استفاق الكينيون صبيحة الثلاثاء 15 كانون الثاني (يناير) الجاري، على أصوات مدوية لانفجار استهدف مجمع دوسيت-دي2، الذي يضم فندقاً وعدداً من المكاتب التابعة لشركات عالمية، وأعقب الانفجار إطلاق نار كثيف وحصارٍ استمر لعشرين ساعة.
أعقب الانفجار الذي استهدف أحد المجمعات في نيروبي تبادل إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن
على الفور انتشرت صور أشخاص يهرعون من طلقات الرصاص، وشوهدت ألسنة النار وسحب دخان تتصاعد من قمة المباني الواقعة في المجمع، فيما كتب أشخاص محتجزون في غرف داخل مباني المجمع على صفحاتهم في "تويتر" نداءات استغاثة.
وبحسب مراسلين ميدانيين فقد أعقب الانفجار تبادل لإطلاق نار بين المسلحين وقوات الأمن، وقال قائد شرطة نيروبي، فيليب ندولو، إنّه تم إغلاق منطقة "ريفرسايد درايف" خوفاً من وقوع جرائم سطو، فيما أعلنت الشرطة الكينية، عبر متحدثها الرسمي، أنّها أرسلت جميع فرق الشرطة إلى مكان الحادثة.
هجوم مُنسّق
أعلنت "حركة الشباب المجاهدين" التي تتخذ من الصومال مقرّاً لها تبنّيها للهجوم الذي استهدف المجمع الإداري في العاصمة، وتعيد مشاهد هذه الأحداث في حي ويستلاندز إلى أذهان الكينين الهجوم الإرهابي الدامي في العام 2013 عندما اقتحم مسلحون متشددون مركز التسوق ويستغيت ما أدى إلى مقتل 67 شخصاً على الأقل.
اقرأ أيضاً: هل يتحول الصومالي مختار روبو من إرهابي إلى لاعب سياسي؟
ومنذ أن أرسلت كينيا جيشها إلى الصومال في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2011 لمحاربة الحركة، تزايدت هجمات الحركة في الداخل الكيني، ففي 2 نيسان (أبريل) العام 2015، أدى هجوم شنته الحركة على جامعة غاريسا في شرق كينيا إلى مقتل 148 شخصاً.
على أنّ الهجوم على فندق Dusit D2 يختلف عن سابقيه بفارق التكتيك الذي ميّز هجمات حركة الشباب السابقة، بدءاً من التفجير والاقتحام المسلح عبر مشاة انتحاريين، وأخذ الناس كرهائن، فقد بدأ الهجوم بانفجار استهدف 3 سيارات خارج بنك يقع داخل المجمع، أعقبه تفجير انتحاري في ردهة الفندق أدى إلى إصابة عدد من النزلاء بجروح خطيرة، حسبما قال جوزيف بوينت، رئيس الشرطة الوطنية الكينية.
اقرأ أيضاً: خيارات الصومال لمواجهة "الشباب المجاهدين" بعد جلاء القوات الإفريقية
وتبرر حركة الشباب دوافعها وراء هجماتها هذه بتواجد القوات الكينية في الصومال، لكن لا شك أن الحركة ملتزمة أيضاً بالأسباب الأوسع للأيديولوجية الجهادية العالمية؛ حيث تتخذ من العاصمة الكينية هدف رئيسياً لنشاطها القتالي.
ومن اللافت أنّ الحركة ذكرت، في البيان الصادر عنها في اليوم التالي للهجوم، أنّها ترسل بهذا التفجير رسالة إلى الولايات المتحدة بسبب قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وذكر بيان الحركة، أنّ هجوم نيروبي كان رداً على "اضطهاد المسلمين في فلسطين"، وقد أطلقت على العملية اسم "لن يتم تهويد القدس أبداً".
وتعد نيروبي مركزاً اقتصادياً لمنطقة شرق إفريقيا، ويتواجد فيها عدد كبير من الشركات الغربية والدبلوماسيين، كما يأتي إليها عددٌ كبير من سُياح قادمين من الدول الغربية، فضلاً على أنها تعد شريكاً أمنياً مقرباً من الولايات المتحدة ومن الدول الغربية الأخرى.
انتقادات للتغطية الإعلامية
وبالنظر إلى خبرة كينيا الطويلة في هذا النوع من الهجمات، وخاصة منذ العام 2011، ينتقد بعض الكينيين التكتم الحكومي حول خسائر أعمال العنف التي ترتكبها الحركة في بلدهم؛ حيث كتب الصحافي الكيني "غاثارا" في مدونته الخاصة تدوينة قصيرة تحت عنوان "كيف نتحدث عن الأعمال الإرهابية؟"، انتقد فيها سجل الدولة المتسم بـ "الكذب" و"التشويش" أثناء وبعد الهجمات الإرهابية، حسب تعبيره. حيث قال: "بدلاً من جعل الناس على اطلاع بالوضع، تهدف الحكومة في الأساس صرفهم على أي نقد أو نداءات بالمساءلة حول التقصير الأمني".
ويأتي الهجوم الأخير في الذكرى الثالثة لاقتحام معسكر تديره الوحدة الكينية التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال الذي قتل خلاله ما لا يقل عن 173 من القوات الكينية. ويلاحظ غاثارا أنه "تبين أن كل ما قاله المسؤولون الحكوميون حول الهجمات السابقة، مثل هجوم "ويستغيت" تقريباً غير صحيح، مضيفاً: "مرة أخرى، تبين أن حديث الحكومة حول الحقائق المحيطة بالهجوم كان إلى حد كبير عملاً تضليلياً، وحتى الآن، ترفض الحكومة الإفصاح عن العدد الدقيق للإصابات والقتلى".
منذ أن أرسلت كينيا جيشها إلى الصومال في العام 2011 تزايدت هجمات الحركة في الداخل الكيني
ويخلص الصحفي الكيني إلى القول: "من الواضح أنّه لا يمكن الوثوق بالحكومة في تقديم معلومات دقيقة عن الهجمات الإرهابية. في حين أنه صحيح أيضاً أن الانتشار التام للمعلومات بين المواطنين، لا سيما من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، يمكن أن يضر بسلاسة العمليات الأمنية، لكن عندما تدعو الحكومة المواطنين إلى عدم المشاركة بالمعلومات، فمن الصعب ألا نفكر في أكاذيبها الماضية وأن نتساءل عما تحاول إخفاءه في هذا الوقت"!
وفي سياق متصل، انتقد ناشطون تغطية قناة "الجزيرة" القطرية للحادث الإرهابي؛ حيث أشارت إلى منفذي الهجوم بأنهم حركة صومالية مسلحة دون توصيفها بأنّها إرهابية، وبحسب المنتقدين، فإنّ هذا "ينخرط ضمن خط القناة الذي يظهر حماساً في تبيض وجه الحركة".
اقرأ أيضاً: نيجيريا تخفق في هزيمة بوكو حرام .. وهذه هي الأسباب
وانتقد الكاتب عبدالعزيز مهدي، عبر حسابه في تويتر، صحفي قناة "الجزيرة" حمزة محمود، الذي أنتج سابقاً مقابلة ترويجية للحركة بثته القناة القطرية؛ حيث قال في تغريدته: "إنّ الحركة جماعة إرهابية، تجتذب مقاتلين أجانب من كل العالم، وليست حركة صومالية مسلحة فحسب".
كما كتب الصحفي الصومالي جبريل الكتبيي، عبر حسابه في الفيسبوك، أنه "لا يمكن وصف حركة الشباب بأنّها جماعة صومالية مسلحة دون الإشارة إلى فكرها الإرهابي، وتساءل عن معايير القناة حول مسمى الإرهاب اذا لم تكن حركة الشباب حركة إرهابية؟".
تجاوزات تغذي أعمال العنف
بالتوازي مع وقوع أحداث الهجوم في نيروبي، كانت تقوم قوات كينية بتفجير مقر لشركة هرمود للاتصالات في قرية "علي بولي" الواقعة على بعد 30 من مدينة دوبلي في إقليم جوبا السفلى جنوبي الصومال.
وأشارت التقارير إلى أنّ القوات الكينية التي دمرت المقر عبرت الحد الفاصل بين الصومال وكينيا وقامت أيضا بتعذيب أحد موظفي الشركة وآخرين من السكان، وفقاً لما نشرته الشركة عبر حسابها الرسمي على تويتر.
وتسبب الحادث في انقطاع الاتصالات عن مناطق في إقليم جوبا السفلى مما يمس حياة الناس حيث إن هرمود إلى جانب خدمات الاتصالات تقدم للسكان خدمة التحويل المالي عبر الهاتف.
يأتي الهجوم الأخير في الذكرى الثالثة لاقتحام معسكر تديره الوحدة الكينية التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال
وكانت قوات كينية استهدفت العام الماضي مقرات تابعة لشركة هرمود في المناطق الصومالية المتاخمة للحدود الكينية وقامت بتدميرها لأسباب غير معروفة حتى الآن، كما أنّ الحكومة الصومالية وولاية جوبالاند لم تعلقا على المشاكل التي تواجه الشركة من القوات الكينية.
إعلان انتهاء الحادثة.. ماذا بعد؟
ظهر الرئيس الكيني، اوهورو كينياتا، في اليوم التالي للتفجير في خطاب تلفزيوني وطني، وأعلن عن مقتل 14 مدنياً في هجوم نيروبي، وأن جميع المسلحين الذين شنوا الهجوم في المجمع قد قُتلوا، وأنّ أزمة الرهائن التى استمرت 20 ساعة قد انتهت.
وأعلن الرئيس أنه تم إجلاء أكثر من 700 مدني من المجمع مضيفاً: "لقد انتهت عملية العملية الأمنية في مجمع دوسيت وتم القضاء على جميع الإرهابيين".
اقرأ أيضاً: الاستبداد يحول الإقليم الصومالي الإثيوبي إلى سجن
ومن الواضح أنّ انتهاء هذه الحادثة الإرهابية لا يعني انتهاء مخاطر الإرهاب في كينيا، فلديها مسوغات أمنية وسياسية أعمق. وبحسب رشيد عبدي، وهو خبير متابع لنشاط الحركة ويشغل منصب منسق إفريقيا لدى مجموعة الأزمات الدولية في نيروبي، وفق ما قال في تقرير لصحيفة "الغارديان"، فإنّ حدوث عمل إرهابي آخر من حركة الشباب تبقى مسألة وقت، وبالرغم من النجاح الملحوظ الذي حقّق ضد الحركة في الشمال الكيني، فإنّ الحركة تأخذ فترات الهدوء الأمني كفرصة لتخطيط أعمال إرهابية أخرى، وما أن تمر أشهر أو أعوام حتى تعود لتضرب من جديد.
وقد ازدادت في الآونة الأخيرة، هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية على أهداف في الحركة، حيث تم قتل العديد من قيادتها البارزين، لكن بحسب أبوبكر عرمان؛ المبعوث الصومالى السابق لدى الولايات المتحدة، فإنّ المجتمع الدولي لم يتخذ بعد إجراءات مهمة لإعادة بناء القوة الوطنية الصومالية.
اقرأ أيضاً: لماذا تخرق إيران حظر السلاح وتدعم الإرهابيين في الصومال؟
ويقول عرمان، في مقابلة مع إذاعة "صوت أمريكا": "للأسف، ينفق المجتمع الدولي مليار دولار سنوياً، وتهدر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" مئات الملايين من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على هجمات الطائرات بدون طيار في الصومال، والتي لا تخلق سوى مزيد من الأعداء".
وأضاف عرمان أنّ زيادة الهجمات بطائرات بدون طيار وعدم وجود جهاز أمن قومي فعال "يزيد من عدم الاستقرار ويقوي تجنيد الشباب ويدعم جهود الحركة لنشر المشاعر المعادية للغرب".