منظمة غاز المتوسط: انطلاقة لمصر وتحجيم لطغيان تركيا

منظمة غاز المتوسط: انطلاقة لمصر وتحجيم لطغيان تركيا


27/09/2020

تستمر الأزمة العاصفة، التي تدور رحاها في شرق المتوسط، وتفتعلها تركيا، ضدّ اليونان ومصر وفرنسا وقبرص، إذ شهدت، منتصف العام الجاري، تصعيداً غير مسبوق من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يرى في ثروات المتوسط حقاً مشروعاً لبلاده.

اقرأ أيضاً: مجلة أمريكية: أيديولوجيا أردوغان تعبث بأمن المتوسط وخرائطه

وبعد مرور عام واحد على تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، تحوّل المنتدى إلى منظمة دوليّة حكومية، بمشاركة الدول الأعضاء؛ إذ احتفى المسؤولون، بهذا التأسيس للمنظمة الجديدة في القاهرة التي صارت مقراً لها.

نقلة نوعية

بناء على دعوة وزیر البترول والثروة المعدنیة المصري، المهندس طارق الملا،  اجتمع كلّ من وزراء الطاقة القبرصي والیوناني والإسرائیلي والإیطالي والأردني والفلسطیني في القاهرة، وتمّ إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، حيثُ تطلع الوزراء آنذاك إلى أنّ الاكتشافات الغازیة الكبیرة فى الحقول البحریة بشرق البحر المتوسط سیكون لها تأثیر عظیم على تطور الطاقة والتنمیة الإقتصادیة بالمنطقة، كما أكّدوا أنّ التوسع في الاكتشافات الجدیدة والاستغلال الأمثل لها سیكون له بالغ الأثر على أمن الطاقة والتنمية في المنطقة.

 الثلاثاء الماضي؛ وقّع وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا، ووزراء منتدى غاز شرق المتوسط، على ميثاق تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة، بحضور سفراء الدول الأعضاء به.

اقرأ أيضاً: شرق المتوسط: المياه الأكثر خطراً في العالم

 يمثّل انتقال هذه التحالفات من صفة المنتدى إلى صفة المنظمة، مرحلة مهمّة ذات دلالات عديدة؛ إذ تمنح المنظمة هذا المنتدى مظهراً مؤسسياً قوياً، وتجعله قريناً للمنظمات الدولية الشبيهة، وحيث إنّ منظمة شرق المتوسط يتمّ تأسيسها  بناءً على اتفاق ببنود واضحة، فهذا الاتفاق يتيح حالة من التزام الدول الأعضاء تجاه بعضها.

منتدى غاز المتوسط الذي يمكن وصفه بالمتوسطي سيعيد تشكيل تحالفات حوض المتوسط كله، وسيكون على أية دولة، كتركيا مثلاً، أن تتطلع للانضمام لاحقاً إلى المنظمة

 ويرى الباحث في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، والمدير التنفيذي لمركز الإنذار المبكر، أحمد الباز، أنّ هذا الالتزام سجعل مناورة أيّة دولة من الدول الأعضاء نحو مصلحة خاصة أكثر كُلفة عليها، باعتبار أنّ ضريبة الفكاك ستكون باهظة، لاعتبارات مرتبطة بحالة المصلحة الاقتصادية، وذلك على عكس العلاقات الدولية التي تؤسس على مصالح سياسية مشتركة، يكون الفكاك منها سهل؛ حيث لا يوجد في هذه الحالة خسائر اقتصادية باهظة.

اقرأ أيضاً: أي تداعيات يحملها التوقيع على منظمة غاز شرق المتوسط؟

يقول الباز لـ "حفريات": "هذا التحالف، الذي يمكن وصفه بالمتوسطي، سيعيد تشكيل تحالفات حوض المتوسط كله، وسيكون على أية دولة، كتركيا مثلاً، أن تتطلع للانضمام لاحقاً إلى المنظمة، بناءً على الرؤية والبنود المؤسسة للمنظمة؛ أي أنّ تركيا لو أرادت الانضمام، وهي تريد بالفعل، فسيكون عليها أن توافق ضمنياً على تصورات دول منتدى شرق المتوسط لإدارة ثروات هذة المنطقة، ونحن هنا نتحدث عن ترويض أوتوماتيكي لتركيا".

مصر تستعيد مكانتها

تحصل مصر على مركز ثقل دولي، لأنّ مقرّ المنظمة في القاهرة؛ حيث تحصل الدول صاحبة حقّ استضافة مقرّات المنظمات الدولية على العديد من الميزات الإضافية على مستوى المنظمة، بالتالي؛ فإنّ وجود المقرّ في القاهرة يمنح هذه الرابطة ثقلاً سيمنع  الدول الأوروبية الأعضاء في المنتدى من الوقوع تحت التأثير التركي، مهما كانت الظروف، بشكل يتسبّب في ضرر أو قلق أو إزعاج للقاهرة التي تستضيف المقر، وبحسب الباز؛ فإنّنا هنا نتحدث عن مسار جديد من العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي والناتو قد تمّ فتحه (باعتبار بعض دول المنظمة أعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي)، ما يعني أنّ الأمر تخطّى غاز شرق المتوسط نحو إتاحة أرضية معززة بالثقة الدولية لعلاقات تعاون دولية في مناحٍ اقتصادية مختلفة، أي أنّ منظمة شرق المتوسط سوف تفرز بدورها مكاسب أخرى لمصر تتخطى مسار الغاز.

اقرأ أيضاً: اكتشاف حقل مصري جديد للغاز في المتوسط... هذه مكاسبه

ويدل ذلك على وضع مصر الإقليمي، خاصة إذا نظرنا إليها ضمن سياق متكامل شمِل العديد من الإنجازات المصرية؛ فعلى المستوى الإقليمي رفعت القاهرة إلى مكانة القوة الإقليمية المهابة والفاعلة والمتحركة للأحداث في الإقليم. وفي سياق ذلك يوضح الكاتب الصحفي بجريدة "الأهرام" المصرية، والباحث في الشؤون العربية والإسلامية، هشام النجار؛ أنّ "مصر، على المستوى العسكري، تمتلك أقوى جيش بالمنطقة، كما أنّها تمكّنت من القضاء على الإرهاب بكافة فصائله ومكوناته داخل أراضيها وأعادت سيناء كمصدر تنمية واستقرار وفرضت كلمتها وقرارها ورؤيتها في الملف الليبي، كما أنّها تقيم تحالفات وتكتلات إقليمية إستراتيجية واقتصادية؛ كتحالف المشرق الجديد، ومنتدى غاز المتوسط، وقبلهما التحالف العربي ضدّ الإرهاب والمقاطع للقوى الداعمة له، وتدخل في علاقات إستراتيجية وتكامل شامل مع الدول التي تمثّل فضاءها الحيوي، كالسودان".

ويتابع النجّار في تصريح لـ "حفريات": "وها هي مصر تنجح في ملف غاز شرق المتوسط، بمستوى أداء وإنجاز لافتَين للنظر، ما يعني أنّ مصر لا تمتلك فقط أدوات صدّ الاعتداء عليها من قبل أيّة قوى إقليمية طامعة أو معادية، إنما أيضاً أدوات تحولها إلى القوة الإقليمية الأولى، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهذا إنجاز تاريخي بالفعل، وبالنظر إلى أنّ هناك من خطّط قبل عقد لأن تتراجع على كافة الأصعدة وتصبح، على الأقل، تابعة لقوى إقليمية غير عربية".

تركيا.. المزيد من النبذ

إلى جانب الامتيازات التي حصلت عليها مصر جراء هذا الحدث المهمّ؛ فإنّ ذلك له أيضاً تأثيرات على الجانب التركي، الذي يقف بالمرصاد ويعادي كافة دول التحالف المتوسطي؛ إذ أنّه يمثل ضربة قوية جداً لتركيا، ولأطماعها بالمنطقة، خاصة أنّه تطور يأتي في أعقاب ترسيم الحدود البحرية بين اليونان ومصر وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لهما، وأيضاً سبقه ترسيم مماثل بين اليونان وإيطاليا.

الباحث هشام النجار لـ "حفريات": مصر تنجح في ملف غاز شرق المتوسط، بمستوى أداء وإنجاز لافتَين للنظر، ما يعني أنّ مصر لا تمتلك فقط أدوات صدّ الاعتداء عليها

هذه الخطوات يراها النجّار متسلسلة؛ إذ تؤدي جميعها إلى تحجيم أطماع أنقرة في شرق المتوسط ولجمها؛ حيث صار هناك تكتل إقليمي، ببعد دولي، يحمل صفة الرسمية والمنظمة الحكومية، يتعاون فيما بينه في استثمارات الغاز الطبيعي بكافة مجالاتها؛ بداية من الاكتشاف، ومروراً بالإسالة والتصدير والاستيراد أيضاً؛ حيث يستوعب المنتدى كذلك الدول المستوردة،  فضلاً عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات حماية لهذا التكتل الإقليمي غير المسبوق الذي سيعزز دور مصر ومكانتها الإقليمية، كأهمّ دولة في الإقليم بهذا المجال، وكقوة اقتصادية رئيسة مصدّرة للطاقة ومركز للغاز في شرق المتوسط.

كلّ هذا من شأنه، في نظر النجار، "صناعة واقع إقليمي جديد قابل للاتساع، بالنظر إلى اعتبارات عديدة، أهمها؛ البعد الأوربي والدولي الذي صحب هذا التحوّل؛ حيث دخلت الولايات المتحدة كمراقب للمنتدى الجديد، فضلاً عما اتخذته واشنطن من خطوات نوعية موجهة في الأساس لتقويض تحركات أنقرة؛ مثل رفع الحظر عن السلاح لقبرص، وانحيازها إلى اليونان في الصراع مع تركيا، ومن ناحية أخرى؛ دخول فرنسا المتوقع في المنتدى بعد طلبها الرسمي بذلك كدولة مستوردة للغاز، وهو ما يشكل قوة مضافة لقوة المنتدى الإقليمي الوليد، أمّا الاعتبار الثاني، فالمنتدى منفتح على العضويات، ما يعني إمكانية انضمام المزيد من الدول المطلة على المتوسط، مثل: ليبيا ولبنان وسوريا والبرتغال والجزائر وإسبانيا، والمغرب علاوة على قبوله الدول المستوردة".

اقرأ أيضاً: أردوغان يتحدث عن الدبلوماسية في حل مشاكل المتوسط.. هل هو جاد حقاً؟

ويشير كل ذلك إلى فرض واقع اقتصادي إقليمي يلجم مطامع وتحركات بعض القوى غير القانونية وغير المشروعة، ويضطرها للتعامل مع الواقع الجديد، للاستفادة منه وفق المعطيات والآليات التي فرضتها دول المنتدى، ما يرشّح توقعات طلب تركيا على المدى المنظور، حتى إن لم يحدث تغيير بالنظام السياسي فيها، أن تنضمّ، كمستوردة، للمنتدى الذي يضمن للدول الأعضاء العديد من المزايا والمكتبات والتسهيلات في مجال الغاز بشكل غير مسبوق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية