من وحي التفاعل الرقمي مع وفاة الشيخ يوسف القرضاوي

من وحي التفاعل الرقمي مع وفاة الشيخ يوسف القرضاوي

من وحي التفاعل الرقمي مع وفاة الشيخ يوسف القرضاوي


04/10/2022

نروم في هذه المقالة التوقف عند بعض الملاحظات المرتبطة بتفاعل نسبة من الرأي العام، المحلي والإقليمي، مع وفاة الشيخ يوسف القرضاوي، انطلاقاً من معاينة نماذج من التفاعلات في العالم الرقمي، وبالتالي لسنا معنيين بالتوقف عند مسار القرضاوي أو تحولاته وذلك لعدة اعتبارات أهمها؛ أنّه سبق لنا التفاعل مع ذلك في أكثر من مقام.

أشرنا حينها إلى ظاهرة نعاينها بعد أحداث 2011 همّت العديد من الأسماء الفكرية والدينية، وهي تراجع شعبيتهم لدى الرأي العام؛ فالأحرى شعبيتهم لدى دوائر صناعة القرار، بخلاف الأمر في مرحلة ما قبل اندلاع تلك الأحداث، ومرد ذلك التحولات التي صدرت عن هذه الأسماء بخصوص قراءة أحداث الساحة، وفي مقدمتها أحداث "الفوضى الخلاقة" التي توصف عند الإسلاميين مثلاً بأحداث "الربيع العربي".

ومن بين الأسماء المعنية بالظاهرة، نجد الشيخ يوسف القرضاوي من مصر/ قطر، المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي، المفكر المغربي طه عبد الرحمن ضمن أسماء أخرى؛ لأنه ما كانت نسبة كبيرة من الرأي العام تعتقد أنّ هذه الأسماء سوف تصدر عنها مجموعة من الأحكام السياسية المناقشة للسمعة التي كانت تميزها أو لصيقة بها قبل تلك الأحداث.

التفاعلات على وفاة القرضاوي التي اقتربت من مقام التبجيل والتقديس، لم تقتصر على أتباع الإسلاموية ولكن امتدت إلى جزء من الرأي العام وهذه إشارة تحيلنا على ما نصطلح عليه أسلمة مخيال الرأي العام

 

ــ من كان يتخيل أنّ يوسف القرضاوي الذي كان يُلقب برمز الوسطية الإسلامية، ومؤلف بعض الأعمال النقدية ضد الغلو الإسلامي الحركي، بما في ذلك نقد سيد قطب، سيتورط في شيطنة أنظمة عربية وقادة سياسيين، كان إلى وقت قريب ضيفاً معززاً مكرماً لديهم. [مواقف 2011]

 

ــ من كان يتخيل أنّ أبو يعرب المرزوقي الذي يشتغل على رد الاعتبار لأعمال ابن خلدون في علم الاجتماع وأعمال ابن تيمية في المنطق، ويترجم أدبيات الفلسفة المثالية الألمانية للقارئ العربي، سيتورط في الدفاع عن الجهاديين التونسيين الذين هاجروا إلى سوريا. [مواقف 2014]

ــ ومن كان يتخيل أنّ طه عبد الرحمن الذي اشتهر بالدفاع عن الأخلاق والتصوف؛ بل يؤلف في نقد الإسلاموية، سوف يتورط في تمرير مواقف سياسية إيديولوجية لا تختلف عن موقف الإسلاموية الإخوانية والإسلاموية الجهادية كما جاء في كتابه "ثغور المرابطة" [مواقف 2018]

بعد هذا التدقيق، آن الأوان للتوقف عند إشارات من وحي التفاعل الرقمي مع رحيل الشيخ يوسف القرضاوي.

1 ــ عاينا فورة رقمية في الساحة لم تختلف بشكل عام عن حالة الاحتقان الرقمي الذي يميز تفاعل الرأي العام مع بعض قضايا الساحة، لكن هذه الفورة تضمنت إشارات تتطلب إعادة النظر في العديد من القضايا والمواضيع التي كنا نعتقد أننا شرعنا في تجاوزها.

على سبيل المثال، في معرض الحديث عن مراجعات الإسلاميين، والحديث هنا بالتحديد عن مراجعات أتباع المشروع الإخواني وليس مراجعات الجماعات الجهادية، أو مراجعات التيارات السلفية، وبعد مرور عقد على أحداث "الفوضى الخلاقة"، وفشل أغلب أحزاب الإسلام السياسي في تحقيق أهدافها، أقلها الفشل في استحقاقات انتخابية همّت العديد من دول المنطقة، كنا نتوقع أن تكون هذه الحقبة الزمنية كافية لكي تنخرط نسبة من أتباع المشروع، من القادة والأتباع في مراجعات حقيقية، ومما كان يُغذي هذه الفرضية، أننا عاينا انفصال بعض الأسماء عن المشروع، في العديد من دول المنطقة إلى درجة أنّ بعض هذه الأسماء شرع في نشر مذكرات تضمنت قراءات نقدية حول تجربة المرور من العمل الإسلامي الحركي، أو اقتصرت أسماء أخرى على نشر تلك الملاحظات النقدية في حساباتهم الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعي.

والحال أنّ مضامين العديد من تفاعلات هؤلاء، ونخص بالذكر الأسماء التي زعمت أنّها انفصلت عن المشروع، لم تختلف كثيراً عن تفاعلات أتباع الإسلاموية، إلى درجة التماهي الكبير.

وإن كان منتظراً من أتباع الإسلاموية اليوم طبق الصمت عن التحولات التي جرت في مواقف الشيخ يوسف القرضاوي خلال العقد الأخير؛ أي انقلاب مواقفه السياسية والدينية ضد بعض أنظمة المنطقة، أو صمتهم عن دلالات حضور القرضاوي إلى ميدان التحرير في عز أحداث 2011 أو زيارته لراشد الغنوشي في مطلع أيار (مايو) 2012، فإنّ الصمت نفسه كان من نصيب أدعياء الانفصال عن التنظيم، ممن تنطبق عليهم قاعدة الانفصال التنظيمي الذي لا يكون مصاحباً بانفصال نظري أو انفصال إيديولوجي، خاصة أنّ إحدى نتائج تلك التحولات في المواقف، على الأقل لدى المتتبعين، تفيد بأنّه لم يعد ممكناً الحديث عن الشيخ يوسف القرضاوي بعد 2011 بالتقييم نفسه الذي كان يصدر في حقه قبل تلك الأحداث.

بمعنى آخر، كان النموذج الديني المعني، يُلقب من أغلب المؤسسات الدينية في المنطقة العربية بأنّه أحد رموز الوسطية الإسلامية، بدليل حصوله على العديد من الجوائز التكريمية عن عدة مؤسسات دينية وخاصة في المشرق والخليج العربي، لكن لم يعد ممكناً إطلاق اللقب نفسه عليه بعد اندلاع تلك الأحداث؛ بسبب مواقفه سالفة الذكر.

2 ــ من الملاحظات أيضاً، أنّ نسبة من التفاعلات أعلاه، وخاصة التفاعلات التي اقتربت من مقام التبجيل والتقديس، لم تقتصر على أتباع الإسلاموية أو على نسبة من الإسلاميين سابقاً، ولكن امتدت إلى جزء من الرأي العام الذي لا علاقة له بالإسلاموية أساساً، وهذه إشارة تحيلنا على ما نصطلح عليه أسلمة مخيال الرأي العام، أي تعرض هذا المخيال لتأثير الخطاب الإسلامي الحركي.

نسبة معينة من التفاعلات شرعت في إصدار الأحكام وتوزيع صكوك الإصلاح إلى درجة أنّ بعض التدوينات بدت كما لو أنها صادرة في عز أحداث 2011 بينما الموضوع المعني بالتفاعل هنا يهم حدثاً جرى في نهاية تشرين الأول 2022

 

لا نتحدث هنا عن موضوع الترحم والعمل بقاعدة "اذكروا محاسن موتاكم"، فهذا تحصيل حاصل، بل كان مفترضاً ألا ينخرط أي كان في موضوع تقييم خطاب وأعمال المعني حين الإعلان عن وفاته؛ لأن هذه أمور تتم في مرحلة لاحقة، لكن ما جرى مع نسبة معينة من التفاعلات، أنها شرعت في إصدار الأحكام وتوزيع صكوك الإصلاح إلى درجة أنّ بعض التدوينات بدت كما لو أنها صادرة في عز أحداث 2011 بينما الموضوع المعني بالتفاعل هنا يهم حدثاً جرى في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2022.

وبالتالي عِوَض أن يكون الموضوع العمل بذلك الأثر وترك ملف التقييم لاحقاً، أصبح الجمع بين الترحم وتصفية الحسابات السياسية، وخاصة ضد الأنظمة الدول، ومن هنا الحديث الرقمي عن "الاستبداد"، "الربيع العربي"، "الدفاع عن الثورات ومطالب الحرية"، "جبروت الحكام".. إلخ).

صحيح أنّ مكانة يوسف القرضاوي لا تعوض مقارنة مع أغلب الرموز الإسلامية الحركية في الساحة، خاصة خلال العقد الأخير، إضافة إلى مكانته لدى نسبة من القراء والمتتبعين من خارج المرجعية نفسها، وزادت عدة عوامل في تغذية المكانة، لعل أهمها بالنسبة إلى الصنف الثاني من المتفاعلين؛ أي القراء والمتتبعين من خارج تلك المرجعية، ما قامت به فضائية "الجزيرة" في حقبة ما، أو رئاسته لمؤسسة تحمل اسم "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" التابعة للمحور القطري التركي ــ وليس صدفة أنه سيتم توقيف مشاركة القرضاوي في البرنامج ابتداءً من العام 2013 ــ وبالتالي كان صعباً على هذه الفئة بالذات أن تنتبه إلى تفاعلات المحددات الدينية والسياسية والإيديولوجية في أداء هذه العوامل [دور الفضائية ودور المؤسسة].

ولكن في المقابل، لم يكن مستساغاً فتح باب التقييم مع صرف النظر عن التحولات سالفة الذكر أعلاه، إلا إن تعلق الأمر بخيار مقصود، لكنه متوقع صادر عن أتباع الإسلاموية ونسبة من الأتباع السابقين ممن لم يتحرروا إيديولوجياً وإن زعموا الانفصال التنظيمي، أو خيار يثير الانتباه ويطرح علامات استفهام عن قراء ومتتبعين من خارج المرجعية الإسلامية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية