منزل عائلة فلسطينية في رام الله وحيداً في مواجهة المستوطنين

منزل عائلة فلسطينية في رام الله وحيداً في مواجهة المستوطنين


02/05/2021

تجسّد المواطنة أمل أبو عواد، (58) عاماً، من بلدة ترمسعيا قضاء محافظة رام الله والبيرة في الضفة الغربية المحتلة، أنموذجاً حياً لعلاقة الإنسان الفلسطيني الأصيل وتمسّكه بأرضه التي ورثها عن آبائه وأجداده، لتعيش وعائلتها على بعد أمتار قليلة من مستوطنة "شيلو"، والتي تتمدّد يوماً بعد يوم على حساب أراضي المواطنين، لتُفشل من خلال تمسكها بأرضها محاولات الاحتلال المتكررة لطرد العائلة، وذلك لخدمة مشاريع الاستيطان، وسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية.

المطلوب حالياً هو تفعيل المقاومة الشعبية الفلسطينية، وكذلك مجابهة الاعتداءات بالطرق القانونية؛ من خلال الفريق القانوني التابع لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان

وترمسعيا؛ بلدة فلسطينية تقدَّر مساحتها ب 18 ألف دونم، وتقع على بعد 23 كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من محافظة رام الله، ويقدر عدد سكانها ب 10 آلاف نسمة، ويعيش عدد من سكانها في الولايات المتحدة والأردن والبرازيل والإمارات العربية المتحدة.

ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، خلال العام 2017، يبلغ عدد المستوطنات في محافظة رام الله والبيرة  25 مستوطنة، وهي المحافظة الأولى من حيث عدد المستوطنات المقامة على أراضيها، ويقيم فيها نحو 125 ألف مستوطن، وهي الأكبر من حيث تعداد المستوطنين فيها، بعد مدينة القدس، التي يستوطنها حوالي 215 ألف مستوطن.

أمل أبو عواد

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أقام المستوطنون العديد من البؤر الاستيطانية التي تتبع للمستوطنات الكبيرة في محافظة رام الله، وقد بلغ عدد هذه البؤر 20 بؤرة استيطانية بمساحة كلية بلغت نحو 826 دونماً، مع العلم أنّ سلطات الاحتلال لا تعترف بهذه البؤر على أنّها مستوطنات رسمية، إلا أنّها تحظى بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.

كما بيّن تقرير صادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسيلم) خلال العام 2018؛ أنّ عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في محافظة رام الله والبيرة بلغ 12 حاجزاً.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تواصل سياستها التوسعية: ربط تلّ أبيب ومستوطنات شمال الضفة بقطار

وبحسب المدير السابق للجنة الإسرائيلية المناهضة لهدم المنازل في الأراضي الفلسطينية، جيف هالبر، فإنّ عدداً من مستوطنات رام الله والبيرة ستكون جزءاً من مشروع القدس (المتروبالينية)؛ حيث سيضم هذا المشروع ما يقارب من 18% من أراضي الضفة الغربية، بواقع 950 كم2، وهو مخطط مستقبلي معلن، وسيكون مخطط القدس الكبرى، الذي يتم بناؤه الآن، جزءاً من هذا المشروع المستقبلي.

تهويد وتهديد مستمر

وتضيف أبو عواد، خلال حديثها لـ"حفريات": "القصة بدأت فصولها مع عائلتها عندما قامت السلطات الإسرائيلية خلال عام 1976، بوضع اللبنة الأولى لبناء مستوطنة "شيلو"، ليستمر مسلسل التهويد والتهديد الإسرائيلي، لدفع الأسرة المكونة من 20 فرداً لترك المنزل عنوة تحت تهديد السلاح، وكانت البداية بقيام مستوطن إسرائيلي بإطلاق النار على زوجها "جودت" خلال عام 1988، ما أدّى إلى استشهاده على الفور".

مستوطنة شيلو

وأضافت: "اعتداءات المستوطنين لم تتوقف عند ذلك الحدّ، لتهاجم مجموعة منهم برفقة جنود الاحتلال قبل عدة سنوات منزلي، وتقوم بتجريف الدفيئات الزراعية، وقطع المئات من أشجار الزيتون المعمرة وحرقها، بالإضافة إلى هدم بركسات تستخدم لتربية المواشي، والتي تعتبر مصدر رزق عائلتي الوحيد، وكذلك اعتقال ثلاثة من أبنائي، والذين أمضوا سنوات طويلة داخل المعتقلات الإسرائيلية".

حجر عثرة

وبحسب أبو عواد؛ فإنّ "أساليب الترهيب والترغيب التي استخدمها الاحتلال لن تجدي نفعاً، وبقيت العائلة حجر عثرة في طريق المخططات الصهيونية التي تهدف للاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي لتوسيع مستوطنة "شيلو"، مشيرة إلى أنّ "الاحتلال عرض عليها دفع مبلغ مالي خيالي، يقدَّر بملايين الدولارات، لترك المنزل، إلا أنّها رفضت جميع تلك الإغراءات في سبيل حماية أرضها والثبات عليها والتمسك بها".

اقرأ أيضاً: كيف يحمي سكّان البلدة القديمة بالخليل أنفسهم من اعتداءات المستوطنين؟

وتابعت: "بعد رفضي تلك الإغراءات فاقم الاحتلال من معاناة عائلتي، ولم يسمح لي بتوصيل إمدادات الكهرباء والمياه للمنزل، حيث يتم الاعتماد على الألواح الشمسية للتزود بالكهرباء، والآبار المخصصة لتجميع مياه الأمطار للشرب، وريّ أشجار الزيتون الممتدة على مساحات واسعة من الأرض، لحماية المنطقة من بطش الاحتلال ومستوطنيه".

اقرأ أيضاً: لماذا تزوّد إسرائيل المستوطنين بطائرات مسيّرة؟

ولا تتوقف المسنّة "أبو عواد" عن زراعة الأراضي المحيطة بالمستوطنة الإسرائيلية بأشجار الزيتون، في تحدٍّ واضح لجنود الاحتلال ومستوطنيه، الذين يحرقون ويقطعون تلك الأشجار، تحديداً في مواسم الحصاد، للضغط عليها وعلى عائلتها لمغادرة منزلهم قسراً، إلا أنّ ذلك يعدّ حافزاً لتمسّكها بأرضها.

المستوطنات الرعوية

من جهته، يقول القائم بأعمال وزير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، مؤيد شعبان: إنّ "محافظة رام الله والبيرة، وكافة بلداتها وقراها، هي جزء أصيل من الأراضي الفلسطينية، وهي، كغيرها من المناطق الفلسطينية، مستهدفة بالاستيطان منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967، بإقامة عدد من المستوطنات الجاثمة على أراضيها؛ كمستوطنتَي بساغوت وبيت آيل وغيرهما، حتى وصل عددها إلى أكثر من 25 مستوطنة حالياً".

مؤيد شعبان

ويضيف شعبان، في حديثه لـ "حفريات": "بلدة ترمسعيا تنتشر فيها ما تسمى المستوطنات الرعوية، كما العديد من المناطق في الضفة الغربية، وهي تضمّ مجموعات من المستوطنين الحاقدين، الذين يدعمهم مجلس مستوطنات الضفة، عبر تزويدهم بالأبقار والمواشي وجعلها تنتشر داخل الأراضي والجبال لتدمير المحاصيل الزراعية، وتهجير السكان من تلك المناطق بدعم من قوات الاحتلال".

اقرأ أيضاً: آثار نادرة في المعهد البابوي بالقدس لم تسلم من اعتداءات المستوطنين

وتابع: "الاحتلال يسيطر على مساحة 42% من الأراضي الواقعة في المنطقة (ج) بشكل كامل، من ضمن المساحة المقدرة 61% التي تخضع تحت السيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية وفق اتفاقية أوسلو، ويستغل الاحتلال هذه المنطقة في بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية والاستيلاء عليها بحجة أنّها محميات طبيعية أو مناطق عسكرية مغلقة، وذلك بهدف التمدّد الاستيطاني وعزل الفلسطينيين عن أراضيهم، وكسر شوكة الفلاح الفلسطيني، وإبعاده عن التواجد في أرضه وزراعتها".

تجنيد المستوطنين

 وأكّد أنّ "الاحتلال سخر كافة إمكانياته لبناء المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية ورصد لها ملايين الدولارات، إضافة لتجنيد مجموعات من المستوطنين، والذين يتسلحون بالعصي والآلات الحادة، للعربدة على السكان والاعتداء عليهم، بحماية مباشرة من جنود الاحتلال، الذين يمنحون الضوء الأخضر لهم لارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، مسخّرين لهم كافة المقومات للاستمرار في اعتداءاتهم وهجماتهم".

المواطنة الفلسطينية أمل أبو عواد لـ"حفريات": أساليب الترهيب والترغيب التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي لن تجدي نفعاً، وبقيت العائلة حجر عثرة في طريق المخططات الصهيونية

وعن المطلوب لحماية السكان الفلسطينيين من بطش الجنود الإسرائيليين والمستوطنين واعتداءاتهم، يقول شعبان: "المطلوب حالياً هو تفعيل المقاومة الشعبية الفلسطينية، وكذلك مجابهة الاعتداءات بالطرق القانونية؛ من خلال الفريق القانوني التابع لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الذي استطاع على مدار سنوات من استعادة عشرات الدونمات الزراعية التي استولى عليها الاحتلال ومستوطنوه من مناطق مختلفة من الضفة، إضافة إلى ضرورة تعزيز إرادة الفلسطيني وصموده لدفعه إلى التمسك بأرضه تحت أيّ ظرف كان".

كما طالب شعبان كافة المؤسسات الدولية، والتي تعنى بحقوق الإنسان لرصد وتوثيق الاعتداءات والانتهاكات المستمرة بحقّ الفلسطينيين، ليرى العالم واقع الإنسان الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال ومستوطنيه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية