ملف الأملاك المصادرة: كيف تلاعب الإخوان بمقدرات الشعب التونسي؟

ملف الأملاك المصادرة: كيف تلاعب الإخوان بمقدرات الشعب التونسي؟

ملف الأملاك المصادرة: كيف تلاعب الإخوان بمقدرات الشعب التونسي؟


21/12/2023

أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد ملف الأملاك المصادرة في أكثر من تصريح إعلامي في مناسبات مختلفة، مؤكداً أنّ حجم التلاعب به كان خيالياً، بعد اطلاعه على عدد من الملفات في إطار تصفية تركة الإخوان من التلاعب بمقدرات الشعب التونسي خلال فترة حكمهم من 2011 إلى 2021.

ويستند سعيد في إثارة هذا الملف على تقارير محكمة المحاسبات وبعض منظمات المجتمع المدني المستقلة، ومنها مرصد "رقابة" الذي نشر في حزيران (يونيو) الماضي تقريراً تفصيلياً فيه جرد للممتلكات المصادرة وأساليب التصرف فيها. وأثبت التقرير أنّ عائدات التفويت في الأملاك والأموال المصادرة بين 2011 و2021 بلغت (3000) مليون دينار، لم يتحول منها إلى ميزانية الدولة سوى (1900) مليون دينار.

وأشار التقرير إلى جملة من الإخلالات التي شابت هذا الملف؛ أهمها:

-عدم احترام دليل الإجراءات المتعلق بالتفويت في الممتلكات والمنقولات والمساهمات المصادرة.

- إخلالات كبرى على مستوى تقييم وتسوية وضعية العقارات موضوع التفويت؛ ممّا أدى الى تعطل التصرف فيها أو بيعها بأقل بكثير من قيمتها.

- تجاوزات كبيرة في عملية اختيار وتعيين مكاتب الخبرة للمساندة في عملية التفويت، وتضخيم للمستحقات، ممّا قد يخفي شبهات توجيه وتلاعب.

إخلالات كبرى على مستوى تقييم وتسوية وضعية العقارات موضوع التفويت

- إفلاس عدد من الشركات المصادرة، وتدهور الوضع المالي لعدد آخر، وضعف منظومة التصرف القضائي التي أُقرّت بشكل وقتي وتحولت إلى وضع دائم.

- خسارة عدد من العقارات لقيمتها بسبب التخريب والسرقة وانعدام الصيانة.

- تراجع قيمة عدد كبير من السيارات والعربات نتيجة الإهمال وغياب الصيانة، وأحياناً بشكل مقصود لبيعها بأبخس الأثمان، وهناك من حوكم بسبب سوء التصرف فيها.

- الضعف الشديد في استخلاص مستحقات الدولة بعنوان أرباح الشركات المصادرة التي تتابعها لجنة التصرف وتلك التي تتعهد بها شركة الكرامة القابضة، حيث لم يتم تحويل مبالغ مهمة في حدود (700) مليون دينار في هذا الإطار.

- عدم استخلاص مستحقات الدولة بعنوان مداخيل استغلال الضيعات الفلاحية.

- غياب معطيات حول العقارات التي أمنها المؤتمنون العدليون، ممّا نتج عنه مواصلة استغلال عدد كبير من العقارات المصادرة دون وجه حق.

- تأخير كبير في إصدار قرارات المصادرة في إطار تفعيل الفرع الثاني، حيث لم يتم إصدار سوى (470) قرار مصادرة إلى غاية عام 2021؛ وهو ما نتج عنه التفويت في عدد كبير من الأموال والممتلكات من طرف المعنيين بالمصادرة دون وجه حق.

وأشار التقرير إلى  نقائص كبرى وتقصير وشبهات شابت الأعمال المنجزة من قبل شركة الكرامة القابضة، التي أحالت إليها لجنة التصرف مجموعة من المساهمات قصد تأهيلها وتطويرها والتفويت فيها في أحسن الظروف. ولكنّها لم توفق في الأعمال التي أوكلت إليها، بقصد أو بدون قصد، ممّا ترتب عنه عدم تحصيل مداخيل مهمة لميزانية الدولة".

وأكد التقرير أنّ هذه الإخلالات قد تسببت في خسائر رهيبة للمجموعة الوطنية، مطالباً بضرورة إجراء تدقيق شامل في كيفية التصرف في الأملاك والأموال المصادرة.

لقد كشف ملف الأموال المصادرة حجم الفساد الذي كان مستشرياً خلال فترة سيطرة حركة النهضة الإخوانية على مفاصل الدولة، وأبان حجم التلاعب الكبير بأموال الشعب التونسي ومقدراته لتحقيق أهداف سياسية وذاتية لا علاقة لها بالشعارات التي ترفعها الحركة حسب مراقبين

وكان النائب بالبرلمان المنحل بدر الدين القمودي رئيس لجنة الحوكمة ومكافحة الفساد بالبرلمان منذ أعوام قد أكد أنّ هذا الملف هو "ملف فساد كبير". وأكد القمودي، في أكثر من تصريح إعلامي، أنّ ملف الأملاك المصادرة هو ملف خطير تم التلاعب به، وكشف أنّه تم التفريط في عدة أملاك مصادرة بأبخس الأثمان على غرار قصر "خليج الملائكة" في محافظة سوسة الذي تم التفريط فيه بـ (20) مليون دينار، معتبراً ذلك "فضيحة" حصلت في فترة تولي علي الكعلي حقيبة وزارة المالية في حكومة هشام المشيشي التي تسيطر عليها حركة النهضة الإخوانية.

وأشار القمودي إلى وجود تقصير متعمد في الملف، فقد أسيء استغلال (546) شركة مصادَرة، إضافة إلى التلاعب بالعقارات والمنقولات. ودعا إلى فتح ملف الأملاك التي صودرت وبيعت عبر التدقيق في عمليات التفويت.

وتجمع تقارير دائرة المحاسبات وهيئات رقابية حكومة أو مستقلة على أنّ ملف الأملاك والأموال المصادرة قد شابته تجاوزات خطيرة أضرت بالاقتصاد التونسي ضرراً كبيراً، في الوقت الذي كان فيه التونسيون في حاجة إلى تحسين مستوى معيشتهم التي تدهورت بسبب الحكومات المتعاقبة التي مرت بهم من فشل إلى فشل، ولم تقدم بديلاً للمنوال التنموي الذي كان قائماً قبل الثورة.

ويرى محللون أنّ حركة النهضة الإخوانية قد استخدمت ملف الأموال المصادرة في ابتزاز رجال الأعمال، ووظفته أيضاً في حشد الدعم والتمويل وتبييض الفساد، وتهاونت في استرجاع الأموال المصادرة عبر حكوماتها المتعاقبة.

ومن أبرز الملفات ضمن هذا الإطار ملف "مؤسسة الكرامة القابضة" التي أوكلت إليها مهمة التصرف في الأملاك المصادرة، و"الكرامة القابضة" هي مجموعة تونسية تأسست من نحو (20) شركة ومؤسسة في 2004 من قبل محمد صخر الماطري صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وفي 2011 وبعد هروب مؤسسها إلى الخارج، صادرت الدولة أسهمها، وفي 2012 قررت تغيير صبغتها، وأوكلتها مهمة بيع كل الأملاك المصادرة من عائلة الطرابلسي وزين العابدين بن علي لفائدة الدولة، وأصبحت "الكرامة القابضة" الهيكل الوحيد الذي تمر من خلاله عملية بيع كل الأملاك المصادرة.

 إفلاس عدد من الشركات المصادرة، وتدهور الوضع المالي لعدد آخر

وقال رئيس الجمهورية: "في كانون الأول (ديسمبر) 2010 طالب الشعب التونسي بالشغل والحرية وبالكرامة الوطنية، وبعد ذلك تم إحداث جملة من المؤسسات والوزارات... إلى غير ذلك...، إلى العبث بمقدرات الشعب، ومن بين هذه المؤسسات ما سُمّي بالكرامة القابضة للأملاك المصادرة التي قبضت روح الكرامة وداست الكرامة".

ويرى محللون أنّ حركة النهضة الإخوانية قد استخدمت ملف الأموال المصادرة في ابتزاز رجال الأعمال، ووظفته أيضاً في حشد الدعم والتمويل وتبييض الفساد، وتهاونت في استرجاع الأموال المصادرة عبر حكوماتها المتعاقبة

وأضاف: "ليعلم الشعب التونسي حجم الفساد في هذه المؤسسة، فأحد من كان على رأسها لتحقيق الكرامة المزعومة كان يتمتع بـ (5) سيارات وظيفية، فضلاً عن مقتطعات الوقود المتعلقة بها بكمية جملية قدرها (1500) لتر شهرياً، وأحد القضاة المتقاعدين تم انتدابه (لإدراة المؤسسة) وكان يتقاضى (462) ألف دينار سنوياً، ومن كان يترأس الكرامة كان يتقاضى في العام الواحد (155) ألفاً و(910) دنانير، وأحدهم كان يتقاضى (97) ألفاً و(669) ديناراً، والأجور لا تقلّ عن (100) ألف دينار...، كل هذه الأموال لتحقيق الكرامة".

وتابع رئيس الجمهورية: "إنّها أموال الشعب التونسي، وتم فتح بحث عدلي في الغرض. مليار و(973) مليوناً لفائدة (20) شخصاً في عام واحد، إلى جانب الامتيازات والتجاوزات والتفريط في المؤسسات المصادرة، وما زالوا يصرّون إلى اليوم على العبث بمقدرات الشعب التونسي".

لقد كشف ملف الأموال المصادرة حجم الفساد الذي كان مستشرياً خلال فترة سيطرة حركة النهضة الإخوانية على مفاصل الدولة، وأبان حجم التلاعب الكبير بأموال الشعب التونسي ومقدراته لتحقيق أهداف سياسية وذاتية لا علاقة لها بالشعارات التي ترفعها الحركة حسب مراقبين. فهل يكون ملف الأملاك المصادرة المسمار الأخير في نعش الإخوان في تونس؟

مواضيع ذات صلة:

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

في ذكرى "الثورة"... 13 عاماً من الأزمات والخيبات في دفتر إخوان تونس

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية