من يقف وراء أسطورة "غزو المسلمين لأوروبا"؟

من يقف وراء أسطورة "غزو المسلمين لأوروبا"؟


02/09/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


في تمّوز (يوليو) 2011؛ هزّت سيارة فخّخها إرهابيون عاصمة أوروبية هادئة، وتَبِع ذلك تقارير مُرتَبِكة تُشير إلى سقوط العديد من القتلى، وعندما ظهرت الأخبار الأولية بشأن ما حصل من قَتْل، تبلور ردّ فعل مجموعة صغيرة من المعلّقين على الإنترنت فوراً، رغم أنّ وسائل الإعلام رفضت بحذرٍ تحديد هوية المهاجمين، لقد عَرفت هذه المجموعة الصّغيرة على الفور ما حدث، ومَن ينبغي أن يُلقى عليه الّلوم.

اقرأ أيضاً: "الإسلاموفوبيا".. هل هي إعادة إنتاج للمظلومية؟
"ما جرى كان حتمياً"؛ أوضح أحد المعلّقين المجهولين، وكانت هذه مجرّد بداية: "إنّها مسألة وقت فحسب، قبل أن تتذوّق الدّول الأوروبية الأخرى نتيجة تسامحها وسياساتها التي تتقبل تعدّد الثّقافات، والتي كانت تطبخها منذ عقود".
"ثمّة حشرات طفيلية سامّة قامت بغزو أوروبا"، أوضح آخر؛ "أي شيء وكلّ شيء على ما يرام، طالما أنّهم يغتصبون السكان الأصليين ويدمّرون البلد، وهو ما يفعلونه"، قال ثالث.
وكلّما ازدادت الأخبار سوءاً، أصبحت المجموعة أكثر فرحاً وثِقَة، وتَبعت الحديث عن السيارة المفخّخة تقارير عن عمليات إطلاق نار جماعي في مخيم قريب للمراهقين؛ بل إنّ أحد المعلّقين "كاد يبكي من السعادة" ليُثبِت صحّة رأيه بشأن "مخاطر الإسلام".

اقرأ أيضاً: مخاوف في ألمانيا من اختراق اليمين المتشدد لأجهزة الاستخبارات قبيل الانتخابات
"المذبحة التي وقعت في مخيم الأطفال"، أشار آخر، "تُعدّ تَذكِرة مقيتة لمدى ما عليه الإسلام..".
بعد ساعتين من التّقارير الأولية بشأن الانفجار، الذي وقع في وسط أوسلو، ظهرت بِضعة شكوك من شأنها أن تُلقي بغمامة على الصّورة: "بما أنّ من استهدفهم إطلاق النّار كانوا جميعاً من اليساريين، الصّغار والطّيبين، أليس من الوارد أن يكون مُطلِق النّار متطرّفاً يمينياً، أياً كانت دوافعه الفعلية؟" سأل أحدهم.

 الانفجار الذي وقع في وسط أوسلو عام 2011
وعندما ظهرت معلومات تُشير إلى أنّ المهاجم قد يكون "شابّاً إسكندنافياً طويل القامة"، أدرك واحد من المعلّقين، أطلق على نفسه اسم "فيوردمان"، الطّبيعة الحقيقية للكارثة: "انطلاقاً من بعض المعلومات الحديثة، يجب التعاطي بجدية مع إمكانية أن يكون مُطلق النّار شخصاً من نوعية تيموثي مكفي (الإرهابي الأمريكي الذي ارتكب تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995)، وليس مسلماً.
إنّ الوقت مبكّر جدّاً للبتّ في الأمر، إذا كان هذا هو الحال بالفعل؛ فإنّ ذلك سيدمّر بلدي عملياً، ويجعل ظروف العمل لأشخاص مثلي صعبة للغاية لفترة طويلة قادمة، إنّني أخشى ذلك".

اقرأ أيضاً: تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين
وقد تبين أنّ الحقيقة أسوأ ممّا كان يخشاه فيوردمان؛ فالمذبحة التي وقعت في أوسلو لم يرتكبها مسلمون، لقد قام بذلك مواطن أبيض من دعاة التفوق العرقي، يُدعى أندرس بهرنغ بريفيك، فجّر قنبلة في أوسلو، وقتل ثمانية أشخاص، ثمّ قتل رمياً بالرصاص 69 آخرين، كثيرون منهم في عمر المراهقة، في مخيم للشّباب يديره حزب العمال النرويجي، ووفق البيان الذي نشره على الإنترنت، فقد استلهم بريفيك أفكاره مباشرة من "بوّابات فيينا Gates of Vienna"، وهي المدوّنة التي ظهرت فيها كلّ هذه التّعليقات، في يوم المذبحة التي ارتكبها، وقد نعت بريفيك الأيديولوجيا التي برّرت جرائم القتل التي اقترفها بـ "مدرسة فيينا"، على اسم المدونة.

اقرأ أيضاً: واشنطن: هجوم نيوزيلندا الإرهابي يثير نقاشاً حول الكراهية والإسلاموفوبيا في خطاب ترامب
يعيش فيوردمان، واسمه الحقيقي، بيدير أرنستفولد جينسين، في غموض، في إحدى مناطق النرويج النائية، وكان قد كشف عن كونه الرّجل الذي يكتب تحت اسم مستعار لأحد التابلويدات النرويجية، خلال الأسابيع التي تلت المذبحة، لكنّه نجح في تجنّب الشّهادة في محاكمة بريفيك، وذلك بفضل تدخّل محامين رفيعي المستوى، دفع لهم "منتدى الشّرق الأوسط"، وهو عبارة عن مجموعة أمريكية يمينية من شأنها أن ترعى لاحقاً تومي روبنسون، واسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي لينون، في بريطانيا، ومع ذلك؛ كان تأثير جينسين على بريفيك، وإن كان غير مباشر، كبيراً.
استعار بريفيك جزءاً من عنوان المانيفستو الذي كتبه "إعلان الاستقلال الأوروبي"، من أحد منشورات مدوّنة فيوردمان، والكثير من فصول البيان ليست أكثر من إعادة نسخ لمنشورات فيوردمان على مختلف المدونات، لا سيما "بوابات فيينا"، وأيضاً تلك التي نشرها على موقع يميني على عداء مع الاتحاد الأوروبي، يدعى "مجلة بروكسل".

اقرأ أيضاً: من يخشى اليمين الأوروبي الجديد؟
كانت "بوابات فيينا"، وما تزال، تُدار من قِبل إدوارد "نيد" ماي، وهو مبرمج كمبيوتر أمريكي يتّخذ من واشنطن العاصمة مقراً له، وكانت الأولى ضمن موجة من المدوّنات التي حثّت الولايات المتّحدة على الحرب، بعد صدمة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وبالتّأكيد كانت الأكثر معاداةً للإسلام، وتأخذ المدوّنة اسمها من حصار فيينا، عام 1683، عندما هُزِم الجيش التركي العثماني على يد الجيش البولندي، وأطروحتها الأساسية تقول: إنّ هذه معركة واحدة فقط ضمن حرب طويلة، وأوروبا وحضارتها مهدَّدتان باستمرار بغزوٍ إسلامي.

 تيموثي مكفي الإرهابي الأمريكي الذي ارتكب تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995
في هذه المنتديات المتنوعة على الإنترنت، كانت السردية دائماً هي نفسها: هناك عُصبة ليبرالية تتآمر مع قوى إسلامية معادية لتسليم الأشخاص العاملين المحترمين إلى الإسلام، كانت هذه هي الأسطورة المثيرة للمدوّنين، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "الجهاد المضادّ"، والذين تجمعوا في "بوابات فيينا" وغيرها من المواقع المتشابهة في التفكير، وألهموا كلاً من عنف بريفيك ورسالة الأحزاب اليمينية المتطرفة العنصرية، التي حوّلت السياسة الأوروبية في العقد الماضي.
لكنّ كلّ نظريات المؤامرة الّلاحقة هذه استُلهِمت من أسطورةٍ مؤسسةٍ للإسلاموفوبيا المعاصرة: مؤامرة مُخترعَة، عُرِفَت باسم "عروبا" (Eurabia) (بحرف العين؛ أي أوروبا، وقد غزاها العرب)، لتدمير الحضارة الأوروبية، هذا هو المبدأ الذي روّج له جينسين، وعمل بموجبه بريفيك، وهو أساس خفي للحركة التي غيرت العالم.

اقرأ أيضاً: هل تتغذى الإسلاموفوبيا في كندا على الممارسات الغريبة لبعض المسلمين؟
فيما كانت ذات يوم أيديولوجيا تقتصر على الزوايا الغرائبية في شبكة الإنترنت، أصبحت فكرة "عروبا" مرئية الآن في السياسة اليومية للولايات المتحدة وأستراليا ومعظم أوروبا؛ فعندما يغرّد ترامب عن عمليات الطعن في لندن، ويدّعي كذباً أنّ هذا النّمط من الجرائم "أكثر انتشاراً" في ألمانيا، فإنّه يتوسل أسطورة "عروبا"، التي تتعاطى معها قناة "فوكس نيوز" بوصفها حقيقة، والتي مفادها؛ أنّ الّليبراليين الأوروبيين قد سلّموا مدنهم لمجرمين مسلمين.
أيضاً؛ انتشار الاعتقاد بأنّ النّخب تآمرت لدفع هجرة المسلمين نحو السكان الأصليين يُعدّ قصة مبنية على نظرية المؤامرة، قصة تتغذى على بعض المدونات الأولى، و"طاولات الرّسائل" التي بدأت تظهر في الخطاب السائد بعيد هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ثمّ أخذت مسارها المستقلّ، حتّى حين كُشِف عن مدى سخافة الحقائق المفترضة وراءها؛ إنّه درس في خطر أنصاف الحقائق، والتي ليست فقط أقوى من الحقائق ولكن في كثير من الأحيان أقوى من الأكاذيب.

من أوروبا إلى "عروبا"

لقد صيغ مصطلح "عروبا" في السبعينيات، وأعادته إلى الظهور جيزيل ليتمان، وهي امرأة يهودية من مواليد مصر، هربت من القاهرة إلى بريطانيا بعد أزمة السويس، ثمّ انتقلت إلى سويسرا، عام 1960، مع زوجها الإنجليزي، وكانت ليتمان تكتب تحت اسم بات يائور (الذي يعني بالعبرية "ابنة النيل"). وفي سلسلة من الكتب، التي خُطّت في الأصل بالفرنسية، ونُشِرت بداية من التسعينيات فصاعداً، طوَّرت نظرية قوامها مؤامرة كبرى نفّذ فيها الاتحاد الأوروبي، بقيادة النخب الفرنسية، خطة سرية لبيع أوروبا للمسلمين مقابل النفط.

جيزيل ليتمان
والشرير الأصلي في قصة ليتمان؛ هو الجنرال شارل ديغول، إنّه من الصّعب على الأجنبي أن يفهم كيف يمكن إعادة اختراع ديغول، الذي قاد المقاومة الفرنسية ضدّ النازيين، والذي ربما كان أعظم رجل دولة محافظ في التاريخ الفرنسي، باعتباره الرجل الذي خان الحضارة الغربية من أجل المال، لكنّ ليتمان عاشت لأعوام عديدة في فرنسا، وكراهية اليمين الفرنسي المتطرف لديغول معروفة؛ بل إنّهم قد حاولوا بالفعل اغتياله عدة مرّات، فديغول لم يحارِب حكومة فيشي فحسب؛ بل اعترف أيضاً بالهزيمة في حرب الاستقلال الجزائرية الطويلة والدموية، وانتهى به الأمر إلى منح بلد عربي مسلم حريته على حساب المستوطنين الفرنسيين المسيحيين، الذين اضطروا إلى التراجع إلى فرنسا (والذين شكّل أحفادهم العمود الفقري لحزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف الذي أسسه جان ماري لوبان).

اقرأ أيضاً: الإسلام في أوروبا: اختراق "القارة العجوز" وصعود الإسلاموفوبيا
لقد فهم اليمين الفرنسي المتطرف الموافقة على الاستقلال الجزائري باعتبارها خيانة، وكان ديغول قد أُنهى تقاعده، واستُعيد إلى السلطة، عام 1958؛ لأنّه اُعتُقِد أنّه يقف إلى جانب المستوطنين في حربهم، التي عارضها كثير من اليسار، وهكذا، بالنّسبة إلى أقصى اليمين، بدا البحر الأبيض المتوسط وكأنّه خطّ المواجهة في صراع طويل ومتغير بين نظامَيْن استعمارييْن متنافسَيْن؛ المسيحيين والمسلمين، والذي حقّق فيه المسلمون نصراً كبيراً في الجزائر، فكان السؤال: أين سيتوقف تقدمهم الجديد؟

ليتمان: إنّنا نتّجه الآن نحو تغيير كامل في أوروبا والتي ستكون إسلامية أكثر وتابعة سياسياً للعالم العربي والإسلامي

كانت حجة ليتمان، التي أطّرت خلال تجربتها في مصر (التي غزتها قوّة فرنسية، إلى جانب البريطانيين والإسرائيليين، عام 1956)، مُفادها أنّ الإسلام فرض وضعاً من الدّرجة الثّانية على جميع غير المسلمين، الذين خضعوا لحكمه، ونظام "الذّمية"، الذي يعني وفق ليتمان، الخضوع للحكم الإسلامي؛ حيث الاختيار يكون بين "التحوّل القسري للإسلام، أو العبودية، أو الموت"، من المقرّر أن يمتدّ الآن إلى أوروبا، بحسب ليتمان.
وتصف كتب ليتمان "تطوّر أوروبا من حضارة يهودية مسيحية، لديها عناصر علمانية ما بعد تنويرية مهمّة، إلى حضارة ما بعد يهودية مسيحية، تخضع لأيديولوجيا الجهاد والقوى الإسلامية التي تنشرها".
لقد رأت مخالب المؤامرة العظيمة في لجانٍ يحكمها المَلَل والغموض، مثل: "الحوار الأوروبي العربي"، وهي مؤسسة أقامتها الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وجامعة الدّول العربية في السبعينيات، لتشجيع المزيد من النّقاش بين المناطق، وقد رفض المؤرّخ الإسرائيلي، روبرت ويستريتش، نظريتها القائمة على التفكير المؤامراتي، عام 2006، ووصفها بأنّها: "بروتوكولات حكماء بروكسل"، لكن ما يهمّ أكثر هو المكان الذي اختار فيه تحدي أفكارها: مؤتمر في القدس حول معاداة السامية، وقد دُعيت إليه، رغم افتقارها إلى المكانة الأكاديمية اللازمة، لقد غيّرت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) كلّ شيء بالنّسبة إلى ليتمان، كما قالت لصحيفة "هآرتس" بعد المؤتمر: "في الولايات المتحدة؛ أنا متأكدة من أنّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، قد أيقظت الناس، بمن في ذلك الجالية اليهودية التي تجاهلتني سابقاً، لأنّها تنتمي إلى اليسار".
كما أوضحَت لـ "هآرتس" المستقبل الذي رأته لأوروبا.

اقرأ أيضاً: مخاوف في ألمانيا من اختراق اليمين المتشدد لأجهزة الاستخبارات قبيل الانتخابات
"إنّنا نتّجه الآن نحو تغيير كامل في أوروبا، والتي ستكون إسلامية أكثر فأكثر، وتابعةً سياسياً إلى العالم العربي والإسلامي".
كانت هذه هي الفكرة التي فُتِن بها النّرويجي جينسين، والتي قامت، تحت اسم فيوردمان، بنقلها إلى أندرس بريفيك.
ويُعدّ جينسين شخصية غير معتادة بين المؤمنين بفكرة "عروبا"؛ لأنّه يمتلك بالفعل شيئاً من تجربة في العالم الإسلامي؛ بل إنّه يتحدّث اللغة العربية، وهو ابن سياسي اشتراكي في النّرويج ودرس اللغة العربية في القاهرة، وقد شملت دراساته الجامعية السابقة في بيرغن: اللغة الإنجليزية (التي يكتبها بطلاقة)، والروسية، والعربية، وتاريخ الشرق الأوسط، وفي عام 2000؛ أُجري معه حوار في صحيفة محلّية في النرويج، وتحدّث بحماس عن مضيفيه في مصر: "خارج المناطق السياحية، تلتقي بأشخاص كلّهم يحملون المودّة وأخلاق الضيافة، لديهم الفضول والانفتاح ويريدون التّعرف إليك، لقد كنت جزءاً من حياتهم اليومية. ودُعيت إلى منازلهم، وتحدّثنا ودخنّنا "الشيشة" معاً".

اليميني المتطرف جان ماري لوبان مؤسس حزب الجبهة الوطنية
كان هذا أوّل لقاءٍ لجينسين مع الإسلام، وكان ما يزال في القاهرة وقت وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ويقول إنّه شهد هناك احتفال بعض المسلمين بالمذبحة، لكنّه لم يقرأ عن ذلك في الصحف النرويجية، وفي العام التالي؛ عمل في "المجلس النرويجي للاجئين" في مدينة الخليل المتنازع عليها في الضفة الغربية المحتلة، وعلى نحو غير عادي بين الأسكندنافيين الذين عملوا مع الفلسطينيين في إسرائيل، تعاطف مع الإسرائيليين، ونجا بصعوبة من تفجير انتحاري في تل أبيب، في حانة قُتِل فيها اثنان من زملائه في هجوم آخر في العام السابق، وقد عزّزت هذه التجربة خوفه المتزايد من الإسلام.

اقرأ أيضاً: الإسلاموفوبيا والراقصون على جراحات جالياتنا
والحقيقة؛ أنّ الصحافة النرويجية اتّخذت موقفاً مؤيداً للفلسطينيين بشكل عام، بينما هو وأصدقاؤه كانوا ضحايا الإرهاب، ساعدت في إقناع جينسين بأنّ الإسلام يمثّل تهديداً وجودياً للحضارة الأوروبية، وهو الأمر الذي كانت المؤسسة الصائبة سياسياً تتجاهله عمداً، في رأيه. وشأنه شأن ليتمان، يبدو أنّه لا يعترف بأي عنصر من عناصر القومية في الوعي الفلسطيني: إنّهم إمّا عرب أو مسلمين، وفي الواقع؛ إنّ الاعتقاد القائل إنّ الإسلام معادٍ للوعي القومي، قائم بين اليمينيين على نطاق واسع؛ فقد طرحه الفيلسوف روجر سكروتون، في خطاب مثير للجدل حول الجنسية في المجر، عام 2013؛ حيث قارن بين الدّول المسيحية الأوروبية والإمبراطوريات الإسلامية.

اقرأ أيضاً: تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين
وعام 2003؛ عاد جينسين إلى النّرويج؛ حيث حاول أن يصنع لنفسه اسماً باعتباره مثقّفاً عاماً، في البداية؛ كان معادياً للحركة النسوية، متّهماً النّسويات بتدمير الرّجولة النّرويجية، لكنّ بؤرة قلقه سرعان ما تحوّلت إلى الإسلام؛ فبدأ الكتابة تحت الاسم المستعار "نرويجي كافر"، على مدوّنة أمريكية تدعى "ليتل غرين فوتبولز"، والتي دعمت بقوّة وبعلوّ صوت غزو العراق، ومنذ ذلك الحين؛ ظهرت كتاباته باللغة الإنجليزية، وعلى مدونات تنطلق من الولايات المتحدة، وهناك، قام بصياغة قصّة النُّخب، التي تعرّف بشكل خاصّ في علاقتها بالاتّحاد الأوروبي، التي تدمّر وتخون أوروبا بالتّشجيع المتعمّد للهجرة الجماعية.
في هذه المرحلة الزمنية؛ جذبت مؤامرة "عروبا" إلى حدّ كبير أولئك الذين كانوا ينظُرون منذ فترة طويلة إلى صراعٍ بين الإسلام والغرب اليهودي المسيحي، مع إسرائيل، باعتبارها موقع قِيَم غربية يخضع للحصار والاضطهاد بالنسبة إليهم.

اقرأ أيضاً: من يخشى اليمين الأوروبي الجديد؟
كان هؤلاء الأشخاص، وهم إلى حدّ كبير من اليمين الأمريكي، من أوائل الدّعاة إلى فكرة "عروبا"، لكن بما أنّهم لم يتوقّفوا عن الشّكوى؛ فإنّ موقفهم لم يكن مُشَارَكاً على نطاق واسع في أوروبا، ما كان سيوفّر قريباً القوّة العاطفية لهذا الجمع، هو مصفوفة أخرى من الأفكار حول الهجرة العالمية، أقلّ تآمرية في جوهرها، لكنّها مقبولة على نطاق واسع بين الأوروبيين غير المُسيسين عموماً، هذه الأفكار، التي نشأت أيضاً في فرنسا، كانت تُعرَف باسم "الاستبدال العظيم".

"الاستبدال العظيم": خوف يرجع لعقود

تعود جذور فكرة الاستبدال العظيم إلى رواية فرنسية عنصرية صارخة ظهرت في سبعينيات القرن العشرين، تُدعى "معسكر القدّيسين"؛ حيث تسقط فرنسا من خلال غزو غير مسلّح للاجئين هنود جوعى..، في وقت لا يكون فيه الجيش الفرنسي مستعدّاً لصدّهم، ومن بين معتقدات الكتاب؛ أنّ الحضارة الغربية لا يمكن إنقاذها إلّا من خلال استعدادها لذبح الشعوب البنّية الفقيرة، وقد أشار ستيف بانون، وهو أحد مؤسسي موقع الأخبار اليميني "بريتبارت"، والمستشار السابق للرّئيس ترامب، إلى ذلك مراراً وتكراراً.

 

 

وطوال الثمانينيات والتسعينيات، أبقت العنصرية المجرّدة لـ "معسكر القدّيسين" الفكرة بعيدة عن النقاش العام، لكنّ بروز الإسلام بوصفه قوّة عالمية سمح بإعادة صياغة السؤال، وإذا عُرِّفت الجماهير المهدِّدة بدينها بدلاً من لون بشرتها، فإنّ كراهيتها يمكن تقديمها، إذاً، بوصفها التزاماً ثقافياً، وليس عنصرياً.

 

 

اقرأ أيضاً: وثيقة سرية: اليمين المتطرف بألمانيا يتدرب على سيناريو الحرب الأهلية
وكان لدى هذا السلوك الارتيابي مخزون هائل من أنصاف الحقائق الغامضة ليلجأ إليه، الانكماش الدّيموغرافي الذي يواجه أوروبا حقيقي، ولا يمكن إنكاره، وكان واضحاً في الأعوام الأولى من هذا القرن أيضاً، وكذلك ارتفاع معدّلات المواليد في إفريقيا جنوب الصّحراء وجنوب آسيا؛ ففي عام 2002، كان عدد سكان روسيا وباكستان حوالي 145 مليون نسمة، وبحلول عام 2017، كان عدد سكّان روسيا 144 مليون نسمة، بينما كان عدد سكان باكستان 200 مليون.
وكانت المرحلة التّالية ضمن عملية تطوّر نظرة شعبوية معادية للأجانب تتمثّل في دمج الرّوايتين؛ حيث أصبح الإسلام والمسلمون تهديداً يستند إلى المؤامرة وإلى الدّيموغرافيا.

اقرأ أيضاً: كيف انتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا ومن غذّاها؟

لقد غيّرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر مواقف النّاس تجاه الإسلام في كثير من مجتمعات أوروبا والولايات المتحدة، وتشترك إسرائيل والولايات المتّحدة الآن في شعورهما بالتعرض للهجوم على يد المسلمين، ولولا هذه الهجمات، لكانت ليتمان ستظل شخصاً غريباً وغامضاً، ولظلّ جينسين أكثر غموضاً، لكنّ الهجوم على البرجين التّوأم أطلق العنان لردّ فعل عنيف من الفخر القومي الأمريكي الجريح، الذي أدّى إلى تدمير دولتين كاملتين، هما أفغانستان والعراق، وموت أعداد لا حصر لها من البشر، كما غذّت الهجمات عملية الطلب على تفسيرات بشأن ما يحصل، وكان أن استجابت نظريات حول الحقد الفريد وخطر الإسلام للجوع الشعبي.
ومن جانبه؛ أعلن جورج بوش، في ذلك الوقت، أنّ الولايات المتّحدة لا توجد لديها خصومة مع الإسلام، ولكنّ العديد من مواطنيه لم يوافقوا على ذلك.

اقرأ أيضاً: هل حفّز حريق "نوتردام" من "كراهية الإسلام" عند اليمين الأوروبي المتطرف؟
وكان من بين ثمار الحادي عشر من سبتمبر الكثيرة السيئة؛ حركة "الإلحاد الجديد"، وهي ظاهرة تميزت بكلٍّ من الثّناء على الذّات، والعداء الذي لا يتزحزح للإسلام؛ فحتّى لو كان الهدف المزعوم للكثير من عداء هؤلاء هو المسيحية، فإنّ الملحدين الجدد يميلون إلى اعتبار الإسلام أسوأ بكثير وأشدّ "دينية"، وكتاب الأمريكي سام هاريس "نهاية الإيمان" (2004)، والّذي حصد نجاحاً كبيراً، يُقرأ الآن كما تُقرأ كتابات بات يائور، دون القوالب المزعجة للحقائق التي يمكن دحضها بسهولة؛ "إنّنا في حرب مع الإسلام"، يكتب، "وقد لا يخدم أهداف سياستنا الخارجية المباشرة أن يقوم الزعماء السياسيون في بلادنا بالاعتراف بهذه الحقيقة علانية، لكن الأمر لا لبس فيه، وهو لا يقتصر على أنّنا في حالة حرب مع دين مُسالِم "اختطفه" المتطرّفون؛ فالنزاع المسلَّح "من أجل الدّفاع عن الإسلام" يُعدّ واجباً دينياً على كلّ رجل مسلم، إنّ الإسلام، أكثر من أيّ دين بشري آخر، يحظى ببناء عقائدي يجعل منه عبادة قوامها الموت".

غيّرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر مواقف النّاس تجاه الإسلام
في الفترة التي سبقت الحرب على العراق، وبعد الغزو، كانت التّغطية في الصّحف الأمريكية وعلى شاشات التلفزيون، في نظر الأوروبيين، قومية مُفرطة إلى أبعد الحدود، وكان احتمال الهزيمة غير وارد. ومع ذلك؛ بدأت موجة جديدة من المدوّنين باستخدام مصطلح "وسائل الإعلام السائدة"، كتعبير ازدرائي يشير إلى الحياد الظاهر للمؤسسات الإعلامية الكبيرة، وكانت "ليتل غرين فوتبولز" من أوائل هذه المدوّنات وأوسعها تأثيراً، وقد أسّسها وأدارها تشارلز جونسون، وهو عازف غيتار سابق ومهتمّ بتصميم المواقع، يتّخذ من لوس أنجلوس مقرّاً له، كانت تلك لحظة نموذجية لهاوٍ متبّجح لا يتمتّع بأيّة وثائق موهِّلة مثله؛ حيث تمثّلت ميزته الحقيقية في قدرته على إنشاء مواقع ويب في وقت كان يتطلّب فيه هذا بعضاً من المهارة البرمجية.

اقرأ أيضاً: إرهاب اليمين المتطرف يتصاعد في الغرب... مذبحة نيوزيلندا أنموذجاً
وجينسين، عبر تعليقاته على "ليتل غرين فوتبولز"، تحت اسم "النّرويجي الكافر"، جعل من المدوّنة نقطة توزيع لفكرة "عروبا"، وكانت هناك مدوّنة أخرى؛ هي "بوابات فيينا"، التي يديرها نيد ماي تحت لقب "البارون بوديسي" (على اسم شخصية حكيمة يشار إليها في العديد من روايات مؤلِّف الخيال العلمي جاك فانس)، ثمّ هناك مدوّنة "جهاد ووتش"، التي يديرها الكاتب الأمريكي روبرت سبنسر، ويذكر أنّه قد جرى حظر كلّ من سبنسر ومعاونه المتواصل، بام جيلر، من المملكة المتّحدة، عام 2013، بسبب إدلائهما بتصريحات من شأنها أن تعزّز الكراهية والعنف بين المجتمعات.

قاد منطق "مدرسة فيينا" إلى حرب أهلية ومذابح يمينية بحقّ المسلمين وممكّنيهم من اليساريين

أمّا المدوّنة الأوروبية الوحيدة التي يمكن ذكرها ضمن هذه الكوكبة؛ فهي الموقع المعادي للاتحاد الأوروبي بشكل متعصّب، مجلّة "بروكسل"، التي كان يكتب فيها عضو البرلمان الأوروبي المحافظ دانييل هنان، وكان بول بولين يدير مجلة "بروكسل"، وهو صحفي ومؤلّف بلجيكي يميني متطرّف، ومن ناحيته، كان جينسين نشطاً على كافّة هذه المواقع؛ حيث شارك في المناقشات التي أدّت فيها المعتقدات المتعلقة بفكرة "عروبا" إلى شيء أطلق على نفسه اسم حركة الجهاد المضادّ.
في الوقت الحاضر؛ عندما يَنشر فيسبوك معلومات مضلّلة في كافّة أنحاء العالم دون جهد يُذكر، من الصّعب استعادة الشّعور بالوحي والانتماء، اللذين كانا يُرافقان اكتشاف مدوّنة جديدة، إنّ عالم الفكر المتشنّج، والمريح لأتباعه، الموجود في مدوّنات الجهاد المضاد، حوّل السياسة إلى لعبة عملاقة على الإنترنت، فيمكن لأيّ شخص اللّعب، ويمكن للجميع أن يجدوا في هذه اللعبة طفلهم الداخلي: "يعتقد بعض النّاس أنّني غريب؛ والبعض يظنّ أنّني ذكي للغاية"، هذا ما قاله جينسين لأحد المراسلين؛ عندما كان ما يزال طالباً في القاهرة.

الخروج من العالم الافتراضي
كانت الحدود بين هذه المدوّنات و"وسائل الإعلام السائدة"، التي كنَّ لها هؤلاء الاحتقار، تتضمّن العديد من المسام، وتبنّى بعض الكتّاب نبرة أكثر "سموّاً" بشأن مخاطر هجرة المسلمين: فقد نشر كاتب العمود السابق في "فاينانشال تايمز"، كريستوفر كالدويل، عام 2009، كتاباً بعنوان "تأمّلات في ثورة في أوروبا"، والذي يلخّص فكرة الغزو البربري الإسلامي البطيء من منظورٍ ازدرائي أوليمبي: "يجلب المهاجرون أيضاً الكثير من الاضطراب والفقر والجريمة...، وإذا كُنت تسير شمالاً عبر ساحة بيازا ديلا ريببليكا في تورينو، سترى، بعد إجراء التعديلات اللازمة، ما رآه الرومان؛ فإلى الشرق، ما يزال هناك برجان رومانيان محفوظان جيداً، وكذلك الجُدران المبنية لفصل المواطنين عن البرابرة، واليوم، على بعد حوالي 60 ثانية سيراً على الأقدام، يمكنك المرور من المتاجر الأنيقة وحانات النبيذ، عبر سوق متعدّد الأعراق نابض بالحياة، إلى واحد من الأحياء الفقيرة الأكثر تهديداً في أوروبا، والذي يسكنه مواطنون من شمال إفريقيا".

اقرأ أيضاً: ما هي أوجه التشابه بين اليمين المتطرف وتنظيم داعش؟
وكان البعض أقلّ ثقافة ورِفعة؛ ففي عام 2004، أعطت صحيفة "الدّيلي تلغراف" عموداً لمارك ستين، الذي صنع اسمه أصلاً من كونه ناقداً بارعاً للمسرح الموسيقي، الهلاك والرّعب هما كلّ ما رآه في مستقبل أوروبا، وفي وقت مبكّر، وافق عام 2002، قال: "أجد أنّه من الأسهل أن أكون متفائلاً بشأن مستقبل العراق وباكستان مقارنةً بهولندا أو الدّنمارك"، وهي ملاحظة اقتبسها بفخر لقرّاء "التلغراف" عام 2005، عندما أصبح العراق مسلخاً.
وضمن مصطلحات استبقت جينسين وبريفيك والبيان المزعوم للرّجل المسؤول عن مذبحة كرايستشيرش، كتب ستين (ونشرت "التلغراف") هذه النبوءة: "في عصر ديمقراطي، لا يمكنك أن تتغلّب على الديموغرافيا، إلّا من خلال الحرب الأهلية، وقد وصل اليوغسلافيون إلى هذه النتيجة؛ ففي الثّلاثين عاماً التي سبقت الانهيار، انخفض معدّل الصّرب البوسنيين من 43% إلى 31% من السكان، بينما زاد المسلمون البوسنيون من 26% إلى 44%".

اقرأ أيضاً: البديل الأمريكي.. صعود اليمين المتطرف في عهد ترامب
قارن ما قاله ستين عام 2005 ببيان باتريك كروسيوس، الذي اعترف بقتل 22 شخصاً في إل باسو، في وقت سابق من هذا الشّهر: "هذا الهجوم هو استجابة للغزو الأمريكي اللاتيني لتكساس؛ إنّهم المحرِّضون، وليس أنا، إنّني ببساطة أدافع عن بلدي من عملية الاستبدال الثّقافي والإثني النّاجمة عن الغزو، أمريكا تتعفّن من الداخل إلى الخارج، ويبدو أنّ الوسائل السلمية لوقف هذا، هي أمر مستحيل تقريباً".
وعام 2007؛ بدأ المؤمنون بالجهاد المضادّ يجتمعون في العالم الواقعي، وبعد اجتماع مبدئي لمدوّنين ومعلّقين ومتعاطفين دنماركيين ونرويجيين في كوبنهاغن، حضره جينسين، قام ماي والحزب الفلمنكي اليميني المتطرّف "فلامس بيلانغ"، بتنظيم مؤتمر في بروكسل، عام 2007، وقد جمع هذا معظم أيديولوجيي فكرة "عروبا"؛ حيث عملوا على تحويلها من فكرة إلى حركة، وكانت ليتمان هي المتحدّثة الرّئيسة، ومن بين الحاضرين كان هناك جيلر وروبرت سبنسر من الولايات المتّحدة، وجيرارد باتن، الذي سيكون بعد فترة وجيزة زعيم حزب الاستقلال في بريطانيا، كما حضر تيد إيكيروث من الحزب القومي اليميني "الديمقراطيون السويديون".

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف قنبلة العالم الموقوتة
ونظراً إلى أنّ كلاً من حزب الاستقلال و"الديمقراطيون السويديون" قد صعدا ليصبحا قوى سياسية قوية، فقد أُدرِجت المخاوف من الإرهاب في مخاوف أوسع نطاقاً حول الدّيموغرافيا، والمكانة داخل النّظام القديم، وكان عالِم الأنثروبولوجيا الأمريكي، سكوت أتران، قد أجرى بحثاً مكثّفاً حول عقلية الشّباب الذين أصبحوا إرهابيين إسلاميين: مزيج من الفخر الجريح مع فرحة الانتماء إلى حركة تمتلك أهمية عالمية وقيامية (أبوكلبتيكية)، والوجود الحيّ بين مجموعة من الأصدقاء مهمّ للغاية في تجنيد الجهاديين، وتعمل الدّيناميكية نفسها بين أعدائهم، لكنّ حالة بريفيك مثيرة للتّأمل؛ لأنّه بلغ حدّاً من حبّ الذّات استطاع من خلاله أن يجعل نفسه راديكالياً دون مساعدة من أيّ أصدقاء في الحياة الحقيقية، فقط أولئك الذين تخيلهم على الإنترنت، وفي مرحلة من المراحل، اقترب من معبوده الثّقافي، جنيسين، عبر البريد الإلكتروني، الذي لفظه ورآه "مملّاً كبائع مكنسة كهربائية".
ليس من الضّروري أن تكون جهادياً حتّى تشعر بقوّة سحب هذه الإكراهات؛ فقد اعتقد الجهاديون المضادّون، مثلهم مثل أعدائهم، أنّهم دخلوا في معركة مروّعة بين الخير والشر، إنّه قرن من الفخر الجريح والقلق حول وضع كلّ طرف، وهو ما يشعر به الجميع تقريباً.

اليمين المعادي للهجرة كانت له أسباب وجيهة لفصل نفسه عن اليمين المعادي للمسلمين

انهيار اليمين المتطرف؟
بالرّغم من كلّ هذا، كانت هناك بعض الدّلائل، حتّى قبل عملية القتل التي ارتكبها بريفيك، على أنّ جبهة "عروبا" الأصليّة ستنهار؛ فأولئك الذين عارضوا المهاجرين بشكل عام بدؤوا في الانفصال عن أولئك الذين كرهوا المسلمين بشكل خاصّ، وقام جونسون، مؤسس "ليتل غرين فوتبولز"، بإبعاد معظم أتباعه، عام 2010؛ بسبب تقاربهم المتزايد من أحزاب أوروبية غربية، اعتبرها منحدرة من الفاشيين، مثل: "فلامس بيلانج" في بلجيكا، و"الدّيمقراطيون السويديون"، بالرّغم من أنّه شجب أيضاً "رابطة الدّفاع الإنجليزية"، لقد كان جونسون محبّاً حقيقياً للسامية؛ حيث لا يمكنه التّسامح مع عفن معاداة السامية.
إنّ اليمين المعادي للهجرة كانت له أسباب وجيهة لفصل نفسه عن اليمين المعادي للمسلمين، وإذا كان منطق "مدرسة فيينا"، جينسين وسبنسر وجيلر وماي وليتمان، قد قاد بلا هوادة إلى حرب أهلية ومذابح يمينية بحقّ المسلمين وممكّنيهم من اليساريين، فإنّ معظم اليمينين قد ارتدّوا عن هذا المنطق، واعتقد بعض المعلّقين، مثل دوغلاس موراي وكولدويل، بصدق؛ أنّ بريفيك كان مجنوناً، وأنّ أفعاله لا علاقة لها بالأفكار التي تبنّاها.

اقرأ أيضاً: كيف يخدم اليمين الأوروبي المتطرف خطة داعش؟

قد يكون في هذا عنصر من خداع الذّات، لكن في ذلك أيضاً شهادة على هذا النّوع من الحكمة الغريزية وغير العاقلة التي نحتاجها جميعاً أحياناً لإنقاذ أنفسنا من عواقب أفكارنا، ويبدو أنّ نوعاً من البراغماتية سيسود.
الأمل الآن يبدو خادعاً؛ فما غير هذا كان قبل كلّ شيء انتخاب الرّئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي كان مستشاره آنذاك، بانون، مؤمناً في "حرب عالمية دموية وحشية" ضدّ "الفاشية الإسلامية"، وقد أظهروا أنّه ثمة جمهور انتخابي ضخم للكراهية واليأس الرّاديكاليين، وأنّه، بالنّسبة إليهم، ليست هناك عواقب سلبية حقيقية، انتخابية أو غير ذلك، في خدمة ذلك.
أيضاً، منذ مذبحة بريفيك، أصبحت معتقداته أكثر انتشاراً، كما ذاعت في سياسات كافّة الدّول الأوروبية؛ ففي الحملة الانتخابية الأوروبية، في أيار (مايو) الماضي، نشر الحزب اليميني المتطرّف في ألمانيا "أي أف دي" ملصقات تُظهِر امرأة بيضاء عارية يلمسها رجال ذوو بشرة داكنة في أغطية رأس عربية، وقد وضع أحدهم أصابعه في فمها المستسلم.

اقرأ أيضاً: بين اليمين المتطرف وداعش.. رؤى مشتركة تهدد الإنسانية
"أيها الأوروبيون، صوّتوا لصالح "أي أف دي"، حتّى لا تتحول (أو)روبا إلى (عـ)روبا"، يقول التّعليق الذي كتب تحت الملصق، يفهم الآن ملايين الأشخاص الذين لم يسمعوا مطلقاً عن بات يائور أو فيوردمان، أو حتّى بريفيك وبانون، هذا الملصق في لمحة، ولن يزعزع أيّ قدر من الأدلّة يقينهم، وهم يعتقدون الآن أنّ كلّ السياسة تتلخّص في واحدة من التّغريدات الحديثة لترامب: "يريد الخاسرون ما لديك، لا تعطه لهم، كن قوياً وازدهر، أو كن ضعيفاً ومُت"!
لكن من هم الخاسرون ومن هم الأقوياء في هذه الحالة؟ الأسبوع الماضي، في محاولة واضحة لمحاكاة بريفيك، دخل شاب نرويجي غني ساخط، يُدعى فيليب مانشاوس، حاملاً سلاحه عبر بوابات أحد مساجد ضاحية أوسلو الرّاقية، حيث عاش، وشرع في إطلاق النّار على الحشد الموجود داخل المسجد، وقد طرحه أرضاً رجل يدعى محمّد رفيق، مسلم غير مسلّح، يبلغ من العمر 65 عاماً، ثمّ احتجزه بمساعدة رجل آخر، حتّى وصلت الشّرطة، وفي مدوّنة "أبواب فيينا"، لم تُعتبر هذه الحلقة جديرة بالذّكر، بدلاً من ذلك؛ أُخبِر قراؤها المتفانين؛ بأنّ المسلمين كانوا مسؤولين عن اندلاع حالة من القسوة على الحيوانات مؤخّراً في السويد!


المصدر: أندرو براون "الغارديان"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية