من المسؤول عن التطرف في العراق: صدام حسين أم الغزو الأمريكي؟

من المسؤول عن التطرف في العراق: صدام حسين أم الغزو الأمريكي؟


26/11/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


أعاد مقتل أبو بكر البغدادي النّقاش حول أصول تنظيم داعش وكذلك السؤال الأكثر إثارة للجّدل السّياسي بشأن من يقع عليه اللوم. يجادل بعض المحللين بأنّ صدام حسين تحوّل إلى الإسلامويّة المتشدّدة في التسعينيات واستخدم مؤسّسات مثل؛ جامعة صدّام للدّراسات الإسلاميّة، لدفع أشخاص مثل؛ البغداديّ نحو التّطرّف.

اقرأ أيضاً: هل اغتال صدام وزير الخارجية الجزائري السابق؟
ومع ذلك، تشير دراسات حديثة بشكل عام إلى أنّ فوضى ما بعد عام 2003 قد لعبت دوراً أكثر أهميّة من نظام البعث الذي تزعّمه صدام حسين في تشكيل الميول العنيفة لأشخاص مثل البغدادي.

تحوّل البغدادي إلى النّزعة القتاليّة والعنف خلال الفوضى التي اندلعت في العراق بعد عام 2003

هل صنع صدام حسين من البغدادي شخصاً متطرّفاً؟

بينما قام صدام حسين والبعثيّون بالتّرويج للدّين في التّسعينيّات ضمن "الحملة الإيمانيّة" القوميّة الشّهيرة التي بنى حسين خلالها المساجد ووسّع نطاق التّعليم الدّينيّ، فإنّ بحثي في الأرشيف العراقيّ، بما في ذلك كتابي "إكراهٌ في الدّين: صدّام حسين والإسلام وجذور التّمرّد في العراق" (2018) الذي صدر حديثاً، يظهر أنّ النّظام قد التزم بالتّفسيرات القوميّة العربيّة للإسلام، والّتي كانت معادية للإسلامويّة بحماس.

تشير دراسات حديثة إلى أنّ فوضى ما بعد 2003 لعبت دوراً أكثر أهميّة من نظام البعث بتشكيل الميول العنيفة لأشخاص كالبغدادي

لقد كان حسين ديكتاتوراً وحشيّاً، لكنّه لم يكن إسلامويّاً. ودعم نظامه بعض الإسلامويّين في الخارج كلّما كان الأمر ملائماً سياسيّاً، لكنّه فعل ذلك في الوقت نفسه الّذي قمع خلاله الإسلامويّة في الدّاخل. ويوضّح كتابي أنّ تعزيز النّظام للدّين في التّسعينيّات نابع من سيطرته المتزايدة على المشهد الدّينيّ في العراق وقدرته المتزايدة على تشكيل السّرديّات الدّينيّة في البلاد.
ولم تكن "الحملة الإيمانيّة" تحوّلاً نحو الإسلامويّة والتّطرّف الدّينيّ كما افترض الكثير من الباحثين غير العراقيّين قبل فتح أرشيف النّظام. عوضاً عن ذلك، أُطلِقت هذه الحملة لمحاربة تلك الظّواهر.

المؤسّسات كبحت الرّاديكاليّة
يستشهد بحثي بسجلّات النّظام التي تُبيّن أنّ الغرض من جامعة صدام للدراسات الإسلاميّة في التسعينيات كان محاربة "الحملة الفكرية للإسلامويين وعقيدتهم". ولم يكن البغدادي معتدلاً في التسعينيات، ولكن كما تشير بعض أدبيّات العلوم السّياسيّة، فإنّ فرصة التّنظيم تُعدّ عاملاً رئيساً في تحويل الأفكار إلى أفعال. وقامت مؤسّسات مثل؛ جامعة صدام للدراسات الإسلامية، بكبح أمثال البغداديّ. والأخير تحوّل إلى النّزعة القتاليّة والعنف خلال الفوضى التي اندلعت في العراق بعد عام 2003 وفي بيئات تفريخ المتطرفين في مراكز الاعتقال التي تديرها الولايات المتّحدة، مثل معسكر بوكا.

وجد الكتاب أنّ بعض المجتمعات الشيعيّة في عهد صدام حسين كانت في الواقع أفضل حالاً من بعض المجتمعات السنّية

إنّ عملي البحثيّ يأتي ضمن "جيل جديد" من الدّراسات القائمة على الأرشيف حول العراق، والتي أظهرت باستمرار أنّ الدّولة البعثيّة كانت معادية للإسلامويّين، ولم تلتزم بالتفسير المتشدّد للإسلام المعروف باسم السّلفيّة، وكانت أقلّ طائفيّة ممّا اقترحته السّرديات الشّائعة.
ويستخدم كتاب حديث للبروفيسورة، ليزا بلايدس، التّحليل الإحصائيّ لإظهار أنّ الانقسامات الطّائفية لا يمكنها أن تشرح من استفاد من سياسات صدام حسين. وعلى عكس الرّوايات الشّائعة الّتي تصوّر حسين حاكماً بالنّيابة عن نظامٍ سنّيّ طائفيّ على حساب الأغلبيّة الشّيعيّة في العراق، وجد الكتاب أنّ بعض المجتمعات الشّيعيّة كانت في الواقع أفضل حالاً من بعض المجتمعات السّنيّة.
وتؤكّد هذه النّتائج الكمّيّة إلى حدّ كبير ملاحظات باحثين آخرين مثل؛ آرون فاوست، فحصوا سجلّات النّظام السّابق. وتُظهر هذه الأعمال تمييزاً واضحاً بين سياسات حسين والطّائفيّة المتشدّدة المتمثّلة في الإسلامويّة السّلفيّة الّتي اعتنقها البغداديّ.

ساهمت مراكز الاعتقال التي تديرها الولايات المتّحدة بالعراق مثل معسكر بوكا في تفريخ المتطرفين

دروس في الماضي والحاضر والمستقبل
على مدار العقد الماضي، وبينما أصبحت دول أخرى في الشّرق الأوسط عسيرة الوصول بالنّسبة إلى الباحثين، أُجري عمل ميدانيّ مكثّف في العراق، خاصّة على يد باحثين عراقيّين شباب، مثل زهرة عليّ. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ فتح أرشيف البعث الّذي تمّ الاستيلاء عليه جعل مجموعة هائلة من سجلّات النّظام التّفصيليّة متاحة أمام الباحثين.
إنّ عمليّة التّوثيق هذه غير مسبوقة بالنّسبة إلى الدّول العربيّة الحديثة. كما أنتج هذا الواقع الجديد دراسات ثوريّة حقّاً وغيّر ما نعرفه عن العراق. ويستعرض مجلّد حُرّر حديثاً وصدر عن جامعة برانديز مواضيع مثل؛ تفكيك البعثيّة والميليشيّات المسلّحة والعنف الجنسيّ والعلاقة بين الدّين والدّولة والّتي طغت على العراق خلال العقود الماضية. وهذه كلّها مواضيع مهمّة لفهم ظهور جماعات مثل "داعش".

اقرأ أيضاً: اختلف مع صدام وهو في عليائه: علي الحلي ينطفىء كما شعلة البعث
بالقدر نفسه من الأهميّة، يوضّح هذا البحث الجديد في ماضي وحاضر العراق كيف يجري التّغلّب على الرّوايات الطّائفيّة، وكيف يمكن للمرأة استخدام المؤسّسات القائمة للقتال من أجل المساواة، وكيف يمكن للزّعماء الدّينيّين المساعدة في استقرار البلاد. وهذا النّوع من الأبحاث يُعدّ حاسماً إذا كان للعراق أن يجد السّلام بعد عقود من الصّراع.
وكما تظهر النّقاشات المتعلّقة بالبغداديّ، فإنّ الموجة الجديدة من دراسات الشأن العراقيّ ليست مثيرة فقط من منظور علميّ، بل لها أيضاً دور مهمّ تلعبه سياسيّاً في الولايات المتّحدة. والسّرديّات الشّائعة الّتي تبرئ الولايات المتّحدة من المسؤوليّة بشأن فوضى ما بعد عام 2003 وظهور جماعات مثل "داعش" تحول دون تقديم سرد حقيقيّ حول الأضرار الدّائمة لحرب العراق. وبالتّالي، تجعل من وقوع حروب مستقبليّة أمراً أكثر احتمالاً.


صمويل هلفونت، الواشنطن بوست
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.washingtonpost.com/politics/2019/11/12/what-radicalized-abu-bakr-al-baghdadi/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية