مواقف إيران من الحرب في غزة: حسابات الربح والخسارة

مواقف إيران من الحرب في غزة: حسابات الربح والخسارة

مواقف إيران من الحرب في غزة: حسابات الربح والخسارة


22/10/2023

ما يزال الصراع بين حركة حماس في غزة وإسرائيل يكشف عن احتمالات تصعيد متباينة، بينما تمتد هذه الاحتمالات إلى مدى انخراط جبهات أخرى بما يؤدي إلى حرب إقليمية، لا سيما حزب الله في لبنان.

ورغم وجود مؤشرات عديدة (غير مثبتة بالدليل القاطع) على ضلوع إيران في الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل إلا أنّ القرار الإيراني حتى اللحظة يتفادى التصعيد. بالتالي، فإنّ الموقف الإيراني، الذي يبدو ظاهرياً متناقضاً بين الاتجاه إلى التصعيد أو الوقوف عند حد التوتير، يحتاج إلى فهم حسابات المكسب والخسارة والاستراتيجية التي تتحكم في إدارة الأزمة.

توازن هش

حذرت إيران من "عواقب واسعة النطاق" في حال لم توقف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، وفق البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة. فيما قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة: "إذا لم تتوقف جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على الفور، فقد يخرج الوضع عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى عواقب واسعة النطاق".

قد يكون "حزب الله" راضياً عن المكاسب السياسية الحالية التي حققها من الصراع، لكن لا يزال يتعين على واشنطن أن تحاول تغيير حساباتها بالنظر إلى المخاطر الجسيمة المتمثلة في نشوب حرب أوسع نطاقاً، حسبما يوضح معهد واشنطن. فمنذ اندلاع الحرب في غزة، يحاول الحزب اللبناني المدعوم من إيران تحقيق توازن هشّ بين الردود المحدودة والانخراط الكامل، ويبدو أنّه يزداد جرأة ومخاطرة يوماً بعد يوم، في إشارة إلى استعداده للحرب دون انتهاك القواعد الضمنية التي وضعها الحزب مع إسرائيل بعد حرب لبنان عام 2006. ومع ذلك، فإنّ هذا التوازن المحفوف بالمخاطر قد ينهار في أي وقت، سواء بسبب سوء التقدير أو اتخاذ قرار متعمد بتغيير الاستراتيجيات.

حذرت إيران من "عواقب واسعة النطاق" في حال لم توقف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة

وحتى الآن، انخرط "حزب الله" في عدة اشتباكات على طول الحدود مع إسرائيل، إما بشكل مباشر أو عبر خلايا تابعة لـ "كتائب عز الدين القسام"، وفق المعهد الأمريكي، وقد "دُرس نطاق هذه الاشتباكات بعناية لحصره ضمن حدود معينة مع الاستمرار في إبقاء إسرائيل مهددة بخطر التصعيد على جبهات متعددة. وبالفعل، لم ينضم "حزب الله" بعد إلى الحرب من منظور لوجستي، فقد امتنعت وحداته عن إطلاق الصواريخ على البنية الأساسية الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين، ولم تتسلل قواته الخاصة إلى إسرائيل، ولا تزال مجموعة أهدافه مقتصرة على العناصر العسكرية في الشمال. ولكنه يحرص في الوقت نفسه، على الحفاظ على مستوى تهديد مرتفع من خلال إجراء نوع من العمليات الهامة كل يوم منذ هجوم حماس".

الموقف الإيراني الذي يبدو ظاهرياً متناقضاً بين الاتجاه إلى التصعيد أو الوقوف عند حد التوتير يحتاج إلى فهم حسابات المكسب والخسارة

ويردف: "يبدو الهدف من الاستراتيجية الحالية لـ "حزب الله" واضحاً، وهو قطف ثمار الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل من دون خسارة الوجود العسكري الذي نجح في بنائه بشكل مطرد في لبنان منذ عام 2006. رغم اعتقاد الحزب بأن فتح جبهة أخرى يمكن أن يربك إسرائيل لبعض الوقت وفقاً لاستراتيجية "الجبهة الموحدة" التي صممها "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، إلا أنّ الحزب يدرك أيضاً على ما يبدو أنّ هذا النهج لن ينجح في هزيمة إسرائيل على المدى الطويل، وعلى الأرجح سينتهي ذلك بتدمير ترسانة "حزب الله" وإضعاف قواته. ومن شأن اندلاع حرب واسعة النطاق لا يتضح فيها من المنتصر ومن المهزوم أن تضعف قدرات الحزب المالية لإعادة تجهيز جيشه أو إقناع جمهوره الأساسي في لبنان بسردية "النصر"؛ وقد لا تتمكن قيادة الحزب حتى من إعادة بناء معاقلها في بيروت وجنوب البلاد".

الدور المستقبلي لـإيران

وكشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن مواقف مماثلة قائلاً إنّ "حزب الله أعد عدة سيناريوهات تصعيدية من شأنها إحداث زلزال في إسرائيل.. سيغير ذلك خريطة الأراضي المحتلة". والتقى وزير الخارجية الإيراني في بيروت مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تور فانسلاند. وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ومسؤولين آخرين في الحكومة الإسرائيلية رسالة عبداللهيان أن إيران سترد.

وقال عبد اللهيان إنّ "مسؤولية احتمال فتح جبهات جديدة" في المنطقة و"أي تصعيد لحرب اليوم" تقع مباشرة على عاتق الولايات المتحدة وإسرائيل.

إلى ذلك، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ "الفصائل الفلسطينية تتخذ قراراتها بنفسها". وحث رئيسي فرنسا على المساعدة في "منع قمع" الفلسطينيين، وقال إنّ الوضع سيصبح أكثر تعقيداً إذا لم توقف إسرائيل "جرائمها".

في حديثه لـ"حفريات" يقول المحلل السياسي الفلسطيني والقيادي بحركة فتح، المستشار زيد الأيوبي، إنّ النظام الإيراني يسعى إلى "توتير أجواء المنطقة" من أجل تحقيق مكاسب استرايتيجية بحيث يضمن "الدور المستقبلي" في عدة ملفات إقليمية. وهذا النظام هو الذي يوفر سائر الدعم لحركة حماس على مستوى تدريب المقاتلين والتمويل وتغطية جميع النفقات، فضلاً عن المعلومات الاستخبارية واللوجيستية. بالتالي، فإنّ الحركة أو بالأحرى جناحها المسلح يرتهن للقرار الإيراني. كما لن تكون هناك تحركات "بمنأى عن إرادة ملالي طهران".

المحلل السياسي الفلسطيني زيد الأيوبي: إيران تسعى لتوتير المنطقة

ويؤكد الأيوبي أنّ القضية الفلسطينية بالمعنى الذي نفهمه خارج مفاهيم وتقديرات المنخرطين في الصراع حالياً، موضحاً أنّ "أحداً من الذين خططوا ونفذوا العملية لم يضع في حساباته موقع المدنيين من هذا الصراع وتداعيات ذلك عليهم والمعاناة الإنسانية تحت وطأة الصراع والانتقام الجماعي الإسرائيلي".

ويقول الأيوبي إن هناك عدة تصريحات "متضاربة" من إيران بشأن توسع الحرب وفتح جبهات مختلفة في حال تجاوز "الخطوط الحمراء" ويتابع: "نحن لا ندري ما هي تلك الخطوط الملونة عند الإيرانيين إذا لم تكن من ضمنها دماء الفلسطينيين التي تسيل الآن وتغرق الشوارع". ويردف: "مندوب إيران في الامم المتحدة قال إنّ طهران لن تتدخل إذا لم تقم إسرائيل بالاعتداء على الأراضي الإيرانية. وهذا يعني أنّ وكلاء طهران لن ينفذوا خطط توسيع الحرب إلا في حال تهديد مصالح طهران السياسية والوجودية والميدانية. المثير للاستغراب أنّ أمير عبد اللهيان يتحدث وكأنما هو الناطق بلسان حماس، الأمر الذي يؤشر لغياب استقلالية الحركة الفلسطينية وباقي فصائل "المقاومة"".

المحلل السياسي الفلسطيني زيد الأيوبي لـ"حفريات": محور إيران ينظر إلى حماس نظرة "لعبة الدومينو"؛ فإذا سقطت حماس، ستكون بداية سقوط محور الملالي

يردف المحلل الفلسطيني: لا أدري طبيعة السيناريوهات المقبلة، وكل شي، على ما يبدو، يبقى رهن التطورات الميدانية، مرجحاً أنّ حزب الله في الجبهة الشمالية يقوم بتشتيت الإسرائيليين وتوجيه ضربات محدودة، الأمر الذي تقابله إسرائيل بالدرجة نفسها. فكل طرف يذهب لعدم التصعيد. ويشير إلى أنّ المكونات السياسية اللبنانية فضلاً عن الوضع الاقتصادي بالبلاد والضغوط الداخلية على الحزب تجعل حزب الله يتفادى الانخراط في الحرب.

ويختتم حديثه قائلاً إنّ محور إيران ينظر إلى حماس نظرة "لعبة الدومينو"؛ حيث إنّه إذا سقطت حماس، ستكون بداية سقوط محور الملالي. بالتالي هذا يشكل ضغط له علاقة بالمصالح الاستراتيجية في المنطقة لطهران. والثابت أنّ نظام إيران يمتلك "أوراق تتحكم في المشهد السياسي بفلسطين. لكن قطاعات واسعة في فلسطين تهاجم إيران وترى أنّها مسؤولة عن الانقسام الآن وتهميش أو الانقلاب على السلطة الفلسطينية الشرعية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية