مَن خوّل أردوغان للتحدث نيابة عن المسلمين؟

مَن خوّل أردوغان للتحدث نيابة عن المسلمين؟


كاتب ومترجم جزائري
12/11/2020

ترجمة: مدني قصري

في الأسابيع الماضية، قضت فرنسا بأنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شكّك علانية في "سلامة عقل" الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وبأنّه انتقد المحنة التي يتعرّض لها المسلمون المقيمون في فرنسا، وكان أردوغان قد دعا الرئيس الفرنسي لأن يعالج نفسه، بسبب موقفه من المسلمين في فرنسا.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، غيرُ مخوّل للتحدّث نيابة عن المسلمين، خاصّة في الجدل الكبير الدائر حالياً في فرنسا بشأن الإسلام والهجمات الإرهابية الإسلامية.

السلطان أردوغان يصنع شعبيته من خلال دعم السكان الذين يتنمّر عليهم قادتهم، لكنّ المستفيد الأكبر من دعم أردوغان هم في الواقع المتطرفون وتجار الدم

 هذه هي الكلمات التي أطلقها العديد من المُعلقين والمحللين المسلمين، علانية، ضدّ أردوغان منذ أن بدأ يلعب دور المدافع عن الإسلام والمسلمين، خاصّة في فرنسا.

وفق محللين سياسيين ومراقبين مسلمين عديدين؛ يحاول أردوغان أن يستثمر لصالحه الحملة المناهضة لفرنسا، التي تدور رحاها حالياً في العالم الإسلامي.

حكمت فرنسا، الأسبوع الماضي، أنّه من غير المقبول أن يشكّك أردوغان في الصحّة العقليّة للرئيس، إيمانويل ماكرون، وأن ينتقد محنة المسلمين في فرنسا، وكان أردوغان قد نصح الرئيس الفرنسي بـ "الخضوع لفحوصات طبيّة"؛ بسبب موقفه من المسلمين في فرنسا، وسأل أردوغان، في كلمة ألقاها أمام أعضاء تشكيله السياسي، حزب العدالة والتنمية: "ماذا عن رئيس دولة لا يؤمن بحرّية العبادة، بالتالي؛ يتصرّف ضدّ ملايين الأشخاص من مختلف الأديان الذين يعيشون في بلاده؟"، كما دعا أردوغان إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية التي تباع في الدول الإسلامية.

انتقادات أردوغان

استهدفت انتقادات أردوغان وعود ماكرون بقمع الإسلام المتطرف، بعد أن قطع إرهابيٌّ مسلم رأسَ صمويل باتي، أستاذ التاريخ، في 16 تشرين الأول (أكتوبر). كان الأستاذ باتي قد استخدم، خلال دورة تدريبية حول حرية التعبير، رسوماً كاريكاتورية لنبي الإسلام محمد، نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، قبل اغتيال باتي بفترة طويلة، دافع ماكرون عن حقّه في رسم صورة كاريكاتورية للنبي محمد، وفي أيلول (سبتمبر)، كان ماكرون قد وصف الإسلامَ بأنّه دين يعيش "في أزمة"، وأعلن أنّه سيقدّم مشروع قانون ضدّ الانفصاليات، خاصّة الدينية.

اقرأ أيضاً: لماذا أعلن صهر أردوغان استقالته عبر إنستغرام؟.. نائب يوضح

ينظر العديد من المسلمين إلى هجمات أردوغان على فرنسا على أنّها محاولة لدرء انتقادات العالم الإسلامي ضدّه.

 إنّ تدخّل تركيا في شؤون عدة دول عربية هو في الواقع غير مقبول بشكل متزايد، لقد دعا ناشطون سعوديون إلى مقاطعة المنتجات التركية، احتجاجاً على اعتداءات أردوغان المتكررة على حكامهم والدول العربية.

اقرأ أيضاً: أردوغان يُغري المستثمرين بالأوهام

يعتقد مسلمون آخرون؛ أنّه من خلال وضع نفسه كمدافع عن الإسلام، يروّج أردوغان لنفسه كسلطان جديد للإمبراطورية العثمانية والزعيم العظيم للعالم الإسلامي.

قال خبراء عرب لصحيفة "العين" الخليجية: "حتى يصرف الانتباه عن مقاطعة العرب للمنتجات التركية، يقود أردوغان الحملة ضدّ فرنسا".

تصريحات خالية من أيّ مغزى دينيّ عميق

تصريحات أردوغان، ودفاعه عن الإسلام، خالية من أيّ مغزى دينيّ عميق. قبل كلّ شيء يسعى الرئيس التركيّ لاحتواء غضب الشارع العربيّ، وإنقاذ اقتصاد بلاده الذي تعاقبه مقاطعة المنتجات التركية".

الكاتب الإماراتي محمد خلفان الصوافي: أتفق مع الكثير من العرب والمسلمين الذين يرون أنّ أردوغان انتهازيّ ويصفونه بالمتلاعب الذي يدّعي الدفاع عن المسلمين والنبي محمد

مقاطعة المنتجات التركيّة كانت بأمرٍ من قادة الأعمال والمؤسسات العرب، وغيرهم من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين؛ فالأمر بالنسبة إليهم يتعلّق بالاحتجاج على "سياسات أردوغان العدائية"؛ ردّ الفعل هذا دفع صحيفة "العين" الخليجية، إلى إعطاء الكلمة للمحلّل السياسيّ المصريّ، طارق فهمي، حيث قال:

إنّ "الخطب التي يُلقيها أردوغان في الدفاع عن الإسلام مرفوضة، وقد فهم الجميع أنّه كان يستغلّ الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية، يسعى أردوغان إلى ترسيخ مكانته كزعيم مسلم في الرأي العام العربيّ والإسلاميّ، إنّه يحاول ركوب الموجة الحاليّة، وتحويلها إلى سلاح ضدّ أوروبا وفرنسا".

وسخر الصحفي اللبناني، جوزيف أبو فاضل، من دعوة أردوغان لحماية المسلمين في فرنسا: "هكذا يدعو أردوغان لحماية المسلمين في فرنسا! خيرٌ للحالم العثماني العظيم أن يسائل نفسه حول المسلمين الذين ذبَحهم أصدقاؤه من الإخوان، وجِهاديّوه في سوريا والعراق وليبيا وتركيا".

اقرأ أيضاً: لماذا شبّه أردوغان خطاب ماكرون بالمحرقة اليهودية؟

كما يشكّك وليد عباس، المحلّل السياسي المصريّ، أيضاً، في دوافع أردوغان، حيث قال: "أشكّ في أن يكون هدف حملة الرئيس التركي ضدّ فرنسا ورئيسها، إيمانويل ماكرون، في الحقيقة، دفاعاً عن الإسلام أو المسلمين".

ماذا فعل أردوغان بالمسلمين الإيغور؟

خير دليل على أنّ أردوغان لا يدافع عن المسلمين؛ أنّه لم يدافع عن الإيغور المضطهدين في الصين؛ بل اعتقل أحد قادة حركة اللاجئين في تركيا، وكان، في عام 2019، رحّل مئات اللاجئين الإيغور إلى الصين".

وبحسب وليد عباس؛ فإنّ أردوغان قلق أيضاً من تراجع شعبيته في تركيا:

"للتعامل مع الصعوبات الداخلية واستعادة شعبيّته؛ لجأ الرئيس التركي إلى تغيير إستراتيجيته؛ فهو يثير الصراعات الدولية، من أجل الظهور كزعيم إقليمي. وقد عارضت باريس باستمرار محاولات أردوغان، ووقفت ضدّه منذ اليوم الأول".

وأضاف: "الهدف الأساسي الذي يسعى إليه أردوغان هو إشعال القضية القومية والدينية على الصعيد المحلّي، لإجبار الشعب التركيّ على الالتفاف خلف زعيمه، الذي يرى نفسه مضطراً لخوض معارك ضارية ضدّ بقية العالم، تحت راية الإسلام".

اقرأ أيضاً: من سوريا إلى ناغورنو كاراباخ: هكذا استعمل أردوغان المرتزقة

وبخصوص الأزمة بين فرنسا وتركيا؛ أعلن الكاتب التونسي، الحبيب الأسود؛ أنّ "الإسلام السياسيّ يسعى بكلّ الوسائل المتاحة لإعطاء بُعدٍ ديني للحروب والصراعات، وأقرب هذه الحروب عهداً الحرب ضدّ فرنسا"، وأضاف الأسود؛ أنّ "أردوغان يحاول إظهار قوته وتأثيره في الدول الإسلامية والعربية".

قطع رأس أستاذ التاريخ

إنّ قطع رأس أستاذ التاريخ الفرنسي دليل على التهديد الحقيقي الذي يشكّله الإسلام السياسي اليوم على السلام العالمي، لا شيء يجسّد هذا التهديد أفضل من توسّع أردوغان، الذي لا يستهدف المجتمعات الإسلامية فحسب؛ بل المجتمعات التي تعيش فيها مجتمعات إسلامية كبيرة

 عندما صنع الرئيس التركي من فرنسا، ومن الرئيس ماكرون، هدفاً، فهو لا يحفل لا بالدين ولا بالنبي محمد؛ فلا يوجد في حساباته سوى كفاحه الجيوسياسي ضدّ فرنسا في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، وفي ليبيا، وبصورة أعمّ في شمال أفريقيا والصحراء، أردوغان مقتنع بأنّ ماكرون هو حليف الدول التي تعدّها أنقرة عدوّة لها".

وفي رأي مصطفى بكري، الإعلامي المصري؛ فإنّ أردوغان يتصفّح الأزمات، ولا يمكنه أن يكون مخلصاً في دفاعه عن الإسلام، وأضاف: "أردوغان ليس رجلاً نزيهاً".

وقال بكري: "استغلّ أردوغان الوضع في فرنسا ليلعب دور المدافع عن الإسلام، لكن عن أيّ إسلام يتحدّث؟ ارتكب أردوغان جرائم في ليبيا وسوريا وجميع الدول العربية، وهو الذي يسيء إلى الإسلام".

صرّح الكاتب الإماراتي، محمد خلفان الصوافي؛ بأنّه يتفق مع الكثير من العرب والمسلمين الذين يرون أنّ أردوغان انتهازيّ ويصفونه بالمتلاعب بالإسلام لغايات سياسية:

"يسعى بعض السياسيين الشعبويين إلى فرض أنفسهم من خلال خطاب متطرف قويّ، يدّعي أردوغان الدفاع عن المسلمين والنبي محمد، لكن هذا موقف غير صادق، وهو في وضع جيّد يسمح له بقياس المخاطر التي يهدّد بها الجاليات المسلمة التي تعيش في المجتمعات الغربية".

اقرأ أيضاً: حكومة أردوغان مصابة بجنون الشك منذ أربع سنوات على الانقلاب

أعرب الصوافي عن قلقه من أن تؤدّي تصريحات أردوغان إلى دفع فرنسا ودول غربية أخرى إلى قمع الجاليات المسلمة، بدءاً بحلّ الجمعيات الخيريّة الإسلاميّة، وحظر جميع أشكال التعبير السياسيّ.

وبالنسبة إلى الصحفي السوري، بهاء العوام، يرغب أردوغان في الترويج لـ "نهضة" أو "ثورة" داخل الإسلام، ليصبح هو زعيمها، وليحقّق سيطرة أفضل على العرب والمسلمين، يقول العوام: "العالم العربي لا يحتاج إلى" نهضة "، أو إلى " ثورة إسلامية"، ويضيف: "أردوغان يسعى حالياً للسيطرة على ليبيا وقطر وسوريا والعراق".

السلطان أردوغان وتجار الدم

"السلطان أردوغان يصنع شعبيته من خلال دعم السكان الذين يتنمّر عليهم قادتهم، لكنّ المستفيد الأكبر من دعم أردوغان هم في الواقع المتطرفون وتجار الدم، دعونا لا ننسى أنّ "السلطان" يضطهد الأتراك أيضاً، كلّما أتيحت له الفرصة، والدليل على ذلك؛ سجن عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين، اللعبة التي يلعبها أردوغان تسمَّى الانتهازية، إن أردوغان لا يمنّي نفسه بشيء أفضل من حرب عالمية بعد الأزمة التي أثارها موت الأستاذ الفرنسي، فالحروب تمثّل خلاصَ أردوغان الوحيد من تراكم إخفاقاته الكثيرة، لكن، لسوء حظه، لن يحدث ذلك وسيفشل أردوغان في النهاية".

من خلال ردود أفعالهم؛ يُظهر العديد من العرب والمسلمين أنّ أردوغان يهدّد الإسلام بشكل أكثر خطورة من ماكرون، أو غيره في الغرب، لكن نادراً ما يتمّ الاستشهاد بمنتقدي أردوغان في وسائل الإعلام واسعة الانتشار.

ومن المفارقات؛ أنّ أردوغان، الذي يدعو إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، قد قاطعه عدد متزايد من العرب والمسلمين، وبما أنّ أردوغان يتّهم الغربيين بـ "إهانة" الإسلام، فإنّ المسلمين يتهمونه بقتل المسلمين واحتلال أراضيهم.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://fr.gatestoneinstitute.org/16730/ennemi-de-islam



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية