في محاولة لتنمية قدرات الشباب بالأراضي الفلسطينية، وتعزيز ثقافة الحوار فيما بينهم، تعمد مؤسسات أهلية وحكومية إلى تشجيع المناظرات الشبابية، وتعزيز مهارات الشباب في الحوار والتفاهم البنّاء، الذي يستند إلى الحقائق العلمية المنظمة، وصقل مهاراتهم وتعزيز قدراتهم المنطقية على إقناع الآخرين، مستندين إلى الأبحاث والمعارف التي تدعم آراءهم في المجالات؛ الثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية، التي تتعلق بمشاكلهم وحياتهم اليومية.
اقرأ أيضاً: ضدّ الدوغمائية: الممارسة الحوارية لإنتاج المعرفة الإسلامية
والمناظرة هي منصة تستعرض آراء الشباب، وتأخذ شكلاً من أشكال الخطاب، ويدور النقاش فيها حول قضية محورية، تهمّ الشباب وتؤثر في حياتهم اليومية؛ من خلال تشكيل فريقين يؤيّد أحدهما وجهة نظر معارضة حول مشكلة معينة، ويدعم الفريق الآخر هذه الفرضية، ويدافع عنها بالحجج والبراهين العلمية، وتستضيف هذه المناظرات شخصيات مؤثرة، وأصحاب قرار بداخل المجتمع، للاستماع لوجهة نظر الشباب، وكلجنة تحكيم تقوم بمنح صوتها للفريق الفائز بهذه المناظرة.
اقرأ أيضاً: المسرح بوصفه هادماً للشرور ومفككاً للنفس الإنسانية
وكانت المشاركة الأولى لفلسطين في فنّ المناظرات، العام 2011، من خلال المشاركة في برنامج المناظرات؛ الذي أقامه المنتدى الإقليمي للشباب في تونس، وحقّق الفريق الفلسطيني المركز الأول في مسار اللغة العربية، وتأتي هذه المشاركة في إطار برنامج صوت الشباب العربي، الذي يتم بالتعاون بين المجلس الثقافي البريطاني ومؤسسة "آنا ليند".
تنمية قدرات الشباب
أستاذ الإعلام في جامعة بوليتكنك فلسطين، ماجد الدسوقي، يقول لـ "حفريات": إنّ "ثقافة المناظرات الشبابية هي مسابقة رسمية تحكمها ضوابط معينة، وتهدف لتعزيز مهارات الخطابة بين الشباب، وإكسابهم مهارات العمل ضمن فريق وجماعات، ليتمكنوا من تعلم مهارات النقاش والتفكير النقدي، والقدرة على التحليل الموضوعي للمشاكل والقضايا المثارة في المجتمع، خاصة مع توجه عدد كبير من الشباب للهجرة خارج بلدانهم إلى الدول الغربية، في ظلّ تهميش دورهم المجتمعي".
الدسوقي: من أهم الصعوبات التي تواجه المناظرات الشبابية بفلسطين صعوبة التواصل مع الطلبة بغزة والضفة الغربية بسبب إغلاق المعابر
ويرى الدسوقي أنّ "المناظرات تساهم في تعليم الشباب وتنمية قدراتهم في فنّ الحوار والإلقاء، لتعزيز مشاركتهم بالأفكار الإبداعية، وطرحها علي أرض الواقع، ليستفيد منها أكبر عدد من الشباب؛ من طلبة الجامعات وخريجيها، وزيادة مخزونهم المعرفي والثقافي في البحث والمعرفة، من خلال تقديمهم أدلة ونماذج قيّمة، تعتمد على المنطق في طرحها، وتكون بعيدة عن التعصّب، للاستفادة منها في بناء وتحسين الشباب الفلسطيني، لتنمية وعيهم بالقضايا السياسية والثقافية والاجتماعية التي تواجه المجتمع".
ويشير إلى أنّ الاهتمام بالمناظرات في الأراضي الفلسطينية برز مؤخراً، "نظراً للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة، لتزويد الشباب بالمهارات اللازمة، التي تمكّنهم من إحداث تغييرات إيجابية بالبيئة المحيطة، مستخدمين الحجج والبراهين التي تنطلق من العقل والمنطق، لتعزيز ثقافة الحوار والنقاش لديهم، ليصبحوا مؤهلين في المستقبل لتمثيل فلسطين، من خلال مشاركتهم في المناظرات الإقليمية والدولية التي تشرح قضاياهم، والصعوبات التي يتعرّضون لها وتواجههم في مواكبة التطور والنجاح على كافة الأصعدة".
وسيلة ناجحة ومؤثرة
وعن الأدوات التي تتطلبها تل المناظرات يوضح الدسوقي "أنها تحتاج إلى توفر الخبرة والمعرفة لدى الشباب بالثقافات والمعارف المختلفة داخل المجتمع، فهي تهدف للانتقال من أسلوب النقاش، الذي يقوم بتأكيد صحة الفرضية وحقيقتها للوصول بالمناظرين إلى نتائج منطقية؛ من خلال التزامهم بالقواعد التحاورية، بعيداً عن التعصب والجدال غير المستند لمعتقدات وأفكار صحيحة، وحثّهم على تقبّل الآراء المختلفة، والتعامل معها بطريقة تحليلية مؤثرة".
اقرأ أيضاً: فرقة بانوراما البرشا لمسرح الشارع: العلاج النفسي بالدراما
غير أنّ الدسوقي ينبّه إلى أنّ "الشباب في فلسطين يتمّ استغلالهم بالزجّ بهم في المناكفات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، في حين أنّ هذه المناظرات تساهم في مساعدة الشباب على صنع القرار داخل مجتمعهم؛ من خلال إشراكهم في وضع البرامج والرؤى التي من شأنها أن تحقق التقدم في المجتمع، ودحض الأفكار الخاطئة غير المستندة إلى قواعد علمية".
ويدعو أستاذ الإعلام إلى تفعيل هذه المناظرات وتعميمها بين أوساط الشباب، لتثقيفهم؛ كونها تضفي وفق رأيه، صفات إيجابية على شخصياتهم، وتتبنّى الدفاع عن قضايا المجتمع والشباب، ومناصرتها بالطرق الديمقراطية والمنطقية والبديهية؛ لإيصال أصواتهم بالوسائل الحضارية والقوية من خلال المطالبة بحقوقهم المشروعة.
اقرأ أيضاً: مشروع مجراية: الفنّ في مواجهة التعصّب بصعيد مصر
ويتابع الدسوقي حديثه بأنّ الشباب في الأراضي الفلسطينية، يشكون سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي يعيشونها، وبات اهتمامهم الأبرز متمحور حول كيفية توفير قوت يومهم، ومتى سيتمكنون من الزواج وتكوين أسرة لهم، وهو ما يجعلهم دوماً يعيشون في حالة إحباط مستمرة، وعدم مقدرتهم على إحداث تغييرات إيجابية، وهي مطالب مشروعة لهم، وفق الدسوقي الذي يرى أنّ على أصحاب القرار تحقيقها ومساندتها، ومن هنا فللمناظرات الشبابية أهمية كبرى؛ إذ قد "تستقطب هؤلاء الشباب في تشكيل الحياة السياسية، وإحداث نقلات جوهرية تساعد في تبنّي وجهات نظرهم، التي قد تكون مدخلاً لتقديم حلول إبداعية لمشكلات عديدة".
ويردف الدسوقي "تجربة المناظرات لدى الشباب تزودهم بأفق أوسع في التعامل مع التحديات التي تواجه المجتمع، خاصة من خلال النظر في أسباب وقوع هذه التحديات، وتحليلها بالطرق المنطقية، بلا تحيّز، أو التأثر بوجهة نظر معينة، لتساعد الشباب على طرح القضايا التي تهمّ مجتمعهم، والتعمق فيها لإيجاد حلول ابتكارية وجذرية لها".
اقرأ أيضاً: كيف ردّت الشاعرة الفلسطينية دارين على حكم حبسها من قبل الاحتلال؟
ولفت الدسوقي إلى أنّه "من أهم الصعوبات التي تواجه نجاح وتطور المناظرات الشبابية بالأراضي الفلسطينية؛ هي صعوبة التواصل مع طلبة الجامعات والشباب في قطاع غزة والضفة الغربية؛ نظراً إلى إغلاق المعابر بصورة مستمرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي من شأنه أن يعمّق العزلة الاجتماعية بين الشباب في شقّي الوطن".
تكريس الديمقراطية
من جهته يقول أستاذ العلاقات الثقافية، زياد النتشة، لـ "حفريات": إنّ "المناظرات الشبابية هي أسلوب ثقافي يعمل على تكريس الديمقراطية، وتقبّل الآخر؛ من خلال الحوار الفعّال، الذي يستند إلى البحوث والتجارب وقدرة الشباب على إقناع الطرف الآخر، وهي خطوة رائدة في مجال دعم وتمكين الشباب، وتزويدهم بالمعارف والخبرات في حياتهم العملية".
النتشة: اتساع طرح المناظرات الشبابية سيساهم في تحسين النظام التعليمي،وصقل مهارات الطلبة وإظهار الجوانب الإيجابية في شخصياتهم
ويضيف "الاستثمار بالعنصر البشري هو الهدف الأساسي الذي يجب أن يكون في مقدمة أولويات رجال السياسة والثقافة والعلم في فلسطين، لرفع مستوى مهارات الشباب، وقدرتهم على الحوار والنقاش وفق أسلوب علمي، للوصول بهم لمستوى عالٍ من الاحترافية؛ للمشاركة في المناظرات التي تعمل على خدمة الشباب، وتعميمها بين كافة فئات المجتمع بداخل الأراضي الفلسطينية، للتأكيد على أهميتها، مع تزايد الانفتاح الإعلامي والتبادل الثقافي بين المجتمعات حول العالم".
ويردف النتشة "يتوجب تفعيل ثقافة المناظرات الشبابية داخل المجتمع، وتقديم الدعم المالي والإعلامي اللازم لانتشارها وتطويرها، لقدرة هذه المناظرات على إحداث تغييرات كبيرة، في حال جرى توظيفها بالشكل المناسب بهذه المجتمعات؛ لقدرة مشتركيها على الاطلاع على معظم القوانين والتشريعات والقضايا التي تشهدها الدولة".
معالجة قضايا الشباب
ويوضح "المناظرات الشبابية تساهم بشكل كبير في معالجة قضايا مثيرة للجدل، وتهمّ الشباب، وتجذب اهتمامهم، ويتناظر حولها فريقان متعارضان للوصول لصيغة نهائية، تساند وتدعم وتؤيد قضية معينة باللغة والحوار، وتقبل الآراء المتناقضة، والتعامل معها بمنطق تحليلي؛ بهدف تعزيز رؤية الشباب اتجاه القضية، في وقت يشهد الحوار والنقاش تجاهلاً من بعض القوى والأحزاب السياسية النافذة، في المجتمع الفلسطيني وبعض الدول العربية، لتغليب مصالحها على حساب أبناء شعبها".
النتشة: الاستثمار بالعنصر البشري هو الهدف الأساسي الذي يجب أن يكون بمقدمة أولويات رجال السياسة والثقافة والعلم بفلسطين
ويؤكد النتشة أنّ "المناظرات قامت بتسليط الضوء على فئات مجتمعية مهمشة داخل المجتمع، التي كانت لا تجد لها صدى، ولا يتم التطرق لمشكلاتها، فكان لا بدّ من وجود منابر للنقاش والحوار الديمقراطي الحرّ، لطرح موضوعات وقضايا تمسّ حياة هؤلاء الفئات، لإيجاد حلول مستقبلية لهم، وإظهار الجوانب الإيجابية التي يتمتعون بها، مهما اختلفت أفكارهم ومعتقداتهم الدينية".
ويشير إلى أنّ "اتساع طرح المناظرات الشبابية في فلسطين، سيساهم في تحسين النظام التعليمي، وصقل مهارات الطلبة، وإظهار الجوانب الإيجابية في شخصياتهم، وتعزيز قدرتهم على التواصل مع الآخرين، وتقبّل أفكارهم وانتماءاتهم المختلفة، لترسيخ ثقافة الحوار وإثراء الوعي المعرفي والفكري للشباب بشكل عام".