هكذا أصبحت تركيا في عهد أردوغان دولة منبوذة إقليمياً

هكذا أصبحت تركيا في عهد أردوغان دولة منبوذة إقليمياً


17/08/2020

وضِعت القوات المسلحة اليونانية بأكملها في حالة تأهب طارئة، منذ الإثنين الماضي، بعد قرار تركيا إرسال سفينة لاستكشاف مواقع الحفر المحتملة قبالة سواحل جزيرتين يونانيتين، في جنوب شرق بحر إيجه.

تركيا أدركت أنّها صارت دولة منبوذة إقليمياً، بفعل القلاقل التي تثيرها؛ لكنّ الموقف التركي يتراجع، ويتخلى عن نزعته المتعالية المعتادة، بعد نزول أردوغان من أبراجه العاجية

يأتي هذا التصعيد بعد توقيع اليونان ومصر اتفاقاً بحرياً يمنع دخول تركيا إلى شرق البحر المتوسط، وهي خطوة أثارت غضب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما دفعه إلى استعراض عضلات بلاده في صراع إقليمي طويل الأمد، يتخذه كمسار لتحقيق أطماعه التوسعيّة.

بلطجة سياسية تركية

أرسلت أنقرة، الإثنين أيضاً، السفينة "Oruc Reis" لمسح الجرف القاري في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط​​، والتي تعدّها كلّ من اليونان وتركيا ملكاً لها، ما جعل الجهاز العسكري اليوناني بأكمله في حالة تأهب قصوى، ويراقب تحركات تركيا بعد أن أطلقت الدولة المجاورة مناورات بحرية، شرق وجنوب جزيرتَي رودس وكاستيلوريزو في جنوب شرق بحر إيجه، خلال عطلة نهاية الأسبوع، ويبدو أنّ الاتفاق البحري الذي أبرمته اليونان مع مصر، والذي يحدّ من تطلعات تركيا التوسعية، أغضب الرئيس الذي سارع إلى إثبات وجوده، مستمراً في نهج المكايدة الذي يستخدمه ضدّ اليونان، ومصر بشكل خاص.

 وبحسب الباحث في الشؤون الأمنية وسياسات الشرق الأوسط، ومدير مركز الإنذار المبكر، أحمد الباز، فإنّ تركيا في الوقت الراهن تقوم بمحاصرة مصر من الجهات الأربع، ويساعدها في ذلك أنّ تركيا تمتلك ما لا تمتلكه مصر، من حيث النفوذ المادي والمعنوي وشراكات تجارية، "وكلّها أمور كنا قد خسرناها بجفاف ضرع مصر على يد حسني مبارك، الذي ترك مصر عارية في صحراء بلا رفيق أو سند أو إعاشة".

مدير مركز الإنذار المبكر، أحمد الباز لـ"حفريات": الأمن أولاً، وهو ما يعني محاصرة من يحاصرك، واقتناص أيّة فرصة على سلّم الأولويات، للضغط على الخصم

ويكمل الباز، في حديثه لـ "حفريات": "اتفاقية ترسيم الحدود المصرية اليونانية يصحّ وصفها بــ "الأمن أولاً"؛ الحالة التركية غير مأمونة للاقتراب منها، فتركيا تتحكم في مفاتيح إطلاق فيالق التطرف؛ إذ إنّ الرئيس التركي نفسه طالما هدّد بـ "كرت" التطرف واللاجئين في تصرف طفولي تدفع، وستدفع، تركيا ثمنه؛ حيث فتحت مسرحها ليلعب عليه مهرّجو الإخوان المسلمين ضدّ مصر من أجل تشتيت وتثوير الشارع ورفع  مستوى الإحباط والاكتئاب لدى المصريين، والتي يوجد لديها علاقات متوترة مع الطرف الأوروبي، والتي أصبحت أحد أسباب عدم استقرار الإقليم في ظلّ حكم الرئيس أردوغان".

اقرأ أيضاً: هل يعاني أردوغان من "شيزوفرينيا شرق المتوسط"؟

ومع تصاعد الأحداث، ترأّس رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن القومي، وجاء في إعلان مقتضب صدر بعد الاجتماع، الذي استمر ساعة؛ أنّ "المسؤولين قيّموا الموقف وراجعوا ردّ اليونان على أيّ استفزاز تركي"، على حدّ تعبيره.

بينما أعرب وزير الخارجية، نيكوس ديندياس، عن أنّ اليونان ما تزال مستعدة للجلوس والتحدث مع تركيا.

مصر تحافظ على أمنها

 قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنّ أردوغان، الذي يحكم تركيا "كشبه ديكتاتورية"، يواصل إرسال طائرات مقاتلة، وسفن حربية لانتهاك المجال الجوي والمياه اليونانية؛ حيث يفعل تماماً كما يفعل مع قبرص، مع عدم تحرك أحد لإيقافه؛ إذ تمّ تجاهل دعوات رئيس الوزراء اليوناني، وزعيم الديمقراطية الجديدة، كيرياكوس ميتسوتاكيس، للاتحاد الأوروبي، لفرض عقوبات صارمة على تركيا، بعد أن أصدر قادة الكتلة (الذين كادوا يعتذرون حتى عن التفكير في اتخاذ إجراءات صارمة)، عقوبات ناعمة للتنقيب عن النفط قبالة قبرص.

ويشدّد الباز على أنّ الاتفاقية التي وقّعتها مصر مع اليونان هي حقّ الدولتين للدفاع عن أمنهما البحري، خاصّة مصر، المستهدفة من تركيا.

ويتابع، في تصريحه لـ "حفريات": الأمن أولاً، وهو ما يعني محاصرة من يحاصرك، واقتناص أيّة فرصة على سلّم الأولويات، للضغط على الخصم. وأتصور أنّ مصر لن تفوّت فرصة لتعيد موازنة النفوذ عبر كلّ الأدوات الممكنة، والضغط على تركيا كلما كان ذلك ممكناً؛ لأنّ غير ذلك، وأعني رضوخ مصر لإدارة أزمة الإقليم، بحسب المعايير والهوى التركي، إنما يعني وقوع مصر تحت سطوة تركية تماماً، وتحكّم تركي في ملفات الإقليم تماماً، وتمدّد تركي لا يستطيع أحد أن يتصدى له.

اقرأ أيضاً: عناصر من داعش يلتحقون بصفوف مرتزقة أردوغان

وفي الحقيقة؛ إنّ أحد أهم أسباب أيّ موقف حادّ وسلبي من دولة ما نحو تركيا، إنما تسبّب فيه الرئيس أردوغان نفسه، الذي قرّر تفخيخ الإقليم، وهو يظنّ أنّ امتلاكه لجهاز التفجير سوف يجعل الجميع خاتماً في إصبعه".

اقرأ أيضاً: هل يدفع الأتراك ثمن مغامرات أردوغان وحساباته الخاطئة؟

كانت الإستراتيجية التركية، منذ العام الماضي، تعتمد على الضغط، وتجفيف خيارات الأطراف الإقليمية كي تضطر هذه الأطراف القدوم لطاولة السياسة، وهي معدومة الخيارات، بالتالي؛ توافق على أيّ طرح تركي لحلّ أزمة شرق المتوسط، وعلى الهامش تحقّق مكاسب في الميدان، بجناحيه؛ الشرقي في سوريا، والغربي في ليبيا، من خلال تثبيت النفوذ عبر وكيل تقبل به القوى الإقليمية، وعلى رأسها مصر؛ إذ إنّ أدوات الإستراتيجية التركية كانت التسريع في عقد اتفاقيات سريعة جداً مع الوفاق في ليبيا، سواءً الاتفاق العسكري، أو اتفاقية الترسيم غير المنطقية، وبهذا ظنّت تركيا أنّها فرضت أمراً واقعاً على مصر واليونان.

تركيا المنبوذة إقليمياً

يبدو أخيراً أنّ تركيا أدركت أنّها صارت دولة منبوذة إقليمياً، بفعل القلاقل التي تثيرها بين الحين والآخر؛ إذ أعلن أردوغان أنّ بلاده على استعداد للتفاوض مع أثينا بشأن المنطقة المتنازع عليها، بينما يرى خبراء أنّ هذا التراجع جاء بعد أن انضمّت فرنسا إلى اليونان في مناورات بحرية، وأثبتت وجودها المؤقت في البحر المتوسط، وكذلك مصر التي وقعت على اتفاقية أضعفت الموقف التركي، وبحسب الباز؛ فإنّ هذا التراجع يثبت قوة القرار الذي اتخذته مصر، ويثبت لتركيا أنّها صارت دولة وحيدة ومنبوذة.

ويرى الباز؛ أنّ "الموقف التركي حالياً يتراجع، شيئاً فشيئاً، ويتخلى عن نزعته المتعالية المعتادة، إذ نزل أردوغان من أبراجه العاجية، وذلك بسبب الهجمة المرتدة التي ألقتها مصر في وجهه".

وفي تقدير محللين، لن يكون هناك حلّ للصراع على الغاز الطبيعي، وإثبات النفوذ في شرق المتوسط، سوى بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية؛ إذ إنّه بغير ذلك فإنّ الصراع سيؤول إلى حروب، جميع الأطراف في غنى عنها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية