرطوم، المعلومات ضعيفة على الأرض، على الرّغم من أنّ ولاية نهر النّيل والولاية الشّمالية هما موطن لموقعين من مواقع التّراث العالميّ في البلاد - مدينة مروي وجبل البركل.

سامي الأمين، المدير الإقليميّ للآثار في الولاية الشّماليّة، يعمل في جبل البركل منذ أعوام، وهو هناك الآن. وقد أخبرني أنّ أكبر ضرر يلحق بالموقع يأتي نتيجة التّدفّق الكبير للأشخاص الذين فرّوا من الخرطوم إلى كريمة، المدينة التي يقع فيها جبل البركل.

قال: «الأشخاص الذين أتوا إلى كريمة مهتمّون جداً بالموقع القديم، وهو أمر رائع، لكنّهم لا يدركون الضّرر الذي يلحقونه بتسلّق الأهرامات وأجزاء أخرى من الموقع».

وأضاف: «أيضاً، هناك الكثير من الأشخاص وهو الأمر الذي يصعب على هذا العدد الصّغير من الحراس التّعامل معه».

إجازة للموظفين بدون راتب

عندما تحدّثت إلى الأمين، كان في مركز الشّرطة الإقليميّ يطلب المزيد من الأفراد لحماية الموقع. لا شكّ أنّ الحفاظ على قوّة عمل كافية في جميع أنحاء البلاد يمثّل تحدّياً بالنّسبة إلى جميع مواقع التّراث الثّقافيّ، القديمة أو الحديثة، في وقت فرضت فيه حكومة السّودان «إجازة طويلة» من دون أجر على معظم موظّفي الدّولة.

الخرطوم تحترق وسط قتال بين قوات لجنرالين متنافسين في السودان

استجابةً لذلك، قال إمبرلينغ إنّ عدّة مجموعات من علماء الآثار «تجمع الأموال بشكل عاجل لدعم الزّملاء على المدى القصير حتى يتوفّر تمويل دوليّ أكبر».

وأضاف: «من الملحّ أن نجد طُرُقاً لدعم مديري المواقع، والمفتّشين، والحرّاس حتّى يتمكّنوا من الاستمرار في مراقبة المواقع وإبلاغ هيئة الآثار السّودانيّة والمجتمع الدّوليّ بأيّ مُشكلات قد تتطوّر».

مستقبليّاً، يعتمد الحفاظ على التّراث الثّقافيّ - مثل كلّ شيء آخر في السّودان - على توفير الدّعم لأولئك الذين يعملون في هذا القطاع، أوّلاً وقبل كلّ شيء، وعلى اتّفاق سلام دائم بين القوّات المسلّحة و«قوّات الدّعم السّريع».

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ريبيكا برادشو، ذي ناشونال، 19 أيار (مايو) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية