هذا ما كان يحدث في مرفأ بيروت قبل الانفجار

هذا ما كان يحدث في مرفأ بيروت قبل الانفجار


16/09/2020

سلط الكثير من وكالات الأنباء المزيد من الضوء على مرفأ بيروت وعلى مرافقه الحيوية، بعد الانفجار الضخم الذي وقع فيه مطلع آب (أغسطس) الماضي.

وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، في تقرير أعدته بهذا الخصوص، أنّ المرفأ يُعتبر صورة مصغرة عن مؤسسات الدولة اللبنانية، لجهة استشراء الفساد والمحسوبيات والرشاوى ونفوذ قوى سياسية فيه.

وفي مرفأ بيروت تهريب وتهرّب ضريبي ورشاوى وأرباح مناقصات ومزادات علنية مشكوك بها، ورواتب خيالية يستفيد منها موظفون على مستوى رفيع محسوبون على القوى السياسية.

 

تهريب وتهرّب ضريبي ورشاوى وأرباح مناقصات ومزادات علنية مشكوك بها ورواتب خيالية

وقالت الوكالة أيضاً يوجد بالمرفأ "خط" سريع لحزب الله، المصنّف في الكثير من الدول على أنه تنظيم إرهابي، هذا الخط يمكّنه من تمرير ما يريد من دون رقيب، وصفقات تعود بالفائدة على مسؤولين وموظفين محسوبين على حزب الله، وقوى التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون.

ويقول الباحث محمد شمس الدين من مركز "الدولية للمعلومات"، الذي نشر دراسات عدة حول الفساد والتهرب الضريبي في لبنان، لوكالة فرانس برس: "يُعدّ المرفأ من أكثر المرافق فساداً"، مضيفاً: "ليست هناك رقابة فعلية من الحكومة عليه، سواء على جباية الأموال أو إنفاقها".

وتأسس مرفأ بيروت عام 1894، وكانت تديره شركة فرنسية، ثمّ شركة خاصة اعتباراً من 1960.

في بداية التسعينيات، ومع انتهاء امتياز الشركة، عُيّنت لجنة رسمية مؤقتة لإدارته، وما تزال قائمة حتى اليوم، ويقول شمس الدين: إنها تعمل وكأنها "شركة خاصّة".

لحزب الله بالمرفأ خط سريع، يمكّنه من تمرير ما يريد من دون رقابة فعلية من الحكومة عليه

وكما في كلّ مؤسسات الدولة، يتمّ اختيار أعضاء اللجنة بحسب انتمائهم الطائفي: رئيس سني، و6 أعضاء يمثلون الطوائف الرئيسية، ويكون المحظيون مدعومين من أبرز الأحزاب السياسية.

ويقول شمس الدين: "نظام المحاصصة ذاته في الدولة ينطبق على المرفأ".

ويستخدم حزب الله المرفأ لتمرير بضائع لصالحه أو لصالح رجال أعمال محسوبين عليه، وفق مصادر عدّة.

ويقول رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر: "من المعروف أنّ هناك بضائع لـ(حزب الله) تمرّ عبر المرفأ والمطار"، عدا عن المعابر الحدودية.

ويضيف: "في المرفأ، كما في المطار، لدى حزب الله خط عسكري تمرّ عبره البضائع والسلع من دون تفتيش أو رقابة"، موضحاً: "خطّ المقاومة هذا هو نتيجة اتفاق ضمني مع السلطات على ألّا يقترب منه أحد".

استفاد حزب الله من وفيق صفا لتسهيل مرور المواد، بما في ذلك المخدّرات غير المشروعة والأسلحة

في العام 2019 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على المسؤول البارز في حزب الله وفيق صفا، بسبب استغلاله "الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن حزب الله"، وفق ما جاء في بيان للسفارة الأمريكية آنذاك.

وأورد البيان مثلاً على ذلك بالقول: "استفاد حزب الله من صفا لتسهيل مرور المواد، بما في ذلك المخدّرات غير المشروعة والأسلحة، عبر ميناء بيروت في لبنان".

بعد الانفجار الذي تسبّب بمقتل أكثر من 190 شخصاً، وإصابة أكثر من  6500  آخرين بجروح، تحدّث البعض عن سلاح ومواد أخرى غير قانونية يخزّنها حزب الله في المرفأ، لكنّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله نفى أيّ علاقة لحزبه بمرفأ بيروت.

ويُسمّي تقرير أعدّه جهاز أمني قبل أشهر بالاسم 5 موظفين على الأقل، في مفرزة الجمارك في قسم معاينة البضاعة، "يمنع استبدالهم"، وفق ما ورد في التقرير.

ويورد بالتفصيل تبعيتهم لمسؤولين محسوبين بدورهم على قوى سياسية (التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، حزب القوات اللبنانية).

ويفصّل التقرير كيفية تقاضيهم وغيرهم من موظفي المرفأ الرشاوى لقاء معاملات إخراج البضاعة من المرفأ.

وأضافت الوكالة: "على الرغم من أنّ مسؤولي المرفأ على اختلاف وظائفهم ومسؤولين سياسيين وقضائيين وأمنيين كانوا على علم بخطورة تخزين نترات الأمونيوم، إلا أنه لم تُتخذ أيّ تدابير لتجنب الكارثة.

وحتى وقوع الانفجار، كان لبنان يعتمد في غالبية عملياته التجارية على المرفأ، الذي يمرّ عبره أكثر من 70% من البضائع المستوردة، في بلد يعتمد أساساً على الاستيراد.

وتبلغ إيرادات إدارة المرفأ السنوية نحو 220 مليون دولار، يعود منها 60 مليون فقط إلى خزينة الدولة، وفق شمس الدين، الذي يوضح أنّ الباقي يفترض أنه يستخدم للرواتب والأجور ولتطوير المرفأ، "إلّا أننا فعلياً لا نعرف إلى أين يذهب الباقي".

أمّا فيما يتعلق بالجمارك، فيقدّر حجم التهرّب الجمركي سنوياً، وغالبيته من المرفأ، بين مليار وملياري دولار، في بلد راوح العجز في الموازنة فيه خلال العامين الماضيين بين 5 و 6 مليارات دولار.

ويبيّن التقرير الأمني أنّ موظفي المرفأ، من أصغرهم إلى أكبرهم وعناصر الأجهزة الأمنية الذين يعملون فيه أيضاً، يتلقون رشاوى تتنوّع بحسب البضائع التي يسرّعون تمريرها أو يخفّضون رسوم مرورها أو يغضّون النظر عنها.

على سبيل المثال، يتقاضى، وفق التقرير، رئيس كلّ فرقة مشرفة على المدخل الرئيسي للمرفأ 200 ألف ليرة عن السيارة المستعملة لتسهيل خروجها.

ويتقاضى آخرون في الجمارك أيضاً حصتهم على السيارة المستعملة ومهمتهم تخفيض قيمتها في عملية التقييم، وبالتالي تقليل كلفة الضريبة عليها.

أمّا ما هو أخطر من ذلك، فهو "الممنوعات"، كالسلاح والمخدرات مثلاً التي تُهرّب أحياناً داخل سيارات مستعملة، وفق التقرير.

والمفارقة هي أنّ جهاز الكشف بالأشعة السينية، "السكانر"، الوحيد في المرفأ معطّل.

ويقول مصدر في الجمارك، رفض الكشف عن اسمه لـ"فرانس برس": "السكانر متوقف عن العمل منذ أبريل 2019 بسبب عطل تقني"، مشيراً إلى أنه  "قديم جداً وكلفة تصليحه وتغيير قطعه تتخطّى قيمة سعره".

ويرى الصحافي الاستقصائي رياض قبيسي، الذي يولي منذ سنوات اهتماماً خاصاً بملف الفساد في المرفأ، أنّ "جهاز الجمارك هو الفاسد الأكبر، وأكبر عملياته تحصل في المرفأ"، مضيفاً: "كلّ ما يهمّهم هو أن يروا عملة بنجامين فرانكلين"، في إشارة إلى ورقة المئة دولار.

ويُشكك كثر في قدرة التحقيق الذي تقوم به الدولة اللبنانية على الوصول إلى الحقيقة في موضوع الانفجار، بسبب انعدام الثقة بالمؤسسات على اختلافها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية