من أقلّ شعوب العالم سعادة....الأمراض النفسيّة تعصف بالتّونسيين

من أقلّ شعوب العالم سعادة....الأمراض النفسيّة تعصف بالتّونسيين


21/06/2021

كريمة دغراش

بات التونسيون فريسة للأمراض النفسية، وارتفع عدد المتردّدين على العيادات النفسية ارتفاعاً مطّرداً، بسبب تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تمرّ بها تونس منذ سنوات، علاوة على الأزمة الصحيّة الأخيرة.

منذ سنتين تتردّد نادية على عيادة طبيب نفسي، علهّا تنجح في التخلّص من حالة الاكتئاب الشديدة التي تعيشها. تخلّت نادية، كما تتحدّث لـ"النهار العربي"، عن عملها، وبلغ بها الأمر حدّ إهمال شؤون بيتها وترك أطفالها من دون رعاية، ''كان الأمر فوق قدرتي على التحمّل، مررت بفترات عصيبة شعرت فيها بخوف شديد لا أستطيع أن أحدّد سببه، ولكنني شعرت بالخوف من كلّ شيء، ولم أعد قادرة على النوم إلا بعد تناول الأقراص المهدئة".

آلاف من التونسيين صاروا يزورون عيادات الأطبّاء النفسانيين، حتّى أن الحصول على موعد مع أحدهم قد يتطلّب أكثر من شهر من الانتظار. وتمثّل الأمراض النفسية نسبة 96 في المئة من أسباب الإجازات الطويلة المدى في القطاع الحكومي.

الخيبة

وفي تونس مستشفى حكومي وحيد مختصّ بالأمراض النفسيّة والعقليّة، هو "مستشفى الرازي" في محافظة منوبة شمال تونس العاصمة، ويستقبل المرضى من كامل مناطق البلاد.

وتؤكّد أرقام رسمية أنّ عدد المرضى الذين استقبلهم "مستشفى الرازي" تضاعف بنسبة 70 في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة.

ووفقاً للأرقام الصادرة عن هذا المستشفى، ارتفع عدد المرضى بأكثر من نسبة 15 في المئة خلال السنة الأخيرة، مقارنة بالسنة التي سبقتها. كما جاء في أرقام صادرة عن الجمعية التونسية للأطباء النفسانيين، أنّ نحو 60 ألف تونسي مصابون بالفصام.

ويقول الطبيب النفسي أحمد الأبيض لـ"النهار العربي" إنّ أسباب ارتفاع عدد المصابين بالأمراض النفسيّة في تونس يعود لعوامل عديدة، أوّلها أنّ التغييرات السياسية الكبيرة التي عاشت على وقعها البلاد سنة 2011 رفّعت من حجم انتظارات الشعب الذي حلم بحياة أفضل، وكان يعتقد أنّ تغيير النظام سيمنحه واقعاً أجمل، لكن ما حدث هو العكس، إذ تردّت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أدّى إلى حدوث ما يشبه خيبة الأمل الجماعيّة التي خلقت حالة من الضيق والقلق والإحساس بعدم الأمان والخوف من المستقبل.

ويؤكّد أنّ الشعور بالقلق والخوف من أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى الإصابة بالاكتئاب.

كورونا تعمّق الأزمة

ويرى الأبيض أنّ جائحة كورونا ضاعفت من المعاناة النفسيّة للتونسيين، لكنّه يستدرك أنّ تونس ليست استثناءً في هذا السياق، إذ إنّ الشعور بالخوف والذهاب إلى إقرار الغلق الشامل، بما يعني ذلك من إجبارية ملازمة البيوت وتقييد حرية التنقل، كلّها عوامل خلقت شعوراً بالخوف والقلق لدى كثيرين.

ويعيش "مستشفى الرازي" حالة ضغط كبيرة، منذ بداية انتشار كورونا في تونس بسبب ارتفاع عدد المرضى الذين يقصدونه.

وبلغ عدد المرضى الذين استقبلهم المستشفى منذ بداية الجائحة في تونس (آذار/مارس 2019 )، وإلى غاية نهاية سنة 2020 أكثر من 220 ألف مريض.

ويشدّد الأبيض على أنّ الاضطرابات النفسيّة جرّاء الوباء يمكن أن تكون حادّة وعميقة، سواء بالنسبة الى العائلات التي أصيب أحد أفرادها بفيروس كورونا أم تلك التي لم تسجل إصابات.

متشائمون

وقد تكون جولة بسيطة في شوارع تونس كفيلة بأن تكشف حالة الكآبة التي بات يعيشها التونسيون، إذ صارت وجوههم عابسة وشاحبة وغابت البسمة عن الكثير منهم. ويقول محمد تاجوري (تاجر) لـ"النهار العربي": "لا شيء يبعث على السعادة في بلدنا، نحن نصارع من أجل البقاء بعدما سدّت أبواب الرزق في وجوهنا". 

ويقول الدكتور الأبيض إن التونسي يعيش تحت ضغط الاحتقان السياسي في البلاد، والذي كانت له انعكاسات كبيرة على واقعه اليومي، فصار يعاني من غلاء الأسعار المتواصل مقابل غياب فرص العمل.

وكشف تقرير لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) تسجيل 235 حالة أو محاولة انتحار في تونس خلال سنة 2020، كانت أغلبها في صفوف الأطفال والشباب.

ويقول الناطق الرسمي باسم المنتدى رمضان بن عمر لـ"النهار العربي" إن الشعور باليأس والإحباط، من أبرز الأسباب التي تقف وراء تنامي هذه الظاهرة.

وأظهر استطلاع للرأي بشأن التقييم السياسي لشهر شباط (فبراير) 2021 تشاؤم نحو 90 في المئة من التونسيين المستجيبين، وخوفهم من المستقبل القريب ومن الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية على الوضعين العام والخاص.

وجاءت تونس في المرتبة 114 في ترتيب "مؤشر السعادة العالمي"، وهو ترتيب يقارب ترتيب الدول التي تعيش حروباً.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية